الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العُنصُريّة ليست جُزءاً من طبيعة البشر

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2020 / 6 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


زميلي العزيز نزار المحترم
تحية عطرة ودعاء بالسلامة من الكورونا اللعينة .
وصلتني منكم مشكوراً مقالتكم التي تضمّنت موضوعاً مهمّاً في هذه المرحلة التي نمرّ بها ، وقد أتفق معك في الكثير من ما ورد فيها من تحليل واقعنا بالقياس إلى واقع الشعوب والبلدان المتحضرة ، ولست في مجال مناقشة النقاط التي نختلف بشأنها عدا نقطة واحدة وهي العُنصريَّةُ جزءٌ لا يتجزَّأ من الطَّبيعةِ البشريَّة، فمثلاً؛ على الرَّغمِ مِن كُلِّ الجهودِ الجبَّارة التي بذلها رسولُ الله (ص) على مدى [٢٣] عاماً لإِذابة الفوارقالعُنصريَّة بكُلِّ أَشكالها في المُجتمع الإِسلامي الجديد، إِلَّا أَنَّ [الصَّحابة] أَيقظوها من جديدٍ ما إِن رحلَ الرَّسول الكريم (ص) إِلى بارئهِ.
الفقرة هذه وقد جاءت عامة ومطلقة ، إنما تشبّثٌ إلى ما يشبه صياغة نظرية فلسفية في علم الإجتماع لتفسير تصرفات المجتمعات . لم يصل إلى علمي المتواضع أي مصدر علمي بحثي رصين يؤيّد ما ورد فيها ولذلك أحاول طرح وجهة نظري فيها :
1. تقول: العنصرية جزء من الطبيعة البشرية ولكن ما حجم هذا الجزء من كامل حجم الطبيعة البشرية ؟
2. تقول: العنصرية جزءٌ لا يتجزأ من الطبيعة البشرية ! ترى كيف وصلنا إلى أن العنصرية جزء ملتصق بالطبيعة البشرية والأسباب والمكان والزمان لهذا الإلتصاق الذي يؤدّي إلى نتيجة واحدة فقط أن لا يتجزّأ ، وكيف يمكن التحقق من عدم حدوث أي أمر يعكس الأمر في زمان ومكان معيّن في المستقبل.
3. ما هو وصف الطبيعة البشرية ؟ هل تعني الممارسة العملية للبشر في الحياة وكيف نعرف إن كان مصدرها من الفطرة أم الكسب ؟ وهل هذه الممارسات لاصقة بالبشر أينما كانوا من الكرة الأرضية وعبر الزمان وعلى إختلاف جنسهم أو لونهم أو عمرهم أو حتى إنتسابهم الأثني ؟
4. كانت حياة محمد ثلاثاً وستين عاماً والمعترف به من تاريخ حياته أنه كان أميناً وبدأت دعوته (فلنقل من يوم نزول الوحي عليه ) عندما كان في الأربعين وكانت فترة دعوته ( شخصياً ) ثلاثاً وعشرين عاماً فقط والتي لا يمكن إعتبارها إلاّ جزءاً ضئيلاً جداً بالقياس إلى عمر البشر الذي لم يتفق العلماء لحد الآن على طوله ولذلك لا يمكن إتخاذ تلك الفترة ، على الرغم من إعترافنا الكلي والعميق بالثورة الإجتماعية التي قادها ، أن تكون مقياساً لتعميم مفهوم أن العنصرية جزء لا يتجزّأ من الطبيعة البشرية بإعتبار أن محمداً لم يستطع خلال ثلاث وعشرين عاماً من دعوته أن يغيّرها .
5. على فرض إتفاقنا على أن محمداً قد تمكن من تنويم غلواء العنصرية في فترة دعوته علينا أن نعترف أيضاً أن المساحة الجغرافية التي تمكن أن ينفّذ فيها سياسته لم تتعدَّ حدود الجزيرة العربية ولذلك لا يمكن الإستدلال بتلك الدعوة وفشلها في إذابة الفوارق العنصرية وتعميم ذلك على البشر أينما كانوا من أنحاء العالم الإسلامي اللاحق والذي لم يكن تحت سيطرة محمد . إن الإدعاء أن الصحابة قد أيقظوا العنصرية من جديد يشير إلى حالة وظروف تستدعي الدراسة والبحث الجدّيين لأسباب تمكن أولئك الصحابة من إيقاضها بعد أن كانت نائمة لفترة غير قصيرة !
6. تولّت المناهج الدراسية في المرحلة الإبتدائية حشو أدمغتنا " أن الله قد خلق آدم ومن ضلعه أخرج حواء فصار لديهم صبيّان ؛ قابيل وهابيل ، فلو سرنا على هذا النهج ترى كيف نشأت العنصرية بينهما وهما أولاد أول زوجين حتى يقتتلا فيقتل أحدهما الآخر . أليس ذلك إشارة إلى أن الصراع بين البشر له أسبابٌ أخرى ؟
7. هناك مدارس علمية وفلسفية على مدى التاريخ الحضاري للبشرية تصدّت لظاهرة نشوء " العنصرية " كشكل من أشكال التمييز بين البشر إلى جانب ما تواترت من دراسات لاهوتية تنسبها إلى قوى غيبية . لقد أجمعت المدارس التي تعتمد الأسلوب العلمي في البحث أن التمييز بين البشر يعود جوهريّاً إلى الإختلاف في المصالح المادية بين مجموعة بشرية و مجموعة بشرية أخرى ، وأن جميع مظاهر التمييز والتمايز إنما هي أسباب يجري التحجج بها ليس إلاّ . من هذا المبدأ العام قامت مدارس فكرية علمية تنسب التمييز بين البشر والإدعاء بأفضلية مجموعة على غيرها الى الصراع لتفضيل مصلحة مجموعة بشرية على مصلحة مجموعة أخرى والعمل على الكسب غير المتكافئ للإمتيازات المادية . أما المدارس التي تعتمد الغيبية فقد جمدت على تفسير واحد على أن الإختلافات والتمايز بين البشر يعود إلى وجود قوة غيبية تتحكّم بمصير البشر على الرغم من جميع التطورات العلمية والتقنية التي أوجدت مساحة كبيرة للفكر الإنساني ليصل إلى تفسيرات منطقية عقلاً ودحظاً للأفكار الجامدة التي لم تتغير عبر الزمن .
8. التطوّر العلمي الذي تحقق قد مكّن الإنسان من التبحر في عمق التاريخ ودراسة المجتمعات البشرية عامة وليس فقط في منطقة جغرافية محددة أو في مرحلة تاريخية محصورة فتحقق العلم أن المجتمعات البشرية كانت تعيش حالة اللاتمييز بين أفرادها حتى بدأت حالة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج عند مجموعة بشرية ( وذلك بإمتلاك البعض للأدوات البسيطة لصيد الحيوانات لكسب العيش أو الحماية ضد الكاسرة منها ) فإنقسمت المجتمعات إلى طبقة مالكة وطبقة لا تمتلك وعندها أصبحت الطبقة الأولى تستغل الثانية بتوفير الغذاء لها وحمايتها من جهة وإستغلال طاقتها الجسدية في دفعها للعمل لصالحها ، وتلك المرحلة كانت بداية نشوء الطبقات وبداية الصراع الطبقي . وهنا نشأت مصلحة الطبقة الثانية في الإعتماد على توفير أسباب معيشتها والحماية من الحيوانات الكاسرة من جهة والصراع للخلاص من العبودية التي فُرضت عليها والتي تدفعها إلى محاربة الحيوانات الكاسرة بدلاً عن المالكين . وقد إستغرقت مرحلة مُلاك العبيد والعبودية آلاف السنين ورافقها تطور الحياة البشرية وتكوّنت دول يحكم فيها ملاك العبيد في جميع بقاع العالم فمن عهد السومريين والآشوريين والفراعنة وأمثالها في شرق الكرة الأرضية وغربها وإستغلال الملاك مستمر وصراع العبيد للإنعتاق مستمر ( ويمكن الإشارة إلى قصة سبارتاكوس كتصوير لهذه المرحلة ). وبسبب نشوء التنافس والتناحر بين ملاك العبيد والطموح في توسيع سيطرتهم حدثت حروبٌ بينها أدت إلى إعادة توزيع الأرض بينها مما غيّر في جغرافية المكان في جميع أرجاء العالم ، ففي الوقت الذي كانت هناك دول مُسحت من الخارطة نشأت دولٌ تسيطر على أراض كانت تسمّى بأسماء تلك الدول المندثرة ( مثال دولتي الغساسنة والمناذرة ) وبسبب ذلك أصبح للزراعة دورٌ مهم في إقتصاديات هذه الدول فتحوّل ملاك العبيد إلى ملاك الأرض يستخدمون عبيدهم كعمال زراعيين ويستغلون طاقاتهم الجسدية بدون أن يسمحوا لهم من أسباب الحياة غير ما يكفي بقاءهم على قيد الحياة ليكملوا أعمالهم في اليوم التالي . وقد إستغرقت هذه المرحلة أيضاً عدة آلاف من السنين وتطورت أسباب الحياة والوسائل المستخدمة في الإنتاج حتى أصبحت حصيلة الإنتاج الزراعي تفيض على حاجة السكان مما يتطلّب تسويقها خارج الأسواق المحلية فبذا صارت السبب في التنافس والتزاحم بين الدول للحصول على الأسواق وبالتالي الحروب التي خلقت الحاجة إلى إيجاد وإنتاج أسلحة وعدد حربية وأخرى وسائط نقل تُؤمّن لكل طرف أسباب الإنتصار على الخصم فبذلك قامت بدايات الثورة الصناعية وإختراع جيمس واط لقوة البخار وبناء القطارات على ضوء إختراعه دفعة أضافت إلى قدرات المتخاصمين قوة إضافية على بعضهم ولكن هذا التطور النوعي قد خلق قوة إجتماعية جديدة إذ تحوّل الكثير من البشر من كونهم فلاحين مملوكين للإقطاعي يتحكم بهم كيفما شاء إلى عمال في مصانع يعيشون في ظروف عمل واحدة تجمعهم ظروف إستغلال جديدة من قبل ملاك المصانع بدل الإقطاعي ولكنهم يعملون سوية فسهّلت عليهم ظروف عملهم التوحّد في النضال من أجل حقوقهم ومن هنا بدأت فكرة إيجاد نقابات العمال وتميّزت الطبقة العاملة في قدرتها على قيادة عملية تغيير المجتمع بدفاعها عن مصلحة طبقتها والطبقات المسحوقة من الفلاحين والمحرومين .
أخي العزيز نزار : وإن جئت معك في ما ذهبت إليه أود أن أزيد " لا يُغيّر الله ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم " فالإنسان هو الموكول في أن يغيّر الحياة لأسباب موضوعية واقعية إسمها " المصالح " وليست العنصرية جزءاً من طبيعة البشر .
تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات | مكافآت لمن يذبح قربانه بالأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟




.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني


.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح




.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي