الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشتغالات المُيَسر في المسرح التفاعلي

وسام عبد العظيم عباس

2020 / 6 / 5
الادب والفن


شكل ظهور المسرح التفاعلي نقطة انطلاق لدخول عصر جديد في فهم الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص، إذ تجسد ذلك في رصيده الوافر، من عروض ونصوص وتنظيرات وتجارب حقق منها هذا المسرح رؤية مركزية شاملة، رسم بها ملامح إستراتيجيته الفنية، مرتكزاً على مفاهيم أظهرها في تجاربه المسرحية تطبيقياً من خلال مجموعة من التقنيات التي ظهرت في المسرح التفاعلي وليس غيره من المسارح فلم تقف وسائله التقنية والجمالية من تحقيق العرض التفاعلي في حدود خصوصية كتابته للنص المسرحي أو الرؤية الإخراجية وما تحمله من معالجات، بل سار بها إلى توظيف جمالي جديد وشامل، شمل العملية المسرحية برمتها، محققاً معها نمط لعلاقة جديدة في المسرح بين الممثل والمتفرج ، وقد امتدت اشتغالات المسرح في مجمل توجهاته الحديثة إلى منعطفات وتفاتات متنوعة, ابتُكِرَتْ لتغطي الاحتياجات المتطورة للمسرح, فضلا عن استعراض القدرات التي يمكن للمسرح التفاعلي الوصول إليها, عبر مخاطبة فئات المجتمع كافة ، اذ جاءت خلال العرض صيغ ومرتكزات جديدة قادرة على التعليم والتوجيه والمتعة والتسلية معا بإشراك الجمهور إشراكا فعليا وإنزاله إلى ميدان التمثيل .
المسرح التفاعلي هو مسرح حي للتنشيط الاجتماعي ، يتيح للجمهور امكانية التفكير التواصل والتفاعل والتعبير والمناقشة مع الممثلين وفيما بينهم بكامل الحرية لدرجة يصبح المتفرج مشتركاً بالنص والتمثيل ورسم الحركة . ومن جملة المرتكزات التي يعتمدها هذا المسرح هي المُيَسر في المسرح التفاعلي ، المُيَسر تسمية اطلقها الباحث على الشخص الوسيط بين الممثلين والمتفرجين للتحكم في سير العرض وتوجيهِ الممثلين ودفع (المتفرج-الممثل) بالاتجاه الذي يساعدهُ للاشتراك والتفاعل مع احداث العرض ، اذ انه بمثابة الشريان الرئيسي في العرض التفاعلي يأخذ على عاتقه ضبط ايقاع العرض من خلال توجيه بوصلة العرض اثناء فتح النقاشات مع المتفرجين ، ولم يعتمد الكاتب على مصطلح (الجوكر) الذي اطلقه (بوال) كون مصطلح (الميسر) هو اكاديمي وله دلاله واضحه ، على العكس من تسمية الجوكر التي في طبيعتها تحمل معان واوجه كثيره وتحيل لمفاهيم شعبية متعددة .
يُفهم من اسم الميسر انه شخصية متعددة الانشطة والوظائف داخل العرض المسرحي، اذ يستمر عمله منذ دخول الجمهور فضاء العرض حتى مغادرته اياه ، فعلى مستوى المواصفات فهو يميز كونه بشخصية تواصلية بأمتياز ، بوصفه مطواع مرن على الصعيد الجسدي والنفسي, قادر على استيعاب الحالة التي تتنامى أمامه, فليس عليهِ أن يظهر بأية حالة من الضعف أو التعب أو الإرهاق, فهو بمثابة المثل الأعلى، وعليه ايضا أن يحسب بدقة متناهية كل حركة أو إشارة تصدر عنهُ ، إذ أن الوضعية الجسدية له شديدة الأهمية. لان البعض منهم يميلون إلى الاختلاط بالجمهور والجلوس بين المتفرجين الممثلين، وهذا قد يتسبب في تشتت كامل فضلاً عن ان المُيَسر هو الذي يعطي اللعبة المسرحية مجالاً اوسع في تكوين علاقاته مع المتفرج للارتقاء بجدل واسع النقاش من خلال تبديل الدور واختيار اللحظات التي من شأنها تغيير مجرى الاحداث ، وان شخصية الممثل المُيَسر التي اضافت رونقاً فكرياً بجعل الحراك المسرحي نحو بلوغ الهدف وتعميق افكار المسرح ، يسعى دائماً لجذب الجمهور تجاه صيغة اللعب الجماعي او المشاركة سواء بأستدعاء بعضهم الى مناطق التمثيل للدخول في اللعبة ، او لتعديل الاداء او حتى لمجرد التعليق ،
اذ ان دور الميسر قائم على جعل التواصل ممكن بين المرسل والمتلقي ، ويكون دوره توجيهياً تعليمياً تحريضياً ، حيث تكمن مهمته في ربط العلاقات الموجودة على خشبة المسرح والمحافظة على توازن امكانية التواصل وجذب الاخر ليشارك في عملية تبادل الآراء ، وفي بعض الاحيان يكون له الحق في تغيير مفردات النص وابدال الممثل بأخر من المتلقيين ليقوم الاخر بالدور وطرح همومه من خلال الشخصية الممثلة .
ان المُيَسر يشكل النواة العملية او المركز الذي تقع عليه كل الانظار ويحظى بمتابعة مكثفة من قبل الجمهور، وان ما يقدمه المُيَسر يساند المتفرج الذي ابدى استعادة للتفاعل والتمثيل في الوقوف على الطريق الصحيح لأنشاء الاسلوب المطلوب للأداء ـ بوصفه حلقة الوصل بين الاحداث على خشبة المسرح وبين المتفرجين ، تمتاز هذه الشخصية بحياديتها العالية ووسطيتها ، اذ انه لا يتبنى ما يطرحه العرض ليُشعر المتفرجين بحياديته واعتداله ، كما لا يتبنى طروحات المتفرجين ، لانها قد تكون متضاربة وغير دقيقة ، بوصفها منطلقة من تقافات متعددة وكلها جديرة بالاصغاء والاحترام ، فهو لا يؤيد ولا يؤكد حتى في الحوار،اذ ينتقي الفاظه بعناية كبيرة ويتجنب كلمات مثل ( الصح ) او ( الخطأ ) الـ (نعم ) و الـــ(لا) بوصفه ميسراً فقط يسهل عملية التفاعل بين الممثلين وبين المتفرجين ، ويحفز المتفرج على المشاركة في منظومة العرض المسرحي من خلال كسر حاجز الجليد الذي يفصل بين الخشبة والصالة ، اذ انه يبدأ بتوضيح فكرة ونمط العرض في المسرح التفاعلي ، كما يبدأ بتعريف الجمهور بالممثلين كخطوة اولى لمد جسور التواصل والتفاعل بينهم وبين الممثلين ، ثم يبدأ بطرح الاسئلة العامة على المتفرجين ، هذه الاسئلة تمتاز بعموميتها وبساطتها و الغاية منها جعل المتفرجين يشعرون بالاطمئنان تجاه العرض ، بوصفه يطرح اشياء لا تجلب الحرج للمتفرج ، ثم تتطور عملية الميسر من خلال طلبه من الممثلين ان يعرضوا صورة ثابته باجسادهم ، هذه الصورة تحمل معان متعددة ، يبقى الممثلون في موقف الثبات ـ (Still picture ) ليُعاود الميسر الى دوره ، من خلال فتح باب حوار جديد من خلال توجيه الاسئلة للمتفرجين بطريقة ودية عالية تشعرهم بذواتهم واهميتهم كأن تكون صيغة السؤال ، لو شاهدت هذه الصورة في مجلة ، او جريدة ، او مواقع التواصل الاجتماعي ماذا ستعلق عليها ؟ ، اذ ان هذا السؤال في حد ذاته مفتوح وسهل وبأمكان الجميع ان يُجيبوا عليه ، فيبدأ الميسر ، بالاستماع لآراء المتفرجين واحداً تلو الاخر بشأن الصورة الثابتة التي قدمها المتفرجين بأجسادهم ، فيحاول ان يشجع المتفرجين المشاركين ، ويحفزهم بعد نهاية جواب كل متفرج ويمكن ان يكون الميسر مهذباً معهم وينهمي جواب كل فرد من المتفرجين ، بكلمة شكراً و بلطافة .
ان هذا الاداء التفاعلي للميسر ، يساعد في تحفيز الاخرين للمشاركة والتفاعل مع الصورة التي عرضها المتفرجين بأجسادهم ، هذا ما تحقق في عرض في مسرحية (ERROR) التي قدمها الباحث لصالح المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومنظمة الاغاثة والتنمية الدولية في بغداد ، قُدم هذا العرض في منتدى شباب الفاروق 22/8/ في حي الجامعة ببغداد2017 ، استمر العرض لمدة يومين ، ناقش هذا العرض اهم القضايا العالقة بين المجتمع ( المُضيف ) و المجتمع (النازح ) في بغداد ، اذ تناول هذه العرض جملة من القضايا التي يواجها المجتمع النازح في مخيم حي الجامعة في بغداد ، ومن اهم هذه المشاكل هي مشكلة التعليم بالنسبة للنازحين وطريقة التحاقهم بالجامعات ، بوصفهم نزحوا قسراً من مناطقهم ، ما سبب بالتخلف عن جامعاتهم الام ، وعدم السماح لهم بالقبول في جامعات اخرى ، بسبب جملة من المعوقات الادارية التي تواجههم ، اذ عملت المنظمات الراعية للعرض ، بدعوة جميع المسؤولين في وزارة التعليم والتربية الذين هم اصحاب قرار وذات صلة بالمشاكل المطروحة ، فتناول العرض معاناة الطلاب النازحين من مدينة الموصل باتجاه بغداد ، ومشكلة عدم التحاقه بالجامعة البديلة كموقع بديل للجامعة الاصلية بسبب المعوقات الادارية ، وعندما انتهى العرض ، قام المُيَسر بفتح باب الحوار والنقاش مع الجمهور ، تمثل الحضور بالمسؤولين اصحاب القرار ، والمجتمع النازح في مخيم حي الجامعة ، اذ قام الميسر بفتح حوار واضح وصريح امتاز بدرجة كبيرة من الشفافية ، اذ اتاح الوقت للمسؤولين المختص بوزارة التربية والتعليم ، كما اتاح للطلبة النازحين ان يدافعوا عن طروحاتهم ضمن انساق العرض ، وقد انتهى العرض بجملة توصيات ، ألزَمت ممثلي وزارة التربية و التعليم بمتابعة الموضوع ، وتسجيل جميع الطلبة الذين تخلفوا عن الالتحاق بالجامعات البديلة ، او الذين لم يتسنى لهم الالتحاق ، وقد تابع الفريق الاداري المختص بعد فترة من نهاية العرض وتم تلبية الاحتياجات للحالات القانونية .
ان العرض المسرحي التفاعلي يعتمد في مجملة على جهد ادارة الميسر للحوار بين طرفين المعادلة ، وضبط ايقاع العرض ، وتلافي المواضيع الجانبية التي لا تمت للعرض بصلة ، عن طريق ثكثيف الحوار وايجازه بالشكل الذي يتناسب مع اهداف العرض وجمالياته، آخذاً بنظر الاعتبار نهاية العمل المسرحي بالطريقة الحرة التي يمكن من خلالها الوصول الى نتائج مجدية تساهم تقريب وجهات النظر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى