الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية أرض الدولة ولغة الاحتجاج أدبيا

خالد الصلعي

2020 / 6 / 4
الادب والفن


رواية أرض الدولة او لغة الاحتجاج أدبيا

بقلم : الاستاذ محمد سعيد المقدم

شرفني الأستاذ الأديب ، خالد الصلعي ، بإهدائي نسخة من روايته ، أرض الدولة ، وهذا طبعا هو العنوان الرئيسي للنص الروائي ، مع عنوان توضيحي مضاف أسفل العنوان السابق ، ( أو إنسان مع وقف التنفيذ ) وكما هو ظاهر يبتدأ هذا العنوان الأطول من حيث الكلمات ، والأصغر من حيث الأهمية و الترتيب بكلمة ( أو ) مما يفيد ميزة الاختيار بين العنوانين شكلا ، بينما الغاية من وجودهما معا هو تحقيق نوع من التكامل ، الذي يحيل القارىء من خلال الأول ، إلى مكان وقوع أحداث الرواية ، ومن خلال الثاني ، إلى المادة الإنسانية في النص والتي يقصد بها الإنسان طبعا ..
لم يكن اختيار اللون الأسود لواجهة الكتاب ، صدفة ولا مجرد مسألة ذوق فني ، الأمر أيضا يتعلق بلون العنوانين ، وهو الأحمر ، فلإقتران هذين اللونين دلالة بالغة الدقة ، وذاك ان الرواية سوف تنقل بشكل صادق وصادم ، واقعي وناطق بحقيقة المعاش ، بعض المشاهد المرعبة التي تعرفها المنطقة ، بحيث لن يختلف قارئن بأن الرواية ، وهبت نفسها لسانا ناطقا بفداحة عيش هو من حيث البعد الانساني عيش على الهامش ، ومن حيث التموقع الجغرافي ، هو عيش في قلب طنجة الحامل لتداعيات تاريخ العصر الحديث لهذه المدينة ، وماعرفته من تقلبات عمرانية واجتماعية وسياسية ، ألا وهو حي بني مكادة الشهير ، فتلك أرض الدولة ، هي واحدة من مساحات متجاورة تنتهي حدودها عند بعضها البعض ، والتي تتألف من أحياء ، علي باي ، موح باكو ، أرض النصارى ، حي مبروكة ، بني مكادة وارض الدولة ، ثم تكون بؤرة التصاعد الدرامي في الرواية ، تحديدا في ساحة تافيلالت و المبنى التجاري المستحدث في عين المكان ، الى عتبات مستشفى أبو بكر الرازي و وثلاث مدارس تعليمية ولادة ، والمهدي ابن تومرت ، خديجة أم المؤمنين ، ومركز معالجة الإدمان ..
هؤلاء الاشخاص المنبوذون ، والذين تم الايقاع بهم خارج مدار الدمج والرقي والاستفاذة من مظاهر التقدم الانساني الحضاري بطنجة ، سوف ينتقي لنا الكاتب منهم نماذج وباحترافية مبهرة ، أترك لأي كاتب أو ناقد متخصص مجال التعرض لهم واحدا واحدا بالتفصيل وبقراءة الابعاد الرمزية الدلالية التي تحيلنا عليها أجناسهم ، وأسماؤهم ، وسيرهم ، التي اختلفت مابين البطولية الملحمية المجسدة في شخص ، الكبيري ، هذا الرجل الأسطورة الذي لاحقته عن كتب كما لاحقت كثيرين أعين الشخص الصامت ضمنيا ، والذي أطلق عليه الكاتب اسم صاحبنا تارة وتارة اسم بطلنا ، فكانت اعينه نوافذ يطل من خلالها الراوي ، ومن العادي جدا ان يعتقد بعض القراء ان الكاتب هو فعلا ذلك المراقب الصامت الذي افتتحت الرواية بالحديث عن خطوط يومياته العريضة ، قلنا ان رصد هذه الشخصيات يتحرك في خط تنازلي من سيرة العملاق الكبيري ، حتى يرسو عند نقطة وفاة حميدو ، والذي سوف يخلف أثرا عميقا في نفس القارىء ، لانه فعلا ومن بين كل شخوص الرواية ، كان تجسيدا حيا وذكيا وبالغ المهارة ، لذلك الانسان الذي قيل عنه في العنوان الفرعي المكتوب بلون الدم ، إنسان مع وقف التنفيذ ، ونحن نعلم ان اللغة الروائية مفتوحة على جميع لغات التعبير الانساني ، فان كان تخصيص عنوان الرواية الرئيسي ذا دلالة مكانية ، كما هو عرف اكثر واشهر روايات العالم ، فان عنوانا يتضمن جملة مع وقف التنفيذ ، يحيلنا مباشرة ، الى لغة القانون والادارة ، والخطاب الرسمي عموما ، سياسيا كان أم جمعويا ، تم اخضاعه بقدرة الكاتب الى سلطة الحكي الروائي القابل طبعا لاستقطاب كل انواعية الخطاب ، ودمجها وذوبانها في متنه ، وهذه قدرة ليست متاحة الا للبارعين في هذا المجال الادبي الصعب ..
على الرغم من قصر الرواية ، استطاع كاتبنا خالد الصلعي ، ان يحيط بتاريخ منطقة أرض الدولة وواقعها المعاش ، ومأساة أجيال بكاملها ، وقعت فريسة ادمان المخدرات الصلبة ، في غفلة أو تغافل مقصود من طرف الدولة وفئة عريضة من الشعب ، اكتفت بالبحث عن امكانية تحقيق مصالحها المادية الشخصية ، لذلك نعتبر هذه الرواية رواية سياسية نقدية اجتماعية بما لا شك فيه ، تحرك اصبع اتهام يعرف وجهته تماما بلسان لا يهادن ، لسان صدق شجاع غايته تحديد مكمن الداء في مجتمع أناني ، الرواية مرثاة حقيقية ، لم تستثن الرجال دون النساء ، موت احميدو في النهاية من جراء شعوره المقيت بالذل والاحباط ، هو موت شريحة كبرى من شباب البلد ، شباب شاخوا قبل الاوان ، وكان من الممكن لو وجدت النية الصالحة لدى من هم أهل المسؤولية ، والذين فرطوا تفريطا ، كان من الممكن ان يكونوا كما هو مفترض عماد الوطن ، وقوام تطوره ونجاحه ، لكن للاسف كان الانسان اخر اهتمامات الانسان ، في عالم لا يرحم ولا يعترف بادمية البشر ، في مكان استطاع الشر خلاله ان يخرس قلب الأم ، حينا من الدهر امام عاطفة الحب والحنان التي سرقت منها جهرة ، ثم ردت اليها حرقة قلب لن تشفى ابدا ، من يتوقف عند الصفحة ( 82 ) من الراوية ، سوف يشعر بمدى حسرة وألم تلك السيدة المفجوعة في ابنها تلك السيدة التي ترمز قطعا لطنجة للوطن للحب للحياة ، أمنا وحياتنا جميعا ..
شكرا استاذنا خالد الصلعي ، على هذه الاضافة الهامة والمميزة للحقل الثقافي الأدبي الروائي المغربي ، والتي ستظل صرخة احتجاج تؤرق مضاجع الشرفاء ، وتنوح بنبرة تجريم لا غفران له لكل من خانوا الامانة ، الا ان يصلحوا بعدما أفسدوا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن