الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الفكر العربي في مستقبل الخطاب المعرفي العالمي والمعوقات اسحق قومي

اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.

(Ishak Alkomi)

2020 / 5 / 31
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


.
هل يمكن للفكر العربي اليوم، أن يقدم نفسه للعالم من خلال منتج فكري وعقلي يتمتع بموضوعية، وعلمية ،وواقعية ،أم سيبقى أسيراً للفكر الغيبي ،والديني، والأفكار المتطرفة التي تنتج بالضرورة من تفسير للموروث الديني؟

مقال : في الفلسفة - الأستاذة : عبد الكريم فضيلة / الجزائر
/ العقل العربي ... و غياب نسق فكري ممنهج
الأستاذ و الباحث إسحق قومي أبدأ من حيث أنهيت مقالك /تحديات أمام الفكر الشرق أوسطي ...حول الموضوعية في التفكير لدى المجتمعات العربية من فئة النخبة أو عامة الناس و إذا كان الخلل في الأولى فلا نتحدث عن الثانية و بالتالي من يقود من ؟
أحب أن أتناول الموضوع من وجهة فكرية و فلسفية أكثر لكي نقف على الخلل.
هل هناك تقارب في العقلانية الأمريكية و الفرنسية؟ و كيف نبني أرضية اتفاق
عقلانية بعيد عن الديماغوجيا و التفكير الفارغ من محتواه المعرفي الإنساني و نتعلم أن نخاطب غيرنا بكل عقلانية ؟متى ندرك فوضى الأنساق بيننا ؟ أم أن التفكير لدينا تعود عل اللاانسجام فأصبح من الصعب عليه الانسجام مع ذاته و مع الغير ؟
بين العقلانية الفرنسية و العقلانية الأمريكية اختلاف في التصور لعلاقة الإنسان بعالم الأشياء و حركة الذهن اتجاه تلك الأشياء .ولكن النظرة العميقة تدل على تكامل الخطاب المعرفي في التداول المعرفي و الحضاري .
لكن هل توجد لدى العقل العربي صورة موضوعية ينظر من خلالها للعالم و الأشياء بمنهجية موضوعية يتفق حولها العقل العربي , رغم اختلاف الأنساق الفكرية و المعتقدات ؟
يقول الفيلسوف الأمريكي: pedro amaral
to know something is just like being something- /ويعني ذلك، حسب قوله، أن المعرفة هي المشاركة في الوجود.، وتعني المشاركة أسلوبا في الحياة ينسجم مع مبادئ الوجود الحقيقي. يتمثل فعل المعرفة، إذن، في قدرة العقل على أن يصبح كموضوعه، أو أن يكون مطابقا لموضوعه ومتماثلا معه، هذا مع العلم أن موضوع الفلسفة اليونانية هو الوجود بما هو موجود حسب تعبير أرسطو. ينسجم هذا التصور للمعرفة إلى حد ما مع نظرية المعرفة الأرسطية. وتتبلور المعرفة في نظر أرسطو من خلال تشكل صورة الشيء في العقل. فإذا كان العقل يدرك صور الأشياء، فإن تلك الصور تساهم بشكل أساسي في تشكل العقل. وهكذا يصبح العقل كموضوعه. ولذلك كان معيار الحقيقة في الفلسفة الأفلاطونية و الأرسطية على حد سواء هو معيار التطابق أو التماثل بين الفكرة والموضوع. وما قام به ديكارت هو أنه غير هذا التصور للمعرفة وكيفية تحققها رأسا على عقب: أفرغ العقل والعالم من الصور، وألقى بمبدأ التماثل جانبا وعوضه بعملية التمثل الذهني représentation؛ لم تعد المعرفة تتحقق من

خلال تماثل العقل مع موضوعه، بل من خلال التمثل الذهني للموضوع بطريقة لا مكان فيها للتماثل الطبيعي. وإذا كانت غاية المعرفة في النظرية الأفلاطونية-الأرسطية هي تحقيق التماثل بين العقل والموضوع، فإن ديكارت انتقل بالمعرفة إلى مستوى أرقى من مستوى الإحاطة بالموضوع: لم يقف عند حدود تمثل الموضوع، بل جعل من التمثلات الذهنية نفسها موضوعا للتأمل العقلي، وبذلك دفع بعملية المعرفة إلى مستوى الميتا méta وهو التفكير في التفكير، وقادته تجربته الوجودية إلى اكتشاف بعد جوهري جديد من أبعاد الوجود الإنساني، ألا وهو الوعي ويقوم تصور ديكارت للوجود بصفة عامة على ثنائية الروح والجسد: هناك، من جهة، عالم داخلي ذو طبيعة روحية ومن خصائصه التفكير وعدم الامتداد في المكان، ويشمل الأفكار والمعتقدات والانطباعات الحسية وكل التجارب الذاتية؛ وهناك، من جهة أخرى، عالم خارجي ذو طبيعة مادية، وما يميزه هو الامتداد وانتفاء القدرة على التفكير، ويشمل الأجسام الطبيعية والقوى الفيزيائية. وينطبق مبدأ ثنائية الوجود على الإنسان نفسه، وتتجلى من خلال ازدواجية الروح والبدن. فميز ديكارت، إذن، بين الروح والجسد، ولكنه أقام بينهما علاقة، هي علاقة التفاعل المتبادل .
الملاحظ في هذا التناول أن العقل العربي مازال بعيدا بمسافات عن فكرة وجود مشروع ثقافي نقدمه لغيرنا , و نبعد فيه العشوائية و الآنية و الانفعال الغير مجدي لحياة العقل العربي الذي يريد التفعيل و الوجود و الاستمرارية في هذا العالم , لأن ماهو قادم الأولوية فيه لمن يقدم للإنسانية معرفة أفضل تنسجم مع واقع أفضل هذا ما اعتقده , و إذا ظل الحال هكذا فلا مكان لنا بين الأنساق الفكرية التي تفرض نفسها على العالم من حولنا .و قدمت النموذج الأمريكي و الفرنسي بناءا على فرض النمط العقلي لكل منهما على الجميع ,لكن وفق أرضية يعود إليها و هي الفلسفة اليونانية دائما



سيدتي الأستاذة عبد الكريم فضيلة من الجزائر .
سأبدأ من حيث أنتِ انتهيتِ ،في الرد على موضوع كنتُ قد طرحته موسوم بعنوان( تحديات أمام الفكر الشرق أوسطي). وبينتُ يومها تلك التحديات ،ولكن عندما جئتِ على الموضوع من الوجهة الفكرية والفلسفية، فقد أزدان موضوعنا بقيمة ٍ لاتقدر سيما، وأننا نثمن دور العقل ومنتجه .لكنكِ انتهيتِ إلى مايشبه الأسئلة الخجولة ،والقائلة (هل لدينا مشروعاً فكرياً عربيا ً نقدمه للآخر؟!!).
ومن هنا سأبدأ موضوعي، لكن ليس قبل أن أبين منهجيتي في البحث ،عبر مراحل للفكر العربي ،وربما جئنا على المكوّن، لهذا الفكر ،والخلاف بينه، وبين الفكر الغربي ،غايتنا ليست المقارنة بين الفكرين. فلا أسمح لنفسي بهذا بل أتركه لشخص آخر ربما يتحمل وزر آراءه التاريخية.في أن يُقارن مابين الفكر الغربي، والفكر العربي. إنما نقوم بذكر الفكرين لكي نتوصل إلى مايفيدنا لمستقبل الفكر العربي ،ونجد في ذكر المكوّنات الأساسية في صنع الثقافة الغربية، والمنتج الغربي في سياقات حركة التاريخ والمجتمعات والتطور.فاتحة وتمهيداً لذكر مثيلاتها في صناعة الخطاب العربي ، فكراً وسلوكا.
وأذكر بأنّ منهجيتي ،ستقوم على خلاصات لمجموعة أنساق وكتل فكرية، وأعتبر بأنّ المعرفة بوصفها سلوكاً ،ومنتجاً بشرياً ،وبيئيا ،واجتماعياً ،وتاريخيا، وفي جوهرها الفلسفي بوصفها حركة للفكر من خلال مجموعة النشاطات للمجتمع ،سواء أكان هذا أم ذاك..كما وتقوم منهجيتي ورؤيتي على وحدة الإنسان ،في ثنائيته فريدة قائمة على الضرورة والمنفعة ، فنجد فيه الخاص والعام ،له أدوار فيما يخص طبعه ومعتقداته وغرائزه ،ومابين ، ووجوده ،وضرورة كينونته، لكونه صلة مابين الأرض ، الواقع ومابين اللاواقع،بين الوعي الذاتي واللاوعي ،بمعنى هناك عالم حيواني وعالم محمول على تلك العضوية التي تتماهى مع عضوية الحيوانات ، لكنه عالم يتسامى على الغريزة ،يكمن في العقل الخاص بالإنسان.ويتفاعل كلا العالمين الحيواني والعقلي ضمن نسق المصلحة المتبادلة ،والآلية في تنفيذ تلك العلاقة.فالعقل دوما يوزع الاهتمام للحفاظ على الكينونة الوجودية للجسد ، بينما نرى الجسد في تحقيق وظائفه يمنح الفكر والعقل زوادة روحية وفكرية لاتقل أهمية عن دوره ،تجاه الجسد.وهنا تُصبح المعرفة باعتبارها تراكمات التجارب الذاتية والمجتمعية عبارة عن منتج عقلي و ثمرة للتفاعل مابين الذات، والموضوع، مابين الأنا في أبعادها ومابين الآخر ، وكلّ هذا يؤدي إلى تفاعل بين المنتج والحركة في سياقاتها المستقيمة والمنتظمة ، بين الأنا العاقلة، والعارفة، ومابين المنتج الفكري المادي والواقعي من جهة ومابين المنتج الميتافيزيكي من جهة ثانية ، ذاك المنتج الذي يستدعي الماضي المثيولوجي والحاضر ـ الضرورة ـ، وخلق ذهنية قادرة على الفصل بين ذاك الماضي، ومحموله، ومابين الحاضر الذي يؤدي إلى طرح المزيد من الأسئلة الوجودية التي تُزاحم فعل الصيرورة إلى إنتاج فضاءات ميكانيكية وهندسة وراثية في صنع المفاهيم الموروثة أو ولادات جديدة من انساق المفاهيم التي ستنمو ولكنها ولادات طبيعية في حركة الفكر ذاته ، إنها تتمتع بشرعية في كونها لا يُلغي الماضي بل تتجاوزه لأنه حلقة من حلقات الخطاب المعرفي ،وهو منتج لمجموعة الثقافات عبر تلاقحها.
ومن هنا نستطيع أن نبدأ في موضوعنا القائم على تأسيس منظومة فكرية عربية ،تكون رديفة لمجموعة الأنساق الفكرية العالمية .
إننا نريد أن نفصح بادىء ذي بدء بأننا لانريد الولوج إلى النظريات المعرفية ،ولا إلى مؤسسها العالم النمساوي جان بياجيه ،وما قبله ،ولن ندخل في صرعات ،مع السلوكيين ولا علماء النفس والنظريات المنتجة عن العلاقات الاجتماعية ،ولا إلى دور تلك النظرية الخاصة بالتعليم، والتعلم، والآلية الممكنة، في تغيير للسلوك الثابت نسبيا ،رغم أنني لا أؤمن بأي شيء ثابت .العالم الستاتيكي حدث تاريخي وانتهى ، لأنّ الحياة لايمكن أن يُنتج عنها حركة سكون بل حركة نمو وتقدم...والتجربة التاريخية ،تؤكد ما أقوله. بأن جميع المفاهيم ،والنظريات، والآراء أصابها التغيير والتبدل ،والتطور في جوهرها، ومظهرها.وعلى قول لينين (القانون الذي لايتغير هو قانون المتغيرات ).ولا نريد أن نؤسس لتاريخية تلك النظريات المعرفية، ولانذكر اسمها باللغات الأجنبية، ولا نأتي على ذكر أهم العلماء والفلاسفة الذين عالجوا من خلالها رأيهم الذي يخص الذات والموضوع، المنتج الثقافي العقلي ،الذات العاقلة ،وخصائصها ،وحاجاتها ،ووظائفها، ودور ذلك فيما ينتجه العقل منسجما أو مختلفا ،عن الواقع الموضوعي، وتجلياته المختلفة، وحاجاته المتنوعة، ولا ندخل إلى العلوم النفسية ،لكي نؤكد على الحاجة، والضرورة القائمة مابين الجسد والروح ،والعقل والنفس ، والغرائز والعواطف السامية، التي أدخلها أفلاطون ،وأرسطو طاليس في سياقات البحث الفكري حين تدارسوا .هم وفلاسفة زمانهم ،مواضيع ، اختلاف التصور للعلاقة القائمة بين الإنسان، والأشياء ،وموضوع التماثل بين الفكرة ،والموضوع .بين مفهوم المعرفة بوصفها نتاج إنساني، يمكن أن يتخذ من فوضى الأنساق الفكرية، والعقلية محركا ديناميا لتطوير العقل الحامل، والمحمول لمجموعات فكرية، تكوّنت عبر حصاد الأزمنة والتجربة للفكر الإنساني ...ونتوقف عند آخر محطات الغائية عن أفلاطون وأرسطو التي تقضي بأن غاية المعرفة إحاطتها بالموضوع ،الذي يشكل إشكالية ،وتحدٍ للذات العارفة والعاقلة..كما لا نريد أن ندخل فيما توصل إليه الفيلسوف ديكارت، من أن غاية المعرفة هي التأمل العقلي في التفكير عينه. (الميتا) (التفكير في التفكير.).
وسنتجاوز ديكارت لكونه كشف عن مخترعه الجديد القاضي بثنائية الكائن العاقل ، الإنسان الذي يتكوّن من جسد وروح.وما هي خصائص كلّ منهما في الوظيفة البيولوجية ،ودور الغدد الصم في عملية التوازن، ومابين المنتج الثقافي، والفكري للروح العاقلة، وقد ركز ديكارت على أهمية ودور العلاقة المتبادلة ،والمنفعية بين كلا العالمين الجسدي، والروحي ومنتج تلك الحركة الفاعلة في تقدم وتقديم منتج ثقافي يُغاير غيره ،وإن كانت العملية ميكانيكية، عند ديكارت التي سنغادرها حين نطرح موضوعنا الأساس لكن قبل المغادرة لابد من مكاشفة ٍ شفيفة تكون مقدمة لتكوين محطات ومرتكزات نستفيد فيها لمشروع الفكر العربي ، وتلك المكاشفة تقوم على مايلي:
1= عناصر مكوّنات الفكر الغربي برمته للفكر .
آ= الثقافة اليونانية، الإغريقية. والتجربة الذاتية المختزنة في الملاحم الشعرية كون الأمة اليونانية أمة شعر، وملاحم ، وأهمها (كالإلياذة والأوديسة). وفيها المخزون لمجمل المحمول الوجداني والفكري، والديني ،والروحي، والتاريخي، والعلمي. لبلاد الإغريق وأوروبا. في بعدها حتى الدول الاسكندنافية ،والقارة البريطانية يومها ،ومعها بلاد إسبانيا (الأندلس) ومدى تأثرها بثقافات الحضارات الأخرى ،كالثقافة السورية الفينيقية ،ومنتجها الأبجدي وعناصر مقومات المحركات الفكرية السورية المستمدة عناصرها أصلا من ثقافة سورية الكبرى وبثقافة بلاد مابين النهرين ومصر القبطية.وبلاد الصين وما جاورها.
ب= دور المسيحية الفكرية ،واستمرارها. كعامل محرض ،ومحرك للمخزون الفلسفي الذي نشأ من خلال مفهوم (الآب والأبن ، والروح والقدس) .هذه الثلاثية في واحد، وواحد في ثلاثة.بالرغم من إنهاء الإشكال في تلك الثلاثية في مؤتمر نيقية عام 325م حين تم الإقرار بقانون الإيمان القائل ((نؤمن بإله واحد آب وضابط الكل وكل مايُرى ومالا يرى وبرب واحد يسوع المسيح المولود من الآب قبل كل الدهور مولود من مولود مساوٍ للآب في الجوهر وبالروح المحي ، الروح القدس..).إن هذا كله شكل عاملاً فكريا ،وروحيا حينما سيقارن المفكر اليوناني ،والغربي في كلّ هذا من خلال المقارنات المادية ،والروحية ،والذاتية بين هذه المفاهيم القادمة، والمحمولة على فلسفة الدين المسيحي، وما بين مخزونه الفكري ،المستمد أصلا من الفكر الأسطوري من خلال الأساطير اليونانية التي تتوزع عبر مساحة زمنية بعيدة وموغلة في القدم.
ولكننا نقر بأن الفكر الغربي لم يتحرر من تسلط رجالاتها ، إلا بعد أن تم فصل الدين عن الدولة .مما أدى عندها إلى تشكيل عامل محرض في إنتاجية الفكر بشكل عام والتفكير في منتجه نفسه.لكن تعاليم المسيحية القائمة على السماحة، والمحبة والرأفة والخوف ، لعبت دوراً هاما وأساسيا ،في التكوين النفسي ،والعقلي ،والخلقي ،والوجداني. والجمالي .للإنسان الغربي ،سواء أكان السياسي منه، أم المبدع ،أو العَالِم ،أو حتى رجل الدين فيما بعد.ثم قدرة التربية المسيحية وتعاليمها الفكرية ، على خلق مناخات ،تقوم حرية السلوك الفكري ومناهجه الخاصة القائمة على فصل العلوم ،ومنتجاتها، رغم تأثيرها بعضها ببعض. لكن الفصل بين العلوم، أدى إلى استقلالية، ومناهضة فكرية أدت إلى مناهج علمية ،وموضوعية ،تقوم على التجربة ،والمنتج العقلي، في زاويته التجريدية ،وخلقت العلوم الرياضية فضاءات المنتج الفيزيائي والكيميائي الذي بدورهم خلقوا حركة طبية، وصناعية ،وزراعية أدت فيما بعد إلى فيض في الإنتاج، وكان لابد من التفتيش على أسواق تجارية ،أدت إلى مرحلة سياسية، وعسكرية شكلت إشكالية أمام الفكر الغربي والثقافة الغربية .
وأهم مايمز الفكر الغربي، ثقافيا ،وعلميا، وعقلياً . هو رفضه العبودية الجزئية أو المطلقة، للمنتج الفكري ذاته .سواء أكان دينياً، أم روحيا ،أو ثقافيا.. واعتبار الحالة التمردية على الموروث ستؤدي إلى حالة من التطور والفائدة والنجاح..ومن هنا نشأت مدارس عدة في الفلسفة والعلوم والفن وعلم الجمال وبقية العلوم.وقد تحرر الإنسان الغربي من عقدة الخوف للمقدسات ،سواء الأسطورية منها أو آخر المعتقدات الدينية ،التي يحملها ونعني بذلك المسيحية،في حد ذاتها كمقدس بحيث ،لم يعد يقبلها الغربي لمجرد أنها دعوة للخلاص، ورغم فلسفتها، فقد تحرر من كلّ المؤثرات ومن هنا ندخل إلى عدة محطات تقوم على .
ج= الفكر الغربي أدرك أنّ الإبداع العقلي يقوم على أمرين أثنين هما:
1= عدم تآليه للفكر، والموروث الثقافي، سواء أكان من الماضي البعيد ،ما قبل الديانة المسيحية . أو للثقافة المنتجة عبر التاريخ المسيحي ،ومجموعة المعارف وحتى للمسيحية بوصفها مقدسة ، كل هذا المحمول، والموروث الثقافي، وضعه الغربي تحت مجهر النقد لا قداسة لأيّ شيء..مادام سيؤثر في مسيرتنا وتطورنا وتقدمنا وسعادتنا .هكذا يقول الغربي..
2= المعرفة بوصفها نتاج تفاعل حضاري ،بين الذات ،والموضوع ، بين الأنا الغربية ،والآخر عبر ثقافاته التي وصلت إلى الغرب بطرق شتى.بين الفكر وموضوعاته ،وأسئلته الكبرى والصغرى.بين التمثل الذهني من جهة ومابين الرأي الأفلاطوني الأرسطو طالي وحتى زينون والحركة والنقلة في المكان ، ومابين التأمل العقلي، الذي توصل إليه ديكارت كما وسبق وأشرنا إليه قبل قليل.ولا يُخفى دور الديالكتيك الهيجلي ولا الفلسفة الفرنسية وحركة الاقتصاد للسوق الغربية ، والحاجة والضرورة لإيجاد ضابطة سياسية وقانونية تعمل على حماية المشروع التحرري للغرب كافة.
3= التحرر من الفكر الغيبي، بوصفه منطلقا ،لتأسيس نسق فكري ،مادي قادر على إنتاج الثقافة المفيدة ،والعملية .فالعلوم الرياضية، ومجموعة النظريات ،والمنطلقات للفكر الهندسي، خلق عاملاً هاما فكريا ،من جهة، ونعني به تطور آلية تفاعل الفكر مع ذاته لخلق منتج جديد ،ومن ثم خَلقَ هذا التحرر فضاءات ،لا محرمات عند الإنسان الغربي ،مادامت تلك المحرمات بالمفاهيم القديمة لاتؤثر ،ولا تقدم ،ولا تؤخر، فقط العبادة الوثنية..الطوطمية .هذه النقطة والمحطة شكلت أولى محطات المحرك الواعي ،للفكر المنتج عبر صيرورة المجتمعات الغربية. فكانت الثورة السياسية والدينية والفلسفية والصناعية والزراعية وبدأ الفكر ،والتطور الفكري كما حالة قطعة ثلج قادمة من رؤوس الجبال العالية.فهي تتشكل بشكل آلي إذا كانت محررة من فعل الاندثار.
لهذا أؤكد قبل الانتقال إلى موضوعنا الرئيس بقولي:
إنّ الحفاظ على الحضارة والثقافة الأوروبية ، بكلّ تجلياتها ،وعصورها،القديمة والوسطى والحديثة.هو ضرورة قصوى، للحفاظ على التوازن لحضارات العالم قاطبةً. لابل إن تدمير، أو غياب للحضارة الأوروبية ،سيؤدي إلى عطب في حركة التاريخ الثقافي، والإنساني للمعمورة كلها.لأنّ الحضارة الأوروبية شكلت كينونتها من عمق الثقافة الإغريقية اليونانية ،ومن سماحة التربية المسيحية في عمق تعاليمها القائمة على المحبة والتسامح ،على الرغم من فترة لابدّ من الاعتراف بها،ونعني موقف رجال الكنيسة من حركة التطور والتقدم يوما ما ، لكنهم تجاوزوها في فترة فصل الدين عن السياسة.
إنّ الحضارة، والثقافة الأوروبية ،مهددة في عمقها ،وعقر دارها،من أهلها قبل الغرباء،لكونهم وصلوا لمرحلة الترف في كلّ شيء، وما المادية العلمية التي يتبنونها بشكل مفرط سوى إحدى الدروب المؤدية إلى مقبرة حضارتهم.كما هم يعبدون القوانين التي تستلزم التغيير مع التطور والتقدم ،وأول القوانين التي ستغرقهم في عمق أرضهم هو قانون اللجوء .لأنه لو بقي مفعلاً لمدة قصيرة فسنرى العالم كله سيهرب إلى أوروبا وعندها لن تبقى أوروبا ، بل ستتغير ملامحها وثقافتها وسلوكيتها .إنهم يدمرون ويُغرقون قارتهم التي لم تعد تحتمل غبائهم المقيت.
وبهذا ننتقل إلى البحث في الفكر الثقافي العربي.
وبعد هذه المقدمة المتواضعة نقول:
ماذا عن الفكر العربي ومن أين يستمد عناصر مكوّناته الفكرية والروحية والعقلية والوجدانية؟!!!والسؤال الكبير يقوم على .
هل يمكن للفكر العربي اليوم، أن يقدم نفسه للعالم من خلال منتج فكري وعقلي يتمتع بموضوعية، وعلمية ،وواقعية ،أم سيبقى أسيراً للفكر الغيبي ،والديني، والأفكار المتطرفة التي تنتج بالضرورة من تفسير للموروث الديني؟
2=من أين استمد الفكر العربي قديما عناصره ، وهل وأدها من خلال الفكر الديني وسيطرته على جميع مفاصل الحياة العربية والإسلامية؟!
3= هل الشعر العربي يمثل المخزون الوحيد للفكر العربي قديما ؟!! وعندما نقول الشعر نعني بكل ماتحمله القصيدة الشعرية من تجليات ،وجدانية ،وبيئية ،وثقافية ،وملحمية ،وحكمة. على اعتبار أن الشعر في جميع العصور ،كان البوابة الوحيدة للتعبير عن الذات العربية، في صحراء مترامية الأطراف، مليئة بالقبائل المتناحرة في أغلب أشهر السنة..كما لايمكن نسيان أثر تلك الصحاري والبوادي على الحالة العقلية، والنفسية ،والوجدانية للإنسان العربي.
4= تأثير الثقافة الفارسية في الفكري العربي ،ومكوّنه الأساس عبر الثقافة الزردشتية، والمانوية .
5= تأثير الثقافة السومرية ،والبابلية ،والآشورية على بواكير الفكر العربي من خلال المنتج التجاري ،والعلوم الفلكية، وقراءة الطالع وتقفي الأثر، والسحر .وغيرها.
6= تأثير اليهودية كمنظومة دينية وعقائدية، منظمة ،ومنتظمة، وتشكل أول منظومة دينية فكرية توحيدية بعد الديانة اليزيدية ــ قبل أن تدخلها أفكار عدي بن مسافر ـ،التي نشأت في مدرسة أريدو(ابوشهرين حاليا) وتقع إلى الجنوب الغربي من بابل . وكانت تعلم تلك المدرسة بوحد الآلهة بعد أن كانت لكل مدينة عدة آلهة. ومنها تخرج إبراهيم الخليل، كما أثرت الديانات القادمة من بلاد النيل (القبط الفراعنة) مثال الديانة الآتونية والآمونية ،وأهمها ديانة آتون الموحد الذي يؤمن بإله واحد .
وقد كان لليهودية الأثر الأكبر على القبائل العربية حيث تهوّد أغلبها قبائل . كقبيلة بني قريظة والقينقاع، والنضير ،ويهود بني غطفان، وخيبر ،ويهود وادي القرى، ويهود الدومة ،والجندل والديان، ويهود البحرين، ويهود يثرب ،واليمن وتميم ،ويذكر الطبري أن النواس آخر ملكوك حمير قد تهوّد وتهوّدت معه حمير بكاملها ،وانتشرت اليهودية بين القبائل العربية كافة ،ويجب أن نفرق بين من تهوّد من العرب ،ومابين من هم يهود كيهود الحجاز ،وشمالي الجزيرة العربية، الذين هم بالأصل من العبرانيين .وهكذا نرى أثر الفكر الديني اليهودي في التكوين الروحي الذي سيكون مقدمة لظهور الرسول العربي ،وفي السيرة النبوية لأبن هشام نجد ذاك التأثير الواضح بين التشريع الإسلامي ،والتثنية في التوراة بشكل جلي لا لبس فيه، كما وحدة المعتقد في إله واحد . ورسول هو الذي يُبلغ الرسالة لشعبه ، كما نجد تتابع التأثير لمختلف الثقافات ،والموروث الفكري من خلال كتاب للشهرستاني الموسوم( بالملل والنحل )والذي يقرب لنا الصورة الحقيقية ،على العادات والتقاليد ،والمفاهيم والفكر الثقافي الذي أبقاه العرب حتى فيما بعد الدعوة ،وتأثر ذلك الفكر بديانات الأقوام ، التي سبقت الإسلام كالزردشتية والمانوية والأبيونية والصابئة .
7= تأثير الديانة المسيحية في تكوين الفكر العربي من خلال الفكر النسطوري والمذهب الأبيوني..
8= كما لعب التحريض الذي نشأ ،مابين اليهودية السابقة للمسيحية على أرض الجزيرة العربية وما جاورها، ومابين المسيحية، التي بدأت تغزو تلك الديار، فكان لابدّ من نشوء خلافات أدت إلى الإيقاع مابين الراهب النسطوري الذكي عدّاس(بحيرا ) .ومابين مطران مكة (ورقة بن نوفل)العجوز .وتمكن اليهود من الإيقاع بالراهب عدّاس، بأن أرسلوا إليه فتاة تفتش عن خبز زائد في الدير، وبعد افتضاح أمره، بدأ اليهود يوغرون صدر المطران ورقة بن نوفل ، بينما هم أنفسهم راحوا يدسون الحقد في صدر الراهب الذكي الذي يجب أن يتسلم مقاليد المطرانية في مكة ،بدلاً من الرجل شبه الجاهل قياسا على ذكاء الراهب.وكان الهدف زعزعت أركان المسيحية في الجزيرة ،وما حولها. وهكذا تمتد المؤامرة حتى كنيسة القلنسوة التي ابتناها أبرهة الحبشي،حين كان قد أصبح حاكما على حمير، وكان يريد أن تكون كنيسة القليس أوالقلنسوة، مكانا يحج إليه العرب بدلا من الكعبة..ضمن هذه المؤثرات ،والعواصف وتأثر المنطقة بالثقافة السورية ، من خلال رحلتي الشتاء والصيف التجارية لبلاد الشام التي لعبتا دوراً هاما في تطور الفكر الصحراوي وكان لانتشار الأبجدية الآرامية واللغة السريانية في الأديرة وغيرها.كان الأثر الهام على المشهد الفكري والروحي . مما جعل الرسول محمد يقول لزيد بن ثابت أتجيد السريانية قال لا!؟!! قال إذهب وتعلمها لأنها لغة الملائكة ، فذهب زيد وتعلمها في سبعة عشر يوما، هذا ماجاء في كتاب القلم والدواة لمحمد بن عمر المدائني ، نسوق هذه الجزئية للأثر الهام الذي شكلته لغة اليهود ،والمسيحيين في تلك الديار .وعلى ما تختزنه من فكر ديني، إضافة لما كان العرب يعبدونه . ونقصد عبادتهم لبنات الله كما كانوا يسمون ( اللات والعّزى ومناة ) .
9=والسؤال .كيف تشكل الفكر الإسلامي وبذوره الأولى ، وهل لعب غار حرّاء (دير حراء).دورا هاماً ؟!! حيث أن ذاك الغار كان يجتمع فيه الرهبان وكان جبر النصراني ،الذي كان يفسر الإنجيل والتوراة للناس في ذاك الدير ،حتى أن قريش تتهم الرسول في بدء دعوته ،بأنه لا يأتي بأكثر من جبر النصراني .(السيرة النوبية لابن هشام).
بعد هذا لابدّ من أن نأتي على خلاصة السؤال التالي:
1= كيف يمكن أن يقدم الفكر العربي الحالي نفسه كمنتج ثقافي فاعل في صنع الحضارة البشرية؟!!!
وقبل الإجابة عن هذا السؤال. لابد أن نسوق ،مجموعة حقائق، لايمكن لعاقل ،وأن ينساها أو يحذفها من الحقيقة التاريخية ،وهي أن الفكر العربي، لم يكن في جميع مراحله فكراً عجاف خاصة بعدما احتل العرب بلاد الشام ،وبلاد مابين النهرين، ومصر القبطية .فهناك القوانين والعلوم والثقافة والترجمة في قمة وجودها وفاعليتها كما أنها بلاد خيرات لايمكن لمنطقة صحراويها أن تمتلكها وهذا كله أثر في تكوسن شخصية بدأت تتشكل فيما بعد الفتوحات.حيث
توسعت رقعة الفتوحات الإسلامية ،ودخل الدين الجديد شعوبا وقبائل ذات ثقافات مختلفة ومتنوعة.وكانت الدولة الأموية قد مرت ـبمجموعة من التطورات الفكرية، واللغوية ، والعلوم الخاصة بالتجارية والعمران، وتعرفت إلى شيء من القانون الذي كان منتشراً على الأرض السورية، وجاء العصر العباسي ،وكانت الثورة الفكرية، تتأجج في جميع جوانبها ،وزاد على ثقافتها التراث الفكري في بلاد مابين النهرين، وبلاد الشام ، وزدات من وتيرة التقدم الفكري والحضاري حين أضطلع العرب على الحضارة الآشورية السريانية الكلدانية ،وما قدموه لهم من ترجمات من اليونانية والفارسية والهندية حيث ترجموا أمهات الكتب وغيرها إلى اللغة العربية ،وحين أدرك الخلفاء أهمية الترجمة ،شجعوا هؤلاء التراجم عليها وابتنوا دار الحكمة كمعلم من معالم الثقافة في ذلك العصر.فكانت بغدان (دار السلام ) أحد أكبر المنارات الفكرية في الحضارة الإنسانية.وقد نتج عن هذا الحراك والفعالية الإيجابية، ومع دخول أقوام عديدة وأمم، إلى الدين الجديد. حيث نشأت الحاجة إلى تفسير للآيات، ومدى فعاليتها فنشأ علم الكلام ،عن طريق المعتزلة الذين يمثلون الجانب المادي ،والواقعي من الفكر الإسلامي.وهنا لابد من الفصل مابين الفكر العربي ،قبل الإسلام وما بعده فترة الفتوحات. حيث نجد أغلب العلماء الذين نشاؤوا في كنف الدين الجديد، كانوا من غير العرب .وهؤلاء حملوا معهم ثقافاتهم التي أغنت الفكر الإسلامي .فالحضارة العربية الإسلامية ليست إلا حضارة الأمم والشعوب التي دانت بالدين الجديد..
وفي هذا السياق نجد اختلاطات عدة ،دخلت على الفكر العربي الصحراوي ،فقد دخل للشخصية العربية القادمة من الصحراء فكراً فلسفياً من خلال الشعب الآشوري والآرامي في بلاد مابين النهرين، وسوريا ، والفكر العلمي في بلاد النيل، وهكذا الفكر الأمازيغي حيث أثر كثيرا في الحضارة العربية كما في المشرق.
لكن الفكر العربي الإسلامي، يُصاب بعدة عوامل أدت إلى تراجعه ،لابل انحداره بعدما كان قد وصل إلى ذروته، من العلم والثقافة ،فبعد دخول الفاطميين والمماليك في مصر ودخول الأقوام المشرقية على حكم بغداد وسقوطها على أيدي المغول والتتار، مرورا بالفترة العثمانية التي امتدت إلى ثورة الحسين الكبرى عام 1916م والتي جعلت من الفكر العربي يصل إلى مرحلة الجفاف لولا مدارس في بيروت ودمشق والقاهرة.
بعد هذا العرض الأخير الذي كان يجب أن يسبق سؤالنا الذي طرحناه سابقا والقائل:
كيف يمكن أن يقدم الفكر العربي الحالي ،نفسه كمنتج ثقافي فاعل في صنع الحضارة البشرية؟!!!
لكي نجيب عن هذا السؤال الهام والأخير. لابد من أمور عدة على الدول القطرية والمجتمعات العربية العمل عليها مع رجالات الدين، ومراكزها.فأول الأمور التي يجب أن يقوم عليها المشروع النهضوي العربي فكريا ليكون فاعلاً ومنفعلاً في صنع الحضارة العالمية عليه أن :
1= أن يستيقظ من سباته السديمي وأن يُحدث ثورة بيضاء، تقوم على فصل الدين عن الحكم.والابتعاد عن الانفعالية، والشوفينية، والبحث عن مصالحة مع الواقعية والعلمانية.ورفضه القدرية والاستبداد الفكري .
2= إنتاج برامج، ومناهج تربوية، تقوم على مبدأ العلوم التطبيقية، وليس العلوم الغائية والغيبية والقدرية وتكوين عقل ناقد ومنتج وقادر على تفهم عمق الفلسفة الحياتية.
3= أخضاع ،الموروث الثقافي، والفكري ،و الديني. وغيره إلى عملية نقدية، وبشفافية عالية ،لكي يتمكن الإنسان من التحرر من معتقده ومن الإرهاب الفكري الكامن في شخصيته وأعماق روحه ونفسه وعقله ، وهذا التحرر هو الأساس الذي يُبنى عليه في عملية ، التقدم والتطور العلمي والإنساني وغيره.
4= التحرر من الفكر الغيبي باعتباره منطلقاً ،للقدرة على تأسيس فكرٍ حر. والحرية المنضبطة أساس البناء ضمن المنظومة العالمية.فلا حرية مع التمسك بالفكر أحادي الجانب ومميت ومقيت.
5= إنّ أساس مشاركة الفكر العربي في الفعل الثقافي والحضاري العالمي، يبدأ من حيث العنوان العريض التالي والقائل. :لا تقدم مع التعصب، والشوفينية ،والثقافة القائمة على اعتبار قومي وديني ، أفضل قوم في العالم وأفضل دين موجود.(التميز غير المفعل لصالح الوقع).
6= إصلاح الخطاب الديني ،والسياسي ،والتربوي ، في الواقع العربي ، وقراءة الذات والذاكرة الجمعية ،من أولى المهام التي لابدّ أن تكون ،كيما نعيد تأهيل الخطاب للفكر العربي نحو مشروعية وفعاليته حضوره العالمي.
7= معالجة علمية لعمق الشخصانية العربية ،التي تشوبها العديد من الأمراض المستعصية.ولايمكن أن تبدأ مرحلة العلاج ،بدون الإيمان بتغيير مناهج الحكم ،والتشريع، وعدم التمييز بين الرعية ،سواء من حيث العرق أو المذهب أو الدين.والانتهاء من مقولة هذه الأرض وقف لنا .وغيرها من مقولات لاتساعد على ملامسة الواقعية، بل تعمل على الثبات في المكان والعالم يتغير ويتحرك ،وينتقل نحو فضاءات أرحب، ومفيدة .لهذا نجد بشكل واضح لا لبس فيه الفجوة والتباعد مابين الواقع والتحقق ، وما لم تتكاثف الجهود في مشروع وطني ،في البداية،يقوم على إصلاح الذات في كلّ جوانبها ومحاورها ، لايمكن أن نتمكن من توحيد خطاب عربي شامل، يأخذ بعين الاعتبار أن كلّ التراث والسلوكية التي تسبق هذه المشاريع التأهيلية عبارة عن مخالفة للقيم العالمية ولايمكن لمن يروج لثقافة قطع الرؤوس ،والنكاح ،والجهاد كفرض عين، وإجبار العالم على الخضوع لإرادتهم، أن يكون هؤلاء ممن يسعون لصنع فعل السلام، والحرية لكلّ الناس.ويريدون أن يُقنعوا العالم بخطابهم الفكري والعقلي المفيد وغير الشوفيني..
إنّ هؤلاء لا أمل منهم ،مالم يتخلوا ،عن منظومتهم الفكرية، ويُشكلوا على ضوء الواقع وبمساعدة العلماء والمفكرين منهم ، الذين يرفضون هذا الفكر جملة وتفصيلا، لإيجاد مناهج تقوم على فصل العلوم الدينية، عن العلوم التعليمية، والفكرية، والثقافية، وتربية أجيال على الإيمان بالعدل والحرية والسلام ، تؤمن بحق الآخر في الحياة والتملك وتحقيق شخصيته القومية وغيرها، وأن الدين سلوكية ،وهو علاقة فردية ما بين الخالق والفرد ،ولايوجد دين أفضل من غيره ولا يوجد إنسان أفضل من إنسان ،وأن يخلو الخطاب العربي في كلّ اشكاله من سلوكية الدجل الذي تعيشه الشخصية العربية ،في عمقها المتناقضة دوما مابين قولها، وفعلها ، لهذا يجب أن يرفق القول فعلاً فاعلاً لا منفعلا.. مما يُنتج عنه تفسيرا وحيدا، هو الذي يؤكد الحقيقة، التي يجب أن تكون .وإلا المجتمعات العربية والإسلامية ستبقى في حروب مستمرة سواء فيما بينها ، أو مع مايخُالفها في الدين والسلوكية والحكم حتى يوم مالا نعلم متى... .
إنّ الفكر العربي يمر في أحلك مراحله ،ويُجسد أعنف جوهره، وتجربة المأساة العراقية والسورية أمامنا كحقيقة لاتقبل الجدل.وهذا كافٍ ليحارب العالم كله هكذا فكر .
غيروا في مناهج تفكيركم، جددوا في رؤيتكم وأفكاركم قبل فوات الأوان .
وأخيراً من يؤمن بآلية ببغاوية لايمكن له أن يصنع خطاباً يُقدمه للعالم ويُقنع ذاك العالم بحقه في المشاركة لصنع الحياة.
شاعر وكاتب وباحث سوري مستقل يعيش في ألمانيا.
ألمانيا في 13/7/2017م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة