الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-اخدم ياتاعس للناعس -

محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)

2020 / 6 / 7
الادب والفن


تقاعد الحاج حين بلغ الستين فلازم بيته لايزور ولايزار
صار اهل البيت من يعانون من تحركاته بينهم ، يتنقل في البيت كنملة لا تمل من حركة ، يتدخل في كل كبيرة وصغيرة ،يأمر وينهى ولا تفوته شائبة :
من طرق الباب ؟ ،من أكل هذا؟ اين ذهبت تلك ؟ لماذا تتكلمون بهمس ؟....
صباح مساء يشكو قنوطه وضيقه ،حتى طبيخ زوجته شرع يفتي فيه بألف عيب وعيب ، ملح ناقص ، ملح زائد، تعجلت في طبخه ، شيء ما ينقصه... صار وجوده في البيت نكدا على الزوجة التي فقدت حريتها وثقة في مهارتها ، و على الأبناء الذين فقدوا حرية االحركة والكلام ، وطريقة الجلوس والوقوف، وحرية اللباس..بكل بساطة صار الحاج عظمة في الحلق.. ..
ذات ليلة جلست اليه زوجته ، أخرجت كل أسلحة اغرائها الانثوية ما تعرفه وما تصنعت في ابرازه ،وقالت له :
ــ سيدي الحاج العزيز !! .. ألا تعلم انك لا زلت شابا والتقاعد ليس مقياسا للكبر، مارأيك لو تبحث عن عمل تنشغل به ، تستفيد منه ،ويلهيك عن آلامك الوهمية، وانت تعرف ان في كل حركة بركة ..
راقته الفكرة وقد تهادى في خياله طيف زهرة زميلته في العمل ،صوتها يخترق أسماعه :
اياك ان تلزم البيت بعد تقاعدك ، ستصيبك الكآبة ، وتكرهك الزوجة و يملك الابناء ، حرام أن يطويك بيت ولا زال في النصل ما يقطع البصل ..
كانت تقول ذلك وعيناها اثارة ونظراتها اليه ايحاء بتغرير ..
فكر وقدر ، ضم زوجته الى صدره وقال :
معك حق ، فقد صرت أحس اني عبء عليك وعلى ابنائي ، واني ابالغ في الأوامر والنواهي ، كثيرة هي المقاولات التي تبحث عن ذي خبرة مثلي ..
قربت الزوجة وجهها منه ، داعبت صدره بنهدها ، لثمت خده وقد ارتاحت لقراره :
ـ لا احد قد مل منك ، اويستطيع ذلك ، أنت اضفت لحياتنا اليومية نكهة جديدة يلزم ان نتعودها ..من يكره هذا الزين يصابحه ويماسيه كل يوم ..
في الصباح ارتدى ثيابه بكل اناقته التي تعودها قبل تقاعده ، لم ينتبه وهو منشغل بالمرآة ، يرتب ربطة عنقه ، الى غمزات الأبناء من ورائه مع امهم بطلة مسرحية الاغراء التي جعلته يقبل فكرتها بلا اعتراض..
جلس في مقهى .. فنجان قهوة أمامه ، وفي يده جريدة يتقافز مكتوبها امام عينيه ؛ فما لف رأسه قد رفع من وجيب صدره.. لماذا لا يهاتف زميلة العمل ، أنثى تجاوزت الأربعين بقليل، لكنها عانس جميلة ، حافظت على نفسها بالرياضة ، كثيرا ما توددت اليه ، وقد كانت هديتها بمناسبة تقاعده موحية ، مصحف صوتي على شكل قلب مذهب ، ما ان فتحه حتى صدر ت منه روائح زكية ،و تلاوات قرآنية حسب الطلب ..
أخرج هاتفه ، ركب الرقم ، اتاه صوتها ،معاتبا :
أهلا بالحاج الغائب عنا ، لهلا يجعل احبابنا ينساونا غير في الخير
اضطرب الهاتف في يده وقد رسم بسمة على وجهه :
ـ حاشا ، عزيزة وغالية وهل مثلك ينسى ؟ ، هل انت في العمل ؟
بسرعة بادرته وكأنها أدركت من سؤاله حاجته اليها :
لا انا في رخصة، هل تريدني ؟ يمكنك أن تزورني في البيت ..
التقيا .. بعد عتاب مصطنع من قبل زهرة واعتذار صادق منه ، قدمت له الزميلة كوكتيلا وحلويات ..
سألته عما يعمل وبما يشغل يومه ، .. حكى لها بكل تلقائية عن كل صغيرة وكبيرة في بيته ،الى ان وصل الى البحث عن عمل إضافي تبعا لرغبة زوجته ..
واتتها الفرصة ، رجل غني ، لازال فيه بقية من قوة وأناقة الرجال ، حتى وهي تتلهف على شاب عشريني قد يوقظ النار بين الهشيم ، تصاحبه سنة أو أكثر ثم ترميه متى جف له عود ، كما جنحت لذلك أكثر من عانس من مرافقاتها في الرياضة الصباحية ، فقد حاولت أن تغري الحاج وهو لازال يمارس العمل معها ، فلماذا لا تعاود المحاولة والطير بين يديها قد وقع ؟؟..
قالت وقد مالت عليه ومسكت بيده وكأنها تقوم بذلك بعفوية الصداقة: ــ استغرب كيف تطلب منك زوجتك مثل هذا الطلب وهي تعرف انك لست في حاجة الى دخل إضافي ؟
ضحك وقال : ربما قد ملوا وجودي، وكثرة اسئلتي عما لم اكن انتبه اليه ..
تبسمت وقد نومت عينيها ، ثم تنهدت بعمق ومالت عليه :
سبحان الله واحد يبكي منه وواحد يبكي عليه ،المهم ديننا حكيم ، اذا تعب جنب فعليك بالثاني ..
سالها عن زميلات و زملاء العمل ،حركت كتفيها بقلة اكثرات وقالت :
كالعادة نساء مللن من أزواجهن ، وأزواج يريدون لحظات سعادة في الحرام
قطب وجهه لعبارتها ، مد يده ورفع يدها اليه قال:
تزوجيني !!..
جفلت وتصنعت شهقة مكذوبة ، قالت :
وزوجتك ؟وابناؤك ؟
قال وكأنه يذكرها بإحساسات سابقة :
تلك كانت رغبة تبادلتها عيوننا وخافتها عقولنا ، مارايك نحققها في السر؟
شرعت تقترب منه أكثر ضمها فلم تعارض، بل احسها أنها تذوب بين يديه ..
رجع الى البيت سعيدا منشرح الصدر، ثم أعلن فتحه المبين :لقد وجدت عملا ..مكلف بأنظمة وبرمجة لكن بالليل ..
فرحت زوجته وقالت له : ماشاء الله ،جعلها الله مباركة علينا جميعا لقد أحسنت الاختيار فانت شغوف بالسهر والعمل الليلي على حواسيبك وآلاتك ..
صار لا يعو د الا صباحا منهوكا مجهدا بلياليه الحمراء مع الزوجة الجديدة فتقوم أم الأولاد فرحة بإعداد الفطور بمجرد عودته ،فطائر بعسل وسمن ، بيض مسلوق أو مقلي ، حليب وقهوة او شاي منعنع ...
تتوسد صدره حينا أو تعض شحمة اذنه أخرى عساه ينتبه ، صارت تدلله كطفل صغير ،تمنحه الابتسامة والرضا لكن الزوج ما أن ينتهي من فطوره حتى يزحف على أربع الى غرفة نومه فيغيب ،ثم تغطيه وله تدعو : ابعد الله عنك العين والحسد يازوجي العزيز ،آتاج راسي ، كم يتعبك عملك الليلي ، نم ياحياتي الى الظهر وأوقظك للصلاة والغذاء ..
هكذا عاش صاحبنا يوما بعد آخر بل أحيانا كان يقصد الزوجة الجديدة مباشرة بعد الغذاء متحججا ان صاحب الشركة توسله ان ينوب عن المكلف بانظمة البرمجة نهارا لغيابه في مهمة ، وهو في الحقيقة يرتب خروجا مع الزوجة الجديدة لنزهة أو سينما ، و ام الأولاد غائبة عما يمارسه الزوج فتقول : ليس غريبا عنك ياسيد الحاج الله يعزك انت دوما أمين وصاحب خير الله يقويك والله يجعلها في ميزان حسناتك ..
وتودعه الزوجة الطيبة بمثل ما تستقبله من الحفاوة والترحيب والدعاء له بالبركة والخير ...
ثلاث سنوات مرت بعدها رن هاتف البيت وانطلق صوت أنثوي بالخبر التالي :
أنا زوجة الحاج الثانية عظم الله أجرنا فيه ، فقد قضى الليل نحبه على سريري اثر سكتة قلبية مفاجئة ، اليكم العنوان ..
بعد الدفن تبين ان الحاج قد باع كل ما وفرته الزوجة الأولى بجهدها وعرقها واقتصادها وبثمنه كان الحاج يعيش ويدلع الزوجة الثانية ..
صدق من قال : اخدم يا التاعس للناعس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق