الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة (الجزء الثالث)

سمية العثماني

2020 / 6 / 5
الارشيف الماركسي


الفصل الثالث: الدولة والثورة - خبرة كومونة باريس سنة 1871 - تحليل ماركس
1- بم تتلخص البطولة في محاولة الكومونيين؟
من المعروف أنّ ماركس قد حذّر العمال الباريسيين قبل الكومونة بعدة أشهر، في خريف سنة 1870، قائلا أنّ محاولة إسقاط الحكومة تكون حماقة اليأس. ولكن عندما فُرضت على العمال المعركة الفاصلة في مارس سنة 1871، وعندما قبِلَها هؤلاء وغدا الانتفاض أمرا واقعا، حيّا ماركس الثورة البروليتارية بمنتهى الحماسة رغم نذير الشؤم. على غرار المرتد الروسي السيئ الشهرة بليخانوف الذي كتب في نوفمبر سنة 1905 مشجعا نضال العمال والفلاحين، ثم، بعد ديسمبر سنة 1905، أخذ يصرخ على نمط الليبراليين: «ما كان علينا حمل السلاح». ولكن فبالمقابل ماركس لم يكتف بالإعجاب ببطولة الكومونيين الذين «هبّوا لمهاجمة السماء» على حدّ تعبيره؛ ففي هذه الحركة الثورية الجماهيرية، وإن كانت لم تبلغ الهدف، قد رأى خبرةً تاريخيةً ذات أهمية كبرى، رأى فيها خطوة معينة إلى الأمام تخطوها الثورة البروليتارية العالمية، خطوة عملية أهمّ من مئات البرامج والمحاكمات؛ وقد وضع ماركس نصب عينيه مُهمة تحليل هذه الخبرة واستخلاص الدروس التكتيكية منها وإعادة النظر في نظريّته على أساسها, إذ أنّ التعديل الوحيد الذي اعتبر ماركس من الضروري إدخاله على «البيان الشيوعي» قد استوحاه من خبرة الكومونيين الباريسيين الثورية.
إن آخر مقدمة للطبعة الألمانية الجديدة من «البيان الشيوعي» وقّعها مؤلفاه معا بتاريخ 24 يونيو سنة 1872. وفي هذه المقدمة يقول المؤلفان كارل ماركس وفريدريك انجلس أنّ برنامج «البيان الشيوعي قد شاخ اليوم في بعض أماكنه». كما يقول ماركس في كتابه الحرب الأهليّة الفرنسيّة : «الطبقة العاملة لا تستطيع أن تكتفي بالاستيلاء على آلة الدولة جاهزة وأن تحركها لأهدافها الخاصة...» هذا كان أهمّ درس من الكمونة...
- الفكرة هنا هيّ أن واجب الطبقة العاملة هو تحطيم «آلة الدولة الجاهزة»، لا الاكتفاء بمجرد الاستيلاء عليها.
في الثاني عشر من أبريل سنة 1871، أي في أيام الكومونة بالذات، كتب ماركس إلى كوغلمان:
... إذا ما ألقيت نظرة إلى الفصل الأخير من كتابي «18 برومير» رأيت أني أعلنت أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون لا نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى كما كان يحدث حتى الآن، بل تحطيمها».
في هذه الكلمات: «تحطيم آلة الدّولة البيروقراطية العسكرية» أُعرب بإيجاز عن درس الماركسية الرئيسي بشأن واجبات البروليتاريا في الثورة حيال الدولة؛ وهذا الدرس بالذات لم يقتصر «تأويل» كاوتسكي على نسيانه تماماً بل على تشويهه!

2- بم يستعاض عن آلة الدولة المحطمة؟
ذُكر في البيان الشّيوعي سنة 1847 كإجابة على هذا السّؤال: الاستعاضة عنها (أي الدّولة البورجوازيّة) بتنظيم البروليتاريا في طبقة سائدة ، بالظفر بالديموقراطية ؛ كانت هذه الإجابة مجرّدة إذ أنّ ماركس لم ينسق حينها مع الخيال, بل انتظر من خبرة الحركة الجماهيرية أن تجيب على السؤال.
إذن: ما هي الأشكال الملموسة التي سيتخذها تنظيم البروليتاريا بوصفها طبقة سائدة وبأية صورة سيقترن هذا التنظيم مع «بالظفر بالديموقراطية» الأتم والأكمل؟.
في كتاب «الحرب الأهلية في فرنسا» يحلل ماركس بشكل دقيق خبرة الكومونة إذ يقول:
في القرن التاسع عشر، تطورت «سلطة الدولة المتمركزة مع أجهزتها المنتشرة في كل مكان: الجيش النظامي والشرطة والبيروقراطية والاكليروس والفئة القضائية»، هذه السلطة المتحدرة من القرون الوسطى. ومع اشتداد التناحر الطبقي بين رأس المال والعمل، «كانت سلطة الدولة تتخذ أكثر فأكثر طابع سلطة عامة لظلم العمل، طابع أداة للسيطرة الطبقية؛ وبعد كل ثورة تشكل خطوة معينة إلى الأمام خطاها النضال الطبقي يتجلى طابع الاضطهاد المحض لسلطة الدولة على نحو أوضح فأوضح». وبعد ثورة سنتي 1748-1849، غدت سلطة الدولة «آلة قومية لحرب الرأسمال ضد العمل». وجاءت الإمبراطورية الثانية توطد ذلك... «كانت الكومونة النقيض المباشر للإمبراطورية», «فقد كانت شكلا معينا لجمهورية ينبغي لها أن تزيل لا الشكل الملكي للحكم الطبقي فحسب، بل أيضا الحكم الطبقي ذاته»
إذن: بمَ على وجه التدقيق، ظهر هذا الشكل «المعين» للجمهورية البروليتارية، الاشتراكية؟ وكيف كانت الدولة التي شرعت بتأسيسها؟

«كان أول مرسوم أصدرته الكومونة يقضي بإلغاء الجيش النظامي والاستعاضة عنه بالشعب المسلح...» «لقد تشكلت الكومونة من نواب البلدية الذين تم انتخابهم عن طريق الاقتراع العام في مختلف دوائر باريس, كانوا مسؤولين وكان يمكن سحبهم في أي وقت كان, وكانت أكثريتهم، بطبيعة الحال، من العمال أو من ممثلي الطبقة العاملة المعترف بهم... والشرطة التي كانت حتى ذلك الحين أداة في يد الحكومة المركزية جُرّدت في الحال من جميع وظائفها السياسية وحُوِّلت إلى هيئة للكومونة مسؤولة يمكن تبديلها في أي وقت كان… وهكذا كان الحال أيضا بالنسبة لموظفي سائر فروع الإدارة…ومن فوق إلى أسفل، ابتداءا من أعضاء الكومونة كان يتعين أداء الخدمة العامة لقاء أجرة تساوي أجرة عامل؛ وقد أزيلت جميع الامتيازات وعلاوات التمثيل التي كان يتقاضاها كبار موظفي الدولة مع زوال هؤلاء الموظفين… وبعد أن أزالت الكومونة الجيش النظامي والشرطة، وهما أداتا الحكم المادي في يد الحكومة القديمة، أخذت في الحال تكسر أداة الاستعباد الروحي، قوة الكهنة… وفقد الموظفون القضائيون استقلالهم الصوري… وأصبح من المترتب عليهم أن يُنتخبوا علنا وأن يكونوا مسؤولين وقابلين للسحب.»

أهمّ الأفكار في هذه الفقرة:
- وهكذا يبدو أن الكومونة لم تستعيض عن آلة الدولة المحطمة «إلاّ» بديموقراطية أتم: القضاء على الجيش النظامي، مبدأ انتخاب وسحب جميع الموظفين... ولكن هذه الـ «إلاّ» تعني في حقيقة الأمر تبديلا هائلا لنوع من مؤسسات بنوع آخر يختلف اختلافا مبدئيا. نحن هنا في الحقيقة أمام حالة من حالات «تحول الكمية إلى كيفية»: فالديموقراطية المطبقة بأتم وأوفى شكل يمكن تصوره عموما تحول من ديموقراطية برجوازية إلى ديموقراطية بروليتارية، من دولة (= قوة خاصة لقمع طبقة معينة) إلى شيء ليس الدولة بمفهومها.
- إن قمع البرجوازية ومقاومتها كان ما يزال أمرا ضروريا وكانت هذه الضرورة تفرض ذاتها على الكومونة بوجه خاص؛ فأحد أسباب انهزامها يتلخص في كونها لم تقم بذلك بالحزم المطلوب... ولكن هيئة القمع تغدو في هذه الحالة أغلبية السكان، لا الأقلية كما كان الحال على الدوام في عهد نظام العبودية وفي عهد نظام القنانة وفي عهد عبودية العمل المأجور. وبما أن أغلبية الشعب تمارس بنفسها قمع ظالميها فلا تبقى ثمة حاجة إلى «قوة خاصة» للقمع! وبهذا المعنى تأخذ الدولة بالاضمحلال. وبدلا من المؤسسات الخاصة العائدة للقيام بذلك بصورة مباشرة؛ وبقدر ما يتخذ القيام بوظائف سلطة الدولة طابعا شعبيا أشمل بمقدار ما تقل الحاجة إلى هذه السلطة.
- إن التدبير الذي اتخذته الكومونة وأشار إليه ماركس هو رائع جدا بهذا الصدد: إلغاء كل علاوات التمثيل، إلغاء جميع امتيازات الموظفين في الدولة إلى مستوى «أجرة العامل». وبهذا بالذات يتجلى بأوضح ما يكون الانعطاف من الديموقراطية البرجوازية إلى الديموقراطية البروليتارية، من ديموقراطية الظالمين إلى ديموقراطية الطبقات المظلومة، من الدولة بوصفها «قوة خاصة» لقمع طبقة معينة إلى قمع الظالمين بمجموع قوة أغلبية الشعب: العمال والفلاحين.
- تخفيض رواتب كبار الموظفين في جهاز الدولة يبدو «مجرد» مطلب من مطالب ديموقراطية ساذجة، بدائية. إن أحد «مؤسسي» الانتهازية الحديثة، الاشتراكي-الديموقراطي سابقا، برنشتين، قد لاك مرارا وكرر التهكمات البرجوازية الحقيرة على الديموقراطية «البدائية»؛ فهو كشأن جميع الانتهازيين وكشأن الكاوتسكيين الحاليين لم يفهم بتاتا، أولا، أن الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية يستحيل بدون «عودة» ما إلى الديموقراطية «البدائية» (وإلاّ كيف يمكن الانتقال إلى قيام أكثرية السكان والسكان عن آخرهم بوظائف الدولة؟)، وثانيا، أن «الديموقراطية البدائية» على أساس الرأسمالية والحضارة الرأسمالية تختلف عن الديموقراطية البدائية في العهود البدائية أو عهود ما قبل الرأسمالية؛ فقد خلقت الحضارة الرأسمالية الإنتاج الضخم، والمعامل والسكك الحديدية والبريد والتلفون وما شاكل ذلك، وعلى هذا الأساس بلغت الأكثرية الكبرى من وظائف «سلطة الدولة» القديمة درجة من البساطة وغدا بالإمكان تحويلها إلى عمليات من التسجيل والتدوين والتثبيت على درجة من السهولة بحيث تصبح تماما في منال جميع الذين يحسنون القراءة والكتابة، بحيث يمكن تماما القيام بهذه الوظائف مقابل «أجرة عامل» المعتادة، ويمكن ويجب تجريد هذه الوظائف من أي ظل لطابع امتياز و«ترؤس».
- انتخاب جميع الموظفين دون استثناء وإمكانية سحبهم في كل لحظة وإنقاص رواتبهم حتى «أجرة العامل» المعتادة، هذه التدابير الديموقراطية البسيطة و«البديهية» التي توحد تماما مصالح العمال وأكثرية الفلاحين هي في الوقت نفسه جسر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية؛ وهذه التدابير تتعلق بإعادة تنظيم الدولة، بإعادة تنظيم المجتمع من الناحية السياسية الصرف ولكنها لا تكسب بطبيعة الحال كل مغزاها وأهميتها إلاّ في حالة تحقيق أو تحضير «مُصادرة ملكية مغتصبي الملكية»، أي تحويل الملكية الخاصة الرأسمالية لوسائل الإنتاج إلى ملكية اجتماعية.
وقد كتب ماركس:
لقد جعلتِ الكومونة من ذلك الشعار الذي نادت به جميع الثورات البرجوازية –الحكومة القليلة النفقات- حقيقة، وذلك بإلغاء أكبر بابين من أبواب النفقات: الجيش النظامي وسلك الموظفين .

3- إلغاء البرلمانية
كتب ماركس: «وكان يُراد بالكومونة أن تكون لا هيئة برلمانية، بل هيئة عاملة تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه... وبدلا من البت مرة كل ثلاث سنوات أو ست في مسألة معرفة أي عضو من الطبقة المسيطرة يجب أن يمثل ويقمع الشعب في البرلمان، كان يجب على حق الانتخاب العام، بدلا من ذلك، أن يخدم الشعب، المنظم في الكومونة قصد البحث لمؤسسته عن عمال ومراقبين ومحاسبين، كما يخدم حق الانتخاب الفردي لهذا الغرض أياً كان من أرباب العمل»

إنّ الدياليكتيك الثوري لم يكن قط في نظر ماركس عبارة فارغة، على الموضة، لم يكن مسبحة للطقطقة كما صيّره بليخانوف وكاوتسكي وأضرابهما. فكان ماركس يحسن القطيعة مع الفوضوية دونما إشفاق لعجزها عن الاستفادة حتى من «حظيرة» البرلمانية البرجوازية ولا سيما حينما يكون من البيّن عدم وجود وضع ثوري، ولكنه في الوقت نفسه قد أحسن كذلك انتقاد البرلمانية انتقادا بروليتاريا ثوريا حقا.

أهمّ الأفكار الواردة في ما كتبه ماركس:
- البت مرة كل عدة سنوات في مسألة معرفة أي عضو من الطبقة السائدة سيقوم بقمع الشعب في البرلمان ، -هذا هو الجوهر الحقيقي للبرلمانية البرجوازية، ليس فقط في المَلكيات البرلمانية الدستورية، بل كذلك في الجمهوريات الأوسع ديموقراطية.
إذن: من وجهة نظر مهام البروليتاريا في هذا الحقل، فأين المخرج من البرلمانية؟ وكيف يمكن الاستغناء عنها؟
- المَخرج من البرلمانية ليس بطبيعة الحال في إلغاء المؤسسات التمثيلية والمبدأ الانتخابي، بل في تحويل المؤسسات التمثيلية من ندوات للثرثرة إلى مؤسسات «عاملة»؛ «كان يراد بالكومونة أن تكون لا هيئة برلمانية، بل هيئة تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه».
- مؤسسة «غير برلمانية، بل مؤسسة عاملة». إنّ هذا القول قد فقأ عيون البرلمانيين المعاصرين و«كلاب الصالونات» البرلمانية للاشتراكية-الديموقراطية بالذات! امعنوا النظر في أي بلد برلماني من أمريكا حتى سويسرا ومن فرنسا حتى انجلترا والنروج وغيرها، تروا أن عمل «الدولة» الحقيقي يجري وراء الكواليس وتنفذه الدواوين والمكاتب وهيئات الأركان؛ ففي البرلمانات يكتفون بالهذر بقصد معين وهو خداع «العامة».
- لقد استعاضت الكومونة عن برلمانية المجتمع البرجوازي المرتشية والمتعفنة بمؤسسات لا تنحط فيها حرية الرأي والبحث إلى خداع، لأنه يتوجب على البرلمانيين أن يعملوا هم أنفسهم، أن ينفذوا قوانينهم بأنفسهم، أن يتحققوا بأنفسهم من نتائجها العملية، أن يقدموا الحساب مباشرة لناخبيهم. تبقى المؤسسات التمثيلية، ولكن البرلمانية باعتبارها نظاما خاصا، باعتبارها فصلا للعمل التشريعي عن التنفيذي، باعتبارها وضعا ممتازا للنواب، تنعدم هنا. لا يمكننا أن نتصور الديموقراطية، وحتى الديموقراطية البروليتارية، بدون مؤسسات تمثيلية؛ ولكن يمكننا ومن واجبنا أن نتصورها بدون البرلمانية إذا لم يكن انتقاد المجتمع البرجوازي في نظرنا مجرد عبارات فارغة، وإذا كان طموحنا إلى إسقاط سيطرة البرجوازية صادقا وجديّا، لا عبارة «انتخابية» لتصيد أصوات العمال...

إن ماركس بريء من الطوباوية، إنّه لا يتخيل مجتمعا «جديدا» بل يدرس، كما يدرس مجرى التاريخ الطبيعي، ولادة المجتمع الجديد من القديم وأشكال الانتقال من هذا إلى ذاك. وهو يأخذ الخبرة العملية للحركة البروليتارية الجماهيرية، ويسعى ليستخلص منها الدروس العملية؛ وهو «يتعلم» من الكومونة على غرار بعض المفكرين الذين راحوا يلقون المواعظ كموعظة بليخانوف: «ما كان ينبغي حمل السلاح» أو موعظة تسيرتيلي: «من واجب الطبقة أن تلزم حدها»
- لا يمكن أن تطرح مسألة القضاء على الدواوينية دفعة واحدة، وفي كل مكان وبصورة تامة؛ إن هذا من الطوباويات. ولكن تكسير الآلة الدواوينية القديمة دفعة واحدة والشروع دونما إبطاء ببناء آلة جديدة تُمكِّن من القضاء بصورة تدريجية على كل دواوينية ليس بطوباوية, بل هو تجربة الكومونة, هو واجب البروليتاريا الثورية المباشر.
- تبسط الرأسمالية وظائف إدارة «الدولة»، وهي تمكّن من نبذ التّرؤس ومن حصر الأمر كله في منظمة البروليتاريين (بوصفهم الطبقة السائدة)، التي تستأجر باسم المجتمع كله «العمال والمراقبين والمحاسبين».
نحن لسنا طوباويين؛ نحن لا «نحلم بالاستغناء دفعة واحدة عن كل إدارة، عن كل خضوع فهذه الأحلام الفوضوية الناشئة عن عدم فهم مهام ديكتاتورية البروليتاريا هي غريبة تماما عن الماركسية ولا تفعل في الواقع غير تأجيل الثورة الاشتراكية إلى أن يصبح الناس غير ما هم عليه. لا؛ نحن نريد الثورة الاشتراكية مع الناس على ما هم عليه اليوم، مع هؤلاء الناس الذين لا يستطيعون الاستغناء عن الخضوع، عن المراقبة، عن «المراقبين والمحاسبين». ولكن ينبغي الخضوع للطليعة المسلحة، لطليعة جميع المستثمَرين وجميع الشغيلة، للبروليتاريا.
سننظم الإنتاج الكبير انطلاقا مما أنشأته الرأسمالية وسنقوم نحن العمال بأنفسنا، مستندين إلى خبرتنا العمالية وواضعين انضباطا صارما جدا، انضباطا حديديا تدعمه سلطة الدولة للعمال المسلحين، بحصر دور موظفي الدولة في دور مجرد منفذين لما تكلفهم به، في دور «مراقبين ومحاسبين» (طبعا، مع التكنيكيين من جميع الأصناف والأنواع والدرجات) يتحملون المسؤولية ويمكن سحبهم ويتقاضون رواتب متواضعة. هذه هي مهمتنا البروليتارية، هذا ما يمكن وما يجب أن نبدأ به عند القيام بالثورة البروليتارية. وهذه البداية القائمة على الإنتاج الضخم تؤدي بطبيعة الحال إلى «اضمحلال» الدواوينية كلها بصورة تدريجية، تؤدي بصورة تدريجية إلى نشوء نظام –نظام بدون معترضتين، نظام لا يشبه عبودية العمل المأجور- يجري فيه تحقيق وظائف المراقبة والمحاسبة التي تغدو أبسط فأبسط من قبل الجميع بالتناوب ثم تغدو هذه الوظائف عادة لتزول في النهاية باعتبارها وظائف خاصة تقوم بها فئة خاصة من الناس.

4- تنظيم وحدة الأمة:
لقد أشار ماركس عمدا، وكأنه توقع إمكانية تشويه نظراته، إلى أن اتهام الكومونة بالرغبة في القضاء على وحدة الأمة وفي إلغاء السلطة المركزية هو من التزوير المتعمد؛ وقد تقصد ماركس استعمال تعبير «تنظيم وحدة الأمة» لكيما يعارض المركزية البرجوازية والعسكرية البيروقراطية بالمركزية البروليتارية الواعية والديموقراطية.

5- القضاء على الطفيلي، على الدولة
«القضاء على سلطة الدولة» التي كانت «زائدة طفيلية»، «بترها»، «تحطيمها»، «سلطة الدولة تغدو منذ الآن زائدة»... - بهذه التعابير تكلّم ماركس عن الدولة في تقديره وتحليله لخبرة الكومونة-.
وقال أيضا: «... إن تعدد الشروح التي استتبعتها الكومونة وتعدد المصالح التي وجدت فيها تعبيرا عنها يثبتان أنها كانت شكلا سياسيا مرنا للغاية، بينما كانت جميع الأشكال السابقة للحكومة أشكالا للاضطهاد من حيث جوهرها؛ وكان سر الكومونة الحقيقي هو هذا: كانت، من حيث الجوهر، حكومة الطبقة العاملة، كانت نتاج كفاح طبقة منتجين ضد طبقة المستأثرين، كانت الشكل السياسي الذي اكتشف أخيرا والذي كان يمكن في ظله أن يتحقق التحرر الاقتصادي للعمل... ولولا هذا الشرط الأخير لكان التنظيم الكوموني أمرا مستحيلا ولكان غشا... »
لقد استخلص ماركس من كامل تاريخ الاشتراكية والنضال السياسي أنه لا بد للدولة أن تزول وأن الشكل الانتقالي لزوالها (الانتقال من الدولة إلى اللاّدولة) سيكون «البروليتاريا المنظمة في طبقة سائدة».
الكومونة هي الشكل الذي «اكتشفته أخيرا» الثورة البروليتارية والذي يمكن في ظله أن يتحقق التحرر الاقتصادي للعمل.
الكومونة هي أول محاولة تقوم بها الثورة البروليتارية لتحطيم آلة الدولة البرجوازية والشكل السياسي الذي «أُكتشف أخيرا» والذي يمكن ويجب أن يستعاض به عن المحطَّم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024