الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة على الصناعة في العراق

فراس حاتم

2020 / 5 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الصناعة هي عصب الحياة العصرية التي تعكس مدى انتاجية الشعوب و اعتمادها على نفسها في توفير الغذاء , الملبس ,الدواء و غيرها من مستلزمات الحياة العصرية لان الانتاج الصناعي في الدولة يعكس اهمية تلك الدولة و قوتها البشرية و العلمية في الابتكار و الانتاج و التطوير و تحويل المجتمع من مستهلك الى منتج قادر على ان يحقق اكتفاءأ ذاتيا يضمن له العيش الرغيد لهذا تاخذ الصناعة حيزا مهما من الناتج القومي للدولة من خلال الاعتماد على توظيف الكفاءات الوطنية و اعطائها الحرية في اتخاذ القرارات الهامة و ذات الوقت التعلم من التجارب الناجحة للدول التي تبنت استراتيجيات مهمة ساهمت في ارتقائها الى دول متقدمة من خلال تطوير منظومة التعليم فيها , الضمان الصحي و البنى التحتية التي تساهم في تطوير هذا القطاع المهم و هنا ياتي السؤال اين الصناعة في العراق اليوم من كل هذا ؟ كيف تم تدمير ذلك القطاع الحيوي الذي كان من المفترض ان يكون عصب في بناء الدولة العراقية ؟ الجواب نعم من خلال تحويل المجتمع من منتج الى مستهلك من جهة و جعل الايدي العاملة العراقية تعاني من البطالة و بالتالي انتشار الجريمة و الارهاب في المجتمع و ابقاء البلاد في حالة تخلف و فساد بصمت حكومي مطبق لا مثيل له و لو اننا ناقشنا المشكلة في اطار العوامل الست لقيام الصناعة مثل الايدي العاملة , الطاقة , راس المال , السوق و النقل و المواصلات و المواد الاولية سنرصد المشكلة و نضع الحلول في زمن يعيش العراق فيه ازمة حلول .
1- الايدي العاملة : الثروة البشرية العراقية زاخرة بكل المهارات الفنية و الامكانيات العلمية القادرة على بناء قطاع صناعي متقدم يحقق الاكتفاء الذاتي للمواطن بدلا من الاعتماد على الايدي العاملة الغير العراقية فهذا لايعني عدم الحاجة الى الايدي العاملة العراقية بل على العكس يجب تحقيق تكامل في الطاقة البشرية بين العراق و كافة دول العالم بالمجال الصناعي و لكن ليس على حساب العمالة العراقية بل بترسيخ مبدا الشراكة الصناعية بالاطلاع على تجارب الدول الاخرى من خلال الدراسة و التطوير سواء من خلال تدريب المهارات الفنية او التزود بالتكنولوجيا الحديثة للمكائن الصناعية و التدرب عليها و على صيانتها من اجل مواكبة العصر , معرفة الاساليب الحديثة التي تساعد على رفع كفاءة الانتاجية للعامل العراقي من خلال توفير بيئة عمل ملائمة تتضمن ضمان صحي لكل العاملين , برامج تدريب فنية و اكاديمية للعاملين من خلال دورات داخل البلاد و خارجها , توفير سكن و نقل للايدي العاملة و الاجور و المكافئات الخاصة بالعمل و اهم من هذا ترسيخ روح الفريق الواحد في العمل الذي يساعد على نجاح العمل يكون بعيدا عن التفكير الطائفي و السياسي ليحل محله تفكير مهني هدفه خدمة البلاد.
2- الطاقة : الطاقة هي في كل الاحوال وقود انطلاق الصناعة و تحقيق القفزات النوعية لكن في العراق ازمة الطاقة هي ازمة الامس و اليوم الغد رغم امتلاك العراق مصادر طاقة متعددة و متنوعة قادرة على احداث انطلاقة كبيرة لكن الفساد الحكومي و الحروب و غياب الخطط لتنويع مصادر الطاقة ساهم في اضعاف القطاع الصناعي و منها محطات الطاقة الكهربائية التي هي اولى ضحايا الفساد و هدر المال العام بحجة ان الاستيراد للطاقة الكهربائية افضل و هذا ما جعل قطاع الصناعة يضعف الى حد بعيد بسبب هذا الفساد و ليس هذا فقط بل البعض لا يريد انهيار تجارته مع دول اخرى على حساب تطوير الصناعة العراقية حتى ابقاء المواطن مستهلك بعيدا عن الانتاجية .و عامل الطاقة الاخر هو الماء الذي ايضا هو الاخر من ضحايا الفساد الحكومي حيث غياب مشاريع تطوير المحطات الكهرومائية ساهم في اضعاف الصناعة و انهيارها الى حد بعيد و جعل البلاد على حافة الجفاف و غياب التطوير جعل من اعادة تشغيل القطاع الصناعي حلما بعيد المنال . و البعض من يعول على استخدام الطاقة المتجددة الشمسية او الرياح من خلال اطلاق مشاريع فيها لكن هذا ايضا يحتاج الى استراتيجية بعيدة المدى لتبنيها و بالتالي ادارة الطاقة بنظام فاسد معناها ان الصناعة في العراق في ركود على الاقل في المدى القريب و المتوسط .
3-المواد الاولية : العراق بلد زاخر بالثروة الطبيعية فهو مخزن طبيعي للمواد الاولية سواء الطبيعي منها او الصناعي .فمثلا الطبيعي منها النفط و الغاز و الفوسفات و الكبريت بالاضافة اليورانيوم و الزئبق الاحمر . على سبيل المثال يتم حرق يوميا في حقول غاز السيبة في الفاو 30000 متر مكعب يوميا بحجة ان لا فائدة منها بينما في الحقيقة تم التوقف عن الانتاج في مجمع البتروكيمياويات في البصرة توقف شبه تام من جهة و ادارة تفتقر للكفاءة في تطوير الصناعة و توقف عجلتها و الاعتماد على الغير في توفير المواد الاولية فهل يعقل هذا ؟ ! بينما حجم هذا الغاز قادر على تشغيل محطة كهرباء ضخمة في العراق تحقق اكتفاء و يتم تصدير الباقي منه لدول اخرى لكن هذا في العراق ايضا لا يحصل و لم يحصل و لن يحصل طالما سلطة الفساد تتوسع في نهب مقدرات البلاد.
4- راس المال : الصناعة من دون راس مال لا فائدة لها بل يتم سرقة المكائن و تفكيكها و بيعها بالخردة الى خارج البلاد لان راس المال في الصناعة مثله مثل الدم في جسم الانسان لا يمكن الاستغناء عنه لان راس المال يعمل على تطوير الصناعة و تقويتها و جعلها افضل من خلال بناء ادارات مهنية قادرة على تشغيل المصانع و اداراتها باعلى مستوى كفاءة و ليس هذا فقط بل جعل المنتجات بافضل مستويات الجودة العالمية و منها مؤشر ايزو للجودة الصناعية وهنا تكمن مشكلة العراق في عدم وجود رؤوس اموال صناعية قادرة على بناء مدن صناعية ضخمة التي موجودة في معظم انحاء العالم و الدول العربية الشقيقة و منها منطقة جبل علي في دبي , دولة الامارات العربية المتحدة , جبيل و ينبع في المملكة العربية السعودية , منطقة الحوض الجاف لصناعة السفن في مملكة البحرين , محافظة دمياط المنطقة الصناعية في جمهورية مصر العربية و طنجة الصناعية في المملكة المغربية . و هنا رؤوس الاموال ليس فقط لديها المال الكافي بقدر ما تحمل من استراتيجيات للادارة الصناعية قادرة ان تنهض بها و يتم خصخصتها باشراف حكومي نعم هذا عمل صعب مالم يتم احداث تغيير جذري و شامل في العراق لكن على يتم ايجاد حلول للمصانع المتوقفة حتى اللحظة نتيجة الاهمال و الفساد الحكوميين الذان كانا سببا في هذه النكبة الكبيرة بدلا من ان نعتمد على انفسنا في انتاج غذائنا و دوائنا و احتياجتنا الاساسية من خلال تطوير صناعتنا و ادخال دماء جديدة و تقنيات جديدة التي يكون راس المال العامل الاهم فيها .
5- طرق النقل و المواصلات : كما لكل عام من العوامل اهمية لطرق النقل و المواصلات اهمية كبرى في التقدم الصناعي من خلال شق الطرق و بناء الطرق السريعة , خطوط السكك الحديد و الموانئ سواء البحرية او النهرية تكون عاملا اساسيا في تسهيل نقل المنتوج الصناعي للاسواق المحلية , الاقليمية و العالمية جنبا الى جنب مع الطفرة في مجال الاتصالات من خلال المراقبة و التعقب باجهزة تحديد المواقع GPS عبر الاقمار الصناعية و شبكات الاتصالات الحديثة التي تضمن سرعة نقل المنتوج من المصنع الى الاسواق العالمية و هنا في هذا المجال عانت بلادنا من الاهمال و الفساد و التخلف مما ادى الى تدهور الوضع الصناعي في العراق و توقف عجلة الانتاج كيف لنا ان ننهض بالصناعة و العراق بلا طرق حديثة , بلا مواصلات متقدمة , بلا محطات تخزين للحاويات فمثلا اول باكورة النهضة في سلطنة عمان هو بناء ميناء قابوس عام 1975 و ربطه بالعالم الخارجي عن طريق شبكة طرق حديثة عبر السلطنة من جهة و شبكة اتصالات حديثة من جهة اخرى لتفتح السلطنة على العالم الخارجي اما في العراق فغياب استراتيجية تنمية للبنية التحتية التي تعيق النهضة بالصناعة نتيجة الفساد الحكومي .
6- السوق : هو كيفية تصريف المنتوج بايجاد اسواق لتصريف المنتجات الصناعية من خلال شبكة العلاقات التي ترسمها السياسات للدولة عادة من خلال تعزيز التبادل التجاري بين الدول الشقيقة و الصديقة من خلال رفع الرسوم الجمركية و حرية الحركة و تبادل الخبرات و تعزيز الاستثمارات لتحقيق تكامل اقتصادي على المستوى الصناعي لانه عصب الافتصاديات الناجحة و من هنا يجب اعادة بناء و تغيير سياسة العراق على اساس التعاون المشترك و المصالح المشتركة من اجل بناء قاعدة صناعية مع مختلف دول العالم سواء الشقيقة او الصديقة و انتهاج سياسات تحسين العملة و تعزيز الاستثمارات الداخلية و الخارجية على اساس القوانين الدولية الضامنة للاقتصاد الحر الذي حجره الاساس الصناعة و هذا ما يجب ان يفعله العراق ليعود عنصر فعال و مهم سواء على المستوى الاقليمي او الدولي تقوم على اعطاء الاولوية للمنتوج المحلي و دعمه بجانب التنافس مع المنتوجات العالمية من اجل صناعة افضل في العراق و تقوية مكانة الاقتصاد العراقي.
و بعد شرح العوامل التي تؤثر على الصناعة هنا السؤال الاكبر الذي يكمن كيف التفكير بنهضة صناعية من دون تغيير شامل في العراق ؟ الجواب نعم من الصعب الحديث عن ذلك لما يحتاج العراق لبناء مؤسسات حقيقية و التحول من حكم العصابات الى حكم المؤسسات التي بدورها تصوغ القوانين التي تحمي المنتج و المستهلك على حد سواء و تمر عبر انشاء صناديق سيادية لتقوية هذا القطاع المهم و الحيوي للاقتصاد العراقي بدلا من اهدار المال العام بيد الفاسدين و معاناة ابناء شعبنا من البطالة فلا خير في مجتمع لا يصنع غذائه و دوائه بيديه و يفخر بها من صنعه امام نفسه و العالم اجمع لان بقاء الصناعة العراقية في تدهور سيكون اكبر جريمة بحق البلاد و العباد قد ارتكبتها العصابات الحاكمة بفسادها فالصناعة العمود الفقري لنهضتها و بناء دولة حديثة تحترم القانون حن هو كلمة سرها ووقود تشغيل مكائنها و عودة عمالها و مهندسيها لها حتى تعود الصناعة العراقية افضل مما سبق تنافس المنتوج العالمي تسد حاجة مواطنيها و تكون نموذجا يحتذى به في المنطقة و العالم اجمع .
تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة