الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو أممية .. كرة القدم

فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري

(Fayad Fakheraldeen)

2006 / 6 / 20
المجتمع المدني


أتفق مع كثيرين يرون أن المونديال العالمي لكرة القدم يخطف الأضواء عن كل شيءٍ تقريباً..
بدءاً من الأعمال السينمائية التي يبتعد أصحابها عن عرضها في فترة المونديال لأنها ستكون بلا جمهور..
شأنهم شأن المطربين الذين ينأون بأعمالهم الجديدة عن فترة كأس العالم.. وصولاً إلى السياسة وتداعياتها الكارثية خصوصاً في الشرق الأوسط حيث يتفجر بركان من القتل والدم.. في بغداد والأراضي الفلسطينية المحتلة.. فضلاً عن عواصم عربية أخرى تعيش قلق المصير نفسه دمشق.. بيروت.. وربما الرياض والقاهرة أيضاً!!
مع ذلك فأنا أحب كرة القدم!! وأحب طقوس كأس العالم الكرنفالية.. وأشعر أثناءها أنني جزء حقيقي من هذا العالم شأني شأن ابن برلين أو برازيليا أو سيؤول أو غيرها من عواصم العالم التي تجمعها كرة أرضية.. وكرة قدم فقط!!
وطالما فكرت بهذا السحر المتولد عبر كرة فارغة تتقاذفها الأقدام.. والقلوب، وحين تعانق الشباك يتولد فرح غامر بلغة عالمية.. رقصٌِِ وزغاريدٌ وأناشيدٌ.. وهتافٌ من الروح، في حين يتولد في جهة أخرى وجوم ودموع.. وربما (كسرة خاطر)!!
لكن الجهتين تعيشان حالة سحر خاصة ومفعمة بمشاعر تعلق في الذاكرة.. طويلاً!!
في الحقيقة.. لمنافسات كرة القدم ميزة خاصة تختلف عن كل ما عداها من منافسات البشر، دولاً وحكومات وأفراداً.. فهي ببساطة منافسات عادلة.. والخطأ أو الظلم الذي يلحق بجهة ما هو خطأ وظلم مفضوحان.. ونادران في آن..
وهو الأمر الذي يختلف عن أية منافسات أخرى!!
خصوصاً في السياسة ودهاليزها وحساباتها ومؤامراتها!!
ثم هي اللغة الوحيدة التي تجمع أقاصي الأرض ببعضها.. ولو خيرت في أممية حقيقية فإنني لن أختار أممية الشيوعيين ولا عولمة الإمبرياليين.. ولما اخترت إلا أممية كرة القدم.. وعولمتها العادلة والحقيقية!!
لأن الأممية الأولى قامت على مبدأ القضاء على ما سمي بالنظام الرأسمالي ومن ثم الإمبريالي وصولاً إلى ما بعد الإمبريالي.. ضمن صراع لم يقل التاريخ كلمته النهائية فيه.
والعولمة التي تحدث عنها (فوكوياما) ورفع لواءها جورج بوش تقوم على مبدأ القضاء على كل من لا يسير في ركابها.. بالتالي فإن أفغانستان كانت ملحقة بروسيا بحكم (أممية!!) الأخيرة شأنها شأن اليمن الجنوبي (طيب الذكر!!) أو التشيك أو البلغار أو ألمانيا الشرقية أو غير ذلك..
كذلك فإن الخليج العربي وبعضاً من أمريكا اللاتينية والكثير من دول آسيا وأفريقيا هي محميات عند واشنطن.. بحكم (عولمة!!) الأخيرة..
أما أممية كرة القدم فلا محميات ولا مستعمرات ولا ولاءات..
ببساطة يمكن لدولة مثل غانا الفقيرة والمتخلفة أن تهزم الولايات المتحدة الغنية والمتقدمة!!
وبالتالي فالعالم على اختلاف ألوانه وأعراقه والمستويات الحضارية فيه، يعيش ضمن قوانين مشتركة تقوم على العدالة والمساواة والجدارة والاستحقاق.. وطقوس الانتصار في ريو دي جانيرو لا تختلف عنها في برشلونة..
مثلما هي طقوس الهزيمة التي قد تجمع واشنطن بكل ألقها وعظمتها وعلمانيتها مع عدوتها اللدودة طهران بكل آياتها العظمى وتراجعها في السلم الحضاري العالمي!!
أممية كرة القدم لا تتدخل في السياسة.. لكن السياسة قد تمارس قرصنة وبلاهة وتتحول إلى لعنة على هذه الأممية..
وغني عن القول إن تدخل الولاء السياسي والحزبي (والمذهبي أحياناً) في الفرق الوطنية جعل منها أردأ فرق العالم.. شأنها شأن الأغاني التي تمجد الواحد الأحد الفرد الصمد (القائد الخالد) في البلدان الشمولية.. فإنها تعتبر من أردأ أنواع الغناء.. ووقعها على الأذن يشبه أزيز رصاصة أو دوي مدفع خمسيني الصنع.
وغني عن القول أيضاً إن الكرة تخلق ذكريات مشتركة لشعب بكامله.. وانتصارات بريئة ونظيفة وتحول الساحات العامة إلى مراقص نشوة وفرح.. وهو الذي لم تحققه السياسة يوماً.. إذ أن الانتصارات دائماً مكللة بدماء الآخرين..
في المونديال الأخير غصة لفقراء العالم العربي والإسلامي.. تمثلت في حرمانهم من مشاهدة الكرنفال العالمي..
من خلال (التشفير) والحق الحصري لجهة دون غيرها.. وهو الأمر الذي تواطأت فيه الحكومات حين رفضت شراء حق البث الوطني لهذا المونديال وبالتالي جعلته (غصة) عميقة في قلوب هذه الشعوب بدلاً من ان يكون (هدية) أو (مكرمة) من مكارم!! هؤلاء القادة ..
وبالتالي فإنني أؤكد أن هذا الإجراء سيجعل كرة القدم تتراجع كثيراً في السنوات القادمة (في البلدان الفقيرة) أبعد من تراجعه وتخلفه الحالي!!
بالطبع معلوم للجميع أن المال العام في هذه الدول ملك للولاءات والزبائن السياسيين والأبواق الصداحة والمطارق التي تحطم رؤوس الناس..
وأخيراً لا أستطيع أن أنكر أنني سعدت بخروج إيران من هذا المونديال.. وخسارة أميركا التي جعلتها على مدرجات المغادرة من مطار ميونيخ..
مع محبتي وتقديري لكلا المنتخبين ولكلا الشعبين اللذين حزنا (بروح رياضية) لهذا الخروج .. المبكر!!
لكنني شعرت بالتشفي من جورج بوش ومحمود أحمدي نجاد.. حصراً!!
الأول يرتكب المذبحة تلو المذبحة والثاني يرسل فرق موته ومخابراته ويمارس وصاية طائفية دموية على أهل العراق..
كلا الرجلين له مشروعه الخاص: بوش زعيم حرب واحتلال وهيمنة.. ونجاد زعيم حرب واحتلال وهيمنة ..
أحدهما يدعي العلمانية والآخر يدعي (السلف الصالح)..
والعلمانية والسلف الصالح كلاهما بريء من الرجلين..
للأسف أقول: (فرحت بخروج المنتخبين).. وفرحتي هذه هي واحدة من قرصنات السياسة على كرة القدم.. لأنه.. لا المارينز ينفع مع هذه الكرة البيضاء ولا فرق الموت!!
وحدها تظل بيضاء تنتقل على مساحة خضراء بحرية وحب..تحلّق معها القلوب والآهات والصيحات العفوية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي


.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة




.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة