الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلسل النهاية : العلبة دى فيها فيل !!

أيمن غالى

2020 / 5 / 25
الادب والفن


إعتاد يوسف الشريف فى الدراما التليفزيونية ان يقدم الجديد وان يكون فى منطقة متفردة عن المطروح على الساحة فقدم من قبل مسلسلات : "رقم مجهول" - "اسم مؤقت" - "الصياد" - "لعبة إبليس" - "القيصر" – " كفر دلهاب" . وهذا العام يقدم لنا ضمن الخريطة الدرامية الرمضانية 2020 مسلسل "النهاية" من بطولته وهو أيضا صاحب فكرة المسلسل ، من تأليف / عمرو سمير عاطف ، وإخراج / ياسر سامى .
وهو مسلسل ينتمى من ناحية القالب الفنى لدراما " الخيال العلمى " ومن ناحية المحتوى ينتمى الى أعمال "الديستوبيا" ، فنستطيع تصنيفه انه "ديستوبيا خيال علمى" .
فمبدئيا يعتبر الدخول فى مجال الخيال العلمى مجازفة تتطلب جرأة إنتاجية على عدة مستويات فتكلفة إنتاج اعمال الجرافيك بحرفية عالية مكلفة جدا بالإضافة الى ماتحلمه من مخاطر تسويقية مثل المجازفة بالسير على أرض جديدة غير ممهدة لم تعتد أقدام المتلقى العربى السير عليها من قبل ، والمقارنة بالنموذج الغربى المتفوق تقنيا والسابق تاريخيا عنا والأغنى إنتاجيا ، وتزداد المجازفة حين يكون هذا العمل الدرامى على خريطة المسلسلات الرمضانية التى تتسم إما بالكوميدية العالية او التراجيدية العالية فى حين ان الخيال العلمى يرتكز على النواحى العلمية ويميل الى القضايا الذهنية وفلسفة العلوم وهو مستوى اعمق بكثير من مستوى الافكار الدرامية الانسانية المباشرة والعادية .
وفى البداية أود أن اُلفِتُ النظر إلى أنه ليس العمل الدرامى او الأدبى العربى ولا المصرى الأول فى مجال الخيال العلمى إنما سبق للأدب العربى وللسينما المصرية التعرض للخيال العلمى من قبل لكنه يُعتبر الأول عربيا فى إستخدام حرفيات وتقنيات جرافيكية إحترافية عالية المستوى تقترب من المستوى العالمى ، والجدير بالذكر ان كافة العاملين بالمسلسل فى هذا المجال مصريون فلم يتم الإستعانة بأية خبرات جرافيكية أجنبية .
*- تعود بدايات قصص الخيال العلمي إلى علم الأساطير والميثولوجيا ، وبوادر ظهور الخيال العلمي كانت عند الكاتب لوقيان السميساطي في مؤلفه "قصص حقيقية" فى القرن الثاني للميلاد ، وكذلك في بعض حكايات ألف ليلة وليلة ، بينما يزعم البعض الآخر ظهور ادب الخيال العلمى مع رواية "يوتوبيا" لتوماس مور فى القرن السادس عشر ، ورواية "رجل على القمر" لفرانسيس جودوين فى القرن السابع عشر ، بينما يزعم آخرون ظهوره مع رواية "فرانكنشتاين" و "الرجل الأخير" لمارى شيلى فى القرن التاسع عشر. ومع بداية القرن العشرين زاد انتشاره مع تسارع التقدم العلمى التكنولوجى وما أعقبه من اكتشافات علمية وصناعية كبرى وظهور نظريات علمية هامة مثل نسبية اينشتين وانشطار الذرة والارتقاء لداروين والتحليل النفسى لفرويد والهندسة الوراثية ، وبداية بزوغ دور الولايات المتحدة الامريكية فى المشهد العالمى كقوة امبريالية عظمى وتنافسها مع الامبراطوريات القديمة الاوروبية والاسيوية بعد الحرب العالمية الاولى ثم الحرب العالمية الثانية واستخدام القنبلة الذرية على هورشيما وظهور الكمبيوتر وألعاب الحروب وبرامج الجرافيك ورحلات الفضاء الحقيقية وظهور مؤسسات ابحاث الفضاء واتجاه السينما الى تلك النوعية من الافلام نظرا لرواجها وعائدها المالى الكبير فى ظل منظومة صناعة السينما التجارية الهوليودية الرأسمالية .
وتعود البدايات العربية الاولى له إلى أسطورة حي بن يقظان لابن طفيل ، لكن العرب عرفوا أدب الخيال العلمي بهذه التسمية في ستينيات القرن الماضي، وذلك من خلال "توفيق الحكيم" فى قصة "رحلة إلى الغد" وقصة"في سنة مليون" ورواية "العنكبوت" لمصطفى محمود، ثم روايته "رجل تحت الصفر" ، ورواية "قاهر الزمن" لنهاد شريف، وقد تحولت هذه الرواية إلى فيلم سينمائي، وروايات "محطة الفضاء - كوكب الأحلام - العابرون خلف الشمس" لرؤوف وصفي، وثلاثية فودو ل د.نبيل فاروق ، وهناك أيضا طالب عمران وله بعض الأعمال تصل الى 80 كتابا ما بين الدراسة والابداع فى المجال العلمي والخيال العلمي
*- والخيال العلمى نوع من الدراما غالبا مايميل فى محتواه الى القضايا الذهنية والفلسفية خصوصا فلسفة العلوم لذا إرتبط منذ بداياته الاولى بفكرة المدينة الفاضلة "يوتوبيا" التى ظهرت اولا كفكرة فلسفية واجتماعية على يد افلاطون ثم روائيا على يد توماس مور فى القرن السادس عشر مرورا بأشهر روايات المدينة الفاضلة لويلزبالانتقال عبر الزمن ، وبعدها وكرد فعل ظهرت روايات المدينة الفاسدة "ديستوبيا" فى القرن العشرين مثل روايات "عالم جديد رائع" لألدوس هكسلي ثم رواية "ارض تحت انجلترا" لجيمس اونيل ثم رواية "ليلة الصليب المعكوف" لكاثرين بيردكين وصولا الى رواية "451 فهرنهايت" لراي برادبوري حتى نصل لأشهر روايات الديستوبيا وهى رواية "1984" لجورج أورويل .
فالخيال العلمى هو مجرد قالب او إطار فنى ثرى وواسع ومرن يتشكل بسهولة وفق المحتوى الموضوعى الذى يوضع فيه سواء كان توباويا ام ديستوبيا . ونتيجة لمرونة هذا الإطار الفنى إستطاع إستيعاب وتمرير محتوى القضايا الإنسانية الكبرى ، ومالت معظم هذه النوعية من الاعمال الى القضايا الانسانية العامة حيث تعتبر روايات اليوتوبيا والديستوبيا محاولات لطرح واقع بديل سواء خيالى او تخمينى استشرافى للمستقبل تهدف الى نقد وتفكيك الواقع الانسانى المعاصر بل وإعادة تفكيك بنية النظرية المعرفية الانسانية كلها وجدواها ، لذا اهتمت هذه النوعية وتمحورت حول عدة قضايا معرفية عامة مثل قضايا التمييز العرقى ورفض النزعات القومية والدعوة الى الثورة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والإغتراب الوجودى للإنسان المعاصر ، وتناولت مضامين الرواية القديمة ضمن مكوناتها واستخدمتها لعوالمها الجديدة لتحقق مدى أوسع للانتشار ، وتناولت مفاهيم العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية السياسية وأثر التطور التكنولوجى فى التمركز الهائل للقوة والسلطة فى يد النخبة وفضح ممارسات الدولة الشمولية السلطوية للسيطرة على الفرد من خلال استخدام الاعلام والدين فى التزييف المستمر للتاريخ والتنميط والتشابه والاستنساخ وتغيير الوعى وتعديل السلوك ودفع الفرد نحو الاستهلاكية بعمليات غسيل الدماغ الإعلامية والقمع واحتكار الدولة للفكر والتفكير .
وظهر مفهوم او مصطلح "الاخ الاكبر" المراقب للجميع باستخدام تكنولوجيا التجسس والمراقبة وتكنولوجيا العلاج السلوكى العكسي وتحويل الفرد الانسان الى مجرد رقم فى المنظومة والمصفوفة العالمية ، وعلى الناحية الأخرى ظهرت فكرة "المُخَلِص المُنتظَر" الذى يحاول تحقيق الفكرة التوباوية بالثورة على النظم الديستوبية وهدمها .
*- وهذه المقدمة التاريخية والفنية هى مدخلنا النقدى لمسلسل النهاية ، لمحاولة تحليل بنيته الفنية الدرامية ومدى تناغمها ومنطقية حبكتها الدرامية وتناسبها مع المحتوى الموضوعى للمسلسل فى محاولة للإجابة عن السؤال الأهم فنيا وهو "إلى أى مدى نجح القالب والبناء الفنى لمسلسل النهاية فى توصيل محتواه الموضوعى ؟" .
* فبإختصار مُبَسَّط يمكن تعريف عملية العرض والتلقى الفنى من زاوية علوم الاتصال الجماهيرى على أنه عملية توصيل مُحتوى ما من خلال قالب فنى محدد .. فالقالب الفنى هو باب المرور ووسيلة النقل التى يَعبُر منها المحتوى الى المتلقى .. وبديهى ان يكون هذا القالب الفنى متناسبا مع محتواه على كافة المستويات .. اى ان القالب الفنى متغير فى سماته وملامحه وطبيعته وفق سمات وطبيعة وحجم وقيمة المحتوى الموضوعى الذى يُمَرَر من خلاله .. وفى الخيال العلمى تحديدا يرتبط الشكل بعلاقة عضوية مع المحتوى ، فهو ليس مجرد عنصر جمالى فقط وإنما ملامح وطبيعة جماليته هى جزء من صلب المحتوى الدرامى .
وفى مسلسل النهاية الذى اختار قالب الخيال العلمى كشكل فنى إختار منهج الواقعية المستشرفة او المتخيلة مستقبليا وإختار ان تكون واقعية بنيوية وليست تفكيكية فالحبكة الدرامية حبكة تحاول ان تكون واقعية بنائية من خلال شخصيات وأحداث ممتدة ومتطورة واقعيا فى تتابع زمنى واقعى حتى لو لجأت أحيانا إلى اسلوب "الفلاش باك" لكى تكمل بنائية الحبكة الدرامية لها ، فهى ليست خيالية حلمية وانما هى تخيل مستقبلى لتطور الواقع اى انها تلتزم بشروط الواقعية ومنطقية تطورها ، وإختار المسلسل ان يكون المحتوى منتميا الى "المدينة الديستوبية" متماساً مع قضايا ميثيولوجية تنعكس على الموضوع سياسيا وفكريا داخل نطاق القضايا العربية – اليهودية ، بكل روابطها وإسقاطاتها على الاوضاع المصرية الداخلية أيضا .
وبداية تحليلنا الفنى ستكون من مدخل وصفى للبنية الدرامية السردية للمسلسل فهى بنية محاطة بأجواء كثيرة من الغموض واعتمدت على زيادة عنصر التشويق للاحداث (كعادة اعمال يوسف الشريف) وهو اسلوب تسويقى تشويقى يهدف الى جعل المشاهد مستمر فى ارتباطه بمتابعة المسلسل يوميا رغبة منه فى فك شفراتها الغامضة ، ولكن كما يقال فى المثل الشعبى فكل شيىء إن زاد عن حده إنقلب الى ضده . ويبدو ان المسلسل لم يكتفِ بغموض وغرابة قالب الخيال العلمى فى حد ذاته خصوصا على المتلقى العربى لكنه أصر على زيادة مساحة الألغاز والأسرار والشفرات ، مما خلق مساحات من التشويق الذى يصل الى درجة القلق والتوتر السلبى داخل عملية التلقى افقدها الكثير من تواصلها الايجابى مع الجمهور حتى وإن كان نجح تسويقيا فى ربط وإرتباط المشاهد به لكنه إرتباط سلبى حيث جعل الجمهور يتابعه ليس بغرض المتعة (الفنية او الذهنية) وإنما بحالة من الترصد والتصيد والترقب فتحولت حالة التلقى الى مايشبه حالات تلقى الدراما البوليسية وحل الألغاز ، مما شوشر على هدفها الموضوعى الرئيسى السياسى والفكرى وحولها الى هدف التسلية والترفيه يشبه حل الكلمات المتقاطعة ، فالغموض المبالغ فيه لدرجة وصلت للإلغاز ادت الى تحويل هدف التلقى من هدف محاولة فهم أبعاد المؤامرة الماسونية الى هدف الإثارة والتسلية وحل الكلمات المتقاطعة بما يتعارض تماما مع طبيعة القضية المطروحة ، فالمسلسل فيما يطرح فكرة التخفى والخداع الماسونى او النظم العالمية الجديدة بأساليب التمويه والشوشرة على الوعى وتسطيحه وتزييفه فى حين انه نفسه كمسلسل يقوم بنفس الآليات فيمارسها فنيا على حالة التلقى فيزيد من غموضها وإرباكها بالإلغاز الزائد عن الحد والشوشرة عليها وتسطيحها لدرجة تقترب الى هدف التسلية والإثارة أكثر من إتجاهها الى هدف التفسير والتحليل والفهم العقلى للموضوع . والغموض الزائد والإلغاز المبالغ فيه هو أول ملامح تهافت وحيود القالب الفنى وإنحرافه عن محتواه الموضوعى .
*- الملمح الثانى الظاهر فى القالب الفنى هو تشعب الدلالات الفنية وكثرة تقاطعها التى أدت إلى عدم فهم المتلقى لمبررات حبكتها الدرامية فى البداية ففقد تواصله الفنى مع المسلسل رغم انتهاج المسلسل المنهج الواقعى البنيوى كما وضحنا سابقاً !! فعلى سبيل المثال فقر وتخلف حال اهل المدينة الواضح فى قِدَم وعتاقة مبانيها وفقر ملابسهم وتخلف ادواتهم وفى نفس الوقت نرى تقدما تكنولوجيا فى كل مفردات اماكن مثل انرجى كو والواحة !! .. وان كان ذلك دالا على احتكار العلم والتعليم والتكنولوجيا وحجبها عن سكان المدينة لضمان السيطرة فكيف لنا ان نقتنع بأن صباح وعزيز رغم فقر وتخلف ظروفهم الحياتية يستخدمون تكنولوجيا وبرامج عالية المستوى فى تصنيع الريبوت زين وفى نفس الوقت توجد أدوات فى منتهى البدائية فى عملية التصنيع !!! وكيف تحول العالم من نظام العملات المالية الى نظام مكعبات الطاقة الذى يلزمه تطور النظم التكنولوجية عامة فى كل المجتمع وكل مناحى الحياة وكيف لنا ان نقتنع بثبات وضع المدينة على حالها من التخلف التكنولوجى واستخدامهم ادوات !! وهذا التشعب والإكثار من الدلالات أدى الى إما فقدان فهم الدلالات وإما عدم الإقتناع بحبكتها الدرامية ، وبالتالى أدى إلى التشتيت وفقدان المسلسل القدرة على التركيز والوضوح فى مقاصد محتواه الموضوعى .
*- اختلاف طبيعة بناء الشخصيات الرئيسية وإختلاف منهجية بنائها دراميا مابين البنائية الواقعية والبنائية الرمزية حيث نجد نوعين من الشخصيات النوع الاول تم بناؤه بناءاً واقعيا فكان لها ماضي وتاريخ نفسي واجتماعي يحدد ويبرر سلوكها فى الاحداث مثل شخصيات المهندس زين ووالد صديقه وصباح وعزيز وسعادة ويسر وعائلة ارسلان ومجموعة الاطفال والمحروقى ورجاله والصحفى المصرى ، ونوع ثانى من الشخصيات جاء بناؤها رمزي بلا ماضٍ اجتماعى وبلا دوافع نفسية شخصية وإنما يتحدد سلوكهم فى الأحداث بناء على دلالتها الرمزية فى المحتوى مثل شخصيات شيرا وغفران ورئيس الامن والمهندس شاكر وطاقم مهندسى الواحة ومعظم المسيطرين على مجتمع انرجى كو والواحة ، فى حين جاء بناء شخصية المنتظرالمختار او المخلص الماسون الاكبر "إياد نصار" خليطا من الواقعية والرمزية ، فتم خلق ماضٍ تاريخى لها ممتد من القدم من خلال الصور فى التحقيق الصحفى وفى نفس الوقت تحركت الشخصية فى سلوكها وفقا لدلالاتها الرمزية فى المحتوى ،
وهذا التنوع او الإختلاف فى منهجية بناء الشخصيات خلق نوعا من إرتباك عملية تلقى وتفاعل المُشاهِد نفسيا وذهنيا معها وأدى إلى ضعف إقتناعه بحبكتها الدرامية مما صعب عليه فهم دلالاتها الموضوعية ففقد المسلسل جزءً كبيرا من دلالاته وقوة إقناعه بمحتواه نتيجة عدم توحيد منهجية بناء الشخصيات .
ومما زاد حالة الإرتباك فى التلقى هو إرتباك الممثلين أنفسهم وخلطهم وعدم تدقيقهم فى مداخلهم التمثيلية لتلك الشخصيات ، فظهر الكثير من الممثلين غير مدركين لفروق بناء الشخصيات منهجيا مما يقتضيه من اختلاف المداخل التمثيلية لها ، فشخصيات مجتمع انرجى كو والواحة هى شخصيات رمزية داخل سياق رمزى وليس سياقا واقعيا ، وبالتالى فشخصياته فاقدة لدوافعها النفسية والاجتماعية الواقعية فتتحرك بلا دوافع نفسية وانما شخصيات مدفوعة فقط وفق بنية وأهداف المحتوى الفكرى والمفروض ان ينعكس هذا المنهج على أداء الممثلين والمفترض ان يكون المدخل التمثيلى لأداء هذه الشخصيات هو المدخل الرمزى – التجريدى بما يتفق مع منهجية بناء تلك الشخصيات وقد إلتزم بعض الممثلين بذلك مثل (سوسن بدر/شيرا - ايمن الشيوى /غفران – سارة عادل/سليمة – محمود مرزبان/المهندس شاكر – باسم مغنية/ادهم – زكى فطين عبد الوهاب /قائد الامن) فجاء أداؤهم جامد الملامح مجردا من المشاعر الشخصية منزوع العاطفة قدر الامكان ، أداء تعبيرى وفق مايقتضيه معنى الترميز فى الشخصية ، وليس من منطلق انفعالات نفسية طبيعية او واقعية . وهو نوع من الاداء قد ينطوى على مجازفة شخصية من الممثل لإحتمال عدم إستيعاب وفهم الجمهور طبيعة ادوارهم . فتحية تقدير لهم على وعيهم الفنى وجرأتهم فيه وإصرارهم على الإلتزام بالمنهجية الفنية والإبتعاد عن الشعبوية الجماهيرية ، فى حين جاء أداء بعض الممثلين عكس ماتقتضيه منهجية ادوارهم وأولهم الفنان الكبير احمد وفيق/مؤنس فأدى الشخصية من مدخل واقعى جدا (وهوعكس منهج بناء الشخصية وخارج الإطارالمنهجى المرسوم لها) والمفارقة انه أداها بقدر كبير من الواقعية فى الانفعال وردود الفعل وبحرفية عالية وهو مايحسب عليه وليس له . اما سهر الصايغ/صباح فأدت الشخصية بشكل واقعى داخل منهجية الشخصية فشخصيتها داخل سياق الشخصيات الواقعية لكن نقصها ان تغلف حالتها النفسية بلمحة ولو طفيفة من الإضطراب النفسى وفق طبيعة بناء شخصيتها لكنها أجادت فى أدائها . جاء أداء محمد لطفى/المحروقى أداء كاريكاتورى سطحى فاقد للملامح النفسية للشخصية معتمد على صوت بديل لا علاقة له بطبيعة الشخصية واحادى التون الصوتى والانفعالى . أما الثنائى الفنان النجم/عمرو عبد الجليل والممثل الكوميدي الصاعد محمد الليثى كعادتهما كانا المساحة الكوميدية التى تحاول شد إيقاع العمل بحضوهما الكوميدى العالى وكان اداؤهما منهجيا متسقا مع بناء شخصياتهما . أما عن أداء بطل المسلسل يوسف الشريف/ زين الانسان وزين الريبوت فبإختصار لم نشعر بفارق تمثيلى بينهما فأدائه لشخصية زين البشرى كان ضعيفا باهتا جامدا مما انعكس سلبا على ايقاع المسلسل كله .
*- وعلى مستوى العناصر البصرية نجح المسلسل فى طرح تصور بصرى مستقبلى سواء من ناحية تصميم الديكور وتصميم الملابس والاكسسوارات والادوات مستعينا بالمؤثرات الجرافيكية العالية التقنية وبشكل احترافى يقترب من المستوى العالمى فى بعض المناطق مما كان من أهم عوامل قوة المسلسل ، لكن هذا التصور البصرى مال الى الطابع التجريدى وقد يكون ذلك نوعا من الإستسهال التنفيذى بالهروب من التفاصيل البصرية الدقيقة ، وقد يكون محاولة من المخرج لإفساح المجال للدراما السردية (النصية) أن تتصدر المشهد بعدم الشوشرة عليها بتفاصيل بصرية كثيرة ، ورغم الحرفية العالية فى تنفيذ المؤثرات البصرية لكن تجريدها وإختزالها قلل من جرعة الإبهار البصرى التى طالما تميزت بها دراما الخيال العلمى بل ترتكز عليها إرتكازا محوريا كعنصر فنى إيهامى شديد الثراء وشديد الإبهار بتفاصيله البصرية القادرة على إثارة خيال المتلقى ودخوله فى حالة إيهام كامل بواقعية المستقبل البصرى الذى يشاهده ، ممايزيد من قناعته بمنطقية وواقعية الدراما السردية ، خصوصا ان الميل التجريدى لم يضف اى دلالات موضوعية جديدة وانما كان تجريدا اختزاليا تبسيطيا للشكل فقط فيما عدا بعض الرموز الدلالية المجردة مثل استخدام موتيفات المثلث وموتيفات الشعلة والعين الماسونية على إستحياء ، فعنصر الخيال البصرى الثرى والمُبهِر فى دراما الخيال العلمى ليس مجرد عنصر جمالي فقط فالخيال البصرى هو الطاقة أو القدرة التي تحيل الصورة إلى جسد حي له شخصية مميزة وملموسة مادياً من خلال علاقات حيوية عضوية بين الخيال البصرى والواقع السردى ينتج عنها تراكب وتداخل العنصرين مما يولد طاقة كبيرة قادرة على حمل الكثير من الدلالات الموضوعية ، خصوصا وأن الدراما السردية فى المسلسل تتبع منهج البنيوية الواقعية فى تطور الاحداث والشخصيات ، فأدى الإختلاف المنهجى بين التجريد البصرى (الإختزالى) والواقعية السردية الى خلق نوع من عدم التجانس فى آليات التلقى وعدم والتفاعل العضوى بينهما مما أضعف عملية التلقى وافقدها جزءاً كبيراً من حيويتها وديناميتها.
- وأيضا من الناحية البصرية اللونية يمكننا ان نرصد انقسام السياقات اللونية الى سياقات او حزمات لونية رئيسية : الاول سياق لونى خاص بمناطق وملابس "انرجى كو" و "الواحة" ككيانين ممثلين للانظمة الحاكمة والأغنياء أصحاب النفوذ المالى مابين درجات الاسود والابيض بالتضاد المعكوس بينهما ،
وسياق لونى يميز اماكن المدينة والشوارع وشخصياتها تطغى عليه مسحة من اللون الاصفر او البنى الباهت الذى يعطى انطباعا بالقدم والصور القديمة وارتباطها بالتاريخ والزمن والضعف والفقر ،
وسياق لونى ثالث يظهر فى الجوانب العلمية والشاشات الضوئية ويطغى عليه اللون الازرق دال ايضا تعبيريا على العالم الحُلمى والخيالى المستقبلى واحيانا يتخلله اللون الاحمر بما له من سخونة ويوحى بصراع غريزى شهوانى نفعى ،
وسياق رابع هو اماكن (جرين كو) بلونها الاخضر وملابسهم الزيتى الأقرب الى الزى العسكرى ،
ونجحت هذه السياقات البصرية اللونية فى الاشارة والتحديد الواضح لملامح وطبيعة كتل الصراع الدرامى بالمسلسل وتقسيمه وفق معطيات القوة والسلطة والطبقية الاجتماعية ووفق قدر امتلاكها للعلم والتقدم التكنولوجى وامتلاكهم للمال وإنتمائهم لمراكز السلطة وربطتها مباشرة بالقطبية الزمنية التى اشرنا إليها من قبل ، فنجد ان المدينة "القدس" ببعدها الزمنى والتاريخى المنعكس فى بهوتها وركودها امام تطور وتقدم الزمن فى حالة من "النسيان التاريخى" تقع مابين كتلتين تتصارعان صراعا تكنولوجيا واقتصاديا كتلتين تتلاقيان فى المصالح فهما فى النهاية وجهان لعملة واحدة "أنظمة ديستوبية" رغم التضاد اللونى المعكوس بينهما .
ففى العموم تميزت العناصر البصرية بالحرفية والتقنية العالية المستوى لكنها لم تكن على نفس القدر من التميز من ناحية الابداع والإبتكار البصرى فلم تبتكر نماذجا بصرية جديدة أوخاصة او تخلق آلات او مركبات او ادوات واكسسوارات جديدة وإنما جاءت محاكية لما وصل إليه الغرب من ابتكارات لتلك النماذج البصرية فى مجال الخيال العلمى ، فجاءت قديمة ومستهلَكة التصميم ، فضعف اثرها الفنى ولم تتجاوز المحاكاة والتشابه الشكلى مع النماذج الغربية برغم علو مستواها التقنى فى التنفيذ .
ففى النهاية جاء بناء الشخصيات دراميا ضعيفا متهافتا ليس له عمق تاريخى اجتماعى او نفسى كافٍ ومالت الى الترميز الفكرى وابتعدت عن واقعيتها فجاءت شخصيات سطحية قليلة العمق دراميا قليلة الفعالية قليلة المصداقية مهما حاول المسلسل من تحميلها من افكار ذات عمق موضوعى فلن تستطيع بضعفها هذا حمل هذه الافكار والتفسيرات المبهمة وتوصيلها بشكل جيد خصوصا مع إرتباك مداخل الممثلين فى أدائها.
*- ومن ناحية بناء الاحداث وتطورها فى السياق الدرامى نجد هناك سياقين من الاحداث الاول هو أحداث تتناول علاقات الكتل المتصارعة على السلطة وعلى الحكم وعلاقات الارتباط النفعى بينها وعلاقاتها الرمزية بالأصل المثيولوجى لأسطورة الماسونية ويغلب عليها الطابع الرمزى الذهنى المرتبط بدلالاتها وفق المحتوى الموضوعى للمسلسل (الماسونية)
اما السياق الثانى للأحداث فهو يدور فى نطاق العلاقات الشخصية بين بعض الشخصيات مثل علاقة غيرة نسائية بين رضوى زوجة زين والفتاة صباح – وعلاقة الريبوت زين بصباح – وعلاقة الريبوت زين بمساعده سماحة – وعلاقة زين بوالد صاحبه ، وغلب عليها الطابع الواقعى البنيوي
مما أربك أيضا عملية التلقى للاحداث نتيجة عدم انسجام او تجانس الاسلوبين داخل نسيج الدراما .
.- ومن ناحية اخرى كان تقدم الاحداث بطيئا جدا فى العشر حلقات الاولى او لمنتصف الحلقات وانشغل المسلسل بإلقاء خلفيات وصفية لطبيعة الاجواء التى ستدور بها هذه الاحداث بشكل وصفى وليس تفاعلى خَلَى من احداث فاعلة متجددة .. ومن ناحية اخرى اسهبت الدراما فى وصف والغوص فى العلاقات الشخصية خصوصا فى علاقة الغيرة النسائية بين صباح وبين زوجة زين فإبتعد المسلسل عن محور محتواه الاصلى ..وكذلك غوصه فى تفسير كيف وصلت مذكرات الصحفى الى يد المهندس زين فى الواحة فإنتقل الى فلاش باك لمدة حوالى ثلاث حلقات كاملة كأنها فاصل درامى كامل حكائى لمجرد تفسير نقطة جانبية على مستوى المضمون ، فطابع إنشغال الأحداث وإستغراقها فى تفاصيل جانبية وثانوية أدى إلى ترهل الإيقاع العام للمسلسل وإنحراف السرد الدرامى عن أهداف محتواه الرئيسية .
.- تخلل احداث المسلسل صوت حكى وتعليق خارجى مصاحب للحدث يقوم بالتعليق وتفسير الاحداث مسهبا فى طرح احتمالات وتفسيرات الحدث وهو فى حد ذاته أداة فى منتهى الضعف الفنى وأداة تدل على فشل الأحداث الحية التفاعلية للدراما فى توصيل المعنى واحتياجها لمفسر خارجى مباشر .
***- ومما سبق وقد حاولنا تحليل طبيعة اهم المفردات الفنية للمسلسل نأتى إلى لُب الموضوع وهو المحتوى الدرامى المحمول داخل هذه العناصر الفنية ، القضية الفكرية والذهنية لهذا العمل وهل تم توصيلها بنجاح ام لا ؟
منذ المشهد الاول للمسلسل نجده قد إنطلق من زاوية الاسطورة المثيولوجية من خلال الأب المعلم الاول وحكاية ميلاد النور من الظلام وربط العلم والمعرفة بمفهوم النور بما يتماس مع العديد من المنطلقات المثيولوجية . فللوهلة الاولى نرتبط بالبعد التاريخى والاسطورى المعرفى المستند على المفاهيم الدينية ، وحين نجد ان المدينة المختارة للأحداث هى القدس التى هى ملتقى المقدسات الدينية ثم مرور الاحداث على موضوع حرب تحرير القدس التى سبقت زمن المسلسل المستقبلى بما يتوازى مع الموروث الدينى فى الاديان السماوية جميعها التى بشرت بحرب نهاية الزمان التى سيكون اليهود فيها طرفا رئيسيا ثم وصول الأحداث مباشرة لأسطورة الماسونية ومحاولة إسقاطها وإيجاد أبعاد وظواهر واقعية لها وإستحدام اللغة المصرية كلغة لكل الشخصيات رغم ان المكان هو القدس مما يمد جسور الإسقاط السياسى على الواقع الحالى على المستوى المحلى والعربى والعالمى ، ومحاولة النظم وأنظمة الحكم العالمية الجديدة فى ممارسة الاحتكارية التكنولوجية والمعلوماتية وتوظيفها نفعيا لخدمة قلة تمتلك مصادر القوة والنفوذ والمال فى السيطرة على الشعوب وعلاقة التنظيم الماسونى (اليهودى الميلاد) بهذه المؤامرة العالمية ، ، وهو مايربط موضوعيا بين قضية الوضع المصرى بخلفية عالمية لها علاقة باليهود الاسرائيليين وفلسطين ، وإذا حللنا كتل الصراع الدرامى بالمسلسل على هاتين الأرضيتين وعلاقة نظام الحكم الإحتلالى فى "القدس !" بالواقع الحالى وإرتباطاته بالممارسات الاقتصادية التجارية للجيوش العسكرية وعلاقتها بالحكم نجد تفسيرات واسعة بين شركة (انرجى كو وجرين كو) كجناح عسكرى وآخر تجارى وبين تفسير مفهوم (الواحة) كمكان معزول ومحصن ومنيع لصفوة المجتمع وأغنيائه ورجال أعماله ومحاولات السلطة الحاكمة لإحتكار وخصخصة العلم بالتعليم الإنتقائى ، ومفهوم "الوعى" وفكرة ان الوعى سلعة يمكن تخزينها ونقلها وزرعها لمزيد من السيطرة على سلوك المحكومين وضمان ولائهم وتأييدهم الحشدى المطلق للسلطة وفكرة إفقار الشعوب وإضعافهم لكى لايكون لهم اى فرصة للقيام بعمل تمردى او ثورى .
فنحن فى النهاية امام عمل فنى يتناول قضايا فكرية وسياسية ضخمة وشديدة التفاصيل ومتعددة الإرتباط بالعديد من المرجعيات (التاريخية – المثيولوجية – الفكرية – السياسية ) ، فهل إستطاع المسلسل بهذا البناء الدرامى المتهافت والمُشتَت والمُلغِز والمتضارب فى كافة أعمدة بنائه الفني ان يوصل مضامين محتواه الموضوعى بشكل جيد او حتى كافٍ ؟!!
ففى النهاية ليست غرابة المحتوى وليست ضخامة المحتوى كافية وحدها لتعلية القيمة الفنية للعمل الفنى وليست وحدها كافية لخلق تفاعل حقيقى مع المتلقى سواء كان تفاعلا جماهيريا او حتى نخبويا ، وأيضا ليست غرابة الشكل والقالب وحدها كفيلة بخلق هذا التفاعل ،، الأهم هو التناسب والتناغم بين الشكل والقالب الفنى وبين محتواه الموضوعى ، فالمسلسل أتى بقضايا اعمق واكبر وأثقل كثيرا من ان يستوعبها القالب الفنى الهَش وأراد ان يمررها من خلاله !! ، فمن البديهى اننا لانستطيع وضع "فيل" فى علبة صغيرة ثم نقول "العلبة دى فيها فيل" !! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/