الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميلانين

ندى الحجاري

2020 / 6 / 7
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


كتبتُ منذُ ثلاث سنوات في تدوينة فايسبوكية "هل سَبَقَ لكَ أن سألتَ أحدهم هل أنتَ عُنصري؟ وأجابكَ نعم، أنا عُنصري"، هذه بداية التدوينة فقط، وقد كتبتُها في مرحلة مُعينة من حياتي وبسبب موقف مُعين، كنت حينها قد أنهيتُ دراستي الجامعية وأشتغل في مكتبة وسافرتُ قليلا داخل الوطن. بدأتُ أفتح أعيُني شيئا فشيئا على العنصرية في مجتمعي. ودون أن أشعر وجدتُني أدخُل في جدال مع المقربين مني بشأن العنصرية، وأطرح هذا السؤال "هل أنت عنصري؟" على كل من يصادفني، ولقد أجاب عدد مُعين على سُؤالي بِـــ "نعم أنا عنصري" بينما كان البعض الآخر يقول بأنه ليس عنصريا لأنه يتعامل بلطف مع السّود أو أنه ليس عنصريا لأنه لا يكره السّود، مُعظمُ الإجابات كانت هكذا، مُوجعة وصادمة.

الجريمة البشعة التي راح ضحيتها المواطن الأمريكي جورج فلويد لا لشيء إلا للون بشرته الأسود، تدفعنا لنتساءل: إذا كانت هذه الجريمة ارتُكبَت أمام الكاميرات والشهود، فماذا عن الجرائم التي تحدثُ في الخفاء؟ كان يُمكن أن أتحدث لكم عن كيف بُنيتْ أمريكا بعد إبادة سكانها الأصليين عن طريق العبودية التي استمرت سنين طويلة. وبعد تحرر كل العبيد، استمر الاضطهاد وعاشوا سنين أخرى من الصراع وحتى بعد الاعتراف بهم كمواطنين أمريكيين من أصول افريقية، مازال النظام عنصريا وفاسدا ولا يتقبل فكرة المُساواة بين العرق الأبيض والأعراق الأخرى، على وجه الخصوص العرق الأسود. ولكنني في ظل موجة التعاطف مع قضية جورج فلويد والمطالبة بتحقيق العدالة والمساواة، أثارني نوع مُعين يُصرّحُ بأن ما حدث في أمريكا بشع ويحمدُ الله أن العنصرية غير موجودة في مجتمعاتنا، وهكذا غيرت رأيي، وسأتحدث في هذا النص عن العنصرية في مجتمعنا.

إنكارُ وجودها في المجتمع هو أكبر دليل على وجودها، فمن يُنكرها يعتبر أن الكثير من الممارسات والألفاظ العنصرية هي أمر طبيعي للغاية، فتجده يستخدم في خطابه عندما يتحدث عن شخص أسود البَشَرة، لفظ "العَبد" أو"العزّي"، بالإضافة للسخرية من ملامح معينة كالشفتين الغليظتين أو الشَّعر الغير أملس أو حتى الأنف الذي لا يشبه أنف الأوروبيين. يعتبر الأغلبية أن الانسان أسود البشرة هو إنسان قبيح، وقد يتقبَّلون الشخص الأسمر ويقولون "على الأقل ملامح الأسمر ناعمة قليلا" وفي حالات معينة نسمع جملة "سُبحان الله رغم أنها سوداء إلاّ أنها جميلة" وتُعتبر هذه الجملة مجاملة لطيفة، وقد تُقال في وجه المعنية أو المعني بالأمر. وهذا يعود لإيمانٍ دفين مزروع منذ الطفولة في أفراد المجتمع وهو أن البياض هو الجمال، بينما سواد البشرة قُبح، وهكذا يتعلم الطفل من خلال ما يلاحظ في الحي والمدرسة وحتى العائلة أنّ الشخص الأسود الوسيم مُعجزة إلهية وأنّ لون البشرة إذا لم يكن فاتحا فهو لعنة إلهية. ونسمع كثيرا "رغم أنه أسود لكن قلبه أبيض" وكأن لون البشرة الداكن هو أكبر عيب خُلقِي. وقد يُتّهم الرجل بالجنون إذا فكّر أن يتزوج امرأةً سوداء البشرة وقد يُسألُ من طرف المقربين "ماذا ينقصكَ يا رجل حتى تتزوج سوداء؟" أما بالنسبة للّذين يَدّعُونَ أنهم ليسوا عنصريين فغالبا ما يقولون "أنا لستُ عنصريةً لدرجة أنني قد أقبل أن أتزوج رجلا أسود البشرة" دعونا نتأمل هذا التصريح قليلا "لدرجة أنني" وكأنها تضحية كُبرى أن نرتبط بإنسان أسود البشرة. بينما لا نسمع نهائيا "أنا لستُ عنصرية لدرجة أنني قد أقبل أن أتزوج رجلا أشقر".في مجتمعنا يُعتبر الزواج من إنسان أبيض البشرة تحسينا للنسل ، حتى أنّ بعض الشباب يقولون "سأتزوجها من السويد" في إطار تحسين النسل والترفُّع عن الأعراق الشمال أفريقية. أما أمّ العريس في مجتمعنا فتتباهى ببياض العروس "عروس ابني بيضاء كالحليب وكأنها أوروبية". الأمثلة كثيرة جدا ولو كتبتُ كتابا عن الموضوع لن يكفي لأقول كل شيء.

رغم انتهاء زمن العبودية إلاَّ أنّ نُدُوبها لا تزال واضحة، تكفي الأمثلة التي سبقَ أن ذكرتُها بالإضافة لحقائق أخرى مُخجلة. ففي بعض المدن أزقّةٌ يسميها الساكنة لحدود اللحظة "درب العبيد"، في أعراسنا الفخمة لابد من وجود حارس أو اثنين في باب قاعة الأفراح ليس بغرض الحراسة ولكن بغرض إحياء زمن العبد والسيد فَحُرّاس قاعة العرس يُشترط أن يكونوا من السّود. التنمر الذي يتعرضُ له الأطفال بسبب لون بشرتهم لا يُطاق، يزرعُ بداخلهم حقدا على طبيعتهم ولونهم، هل تعي مدى بشاعة أن تُشْعِرَ طفلا بالدونية والقبح حتى يتمنى لو كان لون بشرته مختلفا؟

التاريخ البشري بشعٌ جدا، قد نلوم الجهل في الماضي والخوف من كل ما هو مختلف والرغبة في استغلال الشعوب الأخرى تحت راية التنوير والحضارة، ولكن ما عُذرنا بعد كل هذا التطور العلمي بعد أن فهمنا أن كل ما في الأمر هو صبغة الميلانين !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE