الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السُّوْدان والاحتلالُ الأجنبي ..!

فيصل عوض حسن

2020 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


اتَّهَمَ النَّاطق باسم العَسْكَر السُّودانيين في 28 مايو 2020، (الجيش) الإثيوبي بمُساندة ما وصفهم بمليشيات إثيوبِيَّة، في الاعتداء على المشاريع الزراعيَّة بمنطقة بركة نورين (السُّودانِيَّة)، الذي أسْفَرَ عن مَقْتَل وإصابة وفُقدان عددٍ من الجنود والمُواطنين (السُّودانيين). فضلاً عن نزوح نحو (2000) مُواطن سُّوداني للقُرى المُجاورة، وفقاً لتصريحات مُدير الزكاة بمحلية القريشة يوم 30 مايو 2020.
اللَّافت في الأمر، هو إدانة الجهات (الرسميَّة) السُّودانِيَّة الواضحة/المُباشرة للسُلطات الإثيوبِيَّة، حيث ذَكَرَ النَّاطق باسم العَسْكَر السُّودانيين صراحةً، ولأوَّل مَرَّة، أنَّ (الجيش الإثيوبي) يُسانِد المليشيات في التَوَغُّل داخل السُّودان، والتعَدِّي على المُواطنين ومُمتلكاتهم. كما أكَّدَ والي القضارف خلال تَفَقُّده لجرحى الاعتداء، يوم 30 مايو 2020، على أطماع الإثيوبيين في الأراضي السُّودانِيَّة، ولم يستبعد حدوث أي سيناريوهات على الأرض! رغم تأكيدات الخرطوم السَّابقة على بدء اللجنة المُشتركة، بوضع العلامات الحدوديَّة بين البلدين في أكتوبر القادم، وانتهائها من عملها في مارس 2021! وفي سياق الأحداث، ذَكَرَت وسائل الإعلام يوم 30 مايو 2020، أنَّ وزارة خارجِيَّة الخرطوم استدعت القائم بالأعمال الإثيوبي، وأدَانَت تَوَغُّل مليشياتهم المسنودة بجيشهم داخل السُّودان، وطَالَبَت بوقف هذه الاعتداءات والاحترام المتبادل، واستخدام الموارد الطبيعيَّة والاقتصاديَّة، دون تَغَوُّل طرف على الآخر. في ما سيطَرت (العواطف) على تقديرات الرأي العام السُّوداني، إذ مضى الغالبيَّة لوصف ما جرى بـ(الخديعة/الفتنة) المصريَّة، للإيقاع بين البلدين السُّودان و(شقيقته) إثيوبيا، ونادوا بـ(تفويت) الفرصة على المصريين وتلافي الحرب مع إثيوبيا بالوكالة وغيرها من التقديرات (العاطفيَّة)!
إنَّ المُعطيات (الواقعيَّة) والثوابت التاريخيَّة المُوثَّقة، تُثبت دون جَدَل أنَّ السُّودان يُعاني من الاحتلال، سواء كان السياسي (غَلَبَة السِّلاح/القُوَّة)، أو الاقتصادي (غَلَبَة المال). ولو أخذنا الاحتلال بالقُوَّة، فنجده مُتجسَّداً تماماً في حالتي إثيوبيا ومصر، ومن المُؤسف/المُؤلم انقسام السُّودانيين بين هاتين الدولتين، واعتبارهما (شقيقتين) والاحتماء بإحداهنَّ لمُواجهة شرور الثانية، دون استحضار أطماع الإثيوبِيّين/المصرِيّين القديمة والماثلة في السُّودان، واحتلالهما (الفعلي) لأجزاءٍ واسعةٍ من أراضينا، مما يعني عدم (تَمَيُّز/تفضيل) إحداهما على الأخرى! والحقائق المُؤلِمة والمُعاشة فعلاً، تقول بأنَّ مصر بدأت باحتلال حلايب، وواصلت تَوغُّلاتها في العُمُوديات بشمال وادي حلفا، حتَّى أصبحت أرقين ميناءً بَرِّياً لمصر، بعدما كانت حدودنا معها في قسطل! في ما بدأ الإثيوبيّين باحتلال الفشقة، وواصلوا تَوَغُّلاتهم حتَّى منطقة الدِنْدِرْ وأقاموا فيها (قُرىً) كاملة، حسب صحيفة اليوم التالي في 2 يناير 2018! وبالنسبة للاحتلال الاقتصادي بـ(غَلَبَةِ المال)، فقد بَاعَ المُتأسلمون مساحاتٍ شاسعةٍ من أراضينا ومشروعاتنا للصين وروسيا والسعوديَّة، وميناء بورتسودان للإمارات ومَنَحوا ميناء سَوَاكِن للأتراك وغيرها.
تَوقَّعنا عقب الثورة (الموءودة) أن تتغير الأوضاع، إلا أنَّ حُكَّامنا (عَمَّقوا) الاحتلال أكثر، فبدلاً من استرداد أراضينا ومُقدَّراتنا المُبَاعَة، وتقديم شكاوي رسميَّة ضد مصر وإثيوبيا لدى الجهات العدلِيَّة الدولِيَّة، كمجلس الأمن والأمم المُتَّحدة والاتحاد الأفريقي وغيرهم، يُؤدي حُكَّامنا دور (الوسيط) في خلافات الدولتين، ويتغافلون عن احتلالهما لأراضينا وانتهاك سيادتنا وأرواح مُواطنينا ومُمتلكاتهم. ثُمَّ أكمل الدكتور حمدوك (المصائب)، وطَلَبَ (مُنفرداً) ودون تفويضٍ شعبي، من الأُمم المُتَّحدة (الوِصَاية) على السُّودان، وَسَلَّمَ مجلس الأمن إدارة وتنظيم جميع شئوننا (الدَّاخِليَّة والخارجِيَّة)، وجَعَلَه رقيباً وحسيباً على بلادنا عبر بعثاته/عملائه المُرتقبين، دون حدودٍ أو استثناءات، وهذه جميعاً أمورٌ فَصَّلتها في عددٍ من المقالات، كمقالة (أَمَا آَنَ اَلْأَوَاْنُ لِإِيْقَافِ اَلْصَلَفِ اَلْإِثْيُوْبِيّ) بتاريخ 13 أغسطس 2017، ومقالة (اَلْبَشِيْرُ وَتَعْمِيْقِ اَلْاِحْتِلَاْلِ اَلْمِصْرِيّ لِلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 19 أغسطس 2017، ومقالة (تَسْلِيْمْ وَتَسَلُّمِ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 17 أكتوبر 2017، ومقالة (اَلْاِلْتِقَاْءُ اَلْإِثْيُوْبْيُّ اَلْإِرِيْتْرِيْ: قِرَاْءَةٌ مُغَاْيِرَة) بتاريخ 23 يوليو 2018، و(اَلْسُّوْدَاْنُ مَسْرَحُ اَلْدُّمِي) بتاريخ 5 أغسطس 2018، و(اَلْمَشَاْهِدُ اَلْأَخِيْرَةُ لِمَخَطَّطِ تَمْزِيْقِ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 19 أبريل 2019، و(مَتَى يَنْتَبْهْ اَلْسُّوْدَانِيُّون لِعَمَالَةِ حَمدوك) بتاريخ 10 فبراير 2020 وغيرها الكثير.
الرَّاجح عندي أنَّ التصعيد الإثيوبي سيتواصل لالتهام المزيد من أراضينا، ثُمَّ فرض الأمر الواقع سواء ما يتعلَّق بموضوع سد النهضة الكارثي، أو حين توقيع اتفاقِيَّة ترسيم الحدود (رسمياً)، ويتأكَّد هذا الأمر أكثر إذا قرأناه مع عمليات التعمير الضخمة، التي ينتهجها الإثيوبيُّون في أراضينا المُحتَلَّة، بما في ذلك حظيرة الدِنْدِرْ التي لا يجوز التَغَوُّل فيها لأنَّها محميَّة طبيعيَّة، حتَّى من السُّودان (صاحب الأرض) دعك إثيوبيا المُحْتَلَّة، ومن غير المنطق أن يصرف الإثيوبيُّون كل هذه الأموال في أرضٍ لا يثقون بأيلولتها لهم. ونفس الأمر ينطبق على الأراضي التي يحتلَّها المصريُّون، كمُثلَّث حلايب أو الأراضي النُوبِيَّة وغيرها من الأراضي التي مَنَحها لهم المُتأسلمون، حيث تعمل مصر على تعميرها بدعمٍ كبيرٍ و(مفضوحٍ) من دولٍ نصفها أيضاً بالشقيقة! لكن الأخطر في الموضوع، أنَّ كلتا الدولتين (إثيوبيا ومصر) ومن يساعدهما من العالم الخارجي، يفعلون ذلك بعلم ومُباركة الحاكمين في السُّودان، سواء الحُكَّام الحاليين أو البشير وعصابته الكيزانِيَّة، الذين يتحاشون تماماً الإجراءات الجادَّة/الفعَّالة لإيقاف تعديات هاتين الدولتين، رغم القدرة على ذلك ويكتفون فقط بالتصريحات والبيانات المُضلِّلة والكذووبة، في ما يمضي المُحتلُّون في مُخطَّطاتهم الاستعمارِيَّة، ونحن كشعب مُشَتَّتون بين هؤلاء وأولئك!
إنَّ الآخرين لا يتجَرَّأون على الصعود فوق ظهورنا ما لم نَنْحَنِ، وما أكثر (انحناءات) حُكَّامنا و(غفلاتهم) التي لم نِجْنِ منها غير التَرَاجُعِ والفشل، والواقع الذي نحياه فعلياً يُؤكِّد بأنَّنا دولة مُحتَلَّة تحتاجُ للاستقلال، وهذا (وَاقِعٌ) يستحيل إنكاره بالهتاف والمُكَابَرة، أو تجميله بالاصطفاف خلف الآخرين ووصفهم بـ(الأشقَّاء)، وإنَّما التعاطى معه بجِدِّيَّةٍ وتَجَرُّدٍ وحَزم. والجِدِّيَّة تكون بحسم الاحتلالين المصري والإثيوبي (معاً)، دون استثناء دولة منهما، وهذه مسئوليتنا كشعب بالدرجة الأولى، وعدم تَرْك الأمور لحُكَّامنا الذين لا يُجيدون غير الانبطاح والتضليل. وهنا، أُجَدِّد دعوتي السابقة للقانونيين السُّودانيين (الشُرفاء)، لإعداد شَكَاوي قانونيَّة (رصينة) ولنضغط جميعاً (نحن السُّودانِيُّون) على حُكَّامنا لتقديمها للأُمَم المُتَّحدة ومجلس الأمن بصورةٍ رسميَّةٍ وعاجلة، لإدانة الاحتلالين الإثيوبي والمصري، وتثبيت حقوقنا في بلادنا وخيراتها وهو أمرٌ مُتاحٌ بما لدينا من إثباتاتٍ عديدة وموثوقة. وليتنا نترك (عواطفنا) جانباً ونتعامل بمنطق الحقوق والمصالح، أُسوةً بالتنظيمات/الكيانات المصريَّة والإثيوبيَّة، الذين رفعوا مُذكِّرات سابقة يَدَّعون فيها ملكيتهم لأراضينا، رغم أنَّ بلادهم (مُعْتَدِيَة) وبلادنا (ضحيَّة).
لكي نصف دولة بالشقيقة، لابد أن تستند علاقاتنا معها على التقدير والاحترام والتعاوُن المُتبادل، والشَّعبُ الشَّقِيقُ هو الذي تَرْبِطُنا بِهِ رَابِطَةُ الإنسانِيَّة والأخلاق والحب الحقيقي، ومن الاستحالة أن يُؤذي الشقيق شقيقه ويغدرُ به ويبني سعادته على أنقاضه، ولا اعتقد أنَّ الإثيوبيين والمصريين وغيرهم يلتزمون بهذه المضامين في تعاملهم معنا. ورُبَّما يقوم الإثيوبيُّون بـ(تمثيليَّة) لتضليل السُّودانيين وامتصاص غضبتهم، لعلمهم الأكيد بطبيعتنا المُرتكزة على (العواطف)، ولكن علينا إعمال عقولنا والتعامل بموضوعِيَّةٍ وجِدِّيَّةٍ وحزم، مع تجاوُزاتهم الاستعمارِيَّة هم وغيرهم من المُتجاوزين الذين نصفهم بـ(أشقَّاء)، إذا أردنا اللحاق بما تبقَّى من البلاد والعباد.. وللحديث بقيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة