الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
البالوعة
محمد أبو قمر
2020 / 5 / 26العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لابد من التسليم بأن هناك طريقين للفهم ، طريق العقل ، وطريق العاطفة ، العقل بطبيعته نقدي ، تحليلي ، يريد الأمور واضحة لا لبس فيها ، يريدك دائما أن تقدم له الأدلة علي ما تقول ، ثم إذا قدمت له الأدلة فإنه يتفحصها قبل أن يرفضها أو يقبلها ، ذلك أن العقل معبأ دائما بالمعرفة ، ثم إنه ينتج في كل لحظة معرفة جديدة ، أي أن العقل يشبه المصباح الذي يزداد توهجا كلما مر الوقت.
أما العاطفة فهي أشبه بالبالوعة التي تبتلع مع الماء كل الوساخات المخلوطة بها ، وكلما ابتلعت شيئا كلما زادت سوادا وظلمة وطينا وجيفة.
والسؤال المصيري الآن هو :
إلي أي ثقافة نحن ننتمي؟! ، ما هو الواقع الثقافي الذي يظلل حياتنا ، هل هو واقع العقل المغرم بطرح الأسئلة والمتشوق دائما للمعرفة والمنتج للوعي والمشارك بفاعلية في صنع الحضارة الإنسانية ، أم هو واقع البالوعة التي تفتح فمها علي اتساعه دائما لتتساقط فيه الوساخات والخرافات والأضاليل بلا أي ضابط؟؟!!.
أعرف أن الكثيرين سيغضبون إذا قلت إننا ننتمي إلي ثقافة البالوعة ، وسوف يدافع كل منهم عن نفسه بحكم اعتداده بذاته وهو يحاول إثبات أنه خارج نطاق البالوعة ، لكنني أدعوه إلي التمهل ، فأنا لا أتهمه بعدم العقلانية ، فجميعنا عقلاء متزنون ، لكننا جميعنا ضحايا ثقافة تنكر العقل ، وتكره النقد ، وتمقت أشد المقت مسألة طرح الأسئلة ، نحن جميعنا ضحايا خطاب ديني تمكن بخرافاته ومرجعياته ورؤيته البائسة للعلم وللفن وللجمال تمكن من إزاحة العقل ، تمكن من تزوير التاريخ ، تمكن من السيطرة علي مشاعرنا ووجداناتنا حتي حولنا في نهاية الأمر إلي مجرد بالوعة تأخذ فقط ولا تعطي ، تبتلع فقط ولا تنتج ، تفيض دائما بالطائفية ، والفردية ، والكراهية ، تزداد إظلاما مع مرور الوقت ننيجة ما تبتلعه من خرافات وفتاوي وحكايات ودعاوي لا أصل لها ولا فصل.
دعونا لا نستمر في المكابرة ، فكلما ادعينا أننا خارج سيطرة هذا الخطاب الذي حول حياتنا من النقيض إلي النقيض كلما غرقنا أكثر في التيه والضياع ، نحن جميعنا ندعي التحرر لكننا في ذات الوقت نفرض علي أنفسنا وعلي أهالينا قيودا غاية في التخلف بدعوي أننا شرقيون لنا خصوصية وعادات وقيم ، ونحن ندعي احترامنا للمرأة في الوقت الذي نتهمها فيه بالانحلال والدعارة إذا اختارت لنفسها زيا يظهر أنوثتها أو إذا لم ترتد الحجاب ، ونحن لا نقرأ ولا نقوم بأي محاولة للحصول علي المعرفة بلا وسطاء أو أوصياء ثم ندعي العلم والمعرفة وكأن الوعي يتساقط علينا من السماء ، ونحن نقدس من يلهينا ويتوسط بيننا وبين الله ويفرض علينا كيف ندخل دورات المياه وكيف نضاجع زوجاتنا وكيف تكون حياتنا ليضمن لنا دخول الجنة في حين أننا لا نقدس أنفسنا ولا نقوم بأي مبادرة لفهم الحياة خارج إطار هذا الخطاب الخرافي الذي أفرغ رؤوسنا من الحكمة.
قل لي كيف نبتت بين بعضنا فكرة أن المسيحي كافر ، قل لي كيف نبتت فكرة أن المرأة السافرة تغري الرجل علي ارتكاب الفاحشة!! ، قل لي متي نشأت فكرة أن تارك الصلاة يجب قتله ، قل لي كيف سمحنا لأنفسنا أن نترك رجل الدين يقول ما يريد قوله دون أن نسأله سؤالا واحدا عن صحة ما يقوله ، كيف انقطعنا عن تاريخنا وصارت آثارنا مجرد شواهد ميتة لا صلة لنا بها ، بل قل لي كيف انفصلنا عن حضارة العالم وصرنا مجرد مستهلكين لمنتجات تثير عجبنا ولا تثير غيرتنا.
نحن عقلاء ياسيدي ولنا تاريخ لكننا تعرضنا لحملة هائلة من الزيف والخرافة ، نحن ضحايا حرب بدأت في السبعينيات تمكنوا فيها من النفاذ إلي أرواحنا فصرنا أشبه بورقة خريفية تطوحها فلم نعد نعرف أين نحن ولا من نحن حتي هويتنا الأصيلة صارت محل شك حتي أن أحد كبار المشايخ المقدسين أفتي ذات يوم بأن من يموت دفاعا عن وطنه ليس شهيدا وإنما الشهيد هو من يدافع عن الله ، وهكذا وضع بعضنا الله محل الوطن وصرنا نحن معلقين نبتلع خدعة أننا وسطيون .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الشريعة والحياة في رمضان| سمات المنافقين.. ودورهم الهدّام من
.. كيف تحول متجر بجوار المسجد الحرام إلى قبلة لمحبي التراث المك
.. نور الدين - إزاي إبليس وسوس لآدم في الجنة ...فضيلة الشيخ علي
.. نور الدين - لماذا أخذنا الله بذنب سيدنا آدم وخرجنا كلنا من
.. مصر بلد الحكماء وليس بلد الأنبياء