الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضم مشكلة إسرائيلية قبل أن تكون فلسطينية

يعقوب بن افرات

2020 / 5 / 22
القضية الفلسطينية


"يختبر التطبيق على الأرض، إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس التحلل من كافة الاتفاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، لأن تطبيق هذه الجملة القصيرة معقد ومكلف للغاية." هكذا بدأت كفاح زبون مقالها في موقع "الشرق الأوسط" يوم 21 مايو 2020 وهي تعبر عن موقف الأغلبية الساحقة من الشارع الفلسطيني الذي يشكك بنوايا محمود عباس، ولم يعد أحد يصدقه لأنه صاح أكثر من مرة "ذئب!.. ذئب..!"، ولم يكن هناك شيء.
إلا أنه وفي ذات الوقت، الكل يصدق مقولته الشهيرة "التنسيق الأمني مقدس" لأنه أمر ملموس على أرض الواقع، والتنسيق الأمني مع الاحتلال مستمر منذ سنوات طويلة على الرغم من كل السياسات العنصرية والعدائية التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين، تمثلت بممارسات استيطانية وقتل متعمد لمواطنين عزل وهدم بيوت ومصادرة أراضي ووقف نقل أموال العائدات الضريبية والجمركية للضفة، والقائمة طويلة مثل أيام الاحتلال نفسه.
ومع توصل نتنياهو وغانتس إلى اتفاق ائتلافي أفضى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، أدت اليمين الدستورية الأسبوع الماضي، ويعتبر مخطط ضم المستوطنات وغور الأردن في الضفة من أهم نقاشات الحكومة الجديدة، باعتبارها قضية تتفاعل في إسرائيل سياسيًا وإعلاميًا، دعت أبو مازن إلى إصدار أوامر بإيقاف التنسيق الأمني.
أهم عوائق الضم إسرائيلية
إلا أن القرار الإسرائيلي المرتقب ببسط القانون الإسرائيلي على المستوطنات وغور الأردن لا يتعلق بما تقوم به السلطة الفلسطينية، لأنه قرار أحادي الجانب لا يتوقف على موافقة الجانب الفلسطيني، وإنما مرتبط بما ستؤل إليه النقاشات الدائرة بين الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية من جانب، وبين نتنياهو من جانب آخر.
واللافت في هذه الحكومة الجديدة قبول مبدأ المناصفة بين اليمين وكاحول لافان المحسوب على المؤسسة الأمنية والجيش، وقبول نتنياهو بعد استفراده لمدة طويلة بالحكم بتقاسم منصبه (رئاسة الوزارء) مع بيني غانتس رئيس الأركان الأسبق، حيث أدى كل من نتنياهو وغانتس اليمين الدستورية على رئاسة الحكومة بالتناوب.
وبما أن موقف بيني غانتس وحليفه غابي اشكنازي، وزير الخارجية الجديد، من الضم يتعارض مع موقف نتنياهو، وتفادياً لحدوث الخلافات المستقبلية في هذا الموضوع (الضم) الذي يحمل أهمية استراتيجية أمنية عالية، فقد دوّن الطرفان في اتفاق الائتلاف الحكومي بين الكتلتين البند 28 ، وهو بند مبهم يعكس طبيعة الخلاف حول موضوع الضم، وينص: "في كل ما يتعلق لإعلان الرئيس ترامب، رئيس الحكومة ورئيس الحكومة البديل سيعملون بموافقة كاملة مع الولايات المتحدة.. وهذا من خلال السعي للحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية لدولة إسرائيل وضرورة الحفاظ على الاستقرار في المنطقة والحفاظ على اتفاقيات السلام".
أما البند 29 الذي يليه يعبر عن موقف نتنياهو وينص على أن: "بعد إجراء حوار ومشاورات بين رئيس الحكومة ورئيس الحكومة بالتناوب حول المبادئ التي تم تفصيلها أعلاه، يمكن لرئيس الحكومة أن يضع التوافق الذي سيحصل مع الولايات المتحدة في موضوع بسط السيادة، على طاولة النقاش في الحكومة المصغرة والحكومة، لإقراره في الحكومة والكنيست".
ومن هنا فموضوع الضم لا يحظى بالإجماع بل يواجه معارضة شديدة من قبل الجيش نفسه. وفي مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 13 أيار/ مايو الجاري، كتب الجنرال المتقاعد عاموس جلعاد، الذي شغل منصب رئيس الدائرة الأمنية والسياسية في وزارة الأمن: "مخطط الضم يشكل ضربة التي سوف تؤدي إلى ضرر كبير للأمن القومي الإسرائيلي.. لا حاجة بالضم لأنه وضعيتنا معروفة وإذا سنضم (مناطق الضفة) سيؤدي ذلك لضعضعة تلك الوضعية". وبكلمات أخرى، الحاجة لعملية الضم ليست أمنية أو إستراتيجية بل حاجة سياسية بامتياز.
مخاوف من انهيار السلطة
وبالنسبة للنتائج الوخيمة التي من الممكن أن تسببها خطة الضم، يقول عاموس جلعاد صراحة: "مهم أن نتذكر بأن السلطة الفلسطينية هي نتاج اتفاقيات بيننا وبين منظمة التحرير الفلسطينية، وفي اللحظة التي لن يكون فيها احتمالات للوصول إلى اتفاق سياسي، لن يبقى هناك داعٍ لوجودها وكل شيء ممكن أن يحدث هناك.. والاحتمال الأكثر واقعية هو أن الضم سيؤدي إلى تفكك السلطة الفلسطينية".
من هنا يمكننا أن ندرك أن أهم يشغل بال نتنياهو هو هل من الممكن ضم المستوطنات دون أن تنهار السلطة الفلسطينية؟
فإذا اعتمد نتنياهو على تجربته مع السلطة الفلسطينية منذ سنة 1996 عندما اندلعت مواجهات على خلفية "أحداث النفق"، قتل خلالها 63 فلسطينيا، ومرورا بانتفاضة 2000، ثم بناء جدار الفصل، ووقف المفاوضات وصولا إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وصفقة القرن، فهو يراهن على أنه مهما قامت إسرائيل بخطوات استفزازية وعدوانية فلن يتنازل أبو مازن عن السلطة ما دام هناك من هو مستعد أن يموّل سلطته.
ليس نتنياهو لوحده الذي يشكك في جدية إعلان أبو مازن. كذلك الشعب الفلسطيني، وبعد تجارب عديدة ومتكررة، فقدَ كل ثقته في الرئيس عباس وبالسلطة الفلسطينية التي لا وظيفة لها سوى الخدمة الأمنية لإسرائيل وإدارة الشؤون المدنية بطريقتها الفاشلة.
وفي هذا الإطار تكمن مشكلة السلطة، في مدى إمكانيتها وقدرتها التحلل من كل الاتفاقيات مع إسرائيل وفي نفس الوقت الاستمرار بوجودها وبقاءها كسلطة؟، والسلطة ناتجة عن تلك الاتفاقيات ولا تتمتع بأدنى مقومات السيادة أو حتى ابسط الإمكانيات المادية من أجل أن تقوم بواجباتها تجاه المواطنين. إن الرد الوحيد الذي من الممكن أن يمنع الضم هو أن تعيد السلطة المفاتيح إلى الاحتلال، وتتخلى عن التنسيق الأمني لتتحمل إسرائيل المسؤولية على 3 مليون مواطن فلسطيني في الضفة الغربية.
هذا هو الكابوس الذي تحذر منه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وهذا ما يخشى منه أيضا الجنرال عاموس جلعاد الذي يتسأل في نهاية مقاله: "ماذا ستكون طبيعة إسرائيل: هل ستكون دولة واحدة من الأردن وحتى المتوسط لن تكون بها أغلبية يهودية؟ هذا تهديد داهم على مستقبلنا".
ومن هنا فمن الممكن أن يراهن أبو مازن على موقف الجيش الإسرائيلي، أو على حزب كاحول لافان، الشريك في الائتلاف الحكومي، أو ربما ينتظر بشرى سارة من أمريكا في حال سقوط ترامب في الانتخابات القادمة بسبب سوء إدارته لازمة كورونا ويحل محاله المرشح الديمقراطي، جو بايدن، الذي عبّر عن معارضته لخطة الضم.
وفي حال تراجع نتنياهو في النهاية عن مخطط الضم ونكث بوعوده الانتخابية وقرر إبقاء الأمور على ما كانت عليه، سيكون هذا الأمر بمثابة طوق النجاة لأبي مازن، ومع حدوث هذا الاحتمال إلا أنه لا يعني ابداً بأن هناك تقدم نحو الدولة المستقلة أو حل الدولتين، أي أن السلطة إذا نجت من مخطط الضم الإسرائيلي هذا لن يخرجها من دورها الوظيفي والمرسوم لها، والذي لا يتجاوز حدود التنسيق الأمني مع الاحتلال.
أي على الرغم من الخلاف الداخلي في إسرائيل حول مسألة الضم هناك في المقابل إجماع على الرفض المطلق بوجود دولة فلسطينية مستقلة ذات السيادة. يقابله إجماع على تبني "صفقة القرن"، وفضلاً عن حماسة نتنياهو إزاء صفقة القرن أعلن زعيما كاحول لفان، غانتس واشكنازي، عن موافقة الحزب على صفقة القرن، وبنظرهما الدولة الفلسطينية الهزيلة وعديمة السيادة والحدود بالحدود التي رسمتها صفقة القرن هي شيء إيجابي وحل أمثل للنزاع. رؤيتهم تنص على بقاء السيطرة الإسرائيلية على المستوطنات وجزء كبير من أرض الضفة مقابل أن تترك للفلسطينيين سلطة ضعيفة على ما تبقى من الأرض.
ما يسعى إليه الجيش الإسرائيلي ومثله الحزب الديمقراطي الأمريكي وكذلك الإتحاد الأوروبي هو تحويل اتفاق أوسلو من اتفاق مؤقت إلى اتفاق دائم. فلا حاجة للضم في الوقت الذي السيادة الفعلية تبقى في يد إسرائيل وفي نفس الوقت يمكن للسلطة الفلسطينية أن تسمي نفسها " دولة فلسطين". وإن مجرد الانتقال من سلطة إلى دولة، من دون ان يرافق ذلك تغيير في الشروط التي حددها اتفاق أوسلو، يعني ذلك القبول بوجود دولة من دون حدود، من دون سيادة فعلية ومربوطة مئة بالمئة بإسرائيل.
نسف مبدأ "حل الدولتين"
إذا كانت هناك علامة استفهام حول ماذا سيفعل نتنياهو فالشيء الأكيد هو أن الضم سيكون ضربة قاضية لأبي مازن وسيضع حدًا لما تبقى من أوهام حول حل الدولتين. قد يكون هذا هو هدف نتنياهو الذي يريد أن يقضي نهائيًا على الجناح الليبرالي الإسرائيلي المتمثل بحل الدولتين. واضح أن موقف نتنياهو أحدث هزة في "الاستقرار"، الذي يتحدث عنه عاموس جلعاد، على الرغم من أن هذا الاستقرار المتمثل بدوام الوضع الحالي على ما هو عليه، فهو مصلحة إسرائيلية أمنيًا واستراتيجيًا.
مع الضم أو من دونه نقترب وبخطوات ثابتة نحو دولة واحدة من النهر الى البحر. طبيعة هذه الدولة متعلقة ليس بما سيفعله الإسرائيليون بل ماذا سيكون رد فعل الفلسطينيين. إن أيام السلطة الفلسطينية تقترب من نهايتها ومعها وهم "دولة فلسطين"، وما سيحل محلها هو نظام ابرتهايد، نظام التفرقة العنصرية، الذي لا بد من مواجهته بطلب واحد وبسيط، one man, one vote بمعنى حقوق متساوية لجميع المواطنين فلسطينيين وإسرائيليين على حد سواء. ربما يبدو هذا الحل بعيدًا ومستحيلًا، لكن الحياة علمتنا بأن دوام الحال من المحال وأن الحاجة هي أمّ الاختراع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف