الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات مضيق الرّمال (5)

طارق حربي

2020 / 5 / 27
الادب والفن


يوميات مضيق الرمال
السيطرة على الجائحة
5
طارق حربي
بعد وصولي إلى النرويج مع ثلاثة أشقاء لاجئين إليها في سنة 1993، حيث تم إنقاذنا من بطش النظام الفاشي في العراق، ومن خيمة مُهلهلة في الصحراء السعودية، كانتْ معرضة للتسفير إلى العراق في أي وقت، أو إلى أبشع من ذلك! انتابني حينذاك شعور من يقف على تلّ، وكل طغاة الشرق تحت نعاله! بعد ثلاثة عقود من ذلك التاريخ، وثلاثة أشهر على انتشار جائحة كورونا في النرويج، علا التل حتى أصبح جبلاً شاهقاً، فاعتصمنا فيه خوفاً من كوفيد 19!

تمنحُ النرويج للبشر اللاجئين إليها، أماناً فريداً من نوعه، لسببين أولهما بُعدها عن مركز العالم وأزماته، وثانيهما اقتصادها الجبّار، معطوفاً على سياسة حكيمة يتصف بها زعماؤها. كيف لا وقد ظهر الفرق جلياً في تصدي النرويج للجائحة، مقارنة بجارتها السويد؟! التي استفحل فيها الفيروس حتى حصد آلاف الأرواح!

هاكم آخر الاحصائيات منذ انتشار الفيروس في النرويج حتى بداية انحساره
الحالات المؤكدة 8364
حالات الشفاء 7727
الوفيات 235

انتشرت الجائحة في النرويج بتاريخ 26 شباط، وصعد مؤشر الإصابات بين شهري مارس وأبريل، وفي أول يوم نُشرتْ فيه اجراءات السلامة والتباعد الاجتماعي وهو 12 آذار، توفي أول مصاب، وتشير التقارير إلى أن أولى حالات العدوى، جاءتْ من السيّاح العائدين من النمسا وإيطاليا!

تعافتِ النرويج بالتدريج ولم يتأثر اقتصادها كثيراً، كيف ذاك وقد فاضتْ خيراتها يمنة ويسرة، إلى حد تخصيص صندوق سيادي للأجيال القادمة، بمبلغ 1000 مليار و60000 الف دولار، ومازالتْ تستثمر أرباح أرباح هذا الصندوق؟


ربما يكون البلد النائي حيث نعتصم بجبله الشاهق، الأفضل في أوربا، بعد اعلان سلوفينيا خلوَّها من الفيروس. وصرحتِ اليونان قبل يومين، أنها مستعدة لاستقبال السيّاح الاسكندنافيين، إلا السويديين!

وعلى ذكر السيّاح والسياحة، فقد تعود المواطن النرويجي المُرَفَّه أن يسافر إلى الخارج مرة أو مرتين سنوياً، وخاصة في أشهر البرد والثلج والظلام (نوفمبر- نيسان). لكن بعد انتشار الفيروس اللعين، نصحتِ الحكومة شعبها بأن تكون العطلة الصيفية هذه السنة في داخل النرويج، فهرع النرويجيون لتأجير المنازل السياحيّة في الجبال والغابات وهو ما يطلق عليه (Hytte) ، تلك المنازل منقطعة عن العالم الخارجي تقريبا. نزلتُ قبل سنوات في فندق يقع على سلسلة جبلية تقع في وسط النرويج، اصطحب الدليل مَنْ كان راغباً من النزلاء في جولة رائعة، بين الغابات والجبال الصخرية والغيوم النازلة، إلى درجة لمسها من واجهة مطعم الفندق! وخلال المسيرة التي استمرتْ ساعات شاهدنا بيوتاً عديدة متناثرة على سفوح الجبال، وسألتُ عائلة مكونة من رجل وامرأة عجوزين، عن سبب الخلوة في الجبل، فقالا بأنهما يقضيان عطلتهما منذ ثلاثين سنة في عزلتهم المحببة! بعيداً عن ضجيج المدينة وتلوثها!

لكن أين هو الضجيج؟ بل أين التلوث في النرويج يا سادة يا كرام من تلوث القاهرة مثلا؟ حيث تنزل سحبه السوداء إلى الأرض أو تكاد؟ أو التلوث في اسطنبول المزدحمة بالسكان وغيرها؟ إن أعظم ما في النرويج عدا طيبة سكانها ولطفهم، هو عذوبة مائها ونقاء هوائها وجمال نسائها!

النرويج التي تهرع إلى تضميد جراح بني الإنسان في كل مكان، ورأيي الثابت فيها منذ سنة 1991 حتى اليوم أنها دولة صليب أحمر، أعلنتْ بتاريخ 4 أيار على لسان رئيسة الوزراء أرنا سولبيرغ ، المساهمة بأكثر من مليار دولار، لدعم جهود تطوير لقاح ضد الفيروس، لكن ويا للأسف ذهبتْ تلك الجهود أدراج الرياح، بعدما صرح مصدر من جامعة كمبيردج البريطانية قبل يومين، أن حظوظ صناعة اللقاح تراجعت إلى 50%. وأعتقد بأن العالم بحاجة إلى دواء فعّال أكثر من اللقاح على أهميته، عليه انقاذ المصابين بصناعة دواء غير هيدروكسي كلوروكوين، الذي منعتِ استخدامه منظمة الصحة العالمية مؤخراً، لما يسببه من مضاعفات على القلب والكبد، وليأتِ اللقاح في الدرجة الثانية!

في اجراءات احترازية، وضعتِ السلطات الصحية الحواجز الزجاجية بين الأعضاء في البرلمان النرويجي، ولها ما يشبهها بين البائع والزبون في محال بيع المواد الغذائية، وأرى في الشوارع والحدائق العامة أن مسافة التباعد قَلَّتْ، في اجتماع الناس وسمرهم ولهو أطفالهم وكلابهم، وعودتهم إلى المقاهي وموائد الطعام والشراب في المطاعم والحدائق!

بعدما أعلن وزير الصحة في 6 أبريل بأن النرويج سيطرتْ على الجائحة، تم في 7 منه تخفيف القيود المفروضة لمنع انتشار الفيروس، ثم عادتِ الحياة إلى طبيعتها، لأن رغبة استمرارها أقوى من خبث كورونا وكل الأمراض، والنظام الصحي العادل في النرويج مبني بطريقة صحيحة. أما الطبيعة فتندلع في فصل الصيف حتى من بين الصخور، خضراء ناصلة صارخة أريد أن أخرج إلى الشمس والريح وأحيا، بعد شهور من تراكم الثلوج على قلبها!

ثلاث عاملات في البلدية جئنَ صباح اليوم، إلى الحديقة العامة المقابلة لشقتي، حيث أجلس وأتشمس كلما أشرقتِ الشمس ولا أفكر بالجنيات*، حاملات في سيارة اختصاصية أصص الزهور الملونة، وبعد قليل أقبل سائق بشفل حاملاً طناً من التراب المُسَمَّدِ، فرشه على شكل حرفيّ لام باللغة العربية، بينهما نافورة مياه دافقة، انتصب على طرفها تمثال امرأة ممشوقة القوام، تلاعب ابنها برفعه إلى الأعلى.

أقعتِ النساء الثلاث بجانب الحرفين، قعدةَ أمهات حنونات بجانب أطفالهنَّ الرضَّع، وبالمجارف المسنَّنة المعقوفة، رحنَ يُنعّمنَ التراب وينثرنَ بذور الورد، وبعد قليل نهضنَ إلى واجهة الحديقة، وزرعنَ أصص الزهور في خطوط مستقيمة على شكل العلم النرويجي، لكن بألوان حمراء وبيضاء وكحلية.
وهكذا تستمر الحياة.

مضيق الرمال
27/5/2020
_________________
* ألا يكفي النظر إلى روعة الحديقة وجمالها؟
لماذا يجب علينا الاعتقاد بأن هناك جنيات خلفها أيضا؟
وهم الاله للكاتب البريطاني ريتشارد دوكنز
** إجراءات احترازية ..
بدأت مديرية الصحة النرويجية بالتعريف بعددٍ من الاجراءات والتدابير الواجب اتباعها بتاريخ 12 آذار/مارس 2020.
1. أغلقت جميع المؤسسات التعليمية أبوابها وتقرر وقف كافة الأنشطة الرياضية المنظمة مٌسَبَّقًا.
2. تم إغلاق عدد من الفعاليات والشركات، بما في ذلك الفعاليات الثقافية والمناسبات الرياضية وصالات الألعاب الرياضية وحمامات السباحة. وجميع المؤسسات العاملة في المجال الفندقي مثل الحانات والنوادي ما عدا تلك التي تقدم خدمات الطعام، وتوجب على أي مؤسسة تقدم الطعام أن تضمن بقاء الزوار على مسافة بعدها متر واحد على الأقل بين بعضهم البعض.
3. تم منع أخصائيي الرعاية الصحية العالملين في رعاية المرضى من السفر إلى الخارج حتى 20 نيسان/أبريل 2020. وينطبق الحظر على كل من السفر التجاري والسفر الخاص.
4. تم القيام باجراءات الحجر الصحي على كل الأشخاص العائدين من رحلات خارج السويد وفنلندا منذ 27 شباط/فبراير، بغض النظر عما إذا كانت قد ظهرت عليهم أعراض الإصابة أم لا.
5. وُضع السفر الترفيهي على القائمة غير المرغوب بها. ووجهتِ المديرية بالامتناع عن السفر بغرض العمل ما لم يكن ذلك ضروريًا، كما شجعت على تجنب وسائل النقل العام ما أمكن، فضلاً عن تجنب الأماكن المزدحمة.
6. طُلب من الأفراد عدم زيارة أشخاص آخرين في مؤسسات تضم فِئَات مجتمعية غير مُحصنة، على سبيل المثال (الأشخاص كبار السن، المرضى النفسيين، والسجناء، وما إلى ذلك) وبشكل عام، تم حث الأفراد على الحد من الاتصال الوثيق مع الآخرين.
7. تقرر استكمال العمل على نفس الجدول الزمني المتعاد لوسائل النقل العام كما المعتاد، لضمان وصول الأشخاص الذين يضطلعون بوظائف اجتماعية بالغة الأهمية إلى العمل ومنه، ولضمان قدرتهم على ابقاء مسافات أمان بين بعضهم البعض.
8. في 16 آذار/مارس 2020، تم مُنع غير الأفراد الذين لا يحملون تأشيرة إقامة من دخول النرويج.
9. في 19 آذار/مارس 2020، مُنع السكان من البقاء في أماكن خارج سلطات بلدياتهم الأصلية، لتَجنب فرض المزيد من الضغوط على البنية الأساسية الطبية في الأرياف .
10. كما توجب على الأشخاص المشتبه في إصابتهم أو الذين تأكدت إصابتهم بالعدوى اتباع قواعد أكثر صرامة في الحجر المنزلي.
11. كما فرضت الحكومة غرامات على الأشخاص الذين ينتهكون قواعد الحجر الصحي المنزلي، وقواعد العزل المنزلي وتنظيم الفعاليات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني