الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعا عن الماركسية - ليون تروتسكي - الجزء الثاني

احمد حسن

2020 / 6 / 5
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


Joseph Hansen

1 - رسالة إلى جيمس بي كانون James P. Cannon
12 سبتمبر 1939
عزيزي جيمس
اكتب الآن دراسة حول الطبيعة الاجتماعية للاتحاد السوفييتي في علاقتها بمسألة الحرب. النص، وترجمته، سوف يستغرقون أسبوع أخر على الأقل. الأفكار الأساسية هي:
1 – تعريفنا للاتحاد السوفيتي قد يكون صحيحاً أو غير صحيح، لكنني لا أري أي سبب لربط هذا التعريف بالتحالف الألماني السوفيتي.
2 – تحديد الطبيعة الاجتماعية للاتحاد السوفيتي ليس مرتبطاً بصداقتها مع المعسكر الديموقراطي أو الفاشي. من يتبنى هذه الرؤية يصير سجين المفهوم الستالينى في فترة الجبهة الشعبية.
3. من يقول إن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية لم يعد دولة عمالية منحطة، ولكن تكوين اجتماعي جديد، يجب أن يقول بوضوح ما يضيفه إلى استنتاجاتنا السياسية.
4 – لا يمكننا فصل مسألة الاتحاد السوفيتي عن المجري التاريخي لحقبتنا برمتها. سواء اعتبرنا الدولة الستالينية تكوين انتقالي، أو شكل مشوه للدولة العمالية، أو "جماعية بيروقراطية" bureaucratic collectivism ، تكوين اجتماعي جديد يحل محل الرأسمالية عبر العالم (ستالينية، فاشية، عمليات جديدة، الخ). التجارب الاصطلاحية (دولة عمالية، ليست دولة عمالية، طبقة، ليست طبقة، الخ). تأخذ معناها فقط من تلك الوجهة التاريخية. من يختار البديل الثاني يقر، بشكل واضح أو بالصمت، أن كل الإمكانيات الثورية للبروليتاريا العالمية مستنفذة، وان الحركة الاشتراكية مفلسة، وان الرأسمالية القديمة حولت نفسها لجماعية بيروقراطية "طبقة مستغلة جديدة".
الأهمية البالغة لهذا الاستنتاج هي الوضوح الذاتي self-explanatory. فهو مهم لمصير البروليتاريا العالمية والجنس البشري ككل. هل لدينا أدني حق أن نلهث خلف تجارب اصطلاحية صرف تتعلق بمفهوم تاريخي مستحدث صيغ لكي يضعنا في تناقض تام مع برنامجنا، استراتيجيتنا، تكتيكنا؟ هذه القفزة المغامرة ستكون الآن إجرامية بشكل مضاعف في ضوء حالة الحرب حين تكون الثورة الاشتراكية وشيكة وحين تبدو حالة الاتحاد السوفيتي أمام كل شخص كحدث انتقالي في مجري تاريخ الثورة الاشتراكية. اكتب تلك الخطوط في عجالة، وذلك يوضح كونها غير كافية، ولكن أتمنى أن أرسل خلال أسبوع أطروحات أكثر إكتمالآ.
تحيات رفاقية
V. T. O. [Leon Trotsky]

2 - الاتحاد السوفيتي في حرب
التحالف السوفيتي الألماني وطبيعة الاتحاد السوفيتي
هل من الممكن بعد استخلاص دلالات التحالف بين هتلر وستالين أن نعتبر الاتحاد السوفيتي دولة "عمالية؟
أن مستقبل الاتحاد السوفيتي يثير مرة بعد الأخرى النقاش في أوساطنا. هذا مدهش إلى حد ما، أمامنا أول تجربة لدولة عمالية في التاريخ. لم يكن متاح لنا من قبل، ولا يوجد في أي مكان ظاهرة مماثلة لنقوم بتحليلها. إن الأخطاء بخصوص الطبيعة الاجتماعية للاتحاد السوفييتي تتوالى بشكل شائع، كما حدث عندنا من قبل، الاستعاضة عن واقع تاريخي معطى بمعيار برنامجي. ان الواقع ملموس لا صلة له بهذا المعيار المعتمد. هذا عموما لا يدل على انه أطيح بالمعيار المستخدم، على العكس، أكده مجدداً، برهن على صحته بطريقة عكسية. انحطاط أول دولة عمالية الذي قمنا بشرحه والتحقق منه، يجد أفضل تصوير مجسم له فقط في النظر إلى ما يجب أن تكون عليه الدولة العمالية، ماذا ستكون عليه أو ما يمكن أن تكون عليه في سياق شروط تاريخية معينة. التناقض مع الواقع الفعلي يدفعنا ليس لرفض المعيار بل أن نناضل من اجل تحقيقه بكل الوسائل والطرق الثورية. برنامج مقاربة الثورة في الاتحاد السوفيتي يتطلب من جهة أن ننظر للاتحاد السوفيتي كواقع تاريخي موضوعي، ومن جهة أخري، أن نضع في اعتبارنا معيار ما يجب أن تكون عليه الدولة العمالية. نحن لا نقول "فقدنا كل شيء، يجب أن نبدأ من الصفر مرة أخري." نحن نشير بوضح إلى تلك العناصر من الدولة العمالية التي في المرحلة المعطاة يمكن إنقاذها، الحفاظ عليها، وتطويرها لمدى ابعد.
لننظر إلى الذين ينشدون في تلك الأيام أن يثبتوا أن تحالف هتلر وستالين يعزز جانبهم، ويفرض علينا أن نغير تقيمينا للاتحاد السوفيتي، وبخصوص الكرملين- لنصحح رؤيتنا السابقة. وفقاً لهذا المنطق فإن مهمة الدولة العمالية الآن صارت هي الصراع من اجل الديموقراطية الإمبريالية. وفقاً لمنظورهم فإن "خيانة" الديموقراطيات من اجل التحالف مع الفاشية يجرد الاتحاد السوفييتي من اعتباره دولة عمالية. يضاعف توقيع المعاهدة مع هتلر، من الوجهة الواقعية، من معيار الإجراءات المطلوب اتخاذها، ويظهر مستوى انحطاط البيروقراطية السوفيتية، ومدى استخفافها واستهانتها بالطبقة العاملة العالمية، ويتضمن ذلك الكومنتيرن، لكنه لا يمدنا بأي سبب على الإطلاق لإعادة تقييم المنطق الاجتماعي لرؤيتنا للاتحاد السوفيتي.
علينا هنا أن نطرح هذا السؤال: هل الاختلافات سياسية أم اصطلاحية؟
دعونا نبدأ بوضع مسألة طبيعة الدولة السوفيتية ليس على أرضية منطق اجتماعي مجرد ولكن على أرضية المهام السياسية الملموسة، ودعونا نفترض مؤقتاً أن البيروقراطية "طبقة جديدة" وان النظام الراهن في الاتحاد السوفيتي هو نظام استغلال طبقي خاص.
ما هي الاستنتاجات السياسية التي نصل اليها باعتماد تلك التعريفات؟ أن الأممية الرابعة أقرت منذ وقت طويل بضرورة الإطاحة بالبيروقراطية عن طريق انتفاضة ثورية للكادحين. لا شيء أخر اقترح أو يمكن اقتراحه يترتب على تعميق هؤلاء للبيروقراطية بجعلها "طبقة" مستغلة. الهدف المطلوب تحقيقه في الإطاحة بالبيروقراطية هو إعادة بناء سلطة السوفيتات وطرد البيروقراطية منها. لا شيء غير ذلك اقترح أو يمكن اقتراحه باستخدام الانتقادات اليسارية وستكون مهمة الجيل اللاحق من السوفيتات هي التعاون مع قوي الثورة العمالية وبناء مجتمع اشتراكي. لذلك يتطلب هدف الإطاحة بالبيروقراطية المحافظة على ملكية الدولة والاقتصاد المخطط. هنا جوهر القضية برمتها.
لا حاجة بنا أن نقول إن توزيع القوى الإنتاجية بين فروع اقتصادية مختلفة وبوجه عام المضمون الكلي للخطة سيشهد بالضرورة تغيراً ضخماً وجوهرياً عندما تتقرر الخطة بمعزل عن مصالح البيروقراطية الخطة ولصالح المنتجين أنفسهم. من هذا المنظور تظل مسألة الإطاحة بتلك الأقلية الطفيلية على صلة بالمحافظة على ملكية" الدولة" المؤممة، نحن ندعو سياسيو ثورة المستقبل. وتحديداً نقادنا (Ciliga, Bruno and others) أن يوجهوا نداء من اجل ثورة المستقبل الاشتراكي. ماذا عن التعريف. ما البديل الذي يقدمه من حيث الجوهر؟ للذين يحملون عبء مهام الثورة الذين ذكرناهم، انه لا يضيف أي شيء على الإطلاق.
إن نقادنا يتناولون كقاعدة جميع الوقائع التي وضعناها من قبل. لكنهم لا يضيفون أي شيء جوهري إلى رؤيتنا على الإطلاق، سواء فيما يتعلق بالموقف من البيروقراطية أو الكادحين، أو ما يتعلق بدور الكرملين في الحلبة الدولية. لقد اظهروا إخفاقهم في كل هذه الميادين، ليس فقط في تقديم تحدى هام لتحليلنا، بل على العكس بنوا عليه بالكلية وحصروا أنفسهم بالكامل في نطاقه. الاتهام الوحيد الذي يوجهوه لنا هو أننا لم نستخلص" الاستنتاجات" الضرورية. التي يجب استخلاصها من التحليل، هذه الاستنتاجات التي يقصدونها ذات طبيعة اصطلاحية صرف. أنهم يرفضون تسمية الدولة العمالية الوليدة – دولة عمالية، ويطلبون تسمية البيروقراطية الاستبدادية طبقة حاكمة. واعتبار الثورة ضد هذه البيروقراطية ليست سياسية ولكن اجتماعية. أين سنضع تلك الامتيازات الاصطلاحية، سوف نضع نقادنا هكذا في موقف حرج للغاية، حيث أنهم هم أنفسهم لا يعرفون فعلاً ماذا يفعلون بهذا الانتصار اللفظي الصرف.
دعنا نراجع أنفسنا مرة أخري
سوف يكون قطعة من الهراء المقيت أن ننقسم نحن والرفاق بخصوص وجهة النظر حول طبيعة المنطق الاجتماعي للاتحاد السوفييتي التي يختلفون فيها معنا، بينما يتفقون معنا إلى حد كبير فيما يتعلق بالمهام، ولكن على الجانب الأخر سيكون من العمي أن نتجاهل الاختلافات النظرية أو حتى الاصطلاحية الصرف، لأنه في مجري التطورات الأبعد تحتاج هذه الاختلافات غالبا إلى التجسد في لحم ودم، وسيؤدي ذلك إلى وجود استنتاجات سياسية متعارضة تماماً. وكمثل الزوجة المنظمة التي لا تترك أي مخلفات أو نفايات، مهما كانت ضئيلة، تتراكم. أو مثل حزب ثوري جاد لا يمكن أن يتساهل مع عدم الوضوح، التشوش، الغموض أو المراوغة. يجب على منزلنا أن يظل نظيفاً!
اسمحوا لي أن أعيد، من اجل الإيضاح، مسألة الترميدور (عمل انقلابي - المترجم) Thermidor لوقت طويل أكدنا على أن الترميدور كان معداً في الاتحاد السوفيتي، لكنه لم يكن اكتمل بعد، وفيما بعد استخدم المصطلح بشكل أكثر دقة وتمحيص في شرح طبيعته، وصلنا إلى استنتاج أن الترميدور قد تحقق فعلاً منذ وقت طويل، هذا التصحيح المفتوح لخطأنا لم يفضي إلى حدوث أدنى ذعر في صفوفنا. لماذا؟ لأن جوهر مجري الأحداث في الاتحاد السوفييتي تم تقييمه بصورة متطابقة من جهتنا جميعاً، بينما كنا ندرس يوماً بيوم نمو الاتجاه الرجعي. بالنسبة لنا كان ذلك يعنى تقديم تشابه تاريخي بصورة أدق، لا شيء سوى ذلك. أتمنى أن تظل تلك الروح موجودة، بغض النظر عن أن بعض الرفاق حاولوا إظهار اختلافات حول مسألة "الدفاع عن الاتحاد السوفيتي – مترافقاً مع ما سوف نعالجه حاليا - سوف ننجح بأن نقدم أفكارنا بأقصى دقة لنحافظ على تماسكنا القائم على قاعدة برنامج الأممية الرابعة.
هل هو نمو سرطاني أم عضو جديد؟
جادل نقادنا أكثر من مرة أن البيروقراطية السوفيتية لا تحمل سوى القليل جداً من سمات كل من البيروقراطية البرجوازية، أو البيروقراطية العمالية في المجتمع الرأسمالي، كما أنها مختلفة كثيرا جداً عن البيروقراطية الفاشية، إنها تمثل تكوين اجتماعي جديد أقوى بكثير من هؤلاء. هذا صحيح تماماً ونحن لم نتجاهله أو نغفله مطلقاً. إلا أننا لو اعتبرنا البيروقراطية السوفيتية "طبقة" نحن مجبرون فورا أن نقر إنها لا تشبه أياً من الطبقات المالكة في التاريخ الذي نعرفه، وما نصل اليه هكذا ليس ذو شأن. لقد سمينا البيروقراطية السوفيتية مرار وتكرارا طبقة caste، مؤكدين هكذا طبيعتها المغلقة، وضعها التعسفي كنظام حكم، غطرسة قادتها الذين يعتبرون أجداًدهم انبثقوا من بين الشفاه المقدسة للرب براهما بينما نشأت الجماهير من أجزاء أخري من جسده. غير انه حتى لو كان هذا التعريف – للبراهمة كطبقة - لا يتوافق طبعا مع الطابع العلمي بشكل لصيق. إلا أن دلالته على العلو والمقام الرفيع قائمة، أن إمكانية تصريف الكلمة واضحة لكل إنسان، بما أنها لا تدخل عقل أي إنسان بطريقة تطابق بين اولجارشية موسكو، وطبقة البراهمة الهندية. لا يمكن، الآن أو في المستقبل، أن تستخدم مصطلحات قديمة لتسمية ظرف جديد ناشئ عن مجري تطور (أو انحدار) مغاير، ولا يجب الزعم أن لها أشكال ثابتة. نحن جميعاً، أياً كان الحال، مستمرين في تسمية البيروقراطية السوفيتية، بيروقراطية، ليس لعدم الوعي بخصائها التاريخية المميزة. لكن تلك التسمية، من وجهة نظرنا، تفي بالغرض جيداً بالنسبة للوقت الحاضر.
من الوجهة العلمية والسياسية – وليس من الوجهة الاصطلاحية الصرف – تطرح القضية نفسها في السؤال التالي: هل تمثل البيروقراطية نمو نابع من البنية العضوية للمجتمع. أو هل هذا النمو للبيروقراطية تحول بالفعل إلى أساس عضوي ضروري تاريخياً؟ زوائد اجتماعية يمكن أن تنتج بسبب تشابك (مؤقت وغير عادي) للأحداث التاريخية "بصفة عارضة". الأساس الاجتماعي العضوي (وكذلك أي طبقة، بما في ذلك الطبقة المستغلة) لا يتحقق إلا كنتاج متجذر بعمق داخل ضرورات عملية الإنتاج نفسها. إن لم نجيب علي هذا السؤال، فإن النقاش كله يهبط لمستوى فذلكة لفظية مملة.
الانحطاط المبكر للبيروقراطية
الأساس التاريخي لظهور أي طبقة حاكمة يكمن في التالي – أن نظام الإنتاج قد نشأ عنه مباشرة تطوراً في قوي الإنتاج إلى مستوى جديد. وبلا أي شك، النظام السوفيتي أعطى دفعة قوية للاقتصاد. لكن مصدر هذه الدفعة هو تأميم وسائل الإنتاج وبدايات التخطيط. وليس أبدا بسبب أن البيروقراطية اغتصبت إدارة الاقتصاد. على العكس، أن أداء البيروقراطية، كنظام عام، أصبح أكبر عائق أمام التطور التقني والثقافي للبلد. لم يكن ذلك واضحاً لوقت معين بسبب أن الاقتصاد السوفيتي تمحور لمدة عقدين على إدخال وتمثل الأساليب التكنولوجية والتنظيمية من الدول الرأسمالية المتقدمة في عملية الإنتاج. مرحلة الاستعارة والتقليد هذه لا تزال، بطريقة أفضل أو أسوء، متوافقة مع الألية البيروقراطية، يعنى ذلك، خنق كل المبادرات وكل تحفيز على الأبداع. لكن الأعلى أيضاً نما، فقد أصبحت متطلبات الاقتصاد أشد تعقيداً، وكل ما يصعب تحمله يتحول إلى عائق أمام النظام البيروقراطي. التناقض الحاد والدائم بينهم يؤدي إلى تشنجات سياسية لا تتوقف، اختناقات، إبادة منهجية لأغلب العناصر المبدعة والبارزة في كل أوجه النشاط. لذلك، قبل أن تتمكن البيروقراطية من أن تتطور إلى "طبقة حاكمة"، تدخل في تناقض مستعصي مع متطلبات النمو. علة ذلك تكمن في أن البيروقراطية ليست حامل اجتماعي لأي نظام اقتصادي جديد له خصوصيته الذاتية، ومن المستحيل خلقه خارج أرضية نشاط الدولة العمالية. ولا تعدو كونها كيان طفيلي على جسد الدولة العمالية.
حدود القدرة الكلية وخريف البيروقراطية
استحوذت البيروقراطية السوفيتية على فرصة الحلول محل كل الطبقات الحاكمة القديمة إلا أنها تفتقر إلى امتلاك دورهم التاريخي. في انحطاط الدولة السوفيتية لا نعثر على نفس القوانين العامة للمجتمعات الحديثة سواء الرأسمالية أو الاشتراكية إلا أنها تمثل في صورة استثنائية، خاصة، وبانحراف مؤقت لمسار تلك القوانين ضمن شروط بلد ثوري متخلف داخل محيط رأسمالي. النقص الشديد في السلع الاستهلاكية والصراع العالمي للحصول عليها ينتج عنهم حالة الشرطي الذي ينتحل لنفسه وظيفة مسؤول التوزيع. ومع وجود ضغط معادى، أو حتى بدون، يفرض على الشرطي دور "حامي" البلاد.
كل حدود القوة المطلقة للبيروقراطية – تخلف البلد والمحيط الإمبريالي - تحمل طبيعة مؤقتة وانتقالية ويجب أن تختفي مع انتصار الثورة العالمية. حتى الاقتصاديين البرجوازيين بينوا في بعض الدراسات انه إذا تم تطبيق التخطيط الاقتصادي في الولايات المتحدة سيرتفع دخلها القومي بسرعة إلى 200 بليون دولار سنويا، وذلك يضمن ليس فقط تلبية الحاجات الأساسية لسكانها ولكن أيضاً مستوى معيشة مريح. ومن جهة أخري ستقوم الثورة العالمية بتفادي خطر أسباب السقوط في التبقرط. القضاء على ضرورة إنفاق جزء هائل من الدخل القومي على التسليح والمهمات العسكرية سيوفر مستويات معيشية وثقافية عالية للمواطنين. في تلك الحالة ستنهار تلقائيا الحاجة إلى وجود شرطي يقوم بالتوزيع. القيام بأعمال الإدارة عبر جهاز تعاوني هائل سيحل بسرعة محل سلطة الدولة. ولن يكون هناك محل لظهور طبقة حاكمة جديدة أو نظام استغلال جديد، يقوم بين الرأسمالية والاشتراكية.
وماذا لو لم تنجز الثورة الاشتراكية؟
إن الرأسمالية قد وصلت إلى أقصى درجات التفسخ، شأنها في ذلك شأن تفسخ الطبقات الحاكمة السابقة. أن وجود تمدد ابعد لهذا النظام صار مستحيلا. القوى المنتجة يجب أن تكون منتظمة بانسجام ولديها خطتها. ولكن من سينجز هذه المهمة – البروليتاريا أم طبقة حاكمة جديدة من "المبشرين" – السياسيين، الإداريين والتقنيين؟ التجربة التاريخية هنا تطرح شهادتها، فمن وجهة نظر جهابذة التبرير، انه لا يمكن التعويل على وجود أمل في البروليتاريا. لقد أثبتت البروليتاريا أنها "عاجزة" عن الحيلولة دون نشوب الحرب الإمبريالية الثانية، على الرغم من أن متطلبات الثورة الاشتراكية كانت موجودة بالفعل في هذا الوقت. نجاح الفاشية بعد الحرب كان مرة أخري نتيجة مترتبة على "عجز" البروليتاريا عن قيادة المجتمع الرأسمالي بعيداً عن النفق المظلم. تبقرط الدولة السوفيتية أثناء تحولها كان أيضاً محصلة "عجز" البروليتاريا نفسها عن تنظيم المجتمع من خلال أليات ديموقراطية. تم خنق الثورة الأسبانية من الفاشيين والبيروقراطية الستالينية إمام أنظار البروليتاريا العالمية. أخيرا، الخيط المشترك في هذه الحرب الإمبريالية الجديدة، التجهيز لها بصورة واضحة تماماً، مع عقم تام في معسكر البروليتاريا العالمية. لو أن هذا المنظور تم تبنيه، لو أن البروليتاريا هكذا لا تملك القوة اللازمة للقيام بالثورة الاشتراكية، إذا فالمهمة الملحة لتحقيق مطالب القوى المنتجة، سيتم إنجازها بشكل واضح بواسطة طرف أخر. من هو؟ بواسطة بيروقراطية جديدة التي ستحل كطبقة حاكمة جديدة محل البرجوازية الخربة على النطاق العالمي. تلك هي الكيفية التي يبدأ بها طرح المسألة من جهة هؤلاء "اليساريين" الذين لا يتركون مضمون دون سجال حول المفردات اللفظية.
الحرب الراهنة ومصير المجتمع الحديث
من خلال المسار الفعلي للأحداث أصبح هذا السؤال مطروحاً الآن بصورة ملموسة للغاية. الحرب العالمية بدأت. أنها تبرهن بصورة مؤكدة على أن المجتمع لا يستطيع أن يحيا بعد الآن على أساس رأسمالي. ومن ثم فان ذلك يضع البروليتاريا الآن في امتحان جديد وربما حاسم.
وكما نعتقد بيقين، لو أن هذا مجرى الأحداث يدفع في اتجاه ثورة بروليتارية، فسوف يؤدى قطعاً إلى الإطاحة بالبيروقراطية في الاتحاد السوفيتي وينتج عنه ديموقراطية سوفيتية مرتكزة إلى أساس اقتصادي وثقافي اعلي بكثير مما كان عليه الحال في 1918. في تلك الحالة ستكون مسألة ما إذا كانت البيروقراطية الستالينية "طبقة" أو نمت على أرضية دولة عمالية قد وجدت حلا عملياً. وسيكون واضحاً لكل شخص انه في مجري تطور الثورة العالمية كانت البيروقراطية السوفيتية مجرد بديل عارض.
إذا سلمنا جدلاً أن الحرب الراهنة لن تدفع إلى قيام ثورة وعلى العكس ستتدهور البروليتاريا، عند ذلك يبقي أمامنا بديل أخر: التعفن الأكثر عمقا للرأسمالية الاحتكارية، اندماجها الأعمق مع الدولة وحلولها محل الديموقراطية كنظام شمولي. في حال إن لم تتمكن البروليتاريا من الإمساك بقيادة المجتمع ستكون النتيجة في هذه الحالة هي ولادة طبقة مستغلة جديدة من أحشاء البيروقراطيات البونابرتية والفاشية، ذلك سيكون نظام مبنى على الانحطاط، ومؤشرا على خسوف eclipseالحضارة الإنسانية.
قد تحدث نتيجة في منتهى الأهمية إذا تمكنت البروليتاريا في الدول الرأسمالية المتقدمة من الاستيلاء على السلطة، سوف تثبت عدم قدرتها على الاحتفاظ بها وستضطر إلى التخلي عنها، كما حدث في روسيا، إلى بيروقراطية ذات امتيازات. حينئذ سنكون مجبرين على الاعتراف أن سبب الاستبدال البيروقراطي يعود في جذوره ليس لتخلف الاقتصاد ولا المحيط الإمبريالي ولكن إلى وجود عجز عضوي لدى البروليتاريا يعيقها من أن تصبح طبقة حاكمة. ثم سنضطر في وقت لاحق أن نقرر أن الاتحاد السوفييتي الحالي في سماته الأساسية، كان مقدمة لنظام استغلال جديد على نطاق دولي.
لقد ابتعدنا بقدر كبير عن المناقشة المصطلحية بخصوص تسمية الاتحاد السوفيتي، دع منتقدونا يتحلون بالصبر. يمكن فقط بواسطة الانطلاق من المنظور التاريخي الضروري أن يصل المرء إلى حكم صحيح حول مسألة حلول نظام اجتماعي محل أخر. إن البديل التاريخي الذي تم إنجازه يجعل القضية مطروحة على النحو التالي: إما أن النظام الستالينى عبارة عن انتكاسة كريهة حدثت أثناء انتقال المجتمع من النظام البرجوازي إلى النظام الاشتراكي، أو انه المرحلة الأولي من مجتمع استغلال جديد، إذا ثبت صحة التشخيص الثاني فهذا يعنى أن البيروقراطية السوفيتية ستتحول فعلاً إلى طبقة جديدة مستغلة. ورغم إن المنظور الثاني مزعجاً إلا أنه إن لم تبرهن البروليتاريا على قدرتها في إنجاز المهمة التاريخية الملقاة على عاتقها في مجري التطور، لن يبقي أمامنا سوى الاعتراف أن البرنامج الاشتراكي، المؤسس على واقع التناقضات الداخلية للنظام الرأسمالي، انتهى إلى يوتوبيا. ومن البديهي أننا سنحتاج إلى برنامج "حد أدني "جديد للدفاع عن مصالح هؤلاء الذين يستعبدهم المجتمع البيروقراطي الشمولي.
نتوقف لنسأل.. هل فعلاً توجد مثل تلك البيانات الحاسمة أو حتى الموضوعية بشكل يثير الإعجاب إلى الدرجة التي تدفعنا إلي ترك طريق الثورة الاشتراكية؟ تلك هي القضية كلها.
نظرية " الجماعية البيروقراطية".
بعد استيلاء هتلر على السلطة بوقت قصير، استنتج الشيوعي اليساري الألماني هوجو اربهانز Hugo Urbahns أن الرأسمالية بحالتها الراهنة توشك على الدخول في حقبة تاريخية جديدة لنظام "رأسمالية دولة". المثال الأصلي لهذا النظام كما حدده هو الاتحاد السوفيتي ثم إيطاليا وألمانيا. غير أن اربهانز لم يستخلص أي نتائج سياسية من نظريته. ومؤخرا استنتج الشيوعي اليساري برونو Bruno R – المنتسب سابقاً للأممية الرابعة – أن "الجماعية البيروقراطية" على وشك أن تحل محل الرأسمالية. البيروقراطية الجديدة طبقة، وعلاقتها بالكادحين علاقة استغلال جماعي، البروليتاريين تحولوا إلي عبيد لمستغلين شموليين.
برونو وضع في سلة واحدة كل من (الاقتصاد المخطط في روسيا، الفاشية، الاشتراكية الوطنية، و"صفقة" روزفلت Roosevelt الجديدة. لا شك أن هناك ملامح مشتركة بين كل هذه الأنظمة، في التحليل الأخير، يحددها وجود الاتجاهات الجماعية في الاقتصاد الحديث داخلها جميعاً. لينين قبل ثورة أكتوبر حدد الخواص الرئيسية للرأسمالية الإمبريالية بما يلي: تمركز شديد لقوى الإنتاج، اندماج عميق بين الرأسمالية الاحتكارية والدولة، ميل عضوي إلى الديكتاتورية السافرة ناتج عن هذا الاندماج. إن معالم التمركز والجماعية مشتركين إذا بين كل من سياسات الثورة، وسياسات الثورة المضادة، ذلك لا يعنى مطلقاً أن نماثل بين الثورة، والانقلاب المضاد، والفاشية، و"الإصلاحية الأمريكية". أن برونو امسك بواقع وجود الاتجاهات الجماعوية، واستخلص أن (الجماعية البيروقراطية) قد تكونت كنتيجة لحالة الانبطاح السياسي للطبقة العاملة.
تلك الظاهرة في حد ذاتها لا جدال في صحتها. ولكن أين حدودها، وما هو وزنها التاريخي؟ ما ننظر اليه باعتباره تشوها ناجم عن مشكلات مرحلة انتقالية، بسبب التطور الغير متكافئ لعناصر عديدة في المسار الاجتماعي، يعالجه برونو على انه تكوين اجتماعي مستقل تديره البيروقراطية بصفتها طبقة حاكمة. على أي حال، يبقي لبرونو ميزة الاجتهاد في نقل المسألة من نطاق التجارب المثيرة لكراسات المصطلحات إلى مستوى التعميمات التاريخية الكبرى. ذلك يسهل جداً الكشف عن خطأه.
برونو، مثل كثيرون من اليساريين المتطرفين، يطابق بين جوهر الستالينية وجوهر الفاشية. من جهة استعملت البيروقراطية السوفيتية الأساليب السياسية للفاشية، ومن الجهة الأخرى فان البيروقراطية الفاشية، التي لا تزال تقف عند حدود تدخل جزئي للدولة، تتجه مباشرة، وسرعان ما ستصل، إلى تطابق تام مع الاقتصاد. النقطة الأولي في كلام برونو صحيحة تماماً، لكن زعم برنو أن الفاشية "المعادية للرأسمالية" قادرة على مصادرة البرجوازية زعم خاطئ بالكلية. أن إجراءات تدخل الدولة جزئيا والتأميم يختلفون في الواقع عن التخطيط الاقتصادي الذي تديره الدولة اختلاف الإصلاح عن الثورة. إن موسوليني وهتلر لا يقومون سوى بالتنسيق بين مصالح أصحاب الملكيات الخاصة والعقارات والاقتصاد الرأسمالي المنظم، وذلك لخدمة متطلبات الحرب. اولجارشية الكرملين مسألة مختلفة مرة أخري: إذ أن لديها الفرصة لإدارة الاقتصاد كله كبنية واحدة، وتدين في ذلك إلى واقع أن الطبقة العاملة الروسية حققت أعظم تحويل لعلاقات الملكية في التاريخ، هذا الفارق يجيب ألا يغيب عن النظر.
حتى لو سلمنا جدلا أن الستالينية والفاشية الذين يمثلون أقطاب متعارضة سوف يصلون يوما إلى التطابق وعلى نفس النمط من المجتمع الاستغلالي (“جماعية بيروقراطية" وفقاً لمصطلح برونو) فلن يخرج ذلك البشرية من النفق المظلم. إن أزمة النظام الرأسمالي ليست نتاج الدور الرجعى للملكية الخاصة فقط، لكنها أيضاً نتاج دور الدولة القومية الذي لا يقل رجعية. وحتى لو إن حكومات النظم الفاشية المتنوعة قد نجحت في إقامة نظام اقتصادي مخطط في بلدانها، وبغض النظر عن أنه، على المدى الطويل، سيحدث حتما اندلاع حركات ثورية بروليتارية لا يمكن رؤيتها الآن، فان الصراع بين الدول الشمولية من اجل السيطرة على العالم سوف يستمر بل ويتثكف. سوف تلتهم الحروب ثمار الاقتصاد المخطط وتدمر قواعد الحضارة. يعتقد برتراند راسل، وهذا صحيح، أن بعض الدول المنتصرة، نتيجة للحرب، في استطاعتها أن توحّد العالم بأسره في أسطوانة يديرها حكم ديكتاتورية شمولي. ولكن حتى إذا كان يمكن تحقيق مثل هذه الفرضية، وهو أمر مشكوك فيه إلى حد كبير، فإن "التوحيد" العسكري لن يكون له استقرار أكبر من معاهدة فرساي. ومن ثم ستقود حالات التهدئة والثورات الوطنية إلى تصاعد حرب عالمية جديدة. التي ستتحول إلى مقبرة للحضارة. ليست رغباتنا الشخصية هي من يقول ذلك ولكنه الواقع الموضوعي، المخرج الوحيد أمام البشرية هو الثورة الاشتراكية العالمية. إنها البديل عن الانزلاق اللي البربرية.
البروليتاريا وقيادتها
سوف نخصص قريباً مقال منفصل حول مسألة العلاقة بين الطبقة وقيادتها. وسنقتصر هنا على مناقشة الأمور الملحة حالياً. وحدهم الماركسيين المبتذلين من يعتبرون أن السياسة مجرد "انعكاس" مباشر للاقتصاد، وتعنى أن القيادة "تعكس" الطبقة بشكل مباشر وبسيط. في الواقع، في الواقع ارتفعت القيادة فوق الطبقة المضطهدة، ومن ثم اضطرت بالضرورة اللي الخضوع لضغط الطبقة الحاكمة. على سبيل المثال، إن قيادة النقابات العمالية الأمريكية "لا تعبر عن" البروليتاريا بقدر ما تعبر عن الخضوع لضغوط البرجوازية. إن اختيار وتعليم قيادة ثورية بحق، قادرة على تحمل ضغط البرجوازية، مهمة صعبة للغاية. إن ديالكتيك سير التاريخ يعبر عن نفسه ببراعة كبيرة في حقيقة أن البروليتاريا في أكثر الدول تخلفًا، روسيا، في ظل ظروف تاريخية معينة، قد قدمت القيادة الأبعد رؤية والأكثر شجاعة. وعلى عكس ذلك، فإن البروليتاريا في بلد أقدم ثقافة رأسمالية، وهي بريطانيا العظمى، لديها حتى اليوم أكثر القيادات وضاعةً وانحطاطاً.
إن أزمة المجتمع الرأسمالي التي شغلت مساحة مفتوحة في يوليو 1914، انتتجت منذ اليوم الأول للحرب أزمة حادة في صفوف القيادة البروليتارية وعبر ربع قرن مر منذ ذلك الوقت، لم تخلق بروليتاريا البلدان الرأسمالية المتقدمة بعد قيادة قادرة على الارتقاء إلى مستوى مهام عصرنا. إلا أن تجربة روسيا تشهد على أنه يمكن إنشاء قيادة كهذه. (من المؤكد أن هذا لا يعني، أنها ستكون محصنة ضد عوامل التحلل) ومن ثم فان السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تستطيع الضرورة التاريخية الموضوعية، على المدى الطويل، أن تشق لنفسها طريقا إلى وعي طليعة الطبقة العاملة. أي في سياق هذه الحرب والصدمات العميقة التي سوف تسببها، هل سيتم تشكيل قيادة ثورية حقيقية قادرة على قيادة البروليتاريا إلى الاستيلاء على السلطة؟
ردت الأممية الرابعة على هذا السؤال بالإيجاب، ليس فقط من خلال ما ذكرته في برنامجها، ولكن من خلال الوجود الفعلي، كل أنواع الماركسيين المزعومين، فاقدو الأمل والجبناء، ينطلقون من فرضية عكسية مفادها أن إفلاس القيادة يعود أساسا إلى عجز البروليتاريا عن الاضطلاع بمهمتها الثورية، ليس كل خصومنا يعبرون عن هذا الفكر بوضوح، لكن جميعهم – اليسار المتطرف، الفوضويون، المركزيون، ولن نشير إلى الستالينيين والديمقراطيين الاجتماعيين - يبرئون أنفسهم من المسؤولية عن الهزائم ويضعونها على أكتاف البروليتاريا. ولا يشير أي منهم إلى الظروف التي يجب توفرها لتستطيع البروليتاريا القيام بانقلاب اشتراكي.
إذا افترضنا أن سبب الهزائم كامن في الخصائص الاجتماعية للبروليتاريا نفسها، عندئذ يجب أن نعترف أن الوضع ميؤوس منه في إمكانية خلق مجتمع حديث. في ظل تفسخ الرأسمالية لن تنمو البروليتاريا، سواء عددياً أو فكرياً. وفقاً لذلك التصور، لا يوجد شيء إذا يمكن أن نستند اليه لنتوقع أنها في وقت محدد سوف تنهض إلى مستوى المهام الثورية. على العكس تماماً بالنسبة للشخص الذي اقتنع أن الوضع ينطوي على تعارض عميق بين وجود دافع عضوي عند الجماهير في تحرير أنفسهم من فوضي الرأسمالية المميتة، والوطنية الرجعية والمحافظة، الطبيعة البرجوازية للقيادة العمالية الموجودة. علينا ان نختار أحد هذين المفهومين الذين لا يمكن الجمع بينهما.
الديكتاتورية الشمولية - حالة أزمة حادة وليست نظام مستقر
إن ثورة أكتوبر لم تكن مصادفة. فقد كان حدوثها متوقعاً منذ فترة طويلة سابقة. وأكدت الأحداث صحة هذا التوقع. وما حدث من انحطاط لا يدحض صحة التوقعات، لأن الماركسيين لم يعتقدوا ابدآ أن دولة العمال المنعزلة في روسيا يمكن أن تحافظ على نفسها إلى ما لا نهاية. وصحيح أيضاً إلى حد كبير، أننا توقعنا انهيار الدولة السوفيتية، وليس انحطاطها. لتوضيح أكثر دقة، لم نفرق بشكل حاد بين هذين الاحتمالين. لكنهم لا يتناقضون مع بعضهم البعض. في مرحلة معينة من السقوط سوف يؤدى الانحطاط إلى سقوط تلك الدولة.
إن النظام الاستبدادي، سواء كان من النوع الستاليني أو الفاشي، وبسب طبيعته الجوهرية بالذات، لا يمكن أن يكون إلا نظام انتقالي مؤقت.
أن التاريخ يظهر ان الدكتاتورية السافرة هي، بشكل عام، نتاج أزمة اجتماعية شديدة وحادة، وليست على الإطلاق نظام مستقر. ولا يمكن أن تكون الأزمة الشديدة حالة دائمة لمجتمع. الدولة الشمولية قادرة على قمع التناقضات الاجتماعية خلال فترة معينة، لكنها غير قادرة على إدامة نفسها. إن عمليات التطهير الوحشية في الاتحاد السوفييتي هي أكثر الشهادات إقناعاً على أن المجتمع السوفييتي يميل عضوياً إلى التخلص من البيروقراطية.
إنه لأمر مدهش أن برونو يرى، وتحديداً في عمليات التطهير الستالينية، دليلاً على أن البيروقراطية أصبحت طبقة حاكمة، لأنه يعتقد أن الطبقة الحاكمة فقط هي القادرة على اتخاذ تدابير على نطاق واسع جداً . غير أنه ينسى أن القيصرية، التي لم تكن "طبقة"، سمحت لنفسها بتدابير واسعة النطاق في عمليات التطهير، وتحديداً في الفترة التي كانت تقترب فيها من الموت. وبالنظر إلى أعراض سكرات الموت الوشيك في نظام ستالين، يمكن له ان يزعم أي شيء بواسطة موجة التطهيرات الوحشية والرهيبة، إلا قدرة البيروقراطية على تحويل نفسها إلى طبقة حاكمة مستقرة. قد لا نضع أنفسنا في موقف مثير للسخرية إذا ألصقنا على الأوليجاركية البونابرتية تسمية طبقة حاكمة جديدة لبضع سنوات فقط أو حتى قبل بضعة أشهر من سقوطها الشائن؟ إن طرح هذا السؤال بشكل واضح يجب أن يكون وحده في رأينا كابح مناسب ليحد الرفاق من تجاربهم الاصطلاحية وتعميماتهم المتسرعة.
الاتجاه نحو الثورة العالمية وبعث روسيا.
برهن ربع قرن من الزمان أنه فترة زمنية قصيرة للغاية لإعادة التسليح الثوري للطليعة البروليتارية العالمية، وفترة طويلة جداً للحفاظ على النظام السوفييتي سليماً في بلد متخلف معزول. إن البشرية تدفع الآن ثمن ذلك من خلال حرب إمبريالية جديدة. ولكن المهمة الأساسية لعصرنا لم تتغير، لسبب بسيط هو أنه لم يتم إنجازها إلى الآن. إن أحد الأصول الهائلة في الربع الأخير من القرن والذي يقدم وعداً لا يقدر بثمن للمستقبل يتشكل من حقيقة أن إحدى كتائب البروليتاريا العالمية تمكنت بطريقة عملية من إظهار كيفية إنجاز المهمة.
ان الحرب الإمبريالية الثانية تضع على مسرح التاريخ مهمة لم يتم حلها. إنها لا تختبر مجدداً قدرة الأنظمة القائمة على الاستقرار فقط، بل تختبر أيضاً قدرة البروليتاريا على الإطاحة بتلك الأنظمة. لا شك أن نتائج هذا الاختبار لها أهمية حاسمة في تقييمنا للعصر الحديث باعتباره عصر الثورة البروليتارية. إذا أخفقت ثورة أكتوبر، بالتناقض مع جميع الاحتمالات، في مجرى الحرب الدائرة، أو بعدها مباشرة، في ان تواصل مسيرتها في أي من الدول المتقدمة. وإن حدث العكس، ان يدفع بالبروليتاريا إلى المؤخرة في كل مكان، وعلى كل الجبهات، سيكون علينا وقتها بلا شك ان نضع مفهومنا عن العصر الحالي وقواه الدافعة موضع المسائلة. لن يكون المطلوب في تلك الحالة لصق طابع مكتبي على الاتحاد السوفيتي أو العصابة الستالينية، بل إعادة تقييم الرؤية التاريخية لعالمنا لعقود، إن لم يكن لقرون، قادمة: هل دخلنا عصر الثورة الاجتماعية والمجتمع الاشتراكي، أو على العكس دخلنا حقبة مجتمع البيروقراطية الشمولية الهابط؟
إن الخطأ المزدوج لدي مخططين أمثال هوغو أوربانز وبرونو ريتزي. يتمثل من جهة، في أنهم يعلنون أن هذا النظام الأخير قد تم تثبيته في النهاية؛ وثانياً، من حيث أنهم يعلنون أنه حالة انتقال اجتماعي طويلة المدي بين الرأسمالية والاشتراكية. ومع ذلك، من البديهي تماماً أنه إذا أثبتت البروليتاريا الدولية، نتيجة لتجربة عصرنا بالكامل والحرب الجديدة الحالية، عجزها عن أن تصبح سيدة المجتمع، فإن هذا سيعني إغراق كل أمل لقيام ثورة اشتراكية.، لأنه من المستحيل أن نتوقع أي ظروف أخرى أكثر ملاءمة لذلك؛ على أي حال لا أحد يتوقعهم الآن، أو قادر على تحديدهم. ليس لدى الماركسيين أدنى حق (إذا لم يتم اعتبار خيبة الأمل والإرهاق "حقوقًا") للتوصل إلى استنتاج مفاده أن البروليتاريا قد خسرت إمكانياتها الثورية ويجب أن تتخلى عن كل طموحات الهيمنة في حقبة مقبلة. عندما يتعلق الأمر بتغيرات عميقة في النظم الاقتصادية والثقافية، فإن خمسة وعشرون عامًا في ميزان التاريخ، تزن أقل من ساعة في حياة الإنسان. يا له من شخص رائع ذلك الذي، بسبب الإخفاقات العملية خلال ساعة أو يوم، يتخلى عن هدف وضعه لنفسه على أساس تجربة وتحليل كامل عمره السابق؟ في السنوات الأكثر إعتاماً للرجعية الروسية (1907 حتى 1917) أخذنا كنقطة انطلاق تلك الإمكانيات الثورية التي كشفت عنها البروليتاريا الروسية في عام 1905. في سنوات رد الفعل العالمي، يجب أن ننطلق من تلك الإمكانيات التي كشفتها البروليتاريا الروسية في 1917. وليس مصادفة أن تطلق الأممية الرابعة على نفسها اسم حزب الثورة الاشتراكية العالمية. طريقنا لا يجب ان نحيد عنه. نحن نوجه دفة سفينتنا نحو الثورة العالمية وانطلاقاً من نفس المبدأ نحو إعادة إحياء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية كدولة عمالية.
السياسة الخارجية امتداد للسياسة الداخلية.
ما الذي ندافع عنه في الاتحاد السوفييتي؟ ليس بالقطع العناصر التي يماثل فيه الدول الرأسمالية ولكن بالتحديد التي يختلف فيها عنها. في ألمانيا أيضاً، ندعو إلى انتفاضة ضد البيروقراطية الحاكمة، ولكن فقط من أجل الإطاحة بالملكيات الرأسمالية على الفور. وفي الاتحاد السوفييتي من المحتم الإطاحة بالبيروقراطية من أجل الحفاظ على ممتلكات الدولة. بهذا المعنى فقط نؤيد الدفاع عن الاتحاد السوفييتي.
لا يوجد أحدا بيننا يرفض أن على العمال السوفييت أن يدافعوا عن ملكية الدولة، ليس فقط ضد طفيلية البيروقراطية، ولكن أيضاً ضد الميل نحو الملكية الخاصة، على سبيل المثال، من جانب أرستقراطية الكولاك. لكن السياسة الخارجية هي في التحليل الأخير امتداد للسياسة في الداخل. إذا ارتبطنا في السياسة الداخلية بالدفاع عن مكتسبات ثورة أكتوبر بالنضال الحازم بلا مساومة ضد البيروقراطية، فيجب علينا أن نفعل نفس الشيء في السياسة الخارجية كذلك. من المؤكد أن برونو ريتزي.، انطلاقاً من واقع أن "الجماعية البيروقراطية" قد انتصرت بالفعل على طول الخط، يؤكد لنا أنه لا يوجد أحد يهدد ملكية الدولة، لأن هتلر (وتشامبرلين؟) مهتمون أيضاً، كما ترون، بالحفاظ عليها مثل ستالين تماماً. من المؤسف أن نقول إن ضمانات برونو ريتزي. عبثية. في حالة الانتصار، سيبدأ هتلر في جميع الاحتمالات بالمطالبة بإعادة الملكيات التي تم مصادرتها من البرجوازية الألمانية إلى الرأسماليين الألمان مجدداً؛ ومن ثم سيضمن استعادة مشابهة للملكية البرجوازية في إنجلترا وفرنسا وبلجيكا من أجل التوصل إلى اتفاق معهم على حساب الاتحاد السوفيتي. وأخيرا، سيجعل ألمانيا المتعاقد الأكبر مع مؤسسات الدولة في الاتحاد السوفيتي لصالح الآلة العسكرية الألمانية. هتلر الآن حليف ستالين. لكن يتعين على هتلر، بمساعدة ستالين، أن يخرج منتصراً على الجبهة الغربية، ليقوم بدوره في الغد بتحويل أسلحته ضد الاتحاد السوفييتي. وأخيرًا، فإن تشامبرلين، أيضاً، في ظروف مماثلة، لن يتصرف بشكل مختلف عن هتلر.
الصراع الطبقي والدفاع عن الاتحاد السوفيتي
ان الأخطاء التي تلابس قضية الدفاع عن الاتحاد السوفيتي تأتى على الأغلب من الخطأ في فهم أساليب "الدفاع". لا يعني الدفاع عن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية على الإطلاق تقاربًا مع البيروقراطية في الكرملين، أو قبول سياساتها، أو التصالح مع سياسات حلفائها. في تلك القضية، كما هو الحال في سائر القضايا الأخرى، يظل موقفنا قائماً كلياً على قاعدة الصراع الطبقي الدولي.
النشرة الدورية الفرنسية الصغيرة، ما العمل"Que Faire"، ذكرت مؤخرا أنه بما أن "التروتسكيون" انهزاميون بالنسبة لفرنسا وإنجلترا، فهم بالتالي انهزاميون أيضاً فيما يتعلق بالاتحاد السوفييتي. بعبارة أخرى: إذا كنت تريد الدفاع عن الاتحاد السوفيتي، يجب أن تتوقف عن الانهزامية في التعامل مع حلفائه الإمبرياليين. اعتقدت نشرة Que Faire أن "الديمقراطيات" سيكونون حلفاء للاتحاد السوفييتي. لا نعرف ماذا سيقول هؤلاء الحكماء الآن. لكن ذلك ليس مهما تقريبا، لأن معالجتهم ذاتها فاسدة. إن التخلي عن الانهزامية (-) تجاه المعسكر الإمبريالي الذي يلتزم به الاتحاد السوفييتي اليوم أو قد يلتزم به غداً هو دفع عمال معسكر العدو إلى جانب حكومتهم؛ يعني التخلص من الانهزامية بشكل عام. إن التخلي عن الانهزامية في ظل ظروف الحرب الإمبريالية يساوى رفض الثورة الاشتراكية - ورفض الثورة باسم "الدفاع عن الاتحاد السوفيتي" - من شأنه أن يحكم على الاتحاد السوفيتي بالتحلل النهائي والموت.
إن "الدفاع عن الاتحاد السوفيتي"، في منظور الكومنترن، يماثل "كفاح الأمس ضد الفاشية"، أي يقوم على التخلي عن السياسة الطبقية المستقلة. إذ تتحول البروليتاريا بموجبه - لأسباب متنوعة وفي ظروف مختلفة، ولكن دائماً وأبداً - إلى قوة مساعدة لمعسكر برجوازي ضد آخر. ويذهب بعض رفاقنا، على النقيض من ذلك، إلى القول: بما أننا لا نريد أن نصبح أدوات في يد ستالين وحلفائه، فإننا نرفض الدفاع عن الاتحاد السوفييتي. لكنهم بهذا يظهرون فقط أن فهمهم لـ "الدفاع" يتطابق بشكل أساسي مع فهم الانتهازيين. لا يفكرون من منظور السياسة المستقلة للبروليتاريا. في واقع الأمر، نحن ندافع عن الاتحاد السوفييتي كما ندافع عن المستعمرات، وبنفس المنظور الذي نحل به جميع مشاكلنا، ليس من خلال دعم بعض الحكومات الإمبريالية ضد الآخرين، ولكن من خلال أسلوب الصراع الطبقي الأممي في المستعمرات وكذلك في المراكز الحضرية.
نحن لسنا حزب حكومي. نحن حزب معارضة لا تقبل المساومة، ليس فقط في الدول الرأسمالية ولكن أيضاً في الاتحاد السوفييتي. مهامنا تتضمن، "الدفاع عن الاتحاد السوفيتي"، ولا ننجزها من خلال بيئة الحكومات البرجوازية ولا حتى من خلال حكومة الاتحاد السوفيتي، ولكن من خلال تعليم الجماهير عبر التحريض، من خلال الشرح للعمال ما يجب أن يدافعوا عنه وما يجب أن يسقطوه. مثل هذا "الدفاع" لا يمكن أن يعطي نتائج خارقة فورية.
لكننا لا ندعي أننا عمال قادرون على صنع معجزات. الحال أننا أقلية ثورية. يجب أن نوجه عملنا بالشكل الذي يمكن العمال الذين نملك نفوذاً سياسياً بينهم من تقييم الأحداث بشكل صحيح، وان لا يتركوا أنفسهم دون فهم، وأن يقوموا بتعبئة المشاعر العامة لطبقتهم في أتجاه الحل الثوري للمهام التي تواجهنا.
إن وجهة نظرنا هي أن الدفاع عن الاتحاد السوفيتي يتلازم مع التحضير للثورة العالمية. نحن لا نقبل سوي تلك الأساليب والمنظورات التي لا تتناقض مع مصالح الثورة. إن الدفاع عن الاتحاد السوفيتي يرتبط بالثورة الاشتراكية العالمية ارتباط المهمة التكتيكية بنفس الاستراتيجية. التكتيك الذي يخضع للهدف الاستراتيجي ولا يمكن أن يتعارض معه على الإطلاق.
قضية الأقاليم المحتلة
بينما أكتب هذه السطور، لا تزال مسألة الأراضي التي يحتلها الجيش الأحمر غامضة. البرقيات التي تنهال من هنا وهناك تتناقض مع بعضها البعض، لأن كلا الجانبين يكذبان كثيراً. لكن العلاقات الفعلية داخل المشهد لا تزال غير مستقرة إلى حد كبير. سوف تصبح معظم الأراضي المحتلة بلا شك جزءً من الاتحاد السوفييتي. ولكن في أي صيغة؟
دعونا نفترض للحظة أنه وفقاً للمعاهدة مع هتلر، فإن حكومة موسكو لن تمس حقوق الملكية الخاصة في المناطق المحتلة وسوف تقتصر على فرض "السيطرة" على نمط الفاشية. مثل هذا التنازل سيكون له طابع غير مبدئي عميق وقد يصبح نقطة بداية لفصل جديد في تاريخ النظام السوفييتي. وبالتالي، نقطة انطلاق لتقييم جديد من جانبنا لطبيعة الدولة السوفيتية.
ومع ذلك، فإنه من الأرجح في المناطق التي من المقرر أن تصبح جزءً من الاتحاد السوفييتي، أن حكومة موسكو ستقوم بنزع ملكية أصحاب الأراضي الكبيرة ووسائل الإنتاج الضخمة. هذا هو الاحتمال الأرجح ولكن ذلك ليس بسبب أن البيروقراطية لا تزال مخلصة للبرنامج الاشتراكي، وليس لأنها لا ترغب، أو لا تستطيع، تقاسم السلطة، والامتيازات المترتبة على ذلك، مع الطبقات الحاكمة القديمة في الأراضي المحتلة. ثمة مثال يفرض نفسه حرفياً. نابليون الأول كبح الثورة عن طريق الديكتاتورية العسكرية. ومع ذلك، عندما غزت القوات الفرنسية بولندا، وقع نابليون مرسومًا نص على: "إلغاء العبودية". لم يكن هذا الإجراء متوقفاً على تعاطف نابليون مع الفلاحين، ولا مع المبادئ الديمقراطية، بل على أساس واقع أن الدكتاتورية البونابرتية لم تكن تستند إلى الملكية الإقطاعية، بل إلى علاقات الملكية البرجوازية. وحيث أن ديكتاتورية ستالين البونابرتية لا تستند إلى الملكية الخاص بل إلى ملكية الدولة، فإن غزو الجيش الأحمر لبولندا يجب أن يؤدي، في جوهر المسألة، إلى إلغاء الملكية الرأسمالية الخاصة، ومن ثم، تحقيق تجانس (نظم الملكية – م) في الأقاليم المحتلة مع نظام الاتحاد السوفيتي.
هذا الإجراء، الثوري في جوهره، "نزع ملكية نازعي الملكية"،
- يتحقق في تلك الحالة بطريقة بيروقراطية عسكرية. توجيه نداء من أجل النشاط المستقل من جانب الجماهير في المناطق الجديدة - وبدون مثل هذا النداء، حتى لو تم صياغته بحذر شديد، فإنه من المستحيل تشكيل نظام جديد – وبالقطع سوف يتم قمعه في الغد بواسطة تدابير بوليسية عنيفة. لضمان رجحان البيروقراطية على الجماهير الثورية المستيقظة. هذا جانب واحد من المسألة. هناك جانب آخر. لكي يتمكن الكرملين من احتلال بولندا بالتحالف العسكري مع هتلر، خدع لفترة طويلة، ولا زال، الجماهير في الاتحاد السوفييتي وفي العالم بأسره، وبالتالي أحدث اختلالاً كلياً في صفوف أمميته الشيوعية. إن المعيار السياسي الأساسي بالنسبة لنا ليس هو تحويل علاقات الملكية في منطقة أو آخري، مهما كانت هذه الأمور مهمة في حد ذاتها، ولكن التغيير في وعي وتنظيم البروليتاريا العالمية، ورفع قدرتهم على الدفاع عن المكتسبات السابقة. وتحقيق مكاسب أخرى جديدة. من هذا المنظور، وانطلاقا من تلك النقطة الحاسمة، فإن سياسة موسكو بالنسبة لنا، بشكل إجمالي، تحتفظ تماماً بطابعها الرجعي وتبقى العقبة الرئيسية في طريق الثورة العالمية.
بيد أن تقييمنا العام للكرملين والكومنتيرن لا يغير الحقيقة الخاصة التي مفادها أن مجانسة الدولة للملكية في البلدان المحتلة هو في حد ذاته تدبير تقدمي. يجب أن نقر بذلك علانية. سيقذف هتلر غداً بجيوشه ضد الشرق بهدف استعادة "القانون والنظام" في شرق بولندا، وسوف يتصدى العمال المتقدمون لهجوم هتلر دفاعاً عن هذه الأشكال الجديدة من الملكية التي أقامتها البيروقراطية السوفييتية البونابرتية.
إن تأميم وسائل الإنتاج، كما قلنا، تدبير تقدمي. لكن تقدميته نسبية. ويعتمد وزنها على مجموع كل العوامل الأخرى. لذلك، يجب علينا أولاً وقبل كل شيء أن نثبت أن توسع الأراضي التي يسيطر عليها الأوتوقراطية البيروقراطية والطفيلية، المتشحة زورا بوشاح "الاشتراكية" في إجراءاتها، يمكن أن يعزز مكانة الكرملين، ويولد أوهام حول إمكانية استبدال الثورة البروليتارية بالمناورات البيروقراطية، وما إلى ذلك. هذا الشر يفوق بكثير المحتوى التقدمي للإصلاحات الستالينية في بولندا. ومن أجل أن تصبح الملكية المؤممة في المناطق المحتلة، وكذلك في الاتحاد السوفييتي، أساسًا لتقدم حقيقي، لنقل تنمية اشتراكية، من الضروري أولا إسقاط بيروقراطية موسكو. برنامجنا يحتفظ هكذا، بكامل صلاحيته. لم تمسنا الأحداث على حين غرة. فمن الضروري فقط تفسيرها بشكل صحيح. من الضروري أن نفهم بوضوح وجود تناقضات حادة في طبيعة الاتحاد السوفييتي وفي موقعه الدولي. من المستحيل أن يتخلص المرء من تلك التناقضات عن طريق صياغة مصطلح مكتبي ("دولة عمال" - "ليست دولة عمال"). يجب أن نتعامل مع الحقائق كما هي. وينبغي أن نبني سياستنا بأن نأخذ كنقطة انطلاق العلاقات والتناقضات الفعلية.
نحن لا نعهد للكرملين بأي مهمة تاريخية. كنا وما زلنا ضد عمليات الاستيلاء على الأراضي الجديدة من قبل الكرملين. نحن نساند استقلال أوكرانيا السوفياتية، حتى وإن كان الروس البيض أنفسهم يرغبون في- روسيا سوفيتية بيضاء Byelo. ونفس الموقف في نفس الوقت تجاه أقسام بولندا التي يحتلها الجيش الأحمر، يجب على أنصار الأممية الرابعة أن يلعبوا الجزء الأكثر حسماً في مصادرة أصحاب الأرض والرأسماليين، في تقسيم الأرض بين الفلاحين، في إنشاء لجان السوفيتات والعمال، إلخ. في حين أن عليهم أن يحافظوا على استقلالهم السياسي، يجب عليهم أن يقاتلوا خلال الانتخابات إلى السوفيتات ولجان المصانع من أجل الاستقلال التام عن البيروقراطية، ويجب عليهم القيام بالدعاية الثورية بروح عدم الثقة في الكرملين ووكلائه المحليين.
لكن لنفترض أن هتلر حول أسلحته إلى الشرق وغزا الأراضي التي يحتلها الجيش الأحمر. في ظل هذه الظروف، فإن أنصار الأممية الرابعة، دون تغيير بأي شكل من الأشكال في موقفهم تجاه أوليجاركية الكرملين، سوف يتقدمون إلى صدارة المقاومة العسكرية ضد هتلر، باعتبارها المهمة الأكثر إلحاحاً في تلك الساعة، سيقول العمال: "لا يمكننا الانبطاح لهتلر للإطاحة بستالين، تلك معركتنا.". وخلال هذا النضال العسكري ضد هتلر، سيكافح العمال الثوريون للدخول في أوثق علاقات ممكنة مع المقاتلين من الجيش الأحمر. وبينما يتعاملون عسكرياً بتوجيه النيران إلى هتلر، سيقوم البلاشفة-اللينينيون في الوقت نفسه بشن دعاية ثورية ضد ستالين تمهيدا للإطاحة به في المرحلة التالية وربما القريبة جداً.
هذا النوع من "الدفاع عن الاتحاد السوفيتي" سيكون مختلفاً بطبيعة الحال، اختلاف السماء والأرض، عن الدفاع الرسمي الذي يجري الآن تحت شعار: "من أجل أرض الوطن، من اجل ستالين!" دفاعنا عن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية سوف يكون تحت شعار: "من اجل الاشتراكية! من أجل الثورة العالمية! ضد ستالين! "ومن أجل ألا يختلط هذين النوعين من" الدفاع عن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية" في وعي الجماهير فمن الضروري أن نعرف بوضوح وبشكل دقيق كيفية صياغة الشعارات التي تتوافق مع الوضع الملموس. ولكن قبل أي شيء، من الضروري أن نعرض بوضوح ما ندافع عنه، وتحديداً كيف ندافع عنه، وضد من ندافع عنه. شعاراتنا سوف تسبب الارتباك بين الجماهير فقط في حال ما إذا لم يكن لدينا فهم واضح لمهامنا.
المحصلة الختامية
ليس ثمة مبرر أياً كان لنغير الآن موقفنا المبدئي بخصوص الاتحاد السوفيتي.
من شأن الحرب أن تسرع العمليات السياسية المختلفة، ومن الممكن ان تعجل بعملية الانبعاث الثوري في الاتحاد السوفيتي، لكنها قد تسرع أيضاً عملية تفسخه النهائي. ولهذا السبب، ليس أمامنا سوي أن نتابع بدقة وبدون تحامل هذه التعديلات التي تدخلها الحرب في الحياة الداخلية للاتحاد السوفييتي، حتى نتعامل معها في الوقت المناسب.
إن مهماتنا في البلدان المحتلة لا تزال كما هي في الاتحاد السوفييتي نفسه. ولكن بقدر ما تشكلها الأحداث في أوضح صورها، فإنها تمكننا بشكل أفضل من إيضاح مهامنا العامة فيما يتعلق بالاتحاد السوفيتي.
يجب أن نصوغ شعاراتنا بطريقة تجعل العمال يفهمون بوضوح ما الذي ندافع عنه في الاتحاد السوفيتي (ملكية الدولة والاقتصاد المخطط)، وأننا نخوض نضالاً شديداً ضد (البيروقراطية الطفيلية والكومنتيرن). يجب ألا يغيب عن بالنا لحظة واحدة حقيقة أن مسألة إسقاط البيروقراطية السوفييتية هي بالنسبة لنا مرتبطة بمسألة الحفاظ على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج في الاتحاد السوفيتي؛ والحفاظ على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج في الاتحاد السوفيتي يرتبط عندنا بقضية الثورة البروليتارية العالمية.
25 سبتمبر 1939








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا