الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضيحة الإطاحة بكوربين من رئاسة حزب العمال البريطاني

سعيد مضيه

2020 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تقرير من حزب العمال يفضح أسرار الإطاحة بكوربين والحزب ملغم بيمينيين
حزب العمال البريطاني معقد في عضويته يضم لجانا عدة، التنفيذي منها يشغله انصار بلير . كريغ موراي كاتب وإذاعي شغل منصب سفير بريطانيا بين عامي 2002 و2004 ، وعمل محاضرا بجامعة دوندي من 2007 حتى 2010. طالع موراي تقريرا من 851صفحة أصدرته لجنة المساواة وحقوق الإنسان داخل الحزب ، سجل وقائع تدين هيئة الإذاعة البريطانية بالتحيز لإسرائيل ضد الفلسطينيين. قال ان هيئة حزب العمال البريطاني التي نظرت في الشكاوى بصدد العداء لليهود داخل الحزب تضم أكثرية مناهضة لكوربين ، رئيس الحزب، واظهرت عدم كفاءة في متابعة الشكاوى بصدد وجود أقلية معادية لليهود(لاسامية) داخل الحزب. وقد حاول رئيس الحزب الحالي/ كير ستامر إخفاء التقرير نظرا لما كشف من فضائح اهمها المؤامرة للإطاحة بكوربين. والمعروف ان انتخاب كوربين رئيسا للحزب قوبل بهجوم مضاد شاركت فيه جميع الصحف البريطانية، حتى اكثرها ليبرالية مثل الغارديان. واعلن جنرال بالجيش انه مستعد للقيام بانقلاب عسكري إذا انتخب كوربين رئيسا للحكومة، ولم يتخذ ضده إجراء. كل ذلك وغيره الكثير يبين أن "الديمقراطية" البرجوازية لا تهادن حتى مجرد احتمال تسلم الحكم غير عملاء الاحتكارات البريطانية والدولية. كما ان بومبيو أعلن على المكشوف العمل لإسقاط كوربين وحزب العمال في الانتخابات التي أجريت قبل أشهر . وحرص كير ستامر ، أثناء انتخاب رئاسة الحزب،على التصريح بان انتقاد حكومة إسرائيل يعتبر لاسامية ، فانتخب بسهولة وهنأه بالفوز الصهاينة في بريطانيا وخارجها.
يقول الباحث، كريغ موراي، انني فرغت من قراءة جميع صفحات التقرير وعددها 851 صفحة ، وكان التقرير قد طوي في الأرشيف وسربت أجزاء منه . التقرير وثيقة هامة وأساسية لفهم نقطة تحول كبرى في التاريخ البريطاني، حيث فشلت الاشتراكية الديمقراطية في شمال أوروبا في إعادة توطيد ذاتها بالمملكة المتحدة. كما ان التقرير ينطوي على قيمة واضحة باعتباره شهادة لصالح لجنة المساواة وحقوق الإنسان بالحزب في التقصي الذي أجرته حول اللاسامية داخل حزب العمال.
يبدو أن كير ستارمر ، القائد الجديد لحزب العمال خلفا لجيريمي كوربين، مهتم بإخفاء التقرير اكثر من اهتمامه بالتجاوب مع إنذارات كشف عنها التقرير. وانا لست معاديا لستارمر.
ماهي النقاط المفتاحية التي نتعلمها من تقرير لجنة التقصي؟ اولا ، يوجد بالفعل داخل حزب العمال البريطاني أفراد لاساميون بصورة صادمة لا خلاف حولها. وصحيح أيضا ان طريقة التعامل مع هؤلاء الأعضاء تغافلت عن تصرفاتهم طوال أشهر وربما سنوات. واهتم التقرير في الكثير من أجزائه بمعرفة خطأ الحزب في صرف الانتباه عن الأنشطة اللاسامية.
والتقرير يدحض بشكل قاطع اتهام قائد الحزب السابق، كوربين، او مكتبه بإعاقة الاهتمام بنشاط اللاسامية؛ والصحيح عكس ذلك تماما، فقد أظهر مكتب كوربين كراهية خاصة للاسامية، نظرا لكونه يكره التمييز على أساس الدين أو الطائفة أو العرق. يظهر التقرير عجزا خطيرا في التمييز بين اللاسامية القذرة الحقيقية وبين معارضة سياسات إسرائيل. علاوة على أن هذا موقف واضعي التقرير أنفسهم ، أولئك الذين اعتبروا في عشرات الأمثلة من المسلمات ان تهم اللاسامية كافية للبرهنة على كراهية اليهود، وقبلت عددا من الآراء كبرهان على اللاسامية، وهي ليست كذلك. وهذا يثبت ان اللجنة ليست متحيزة لكوربين.
ضد كوربين
بالطبع كشف التقرير بصورة مذهلة أن هيئة أركان حزب العمال تضم أكثرية ساحقة من اليمينيين المعادين لكوربين ، ورغبوا من صميم قلوبهم انتصار حزب المحافظين في الانتخابات لكي يتخلصوا من قيادة كوربين. وقضية جون ماكتيرّان بالغة الدلالة. فقد كتب عدة مقالات بجريدة ديلي تيليغراف امتدح فيها حزب المحافظين البريطاني، وهاجم حزب العمال؛ لكن الهيئة الحاكمة والوحدة القانونية داخل هيئة الأركان رفضت اتخاذ إجراءات ضده. في نهاية الأمر اتُخذ إجراءٌ عندما كتب مقالة تحث حزب المحافظين على "سحق النقابيين في سكك الحديد" بسبب تعطيل عمل الشركات الخاصة في خطوط السكك الحديدية ؛ غير ان الإجراء المتخذ كان توقيف عضو طالب إخراج ماكتيران من الحزب بسبب دعمه حزب المحافظين(صفحة 140 من التقرير).
في هذه الأثناء تورط ماكتيران في العمل الجديد، وكان مندوبا في مؤتمر الحزب لعام 2016 ونقل عنه خواطر على موقع تويتر وغيره منذ 25 تموز استعمل لغة جارحة ضد أعضاء حزب العمال ممن انتخبوا كوربين لرئاسة الحزب، حيث وصفهم "بلداء"؛ ومرتين كتب على تويتر ان كوربين "خائن"، ووصف أنصاره ب "العنصريين"؛ وطلب من عضو برلماني ان عليه القدوم الى بيكهام ليقول أن كوربين "يجلس في حضن بوتين، محب للارهابيين، كاره لترايدنت". وكتب في صحيفة ديلي تيليغراف ان جميع أنصار كوربين هم " محرضو شغب على النيت". لم يُتخذ إجراءٌ ضد ماكتيران. وفي 18 آب أقدم دان هوغان، على تقديم شكوى ضد عمر باغيلي، الذي رد على مقالة كتبها ماكتيران يطالب ب "سحق نقابة سكك الحديد مرة وإلى الأبد"، وقال في خاطرة على تويتر "حقا ماكتيران لماذا لم تحصل على عضوية حزب المحافظين. فالحزب يقف ضد النقابات ويناصر الخصخصة مثلك". وبالفعل جرى تجميد عضوية باغيلي بسبب "الإساءة لعضو الحزب." وفي تلك الأثناء جرى طرد أعضاء يساريين من حزب العمال ، لأنهم قبل سنوات من الانضمام للحزب نادوا بالتصويت لحزب الخضر ، او لأنهم اطلقوا تسمية "دعاة الحروب" على كل من أيد غزو العراق.
ابدى التقرير عناية كبيرة بفشل الهيئة الحاكمة والوحدة القانونية داخل حزب العمال اتخاذ إجراءات ضد من اتهموا باللاسامية لأن الهيئتين كرستا الطاقات لإبعاد أنصار كوربين عن الحزب. كانتا تأملان ان هزيمة حزب العمال في الانتخابات تخلص الحزب من كوربين.... وبشجاعة وعن صواب شرع كوربين يعلن ما لا يقال في النقاش السياسي الرئيس الدائر في بريطانيا – ومفاده أن غزوات القوات البريطانية في الخارج تحرض على الإرهاب في الداخل. الناس العاديون لا يلومون التدخل الأجنبي بل يحملون المهاجرين مسئولية الهجمات الإرهابية.
تحيز هيئة الإذاعة البريطانية
هيئة رئاسة الحزب موروثة من عهد بلير ، وهيئة الحكم والوحدة القانونية التي بحثت في شكاوى اللاسامية مكونة من يمينيين معادين لكوربين ، ويقبع في مركز عجز الهيئتين سام ما ثيوز، نجم برنامج "هل حزب العمال لاسامي" الذي بثته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، والمصدر الرئيس للمزاعم القائلة ان مكتب كوربين هو الذي منع اتخاذ إجراء ضد اللاسامية. من المستحيل مطالعة هذا التقرير – وقد دققت في صفحاته ال851- دون الخروج باستنتاج ان ماثيوز بالذات هو المسئول عن قدر كبير من التقصير. يلمح التقرير ان الفشل في اتخاذ إجراء ضد أعضاء الحزب اللاساميين كان متعمدا لتشويه قيادة كوربين . وما برهن عليه التقرير بدون أدنى شك الخطأ التام لتوجه جون وير سيئ السمعة في حلقة برنامج بانوراما الذي عرضته هيئة الإذاعة البريطانية "هل حزب العمال معاد للسامية؟". مكتب كوربين ليس المسئول عن عدم اتخاذ إجراء ضد اللاسامية داخل الحزب. والمسئولون حقا هم أولئك الذين استشهد بهم وير لتوجيه مزاعمه. جميع المتورطين بالحلقات كانوا ممثلين رديئين، بمن فيهم جون وير. لم يبذل محاولة لتقييم الحقائق أو عرضها بوضوح، أو سماع الحجج المضادة من المقربين لجيريمي كوربين، ويبدو في أفضل حالاته انه قبل عرضا انتقائيا بعناية لمادة كتبها ماثيوز دون مساءلة ، والحقيقة أنه أسوأ بكثير من ماثيوز.
جون وير صحفي فريلانس استأجرته هيئة الإذاعة البريطانية لكتابة سيناريو البرنامج ، رغم تاريخه المديد في الدعاية المناهضة للإسلام وبالتحديد ضد الفلسطينيين. في العام 2006 قدم وير برنامج بانوراما "ايمان، كراهية ، أعمال خيرية"، حوى اتهامات كاذبة ومدمرة بصدد تورط جمعية إغاثة الفلسطينيين_إنتر بال- في أعمال إرهاب ، اضطرت الهيئة دفع غرامة لمدير الجمعية الخيرية الإسلامية. والجمعيتان، إنتربال والإغاثة الإسلامية مستهدفتان من قبل حكومة إسرائيل.
مرارا وصف وير داعية الخوف من الإسلام (إسلاموفوب) ، بما في ذلك المجلس الإسلامي في بريطانيا. هنا نجد ازدواجية معايير لدى هيئة الإذاعة البريطانية . يقول موراي: ببساطة أرى ان هيئة الإذاعة البريطانية لا تعهد لشخص يتهمه مجلس الإدارة باللاسامية عمل برنامج بانوراما اكثر من مرة. وير يفتخر بنشاطه لصالح الصهيونية، في العام 2016 كلف وير بجولة دعاية مدفوعة الأجر الى إسرائيل كجزء من "جائزة التزام"من المنظمة الدولية للنساء الصهيونيات. وهو مكلف بكتابة مقالات لصحيفة جيويش كرونيكل يهاجم حركة مقاطعة إسرائيل، انطلاقا من قناعته .
لكن وير حين يكتب لهيئة الإذاعة في برنامج "هل حزب العمال معاد للسامية؟" فلا يقدم كداعية مناصر لإسرائيل ، إنما كصحفي مستقل يجري تقصيا مستقلا . وهو بذلك سمح لسام ماثيوز و للعديد من أعضاء حزب العمل طرح كذبة بعد كذبة بعد أخرى، يزكيها وير ، كما تبرهن بصورة لا تقبل النقاش صفحات التقرير ال 851 . لست في موضع لأعرف هل جون وير متواطئ عن معرفة بالأكاذيب، ام أعمته الايديولوجيا الصهيونية بحيث سمح لنفسه بالانخداع. اعرف حقا ان جون وير مشغول هذه الأيام بمحاولة الاستيلاء على صحيفتي جيويش كرونيكل وجيويش نيوز اللتين تعرضتا لانتقادات من داخل المجتمع اليهودي لأن مصدر تمويلهما سري. وببساطة من الخطأ أن تستأجر هيئة الإذاعة البريطانية شخصا مكشوفا مثل جون وير لإخراج وثيقة بانوراما حول هذا الموضوع.
لغز تهمة اللاسامية
وبالمثل ورد تكرارا(مثلا ص461) اعتُبر الادعاء بأن إسرائيل متورطة مع داعش "عداء للسامية، لماذا؟ فلا احد يشكك بجد في ان اهم التغيرات الدبلوماسية في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير تمثل في التحالف بين العربية السعودية وإسرائيل(مع معظم دول مجلس التعاون الخليجي) والموجه مباشرة ضد إيران. وما من أحد يشكك في أن داعش والنصرة امتلكتا القدرات على مستوى رفيع بتمويل السعودية ودعمها ، وكذلك تمويل ودعم دول مجلس التعاون. ولا احد يشكك في عداء داعش والنصرة لحزب الله وكذلك لحماس. هذه التنظيمات الإرهابية حليفة لحلفاء إسرائيل وأعداء لأعداء إسرائيل. غير أن القول بدعم إسرائيل لداعش يعتبر لاسامية فكرة خاطئة ، وهي إثبات بأن مسألة الاتهام باللاسامية موجهة لحظر انتقاد إسر ائيل وكل تحليل مشروع.
في ما يتعلق بكين ليفينغستون، لا أعتقد أنه معاد للسامية ، لكنه أخطا باعتقادي؛ وكنت على الدوام أرى ان الحديث عن روابط الصهيونية بالنازية مزعج ومعاد للسامية في دوافعه. طبعا ربما نشأت اتصالات في مرحلة مبكرة بين النازيين الذين رغبوا في استئصال اليهود من اوروبا والصهاينة الذين أرادوا جلب اليهود الى إسرائيل. اعتقد أن التقرير مصيب إذ يحدد وجود عداء حقيقي لليهود بين مجموعة صغيرة من أعضاء حزب العمال؛ وهو مصيب في تحديد أن ماكينة حزب العمال مقصرة لحد كبير في مقاربة الأكثرية الساحقة من الشكاوى بصدد العداء لليهود. وهي تحدد ان مكتب كوربين في جميع الحالات طالب بإجراء حازم ورادع. لكنه أخطا في رغبته إخلاء حزب العمل من أي عداء للسامية. وأخطا ايضا في المصادقة بحماس على تعريف واسع للاسامية لدرجة تجميد حرية الكلام المشروعة. وضع تعريف اللاسامية ، الذي صادق عليه كوربين لجنة صهيونية حملت صفت التحقيق في الهولوكوست. وفصل كوربين العديد من انصاره ممن انتقدوا نظام الأبارتهايد في إسرائيل.
بعض الاستنتاجات- كوربين قصر في حق نفسه:
ماذا نستخلص من كل ما تقدم؟ اولا ان كوربين فشل بما يفوق التصور في التعامل بدون شفقة لتطهير الحزب من اعوان بلير اليمينيين ، والذ ين ورثهم في موقع هيئة أركان الحزب . حزب العمال مؤسسة معقدة بشكل رهيب، يضم لجانا منتخبة واتحادات نقابية ضخمة تمالئ من بحوزته مالية الحزب.غير أن كلا من توني بلير وغوردون براون شغل منصب رئيس الوزراء ونجح في إنشاء ماكينة للحزب على صورته اليمينية. [ بالفعل فَصل بلير من عضوية حزب العمال جورج غالاوي حين أعلن شجبه لغزو العراق ومشاركة حكومة بلير في الجريمة]. ومن الصعب قراءة هذا التقرير بدون الاستنتاج ان كوربين افتقد القسوة اللازمة لقائد كي يضع إصبعه على أعدائه ويتخلص منهم. لكن نظرا لكونه الوفا غير وغد عديم الرحمة تقاطر العديدون لدعم انتخاب كوربين في المقام الأول.
والنقطة الثانية ان تكتيكات كوربين في الاستمرار بمجاملة الميديا حول العداء للسامية لم تجد نفعا؛ فلم تتوفر مصلحة حقيقية لدى صحاقة اليمين والتلفزة في مكافحة العنصرية، بل لاستخدام العنصرية أداة لمنع انتخاب حكومة اشتراكية ديمقراطية على غرار اوروبا. فلا الميديا ولا أنصار بلير مستعدون للتصالح مع كوربين. ولا نعلم ماذا سيحصل لو انه انبرى لرفض مطاردة الساحرات، كمحاولة لكبح مؤيدي الفلسطينيين، ولو تكلم بصراحة عن انزياح إسرائيل نحو الأبارتهايد. امتلك الأعصاب لإغضاب الدولة العميقة حين صرح بان الغزو العسكري سبب في الارهاب بالداخل، وكسب دعم الجمهور. ولا نعرف إن كان الخط الحازم حول فلسطين ورفض مطاردة الساحرات سيعود بنتائج أفضل من التساهل مع عشرات آلاف الهجمات الظالمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال