الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصير الحصرم 78

دلور ميقري

2020 / 6 / 8
الادب والفن


1
كان الغداء وجبة الطاجين، لكننا كالعادة تناولناها على حدود العشاء.
ابني الصغير، كان قد بدأ اليوم دوامه المدرسي؛ لأنه جلس يومين في البيت بسبب التهاب اللوزتين. شرع بغمس يده في وعاء الطاجين، على الطريقة المغربية، فأنبته على ذلك، لأنه من الممكن ألا تكون البكتريا قد غادرت جسمه تماماً.
الطاجين، وهو الوجبة الأساسية لدى المغاربة، أعتبره مثالاً على بساطة مطبخ موطن الأطلس. بمقابل تعقيدات أكلاتنا السورية، نجد أن ذلك الطبق سهل التحضير. والطاجين على أنواع عديدة، كاللحم والدجاج والسمك والخضار، لكنها كلها بنفس الطريقة في التحضير: يُسكب القليل من زيت الزيتون في الوعاء الفخاري، وتكون النار هادئة في البداية، ثم يتم وضع اللحم أولاً وفوقه الخضار؛ وهيَ البطاطس والجزر وحبوب البازلاء وشرائح البصل. ثم بعد ذلك ترفع درجة الحرارة، وتكون المواد قد أضيف عليها معجون الطماطم. بين الحين والآخر، يتم تقليب الطبخة كي لا يحترق اللحم في الأسفل ولضمان أن الخضار تأخذ كفايتها من حرارة النار. الطاجين، مثلما سبق القول، يتم تناوله بالخبز بشكل مباشر من وعائه الفخاري، دون أن يوضع أمامه الرز أو البرغل. لأن هذا الأخير غير معروف في المطبخ المغربي، أما الرز فيؤكل بارداً ضمن السلطة..

2
قرأت خبراً عن توقيع الحكومتين المغربية والإسبانية لاتفاقية تتنازل فيها هذه الأخيرة عن ملكية مسرح سرفانتس في مدينة طنجة. في المقابل، سيقوم المغرب بترميم المبنى مع الحفاظ على رونقه الأصليّ. المبنى، تم تشييده عام 1913، وكان يعتبر من أكبر المسارح في شمال أفريقيا وقُدمت فيه عروضٌ شهيرة إلى فترة منتصف الخمسينات.
الخبر، جعلني أستعيد زياراتي العديدة لهذه المدينة الفاتنة، التي كانت إحدى أهم مراكز الثقافة العالمية وجذبت عدداً كبيراً من الأدباء والفنانين من أوروبا وأمريكا. آخر مرة كنتُ فيها بطنجة، كان ذلك في صيف 2016، وأنا في طريقي إلى المدينة المجاورة، سبتة، من أجل تجديد تأشيرة دخولي للمغرب. كما أنني نشرت عام 2013 نصاً طويلاً، في باب أدب الرحلات، بعنوان " طنجة؛ مدينة محمد شكري ".
أثناء رحلاتي تلك، كنت أمر من الحي الإسبانيّ القديم، بطراز عماراته الجميلة المميزة وكان ما يفتأ مسكوناً من بعض ساكنيه الأصليين، وغالبيتهم عجائز يجلسن على الشرفات وربما كن يستعدن ذكريات الزمن الآفل. الحي، كما أتذكر، يقع في قلب المدينة القديمة تحت أقدام " القصبة "، على مرتفع من الأرض، مشجر، ويشرف على منظر البحر حيث تبدو شواطئ إسبانيا بشكل واضح عبرَ البوغاز ( المضيق ). لحظتُ الإهمالَ في ترميم تلك الأبنية الأثرية، مع العلم أن أمثالها في المدن المغربية الأخرى تمت العناية بها. إلى أن عرفت الحقيقة، وهيَ أن إسبانيا ما زالت تحتفظ بحق ملكية كل الأبنية، التي شيدتها في العهد الاستعماري؛ بما في ذلك القلاع والحصون والأديرة والكنائس والمسارح

3
تركيا، تكتب وتلفظ في اللغة السويدية Turkiet. وابني الصغير، يلفظ أيضاً اسم كردستان بنفس الطريقة: Kurdiet !
اليوم، استعمل هذه اللفظة ( كورديت ) عدة مرات عندما كنا في مطعم كباب لكرد تركيا. ترك نصف صحنه، قائلاً أنه شبع، فعلقتُ بالقول: " عجباً في مراكش تلتهم صحن الشاورما كله، مع أنهم لا يجيدون في مطاعمهم تحضيرها؟ ". بعدما عجزت حججه، قفز عن الشاورما إلى الهبمرغر وسألني: " أليس ماكدونالدز مراكش أفضل من مثيله في السويد؟! ".
مررنا بعد ذلك على السوبرماركت، وهناك قال لي أنه يريد شراء هدية لأمه في عيد فالانتين. أمسكتُ كيس سكاكر، ثمنه يعادل 1 أورو، وسألته: " ما رأيك بهذه الهدية! ". لكنه رمقني بعبوس، ثم مد يده إلى علبة شوكولاتة، ثمنها 8 أورو: " إذا لم يكن معك نقود، فأنا أدفع ثمن الهدية؟ "، قال لي. لكنني طمأنته، أن الخير كثير والحمد لله !
ما أن وصلنا إلى الصندوق ووقفنا في الطابور، إلا وقال أنه نسيَ شيئاً. رجع بعد دقيقة وبيده علبة شوكولاتة، ثمنها 4 أورو: " هذه هديتي لك، وأنا سأدفع ثمنها "..

4
كنتُ أقضي الكثير من الوقت في مقهى " الشارلو " بمراكش.
هذا المقهى، الذي يبعد نحو مائتي خطوة عن مركز حي غيليز الراقي، أخذ اسمه من الفنان الكوميدي العظيم، شارلي شابلن. فضلاً عن تمثاله، المنتصب على المدخل وكأنما لتحية ووداع الرواد، فإن شاشات عدة في الداخل كانت تعرض أفلامه الصامتة على مدار اليوم. مع أنني سبقَ وحضرت معظم أفلامه، لكنني لم أكن أتمالك نفسي عن الضحك مع إعادة مشاهدها وأنا في المقهى بمقابل هذه الشاشة أو تلك.
من ذكرياتي في المقهى، ظهورُ نادل شابة وجميلة ذات يوم لتسألني بالفرنسية عما أطلب. تغيير العاملين في المقاهي، تقليد لحظته منذ بداية حلولي في موطن الأطلس؛ وله أسباب لا مجال لذكرها الآن. عندما أجبتُ بالعربية، ابتسمت الفتاة وسألتني عن بلدي. مع مرور الأيام، صرت أتبادل الحديث معها لأنني كنتُ أقضي ساعات هناك بالكتابة. كذلك صارت عادة عندي، أن أقطف لها كل مرة زهرة ياسمين وأضعها في الصحن مع الفاتورة والبخشيش..

5
في طريقي إلى المقهى، بعدما حوصرت يوم أمس في المنزل بسبب عاصفة قوية، كانت أغصان الأشجار المتكسرة ترقد على الأرض لافظة أنفاسها الأخيرة. بينما الحشائش وسيقان الأزهار، صحت من الضربة ورفعت رأسها لتستقبل الشمس الدافئة في هذا اليوم الصاحي.
أما أول أمس، فإنني تعرضت لعاصفة من نوع آخر: ألم شديد شمل الجانب الأيسر من وجهي، نتيجة التهاب أحد الأضراس. في الحقيقة، أن الالتهاب بدأ في آخر شهر من العطلة الصيفية، التي قضيتها في مراكش. رهابي من أطباء الأسنان، يعود لزمن الطفولة؛ حينَ كان الأهل يأخذوننا إلى رجل مرعب، يُدعى " أبو التوت "، وكان حلاقاً أيضاً !
في مراكش، سبقَ أن حصلت من ابن حميّ على ثلاثة ظروف، فيها مادة تخلط مع الماء وقد كتبَ عليها بالعربية أنها مضادة للالتهابات. وسوستي من هكذا وصفات، جعلتني أكتفي بأخذ حب تخفيف الوجع ذي الصنع السويدي، المعادل للأسبيرو. لكن بسبب شدة الألم، اضطررت بالأمس لفتح أحد تلك الظروف المغربية الصنع وتناولها مذابة بالماء. هنا حصلت المعجزة، وتمكنت من النوم ما يزيد عن العشر ساعات ومن ثم النهوض كالحصان ومكان الضرس خال تماماً من الالتهاب.

6
عندما أفيق باكراً، أمضي إلى المكتبة العامة وأبقى هناك أربع ساعات على الأقل. في حالة اليقظة المتأخرة، أختارُ أحد مقاهي المدينة ولا أعود للمنزل قبل حلول الظلام.
أما في المغرب ( وأتحدث هنا عن مراكش )، التي قضيت فيه أشهراً من كل عام، فإنني لم أعثر مرة على مكتبة عامة. وبالطبع سألتُ عدة أشخاص عن ذلك، وكانوا بأغلبهم يعتقدون أنني أريد شراء كتب !
" الناس على دين ملوكهم "؛ هذه حكمة معروفة. وملوك المغرب، بحسب معلوماتي التاريخية وأيضاً تأملي في الحياة اليومية ـ ليسوا من مشجعي القراءة إلا في نطاق الدين. برغم ذلك، تعتبر فئة المثقفين ( الأنتلجنسيا ) في المغرب من الأفضل على مستوى الدول الناطقة بالضاد، وبالأخص النساء منهم. بهذه الحالة، كان يجب أن تهتم الدولة بإنشاء المكتبات العامة؛ على الأقل واحدة منها في مركز المدينة. لكن عقلية أصحاب القرار، هي تجارية بحت ولا يُمكنها التفكير سوى بالاستثمار عن طريق تشييد المولات ومراكز التسوق وأشباهها. لولا حملة عالمية قادها الأديب الاسباني خوان غويتيسولو، في عقد التسعينات، لكانت ساحة جامع الفنا في مراكش قد تحولت إلى كراج سيارات

7
سبقَ أن علمنا باختفاء أثر الثلج عقبَ حلول العام الجديد، وهذه حالة نادرة لم تشهدها السويد منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في مستهل القرن المنصرم. اليوم، برغم الشمس الساطعة، لاحت بركة المياه المستطيلة، المزينة مدخل محطة القطارات، متجمدة مع كسر جليد هنا وهناك. ما يعني أن هناك احتمالاً بعودة الثلج في خلال الربيع، ليعاقب المساكبَ المخضرة والبراعمَ اليانعة، التي خدعتها شمسُ شهريّ الشتاء !
الثلج، كان يعني لنا أوروبا، وذلك عندما كنا في الوطن. أتذكر كم كنتُ أسعد بمنظره في الأفلام السينمائية، وكان حلم الهجرة يُداعب أعوامَ مراهقتي. كان الثلج يتساقط عادةً في الشام قبيل عيد ميلاد المسيح، واعتدنا عندئذٍ على السهر في مشرب " السفراء "، نتأمله سعيدين حالمين ونحن جلوسٌ وراء الواجهة الزجاجية، المرقشة برسوم بابا نويل. بعد ما يزيد عن الثلاثة عقود من الإقامة في أوروبا، أضحى منظرُ الثلج يثير كآبتي وحنيني إلى شمس الجنوب

8
المطبخ، عالم مستقل بذاته فيه كل الاحتمالات والمفاجآت. من الممكن أن تعتقد أنك فشلت في تحضير طبخة معينة، وإذا هيَ تُهديك إلى طريق طبخة أخرى.
هذا ما جرى معي يوم أمس، حينَ قررتُ أن أحضّر طبق بابا غنوج. أردته أن يكون طبق مقبلات، بما أنني سأخرجُ لاحقاً عدداً من أقراص الفطائر من الثلاجة.
وضعت ثمرة باذنجان كبيرة في الفرن، وذلك بعدما صار في حرارة مناسبة. بعد نحو سبع دقائق، قمت بقلب الثمرة ثم انتظرتُ سبع دقائق أخرى قبل أن أخرجها وأبدأ بتقشيرها. لكن لخيبتي كانت الثمرة ما تفتأ غير ناضجة؛ والسبب، أنني وضعتها في الفرن بشكل طولاني وليسَ بالعرض. أخرجت ثمرة باذنجان ثانية، وهممت بوضعها في الفرن، لما دهمتني فكرة سعيدة: لمَ لا أقطع الثمرة الأولى وأحضّر منها طبقاً صغيراً من المسقعة؟ ". وهكذا كان. من حسن حظي أنني وجدتُ أيضاً ثمرة فليفلة، فقطعتها وقليتها بعد تحمير البصل المفروم، ثم أضفت فوقهم قطع الباذنجانة العنيدة ومن ثم دبس الطماطم. كون الثلج يتساقط منذ يومين، أكلتُ " المسقعة " وهيَ ساخنة.

9
الربيع، حل دفعة واحدة في مدينتنا بعد عدة أيام من تساقط الثلوج. حينَ اتجهتُ اليومَ ظهراً إلى المكتبة العامة، بدت سيقان النباتات التي ما تزال هاجعة، كأنها قتلى على أثر معركة.
مع بدء أيام الدفء، يرغب المرء بالأكلات النباتية. لأن اللحوم، كما هو معروف، تعطي جسد الإنسان الطاقة اللازمة في أوقات البرد. قبل أن أغادر المنزل، أخرجتُ كيساً مجمداً من الفاصوليا كي أطبخها مع زيت الزيتون على الغداء.
أمس، كان موعدي مع وجبة سمك السلمون. كان ثمة قطعتان ( فيليه ) مجمدتان، وقد وضعتُ إحداهما عند المجلى كي تذوب ثم اتجهت إلى المقهى. لدى عودتي، إذا بي انتبه إلى أنني نسيت اعادة القطعة الثانية إلى الثلاجة. هكذا أعددت كلتاهما في الفرن، وبدلاً عن شرب قدح نبيذ واحد صببتُ اثنين على التوالي..

10
مع حلول الربيع، تنشط في السويد أعمال إصلاح الطرق وترميم المباني وأشياء من هذا القبيل. في خريف العام الجاري، تم تجديد الدرب الرئيس المتصل بين مركز مدينتنا ومحطة القطار. إذ رصف ببلاط ملون جميل، مع أشكل هندسية أخرى. ثم توقف العمل قبل الانتهاء، وذلك بسبب تقلب الجو. الآن، لاحظتُ أن العمل كاد أن ينتهي في الدرب المذكور.
ثمة قصر قديم، يقع أيضاً بالقرب من محطة القطار، حيث يمتلئ أنف المرء بعبق القهوة من معمل لتصنيعها قائم في تلك الجهة. ترميم واجهة القصر الجميلة والمهيبة، جارٍ على قدم وساق منذ أيام.
ذات يوم من صيفٍ أسبق، كنتُ وابنتي نسير بإزاء القصر. سألتها عندئذٍ، ما لو تقبل العيش فيه لو اشترطوا عليها أن تكون وحيدة. فقالت ضاحكة، أنها مستحيل أن تعيش وحيدة في هكذا قصر مع الأشباح. ثم ما لبثت أن سألتني، مبتسمة: " وأنت هل ترضى بالعيش في القصر لو اشترطوا عليك أن يقيم فوق حجرة نومك جار مزعج؟ ". فهتفتُ قائلاً: " يا لطيف، كل شيء إلا الجار المزعج "..

11
في يوم الجمعة، من عادة أهل الشام أن يكون فطورهم فتة ( تسقية ) سواء بالسمنة أو بزيت الزيتون. لكن بما أنني أعيش في السويد، حضّرتُ اليوم الفتة بدلاً عن الجمعة.
كان كل شيء على ما يرام، لولا خطأ ارتكبته قبل عدة أيام عندما اشتريت كيس حمّص حب مجففاً. لم أنتبه إلى أنه من نوع الحب الصغير، إلا بعدما تم سلقه اليوم قبيل تحضير الفتّة. هذه الخيبة، ذكرتني بموقف مماثل حصل معي قبل أعوام طويلة.
ذات يوم، ذكرتُ بحضور صديق وزوجته موضوع الفتة، فما كان من الرجل إلا أن قال لي: " امرأتي تجيد تحضيرها، وسندعوك في يوم قريب لتناولها على مائدتنا ". كانا من كرد شمال سورية، وقد شكرتهما سلفاً. ثم جاء اليوم الموعود، حيث تلقيت اتصالاً هاتفياً يفيد بأن الفتة جاهزة. لما وصلت لمدخل بنايتهم، إذا رائحة زنخة تملأ المكان. هذه الرائحة، تبين لي سريعاً أنها من مطبخ صديقي. لكن قلت في نفسي، لعلهم يسلقون اللحمة من أجل الغداء. بعد قليل، دعيت إلى مائدة المطبخ. لما رفعت المرأة الغطاء عن قدر مملوء بالمرقة، سألتها متعجباً: " ما هذا؟ ". أجابتني بالكردية: " Ava ser "؛ أي مرقة رأس الخروف! أعتذرت عند ذلك عن الأكل، متحججاً بأن لدي حساسية من لحم الخروف. سألني صديقي بشيء من الانزعاج: " وماذا تضعون أنتم في الفتة؟ ". لما قلت له، أن الفتة تحتاج فقط لماء الحمّص المسلوق، قال وقد ازداد انزعاجه: " لو كنتُ أعرف هذا، لما تعذبت وجلبت رأس الخروف من المحل الشرقي ".

12
ذهبت لعند الحلاق. إنها المرة الأولى، أقص شعري منذ حوالي ستة أشهر. السبب، هو انشغالي الشديد بتنقيح الرواية، حتى أن رجلي موزعة يومياً تقريباً بين المقهى والمكتبة العامة.
آخر مرة حلقت فيها شعري، كانت بمراكش المغربية في الصيف المنصرم. الحلاق، يقع صالونه في مدخل الشارع، الذي فيه منزل جدة ابني الصغير. منذ ما يزيد عن العشرة أعوام، وأنا لا أقص شعري إلا في ذلك الصالون؛ بحيث انعقدت صداقة بيني وبين صاحبه. في عشية العيد، كان يدعونني إلى الشاي والحلوى. من ناحيتي، كنتُ أكرم الرجل وأمنحه دائماً ثلاثة أضعاف التسعيرة الرسمية.
عودة إلى السويد لأقول، أنني كنتُ أقص شعري عند شاب من كرد شمال سورية قبل أن ينتقل إلى بلدة بعيدة. في منزله ( وكان بمدينة أوبسالا )، كنتُ أدعى أيضاً إلى مائدة عامرة، تتصدرها الأركيلة ( الشيشة ). أما هنا في مدينتي، فإنني سبقَ وقاطعت حلاقاً كنتُ زبونه لأعوام مضت. الرجل من ريف حمص، وذات مرة فوجئت به يدخل إلى المقهى وهو بملابس الجيش العربي السوري. عند ذلك، خطر على لساني فوراً اسمَ ( كيري )؛ وزير خارجية أمريكا السابق..

13
أسير إلى المقهى، والنسيم الربيعيّ يدفعني تارةً إلى هذه الجهة وإلى تلك تارة أخرى. الشمس دافئة، بحيث أنها جعلت سيقان أزهار التولبان والنرجس تهب لاستقبالها بعد طول رقاد تحت الأرض. أطلتُ طريقي عمداً كي أحظى بالمرور من أمام نهر اصطناعي، رأيته أول مرة يوم أمس حينَ ذهبت لعند الحلاق. برغم مضي ما يزيد عن العشرة أعوام على إقامتي في هذه المدينة، إلا أنني أعرف القليل من أماكنها. ذلك كان بسبب كثرة سفراتي إلى مراكش، التي أعتدت أيضاً على قضاء أشهر فيها كل مرة.
في طريقي إلى المقهى، وما أن صرتُ في مركز المدينة، إلا وألحظ شباناً سوريين يجلسون تحت الشمس بهدف التحرش بالفتيات. أحدهم، يخاطب فتاة محجبة تلبس بنطالَ جينزٍ ضيّقاً: " الله يكبرك لأدبرك! ". بينما عشرات الفتيات السويديات حوله، ومن السهل جداً على من في سنّه أن يقيم علاقة مع إحداهن. الشباب الأفغان، في المقابل، نادراً ما تجد أحدهم دون صديقة سويدية. مع أنهم في بداية حلولهم بالسويد، قبل أعوام قليلة، كانوا الأكثر تحرشاً بالبنات. آنذاك، كانوا ما زالوا متأثرين بعقلية مجتمعهم المكبوت بفضل عقود من أعوام سيطرة طالبان والقاعدة. ربما كانوا في ذلك الوقت يعتقدون أن الحصول على فتاة سويدية يشبه أمنية لقاء حورية من الجنة، الذي يحتاج لحزام ناسف وصرخة " الله أكبر ".

14
منزلنا في زقاق الميقري بحي الأكراد ( يبدو في الصورة )، عمره يقارب مائتي عام. كان أول منزل يبنى في الزقاق، حتى أن هذا عُرف في البداية ب " زقاق الحاج حسين "؛ على اسم جدنا الأول. اليوم، زالت جميع المنازل القديمة في الزقاق وبقيَ منزلنا. هذا جرى على مراحل منذ مستهل عقد الثمانينات، عندما اندفع المتعهدون وسماسرة البناء إلى الحارة لشراء المنازل القديمة ومن ثم تحويلها إلى أبنية سكنية من عدة طوابق.
سيرتي السلالية ـ الروائية، " أسكي شام "، والتي قارب كتابها الرابع على الاختتام، يقع معظم أحداثها في هذا الزقاق، وبالأخص في منزل الجد الأول، المقسم إلى ثلاثة بيوت. ربما قارئ السيرة سيكون محظوظاً، بالنظر إلى أنه يتاح له على الطبيعة معرفة طريقة عيش أبطالها من خلال هذا المنزل بالذات. لكن معول الهدم قريبٌ أيضاً، خصوصاً وأن المتعهدين عادوا إلى الحي بعد انتهاء المعارك في أطراف المدينة وريفها وغوطتها. عند ذلك، يبقى ما سجلته في سيرتي هوَ الوثيقة الوحيدة، الممكن اعتمادها للزمن الآفل وأصحابه الراحلين عن الدنيا أو عن البلد

15
قضيتُ ثلاثة أيام في مدينة أوبسالا، التي تعيش فيها والدتي وأولادي الكبار. في طريقي للمدينة، كان القطار مزدحماً بالطلبة المسافرين، الذين يعودون إلى أهاليهم على عطلة نهاية الأسبوع. خرجت من محطة القطار، لأرى شوارع المدينة شبه فارغة وكذلك الحافلات الكبيرة.
عقبَ وصولي، دعوت ابنتي الكبيرة للغداء في المطعم. قالت لي بالموبايل، أنها ستكون في مركز المدينة متأخرة قليلاً لأنها ستحضر عيد ميلاد صديقتها. في انتظار حضورها، دخلت محلاً شهيراً للألبسة وكان هناك تنزيل كبير في الأسعار. بينما كنتُ أنتقي بعض القمصان الربيعية، إذا ابنتي تخابرني لتقول أنها وصلت قبل الموعد لأن الحفلة انتهت. فتركت ما بيدي، مصمماً أن أعود في اليوم التالي للمحل كي أشتري حاجتي. بعد الغداء، عدت مع ابنتي إلى منزل جدتها وهناك كان حديث الوباء طاغياً على ما عداه في نشرات أخبار الفضائيات.
في اليوم التالي، دعينا هذه المرة للغداء في منزل شقيقتي، وقد قضينا الوقت كله في نفس حديث الكورونا. ثم عودة لمنزل الوالدة مساءً، في سيارة تحترق شوارع مدينة أشباح.

16
خرجت من منزل الأم في طريقي إلى محطة القطار كي أعود إلى مدينتي. كمألوف العادة في مثل هذه الأيام " الكورونية "، كانت الشوارع شبه خالية من المارة مع قلة من السيارات العابرة.
جاءت الحافلة الكبيرة، فاقترب رجل سويدي عجوز من جهة باب السائق، لكن هذا الأخير أشار له أن يركب من الباب الخلفي. لم يفهم الرجل الإشارة، مع أن السائق فتح ذلك البابَ. قلت له، مشيراً بيدي هذه المرة: " تفضل، من هنا الصعود ". نظر العجوز إليّ بذهول، ثم بادر لارتقاء الدرجات بصعوبة. صعدت بدَوري، لأجد المقاعد الأمامية معزولة بشريط أحمر عن مكان جلوس السائق؛ ما يعني أن الركوبَ مجانيّ. بينما انطلقت الحافلة، فكّرتُ بحزن أن ذلك الرجل العجوز ربما يعيش وحيداً ولا يعرف شيئاً عن موضوع الوباء.
في القطار، جلست خلف رجل عراقي متوسط العمر، وكان طوال الوقت يتكلم بالموبايل وهوَ يسعل ويتمخط ويشرق ويزفر. هذا أدى لهرب جيرانه إلى الكابينة الأخرى. لم تظهر طوال الرحلة موظفة التذاكر، لكنني كنتُ قد دفعت سلفاً ثمن البطاقة من خلال خدمة الجهاز الآلي. فكّرت عندئذٍ بالمثل المعروف: " الطمع ضر وما نفع ".

17
عدتُ من المقهى متأخراً نوعاً ما. وقد أحسستُ بعدئذٍ بالنعاس، ربما بسبب تناولي اللبن مع أقراص الصفيحة ( لحم بالعجين ) كنتُ قد أخرجتها من الثلاجة.
في نحو السابعة صباحاً، أفقتُ وقررت أن أواصل تنقيح روايتي، التي أنشر حلقاتها على النت وكذلك في الفضاء الأزرق. كنتُ أشرب القهوة بالحليب، عندما رن جرس الباب. وإذا بعامل تمديد علبة النت، مرسل من قبل شركة السكن. قلت له: " لكن موعدكم يوم الثالث من شهر آذار/ مارس، بحسب ورقة من قبل الشركة؟ ". فضحك وأجاب: " لا الموعد اليوم، لأن الثالث من شهر آذار قد انقضى! ". هكذا بدأ العمل، يعاونه رجلٌ مسنّ.
الخلط بالمواعيد لديّ، مردّها حياتي كمتقاعد منذ حوالي 18 عاماً. هذا التقاعد المرضي، كان بمثابة منحة تفرغ أدبيّ، استفدت منه في إنتاج عشرات الكتب والكثير منها كانت ما تزال مخطوطة منذ أعوام عديدة. ذلك الخلط بالمواعيد، كان له مثلٌ آخر. وهوَ بقائي قبل بضعة أيام في المقهى، إلى أن أتت النادل وقالت أنهم يغلقون الساعة التاسعة مساءً. نظرت إلى ساعة الموبايل، متسائلاً: " لكن الساعة الآن هي الثامنة؟ ". أيضاً ضحكت الفتاة، قبل أن ترد: " يبدو أنك لم تغيّر ساعة موبايلك على التوقيت الصيفي "..

18
الميل للعزلة والوحدة، من طباع السويديين الأبرز والأوضح. لذلك جاء وباء الكورونا هيناً عليهم، على عكس الشعوب المحبة للعشرة والانفتاح على الآخر؛ مثل الطليان والفرنسيين.
على ذلك، نفهم لماذا لم تفرض الحكومة السويدية على مواطنيها أمر البقاء في منازلهم؛ لأن أغلبيتهم يفعلون هذا بمجرد عودتهم من العمل. بالطبع أيام العطلة مختلفة، حيث تذخر البارات والمطاعم والمقاهي بالرواد وهم بأزهى الملابس والزينة.
من ناحيتي، صرت معتاداً على الكتابة في المقاهي والمكتبات العامة. جرى الأمر، بعدما شفيتُ من الرغبة بالعزلة، ( المرض السويدي )، وذلك على أثر تعرفي على المغرب منذ دزينة من السنين وقضائي الكثير من الوقت في ربوعه، وبالأخص في مدينتي مراكش والصويرة ( موغادور ). حب المغرب، صار عدوى نقلته لأصدقائي هنا في السويد. أحدهم، وهو صديق عزيز، بمجرد أن خرج من عملية جراحية بالسلامة، قال لي: " حضّر نفسك لرحلة معاً إلى مراكش ".

19
ما زلت محتفظاً بعاداتي المألوفة، برغم وباء كورونا، فأمضي إلى المكتبة خلال أيام الأسبوع وإلى المقهى في يومي العطلة. الطبيعة بدَورها، بدت لعينيّ اليوم غير مبالية بالوباء؛ تضج بأزهار الربيع، المحتفية بالشمس الدافئة.
لكن مشاوير المكتبة والمقهى لا تخلو أحياناً من إزعاج، سببه أناس أكثر سوءاً من الوباء. يوم الجمعة المنصرم، وبمجرد دخولها إلى قسم المطالعة في المكتبة، بادرت فتاة في مقتبل العمر إلى مضايقة من حولها بالصوت المرتفع عند القراءة والصراخ بالموبايل مع كلمات بذيئة بالسويدية. كانت صومالية، مرتدية حجاباً أسود أيضاً !
أمس في المقهى، خرج رجل تونسيّ من التواليت وهوَ يتكلم بالموبايل صارخاً بأعلى صوته ويشتم بشكل مقذع بلهجته. صمتَ كل الرواد في هذا الجانب من المقهى، فراحَ ( الباشا ) يحدجهم بنظرات عدائية، متمتماً بمزيد من الشتائم. بعد نحو ساعتين، حينما هممت بمغادرة المقهى، رأيته في الطابق الأرضي وكان يتكلم مع صديقه بنفس الصوت المرتفع والألفاظ السوقية.

20
كتبتُ عن شخص حشاش كان يزعج رواد المقهى السويدي بصراخه على الموبايل مع شتائم مقذعة. اعتقدتُ آنذاك أنه تونسيّ، لكن تبين لي أمس أنه ليبيّ من خلال حديثه مع صديق على شاكلته في مقهى آخر أصحابه من كرد تركيا.
في الحقيقة، كان عليّ أن انتبه منذ البداية لشبهه شكلاً ومضموناً بالمقبور القذافي؛ الذي زرع في مواطنيه جنون العظمة والغرور والبطر. هذا سبقَ لي أن لحظته في موسكو الثمانينات، من خلال الكثير من الطلبة الليبيين.
عبرَ واجهة المقهى، راقبته أمس وهو يعترض الناس ليكلمهم بينما هم يتجنبونه. في نفس المكان، كان يقف فيما مضى من الأعوام شبابٌ من شمال أفريقيا، قبل أن ينتقلوا إلى سورية للانضمام إلى داعش بغية الحصول على الدولارات والسبايا والمخدرات.
بعد ذلك، دخل صاحبنا إلى المقهى مع تلويح يديه وصراخه. النادل الكردية، أوقفته فوراً طالبة منه أن يلتزم الهدوء ومهددة إياه بالبوليس. لكنه لم يهدأ سوى دقيقة، وما لبث أن عاد ليشير بيده لهذا وذاك مع كلمات بذيئة. أنا شبهته بالقذافي، فبماذا شبهني هوَ؟
التفت إليّ فجأة، وكنت جالساً بصدر المقهى، ليقول: " أنتم الشيشان، تعتبرون أنكم الوحيدون من تفهمون الإسلام؟ دين ربكم على رب إسلامكم!

21
لم أستطع الالتزام بالمكوث في المنزل سوى ثلاثة أيام، وهوَ التزام تشجع عليه السلطات السويدية لكنها لا تفرضه على مواطنيها.
حين اتجهتُ للمقهى، كانت البراعم قد اخضرّت جميعاً، فضلاً عن الأزهار والزنابق، التي زرعتها البلدية في الأحواض والأصص بمختلف الدروب والشوارع والساحات. بينما كنتُ ما أزال بملابس الشتاء، لحظتُ أن الشباب بقمصان خفيفة والفتيات بتنورات قصيرة.
علاوة على وباء الكورونا، كان فصلا الشتاء والربيع قد أوحيا بقرب نهاية العالم، وذلك بالنظر لحرارتهما المرتفعة بصورة نادرة. اليوم فكرت بهذا الأمر، وقتما هب في وجهي الهواء اللطيف، الذي سخنته الشمس. في هذا المقام، تذكرتُ أيضاً كيفَ كنت في الأعوام الماضية أفاجئ أصدقائي بصور من مراكش في عز الشتاء، وأكون أنا بالشورت والتي شورت. عليّ كان ذات مرة أن أفاجأ بنفسي، حين أجريتُ اختباراً صحياً عقبَ عودتي من المغرب وكنتُ قد قضيت هناك الصيف كله. فإذا بالطبيب يخبرني عن نقص فيتامين ( د ) لديّ، قائلاً أن سببه قلة تعرض جسمي للشمس..

22
عاصفة مطر، حولت منذ الصباح الربيعَ السويديّ خريفاً. ثم أشرقت الشمس عند الظهر، وارتفعت درجة الحرارة على الأثر. عندما اجتزتُ درباً مترباً، في طريقي إلى المكتبة، كان قد لحقَ وجفّ خلال ساعة واحدة. كمثال، برغم حرارة صيف مراكش ( فوق 50 درجة أحياناً )، فإن بقع الماء عند هطول قليل من المطر تبقى لليوم التالي !
لكنني أعرفُ مدينةَ مراكش أكثر من مدينتي السويدية، التي مضى على حلولي فيها ما يزيد عن العشرة أعوام. برغم وجود مسكني على مسافة خمس دقائق مشياً من البحر، فإنني لم أذهب إلى هناك سوى مرة واحدة. ولهذا قصة طريفة.

23
ذات مرة في بدء حلولي بهذه المدينة، وجّهتني مسؤولة مكتب العمل، عن طريق الخطأ، إلى مبنى للأشغال اليدوية. عثرت على المبنى بعد جهد، ومن ثم صعدتُ إلى الإدارة. هناك، كان الموظفون مشغولين بما بين أيديهم. فطلبوا مني أن انتظر زميلة لهم، اعتقدوا أنني موجّه إليها. من خلال الواجهة الزجاجية، ألقيتُ نظرة على الخارج لأفاجأ بسهل شاسع لا حد له وقد أضحى قطعة واحدة بسبب الجليد والثلج. التفتُّ إلى أقرب الموظفين إليّ، متسائلاً: " هذه أول مرة أرى سهلاً بهذا الحجم الهائل؟ ". تابع إشارة يدي، وما لبثَ أن انفجرَ بالضحك. قال لي: " هذا البحر! "..
أمس، تكلمتُ عن اكتشافي البحر من خلال ذهابي إلى مبنى الأشغال اليدوية في مدينتنا السويدية. الحكاية لها بقية، وانتهت بموقف طريف.
قلنا، أن الموظفين هناك طلبوا مني انتظارَ زميلةٍ لهم. بعد قليل دخلت امرأة في منتصف العقد الرابع من عمرها، وكانت تعرج. لما ناولتها ورقة مكتب العمل، نظرت إليّ بصرامة وقالت: " اتبعني! ". ثم سارت أمامي من طابق لطابق، تعرفني على هذا القسم وذاك من أعمال النجارة والحدادة والحياكة والدهان.. أخيراً، مضت بي إلى القبو وهناك فتحت خزانة ذاخرة بملابس العمل. أردتُ عندئذٍ أن أشرح لها سوء الفهم، فأوضحتُ بالقول: " لديّ تقاعد مرضيّ منذ ثمانية أعوام، وكان على موظفة مكتب العمل إرسالي إلى طبيب لتأكيد التقاعد كوني انتقلت لمدينة جديدة ". لكن الخانم كأنها لم تسمع شيئاً، وما لبثت أن رمت إليّ بقطعتي أوفرول، قائلةً: " جرّبْ إذا كانا على قياسك! ". فأمسكتُ القطعتين ثم ضممتهما معاً، وأعدتُ قذفهما باتجاهها. لسوء الحظ، أن اللفة أصابت وجهها. فما كان مني إلا فتح الباب، ثم الهرولة للخروج من المبنى.
في العام التالي، وبينما أسير مع المدام في مركز المدينة، فوجئتُ بنفس الموظفة وجهاً لوجه. وإذا امرأتي تحييها. رداً على سؤالي، قالت: " هذه مسؤولة الخدمة في المشغل، الذي أعمل به! ". منذ اليوم التالي، صارت المدام تشتكي من سوء معاملة تلك المسؤولة دونَ أن أخبرها بأنني السبب..

24
انطلقتُ في جولة على الأقدام أخذتني كالعادة إلى طرف الغابة. الجولة، تستغرق ربع ساعة في الذهاب ومثلها في الإياب. لكن قبل مضي عشر دقائق، وجدتني أرتاح على كرسي للعموم وجدته في طريقي وكان يطل على النهر.
تذكرتُ مشاويري اليومية في مراكش، وكيف كنتُ أمشي ساعاتٍ دون كلل ولا تعب. لم أكن أضجر من السير في نفس الأماكن، وفي كل مرة أكتشف فيها سحراً جديداً، بالأخص الأشجار المثمرة والنخيل والعرائش والورود. أحياناً، كنتُ أتوهم أن الثمار والأزهار ترمقني بعين من يعرف صديقاً، لكنه لا يتمكن من التعبير بلسانه !
أعود لجولتي في مدينتنا السويدية، وقد زادها كآبةً حالةٌ شبيهة بمنع التجول. أربعة شبان، بينهم فتاة، هم كل من لاقوني على الطريق. إلى أن وصلتُ لدربٍ فيه إنشاءات، حيث سيّج بحواجز حديدية، وصار ضيقاً. إذا برجل يظهر، وكان يحمل زجاجة بيرة. كان يصعب تقدير عمره؛ مثل كل السكيرين، المدمنين. حيّاني عن بعد مشيراً لي بالزجاجة، يدعوني إلى أن أشرب شفّة منها.

25
الجادة، المتصلة بين إعدادية ابن العميد ومسجد صلاح الدين، كانت في زمننا مجالاً للهو والمعارك قبل الدوام وبعده. المسجد، كان في طور البناء، وكل المنطقة خلفه ( حالياً شرقي ركن الدين ) كانت أراضٍ زراعية.
عاشَ هنا بعض الشخصيات المعروفة، مثل المناضل الكرديّ، قدري جميل باشا، والفنان محمود جبر. الشارع الفوقاني ( ابن النفيس )، شكّلَ خطاً متوازياً مع نهر يزيد، حيث أطلت عليه في هذه البقعة حديقةُ دار علي زلفو آغا، بأشجارها المثمرة وأحواضها المليئة بالزهور. على مقربة من الحديقة في امتداد ضفة النهر، كان يقع منزل القائد الشيوعي خالد بكداش، وفي مقابله عمارة سكن فيها الفنان عبد الرحمن آله رشي.
أتذكرُ عندما كنتُ في الصف الثامن، طلبَ منا أستاذ اللغة العربية ( الفلسطيني شحادة سويدان ) كتابة مسرحية من فصل واحد. مع أنني كنتُ آنذاك أهتم بقراءة الروايات، فقد عكفت بحماس على التأليف. الأستاذ أعجبَ في اليوم التالي بمسرحيتي، وقال أنها جديرة بأن تمثّل. هكذا ألفنا على عجل فرقة مسرحية من بضعة تلاميذ، وقررنا أن يكون مكان التدريب في صحن مسجد صلاح الدين، وذلك بعد انتهاء الدوام. بينما نحن نقوم بالبروفات، إذا ناطور المسجد ( وكان من الحارة )، يظهر فجأةً وبيده عصا غليظة. عندئذٍ فررنا باتجاه الأراضي الزراعية، تاركين خلفنا أوراقَ النص المسرحيّ..

26
لحسن حظ الصائمين، أن رمضان هذا العام ( والأعوام التالية أيضاً ) سيكون في فصل الربيع. هنا في السويد، سيكون النهار أقصر في خلال شهر الصوم.
أتذكر أول مرة أقضي فيها شهرَ رمضان خارج السويد، وكان ذلك في المغرب عام 2009. كان الوقتُ في عز الصيف، لما نزلت أولاً في مطار مدينة ملقا الاسبانية، وفي اليوم التالي ركبتُ الاوتوبيس إلى مدينة طريفا، أينَ تقع بمواجهتها طنجة المغربية. وصلتُ إبحاراً إلى هذه الأخيرة، وكان عشية اليوم الأول لرمضان. كان الجو معتدلاً في المدينة، وكذلك في الدار البيضاء، التي نزلت في محطتها كي أكمل طريقي إلى مراكش. في صيف العام السابق، 2008، كنتُ قد واجهتُ صيفَ مراكش، الشديد الحرارة ( حوالي 50 درجة ) وكان مفاجأة لي عقبَ قضائي عشرين عاماً في السويد.
في السنوات العشر التالية، صرت أقضي قسماً كبيراً من الصيف في مدينة الصويرة ( موغادور ). هناك، كان الجو معتدلاً نهاراً ومياه البحر دافئة. فما أن تشير الساعة إلى الرابعة مساء، إلا والطقس يميل للبرودة بحيث أضطر لارتداء الجاكيت الشتويّ

27
في موطن الأطلس، هناك مثل معروف له دلالة واضحة؛ " إذا كنتَ في المغرب، فلا تستغرب! ". بعد دزينة من الأعوام، صرتُ ملماً بمعظم عادات وتقاليد ذلك البلد، فضلاً عن فهمي للهجته الدارجة، بالأخص المستعملة في الجنوب.
رمضان المغرب، يختلف عموماً عما ألفناه في المشرق. وبالطبع أتحدث عن طريقة تحضير موائد الطعام، التي أضحت عند معظم المسلمين كأنها هيَ هدفُ الصيام !
المغاربة، يعتقدون أن الإفطار يعني وجبة الفطور الصباحي. لذلك ما أن يطلق المسجدُ أذانَ المغرب، إلا وتكون المائدة مجهزة كما لو أنها للفطور الصباحي. هذا الفطور، يتميز أيضاً بتعدد ألوان الحلويات والمعجنات والتورتة. العشاء لديهم في شهر رمضان، يعادل الغداء؛ يحفل أحياناً بوجبتين، إحداهما من لحم الدجاج والأخرى من لحم الغنم أو البقر. بينما يُستبعد لدينا العشاء في المشرق، وذلك لأن الإفطار يكون دسماً. فيما أن المغاربة نادراً ما يتناولون في السحور شيئاً غير السوائل، بسبب شبعهم من وجبة العشاء

28
في فترة الطفولة، كنا نرغبُ مجاراة الكبار في صيام شهر رمضان. لكنهم كانوا ينصحوننا بالاكتفاء بالصيام لمنتصف النهار.
في حقيقة الحال، أن هذا الشهر بالنسبة للأطفال ( وأيضاً للكثير من البالغين! ) يعني مائدة الإفطار السخية بألوان الطعام والشراب، العديدة والمنوعة.
أذكرُ يوماً صيفياً، كنتُ عائداً فيه من البستان، وكان الوقتُ على حد الغروب. كنتُ آنذاك صغيراً، فنسيتُ أنه اليوم الأول من شهر رمضان. لما وصلت إلى الشارع العام، الذي يفصل منطقة البساتين عن بيوت الحي، إذا بي أرى الناسَ يتراكضون بشكل غريب وبعضهم كان قد نزل تواً من حافلة الأوتوبيس. اعتقدت عندئذٍ أن الحربَ قد بدأت، فما كان مني إلا الركوض باتجاه المنزل. هناك، فهمت أنه اليوم الأول من رمضان وأن الناس أرادوا أن يلحقوا بالمائدة، العامرة بالمأكولات بعد يوم طويل من الصيام..

29
حضّرتُ وجبة طاجين الدجاج والخضار على الطريقة المغربية، وذلك بمناسبة زيارة صديق عزيز. وعاء الطاجين، كان معدنياً وليس من الفخار. السبب، لأن عدة أوعية فخارية تحطمت المرة تلو الأخرى أثناء نقلها في الحقيبة من مطار إلى آخر. الوعاء المعدني أكثر سرعة بإنضاج الطاجين، بينما الفخاري يجعل الطبخة حارة مدة أطول.
طاجين الدجاج والخضار، طريقة تحضيره سهلة: يوضع القليل من زيت الزيتون في الوعاء ثم يترك لنحو دقيقة على نار هادئة. بعد ذلك ترصف قطع الدجاج الفيليه، متبلة بالكاري والفلفل الأحمر وورق الغار وشرائح الليمون. ثم قطع البطاطا والجزر والبصل، بسماكة متوسطة. حبات الزيتون والبازلاء، ضرورية لإعطاء طعم مميز وكذلك الفليفلة الحادة. دبس الطاطم، المذاب في الماء، سيكون آخر مكونات الطبخة ومن المفترض أن يمنحها لوناً رائقاً. الأفضل إبقاء الطبخة على النار الهادئة، وبعد ربع ساعة تقريباً تقلب محتوياتها. غطاء وعاء الطاجين، يجب ألا يُرفع؛ وإلا سيتبخر ماء الطماطم بسرعة. يؤكل الطاجين في المغرب بخبز خاص، وغالباً من صناعة المنزل.
ابني الصغير، في المغرب ينتقد العائلة المضيفة لأنها تأكل بالخبز بطاطا طبخة الطاجين، لكنه في السويد لا يفعل ذلك..

30
تذكرتُ منزلاً يمت بقوة لطفولتي، فيما كنتُ أنشر في موقعي بالنت، آخرَ كلمات الفصل العشرين من السيرة السلالية ـ الروائية " أسكي شام ".
إنه منزلُ الوجيه بديع ديركي، وكان صديق عُمر والدي، المطل على الجادة الرئيسة للحارة، ممتداً على مساحة كبيرة. في حقيقة الحال، أن المنزل عُرف باسم الجدة الأولى لأصحابه، وتُدعى نورا هلّو. المزرعة الشهيرة ذات الاسم الكردي ـ التركي، " رَزي آني "، المشرفة على نهر يزيد، عُرفت باسم هذه المرأة. لكن أملاك عائلتها الواسعة، كانت موزعة في حوران والجولان.
في أجزاء تلك السيرة الروائية، وصفتُ بدقة ما كنا ندعوه في الطفولة ب " بيت بديع "، كون بعض الأحداث جرت فيه. لكنني استعنت أيضاً بالخيال، بغيَة وضع القارئ في صورة ذلك الزمن إن كان بالسرد أو الحوار. " بيت بديع "، كان أيضاً عنوانَ أحد فصول سيرة ذاتية، نشرتها بالنت قبل دزينة من السنين.

31
لدى خروجي من المقهى، قررتُ سلفاً أن أحضّر طبق بيتزا على العشاء. لذلك مررت على المخزن لأشتري الفطر والزيتون، وكانا قد نفدا لديّ.
فور وصولي للمنزل، جهزتُ عجينة البيتزا ثم تركتها تختمر. بعد مضي نحو أربعين دقيقة، فتحتُ العجينة وجعلتها على شكل قرص كبير. فرشتُ القرصَ بدبس الطماطم، المخلوط بزيت الزيتون والأوريغانو ( الزعتر الجاف )، ثم رشة من رذاذ الجبنة الصفراء. بعدئذٍ، توالت المكونات الأخرى فوق القرص؛ وهيَ فضلاً عن الزيتون والفطر، رقائق المرتديلا وجبنة الحلوم. كان الفرن قد أضحى حاراً، فأسلمت إليه قرصَ البيتزا.
بضع دقائق على الأثر، ثم هبت في أنفي رائحة حريق خفيفة. عدتُ أنظر في الفرن، وإذا أطراف القرص الرقيقة بدأت تتفحم. ألقيت نظرة أخرى على سويات حرارة الفرن، لأفاجأ بأنني كنت قد ضغطت سهواً على ال ( s ). أخرجت القرص بسرعة، ثم أعدته للفرن بعدما وجدت حرارته مناسبة. هكذا تم انقاذ العشاء.
باب شقتي، ملاصق للمطبخ. من هناك، تناهى إليّ قول جارتي الجميلة لصديقها وكانا يهمان بالخروج من شقتهما: " أشمّ رائحة بيتزا محروقة "..

34
قبل أيام، أتذكرُ أنني قلت لأحد الأصدقاء أننا في بداية الربيع نريد أن نتأمل كل زهرة؛ فما أن يحل الصيف حتى نشيح وجهنا عن أزهاره ووروده !
بهجتي بالطقس الجميل، سرعان ما شابها منغّص طارئ. إذ وضعت في قدمي حذاء جديداً، يصلح للربيع، كنتُ قد اشتريته على أمل الذهاب به إلى المغرب في بداية الشتاء المنصرم. خلال الطريق إلى المكتبة العامة، كنتُ أعرج قليلاً لضيق الحذاء. حتى واتتني فكرة، وهيَ أن أسير على الحشائش لا على إسفلت الدرب. هذا أتى بمفعول جيد !
عدم تمكني من السفر لمراكش في بداية هذا الشتاء، كان سببه مانع عائلي. الآن، بل منذ ثلاثة أشهر، صار السفرُ ممنوعاً على البشر جميعاً بسبب مانع دولي..

35
منذ قدومي للسويد، لم أجد الجوَ صاحٍ في عيد الأول من أيار. في المقابل، فإن اليوم السابق عليه ـ ويحتفل به السويديون كعيد للربيع ـ تشرق فيه الشمس غالباً.
أتذكر أول مرة أشهد فيها مظاهرة عيد العمال، هنا في غربتي. كان ذلك بعد نحو أسبوعين من قدومي إلى السويد. قالت لي شقيقتي قبل ذلك بيوم، أن عدداً من الناشطين من كرد تركيا يعرفونني من فترة إقامتهم بدمشق؛ وبالتأكيد سيسعدون عندما يرونني في أثناء مسيرة عيد العمال.
في اليوم التالي، التقيت فعلاً بعدد من أولئك المنفيين. كان منهم أشخاص استقبلتهم في منزلنا بدمشق مرات عديدة. لكنهم فاجئوني بطريقة استقبالهم لي. فكلما قابلت أحداً منهم، كان يقول لي مستنكراً وكأنني سأعيش على حسابه هنا: " لِمَ أتيت إلى السويد، مع أنكم في سورية وضعكم ممتاز! ".

36
أكثر من مرة، نصحت الأصدقاء خلال سياحتهم في المغرب بعدم الأكل إلا في المطاعم الشعبية. أما المطاعم التي تزعم أنها راقية، " فمن الخارج رخام ومن الداخل سخام "؛ كما يقول المثل !
أبلغ دليل على جودة المطاعم الشعبية، خصوصاً في مراكش، أنواع السلطة العديدة. منها المعروفة ب " السلطة المغربية "، التي يمكن أن تشبّع المرء قبل حضور الوجبة الرئيسة. هذه السلطة، مكونة من خضار مسلوقة كالبطاطا والجزر والكوسا والبازلاء، فضلاً عن البندورة والخس والخيار، وأيضاً الرز وشرائح البيض !
المطاعم الراقية ـ كذا، لا تكتفي بوضع خمس حبات زيتون على أساس أنها مقبلات، بل وتسرق الزبون بكل وقاحة دونَ أن تخشى مساءلة من أي جهة رسمية. ذات مرة، كانت الوجبة للشخص الواحد مع الكولا ما يعادل تقريباً الست دولارات. وإذا النادل يأتي بفاتورة لشخصين بما يزيد عن الأربعين دولاراً. لما سألته عن السبب، فإنه رسم ابتسامة احتقار على شفتيه وكأنه يقول: إذا نويت الأكل في مطعم راق فلا تسأل عن السعر..

37
في المكتبة العامة، بينما كنتُ أطالع كتاباً عنوانه " دار كلود مونيه "، استعدتُ ذكرياتي مع هذا المنزل الساحر في أثناء زيارة لباريس في ربيع 2005.
كلود مونيه ( 1840 ـ 1926 )، كان من أهم الرسامين الانطباعيين. داره تقع في منطقة فيرنون ( مزرعة جيفرني ) قرب باريس. بلغ من تأثري بدار كلود مونيه وحديقتها، أنني حالما عدت إلى مدينتي السويدية رحتُ أخطط لجعل شقتي على شبه بهما !
سأتكلم الآنَ بإيجاز عن شقتي، وكانت مكونة من ثلاثة حجرات وممر داخلي على طولها. اشتريتُ أولاً طاولة طعام عريضة مع ستة كراسي مشغولة بالقش. بلون مطبخ مونيه، الأصفر، قمت بصبغ الطاولة والكراسي. كذلك وزعت لوحات واكسسوارات بالمطبخ؛ من قبيل السلال وأواني زيت الزيتون والنبيذ. الصالون، جعلتُ نصفه مرسماً مع حاملين للوحات. كذلك جعلت حجرة الأطفال مكتباً لي، بطاولة كبيرة مع كرسي جلديّ وكرسيين متقابلين من القنب المجدول. فيما حجرة النوم استغنيت عنها لولديّ، وصرت أنام على الأرض في حجرة المكتب
حجرة المكتب، كانت جاهزة مع فرشها واكسسواراتها. أكثر الفرش كان من مخلفات شركة الميديا، التي عملت فيها أربع سنين ثم آلت إلى الإفلاس: طاولة كتابة عريضة، بيرو، مكتبة كبيرة. للصدفة، أن حجرة المكتب تشرف على منظر الحديقة من خلال باب الصالون.
لا شك أنّ صوَر مشاهير الأدباء، الذين يظهر الواحد فيهم وخلفه مكتبة ذاخرة بالمجلدات، أثّرت عليّ حينَ قررتُ تحويل غرفة الأطفال إلى مكتب. لكن كما ذكرتُ في حديثي أمس عن الرسام الفرنسي، كلود مونيه، أنني أُخذت بمشهد داره؛ بحيث أنني فكّرت بها لما عزمتُ على إضفاء لمسات جديدة على شقتي، وكانت كائنة بالطابق الأرضيّ.
مع ذلك، لم أكن أرتاح بالكتابة سوى على منضدة الطعام في المطبخ. لكن عندما صرت استخدم الكومبيوتر للكتابة، انتقل عملي إلى حجرة المكتب. ثمة، كنتُ استقبل أحياناً الأصدقاء من الأدباء؛ منهم حميد كشكولي، هندرين، رفيق صابر، دانا صوفي. فيما كنتُ بحالات أخرى، أجتمع في صالون الشقة مع أصدقاء عاديين وكنت عندئذٍ أغلق بابَ حجرة المكتب.
38
ما أن يدفأ الجو في الربيع، إلا وترى كائنات الطبيعة تخرج من سباتها الشتويّ الطويل. على ذلك، يُمكن للمرء مصادفةَ وعلٍ مع والدته، قنفذ متوحّد، أرنب وجل، ضفدع يحدق بك بعينيه الجاحظتين، سنجاب يتقافز بسعادة من شجرة لشجرة، غراب بزعيقه المزعج ينقر الدود المختفي بالعشب..
ذات مرة، قبل نحو عقد من الأعوام، قررنا السفر إلى مراكش على أول الربيع. كان ابننا قد ولد حديثاً، يحتاج للقاحات المعلومة. اتجهنا قبيل موعد السفر إلى المستشفى، وكونها قريبة قطعنا الطريق مشياً. إذا بنا عند مكان عال، مشرف على الكراج الكبير، نفاجأ بمرأى غراب يهاجم أرنباً بشراسة. كان المخلوق المسكين يرمي نفسه تحت هذه السيارة وتلك، بينما الطائر يلاحقه بتصميم. هنا، ضربَ الحماسُ الخانمَ، فما كان منها إلا التقاط عود جاف من الأرض لطرد الطائر. تدخلت لمنعها، قائلاً في سبيل تعليمها قوانين السويد: " لو شاهدك أحد لطلب البوليس، ويمكن أن يتسبب ذلك بفرض غرامة كبيرة عليك ".
قالت مستغربة: " لكنني أدافع عن الأرنب المسكين؟ ". فأجبتُ، بأنه حسب القوانين للطائر أيضاً الحق بالعيش عن طريق افتراس غيره من الكائنات

39
في مثل هذه الأيام قبل 15 عاماً، كانت حديقة شقتي قد اكتملت مع سورها المعدني. الحديقة، كانت مساحتها 7 أمتار طولاً و10 عرضاً.
لذلك حين رسمتُ مخططاً للحديقة قبل بدء العمل بها، قسمتها بالتساوي بين مساحة مزروعة بالأزهار ومساحة أخرى مغطاة بالحشائش. المساحة المزروعة بالأزهار، كانت مكونة من حوضين دائريين وحوضين مربعين. فضلاً عن حوض مستطيل في مدخل الحديقة وآخر بنفس الشكل نصبتُ فيه نافورة منبثقة من تمثال امرأة تحمل جرة؛ وكان من الجص الملوّن. لم أنسَ أيضاً الاكسسوارات، وكانت عبارة عن حيوانات صغيرة الحجم مصنوعة من البورسلين، وزعتها بين الأحواض. لكن الحيوانات الحقيقية، كانت موجودة أيضاً. إذ كان ثمة سنجاب، يقفز من شجرة إلى أخرى؛ قط جارتنا السويدية، المشاكس والمؤذي؛ قنفذ، كان يتغذى بالتفاح؛ ضفدع، عثرتُ عليه في الغابة.
ابنتي، وكان عمرها آنذاك حوالي 4 أعوام، قالت لوالدتها يوماً: " ماما، الدفدع ثخ على بابا ".

40
إذا رأيتَ أزهاراً كاملة النمو، مغمورة بالثلج حتى خصرها، فاعلم أنك في السويد.
أمس ليلاً، حذثت عاصفة ثلجية لم نشهد مثيلاً لها حتى في عز الشتاء. وكنت قد أفقت في الخامسة صباحاً، على غير العادة، فقررت ألا أعود للفراش. بينما قهوتي على النار، فتحت الأباجور وإذا الثلج يغطي كل شيء؛ وكان نهار الأمس مشمساً حتى ساعة المغيب !
في طريقي إلى المكتبة العامة، بعد ظهر هذا اليوم، كانت الشمس مشرقة مجدداً وتذيب آخر كتل الثلج عن الطرقات والمروج. الأزهار، متفتحة وكأن ما يحيطها هو رمال ناصعة البياض وليس ثلوجاً. المياه، المتخلفة عن الثلج، كانت تمر بهدوء عبرَ قنوات خاصة لتصب بعدئذٍ مع النهر الكبير في البحر. فكّرتُ في بلادنا التعسة، وكيفَ تغرق كلها لمجرد عاصفة بسيطة تأتي بالثلج أو المطر.

41
برغم أن جائحة الوباء سرقت البهجة من مناسبات كثيرة، فإنني أستعيد الآنَ أمسيات شهر رمضان في المغرب؛ بالأخص في مدينة مراكش.
التدين عميق في موطن الأطلس، لكنه على شيء كبير من الاعتدال والعقلانية. شهر رمضان، أضحى عند كثيرين في هذا البلد مجرد تقليد شعبي يحرصون على أن يكون في غاية اليُسر. فما بالك في مراكش، التي من بين ألقابها " مدينة البهجة " !
أجمل ساعات رمضان، بعد الإفطار وقبل موعد صلاة التراويح، حيث يخرج الناس من منازلهم باتجاه الأسواق، الذاخرة بكل ما يحتاجونه. العديد من السياح، يشاركون في هذه الحركة الجميلة ومنهم من يقف مذهولاً أمام الحشد العظيم في ساحة مسجد الكتبية، حيث تؤدى صلاة التراويح من قبل الرجال والنساء. أحياناً، كان الشرطة المتواجدون في المكان يخاطبونني بالفرنسية، معتقدين أنني سائح، وذلك لمساعدتي على الوقوف في مكان مناسب مقابل المسجد

42
طريقة الإفطار في المغرب وأنها تعتمد على وجبة حواضر خفيفة؛ في حين أن العشاء يكون دسماً مع أنواع اللحوم. لذلك يتأخر تقديم العشاء أحياناً إلى الساعة الواحدة ليلاً، ويختصر بذلك السحور.
في مراكش، وكان رمضان قد حكم صيفاً في خلال السنوات الأخيرة، كنتُ أخرج من منزل حميّ بعد الإفطار بقليل. فآخذ عادةً طريق السوق المعروف بالاسم التركيّ ( أوضه باشي )، ويعتبر من أهم الأسواق الشعبية. السوق، يسلمني لساحة جامع الفنا، وتكون في هذا الوقت على موعد مع حشد هائل من المواطنين والسياح على وقع أصوات طبول وآلات الفرق الموسيقية. أجتاز الساحة إلى شارع محمد الخامس ومنه إلى غيليز، الحي الراقي والذي تشتهر ساحته ذات النوافير الرائعة. من هناك إلى مقهى الأركيلة، ( الشيشة )، حيث أبقى مع الأصدقاء؛ ومنهم ابن حميّ.
عند منتصف الليلة، يتصلون بنا من المنزل كي نلحق وجبة العشاء.

43
فيما مضى، سردتُ أكثر من مرة تأثري بمشاهداتي في حديقة كلود مونيه؛ الفنان الفرنسيّ الكبير، وكنتُ قد زرت منزله في مثل هذه الأيام من عام 2005.
أبهرني، بشكل خاص، مدخل منزل مونيه المفتوح على الحديقة؛ سواء بباب الصالون أو بابيّ المرسم وحجرة السفرة. شقتي كان لها بابٌ واحد مطل على الحديقة، وهوَ الخاص بالصالون. هناك كان يوجد الجزء المبلط من الحديقة، حيث وضعتُ في طرفها الأيمن طاولة مع كراسي تتسع لخمسة أشخاص فيما الجزء المقابل اتسع لكرسيين مجدولين مع طاولة صغيرة ذات أدراج، استقرّ فيها بعض عدة الحديقة. لاحقاً، قمتُ بإزالة صف من البلاط كي أجعله على شكل درج يخترق الحديقة من منتصفها لينتهي عند بابها المفتوح على رصيف الشارع العام. في مكان البلاط المنزوع، زرعتُ ست شجيرات شمشير؛ وهو نبات ذو أوراق دقيقة مستديرة، تعطي عبيراً رائعاً صباحاً ومساء، عندما تُرش بالماء.
عمدت لاقتلاع صف من البلاط في مقدمة حديقتي كي أجعله على شكل الدرج.
في مرحلة تالية، فكّرت باقتلاع خميلتين مزروعتين على نفس الصف، وذلك من أجل استبدالهما بثلاثة أغراس من الدفلى بألوان مختلفة. في بداية الربيع، كنتُ حاضراً عندما طلبتْ جارتي السويدية من عامل سيارة قص الحشائش أن يساعدها في قلع خمائل مماثلة من حوض منزلها الخارجيّ. لذلك انتظرتُ العامل، وفي الأثناء اشتريت الدفلى من محل بيع الزهور في المدينة مع ثلاث شتلات من القرطاسية.
لما حضر عامل قص الحشائش وبدأ عمله من جهة حديقتي، أشرتُ إليه بأنني أريد أن أتكلم معه. أوقف السيارة ورفع السماعة عن أذنيه، ثم استمع لطلبي. قال لي بعدئذٍ عابساً: " بوسعك اقتلاع الخميلتين بسهولة، لأن جذورهما صغيرة. أنا ساعدت جارتك، لأنها لا تريد أن تلوث أظافر يدها الملونة! ".
اكتمل الشكل الخارجي لحديقتي، بإنشاء السور من معدن شبكيّ مع باب خارجي يهيمن عليه قوس حديدي.
لاحقاً، زرعتُ عريشتين ورد جوري في جانبي القوس كي تتسلقان عليه. وعلى طول السور الأمامي من الداخل، غرست شتلات ورد جوري بألوان متعددة. ثم جئت بعدد من الأواني الفخارية الكبيرة، ووضعتها بإزاء السور وفي داخلها خمائل الخبازى بألوان مختلفة. على طول السور من الناحية الغربية، زرعت شتلات مدادة من النوع المسمى، قنديل، بألوانه البيضاء والزرقاء والحمراء. أما الطرف الشرقي، وكان في جهة الحديقة المتروكة خضراء، فقد نبت فيه الأقحوان الأبيض والأصفر امتداداً حتى التل الصخري وراء السور.
حديقة منزلنا، كانت في البداية تفتقد للسور، والحوض الوحيد فيها كان عشوائياً يحتوي على خميلتين من نبات له زهر أبيض.
أول حوض من صنع يدي، كان دائرياً محاطاً بأحجار ضخمة. من الغابة القريبة، أتيت بالأحجار ومن ثم بنباتات متسلقة. بالصدفة، سقطت جوزة صنوبر من إحدى الأشجار، الموجودة خارج الحديقة، وما لبثت أن نمت مع الأعوام حتى أضحت شجيرة كنتُ أزينها بالأضواء في ليالي الميلاد ورأس السنة. حوض دائري آخر، برز بعد أخيه بأشهر وزوّد أيضاً بنباتات من نفس النوع. لكنني في السنوات اللاحقة، زرعت أنواعاً كثيرة من الأزهار في الحوضين. ثم قمت بعد ذلك بإشادة حوضين بشكل مستطيل؛ بحيث صار منظر الحديقة، المزروعة بالأزهار، مثل وجه بعينين وفم من فكّين.

44
في العام المنصرم، وصلتُ إلى مراكش قبل عيد الفطر بأسبوع واحد. كان الجو صيفياً حاراً، لكن الشقة المستأجرة كانت في الطابق الأرضي؛ الهواء العذب يلعب بها. سكنتُ في منطقة قريبة من المطار، ولا تبعد عن مركز المدينة سوى بعشر دقائق في السيارة. طريق المطار، محاط من الجانبين بالحدائق الرائعة بأشجارها المثمرة ونخيلها وعرائش المجنونة والياسمين ومختلف أنواع الزهور. كنتُ أنزل إلى المدينة بعد الإفطار، أتجول في ساحة جامع الفنا ومن ثم ألتقي بالأصدقاء في مقهى الشيشة بحي غيليز.
العيد، سرعان ما حل بأجوائه المبهجة. لعلني لم أفوّت العيد في مراكش سوى مرات قليلة، وذلك خلال دزينة من الأعوام. لديّ أمل في قضاء العيد الكبير في هذه المدينة، التي أصبحت لديّ تعادل الوطن

45
قررتُ على الغداء تحضير أكلة عزيزة على معدة ابني الصغير؛ اللحمة بالصينية. عاد من المدرسة بينما كنتُ أتفقد مكونات الأكلة، وكان كل شيء موجوداً باستثناء اللبن.
قلت لابني، وكان قد لحق أن يفتح البلاي ستيشن: " اللبن ضروري، إذا أردتَ السلطة التي تحبها، وعليك أن تأتي به من السوبرماركت ". أخذ يُماطل، قائلاً أنه متفق مع صديقه على الذهاب مساءً لشراء السكاكر والشيبس. لكنني أفلحت في حمله على التحرك. بعد ذهابه بربع ساعة، وكان يستعمل الدراجة، إذا بي أفاجأ بأن الثلاجة خالية من الخبز العربي. عشر مرات اتصلت مع صغيري، إلى أن أجابني بأنه خرج تواً من السوبرماركت وأن الطابور على الصندوق منعه من الرد على مكالماتي. أخبرته عن موضوع الخبز، فقال لي أنه أنفق ورقة المائة كرون كلها. لحُسن الحظ، أن ربطة خبز كانت مخفية بين أكياس اللحم المجمد؛ وهكذا تم إنقاذ الغداء.
بعدما شبع، أبدى ابني إعجابه: " أكلاتكم السورية لذيذة فعلاً! ".

46
نهارٌ رائع، قضيناه اليوم في أحضان الطبيعة السويدية الخلابة. وكنتُ قد اقترحتُ على ابني الصغير تناول الغداء في مطعم الوجبات السريعة، الكائن على طرف مركز المدينة.
أخذنا الطريق مشياً على الأقدام، وكانت السماء صافية بحيث بان القمر كأنه سحابة بيضاء نصف دائرية. صُحبة النهر، هيَ أجمل ما في الجولة. إنه يبعد بمسافة ثلاث دقائق عن مسكننا، ومن الصعب أن تحدده عينُ الغريب بسبب ما يحيط ضفتاه من أشجار وارفة ونباتات طويلة السيقان. حينما صرنا نتمشى على ضفته، كانت الظلال ترتجف على صفحة الماء بفعل النسيم. أسراب الهوام، يُمكن أن ترى محلقة فوق سطح الماء وهي تطلق معزوفاتها، فرحةً بالرطوبة. الأحجار البيض الملساء، الظاهرة في الأماكن الطافية في النهر، ستترك المكان رويداً للصخور الكبيرة كي تشكّل ما يُشبه الشلال، وكان صدى عجيجه يصل لأسماعنا عن بُعد.

47
ابني، المعتاد على إصدار الأوامر، طلبَ مني في خلال عودتنا من المطعم أن نأخذ طريقاً مختصراً، بعيداً عن النهر
مرتفع جوي، قفز بدرجة الحرارة اليوم إلى ما يقارب الثلاثين. بحَسَب متنبئ الطقس السويدي، أن درجات الحرارة ستكون على هذا المنوال إلى نهاية شهر آب/ أغسطس.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وصلت مراكش وكانت تشهد أيضاً حرارة قاربت الخمسين. حالما دخلت منزل العائلة، الشبيه بالرياض، شعرت بالرطوبة العذبة. مساءً، حضرَ ابن حميّ وأخذني على دراجته النارية إلى شقةٍ أرضية، يعيش هو في شقة بالبناء نفسه. توقعتُ أن تنفتح طاقة جهنم بوجهي، حالما أدخل شقتي؛ لكن النسيم البارد كان يلعب بها. لم أطق البقاء فيها سوى ساعة واحدة، وما لبثت أن ركبت الدراجة ثانيةً باتجاه حي غيليز الراقي، كي نلتقي بالأصدقاء في مقهى النرجيلة ( الشيشة ). كانت لحظات جميلة، عقبَ فراق استمر عامين كاملين. كالعادة، رأيتُ أنهم غيّروا المقهى. غير أن موقعه كان مناسباً جداً، لقربه من أماكن أهوى التمشي فيها قبل لقائي الأصدقاء: شارع محمد السادس؛ حديقة الحارثي؛ ساحة البلازا والشارع المتصل بينها وبين غاليري إيدن، الذي أسميته " شارع الحب ".

48
يوم أمس، واصلتُ جولةً على ضفة النهر كنتُ قد بدأتها نهار الأحد مع ابني الصغير.
ولجتُ غابةَ بولونيا، boulogne، من مدخلها الكبير ذي القوس الحديدي، وما لبثت أن مررت بإزاء المقبرة، التي تمتد على مساحة كبيرة جداً. بوصولي إلى مقربة من النهر، تصاعد هدير المياه بقوة. ففي هذا المكان، توجد محطة توليد كهرباء وخلفها بحيرة ومن ثم جسر بعرض 50 متراً تقريباً وارتفاع نحو 10 أمتار. من هذا المكان، يبدأ المنظر الحقيقي والبهي للنهر. إذ يتفرع إلى عدد لا يحصى من الجداول والسواقي والبحيرات، يتخللها الجزر كبيرة وصغيرة. الماء، المفعم برائحة الأسماك، يلهو به النسيم، المحمل خصوصاً بعبق أشجار الزيزفون ذات الألوان المتعددة. جسور كثيرة، خشبية وقديمة، تعتلي الجداول فيما الممرات أشبه بالمتاهة. الشمس، جعلت أوراق نباتات سوسن الماء تنمو بحجم جناحي طائر كبير. لكن الطيور الحقيقية، كانت موجودة بكثرة؛ منها الأحادي الصوت والثنائي والمثلث.
بعد عشرة أعوام، يبدو أن كورونا سيجعلني أخيراً أكتشف هذه المدينة البحرية.

49
في لقاء مع الأديب الأمريكي، بول بولز، تنبأ بجائحة الوباء حين قال: " السيّاح يدمرون العالم. أي مكان يذهب إليه السائح يتركه خراباً خلفه ".
تذكّرتُ قول ذلك الأديب ( عاش نصف قرن متواصل في المغرب )، وموسم السياحة الآنَ قد ركد بشكل كليّ تقريباً في جميع أنحاء العالم. لما زرتُ مدينة مراكش لأول مرة، صيف عام 2008، دهشت للعدد الهائل من السياح فيها، بالأخص في ساحة جامع الفنا ( تبدو في أعلى الصورة ). في نص لي من نوع أدب الرحلات، أسميتُ تلك الساحة " كعبة العالم "، وذلك لتنوع أجناس من يغشونها في آناء النهار والليل.
لكنني، من ناحيتي، لم أزر المغرب بصفة السائح؛ ولا أيضاً البلدان الأخرى بشكل عام. دوماً كنتُ أحمل دفتراً صغيراً، أسجل عليه انطباعاتي عن الأمكنة. في المقابل، لم أستعمل كاميرا قط ( سواء عادية أو ديجيتال )، مكتفياً بتصوير ما أشاهده بالكلمات فقط. إلا هنا على الفضاء الأزرق، حيث الصورة ضرورية مع الموضوع.

50
اليوم، كان موعدي مع كائنات الطبيعة. خرجتُ من المنزل عند الظهر، وكان الجو حاراً ومعبقاً بالرطوبة البحرية. في نزلة الدرب بالقرب من سكة الحديد القديمة، فوجئتُ أولاً بضفدع صغير الحجم، أخرجه من مخبئه على ما يبدو رذاذُ المطر.
لكن الشمس عادت وأشرقت في خلال طريقي إلى المقهى. وصلتُ إلى محطة القطار، وكان في نيتي العبور من ممر تحتها إلى الشارع العام. لفت نظري عندئذٍ عاملٌ عند بركة الماء المستطيلة الشكل، وكان ينظف سطحها من أشياء مرمية فيها. عند الحاجز، المطل على البركة الاصطناعية، وقف رجل عجوز وكان يرمي حبيبات صغيرة للبط. إذا بي انتبه لوجود سمك أحمر اللون، يندفع أيضاً لالتقاط الغذاء. قال لي العجوز: " ثمة سمك من نفس النوع بحجم شبرين، ربما يظهر أيضاً "
قلت له: " اعتقدتُ أن السمك الأحمر لا يكبر حجمه؟ "
أجابني: " بل يكبر ولكن الناس لا تأكله "
قلت له: " إذاً هو مثل الطاووس! ". ابتسم الرجل وقال لي: " تماماً ". تمنيت له عطلة سعيدة ثم واصلت طريقي إلى المقهى.

51
منذ الأمس، حجز ابني الصغير لنفسه أكلة سورية عزيزة عليه؛ الكبّة بالصينية. اليوم قبل الغداء، تفقدتُ مواد الأكلة فوجدت أن دبس الفليفلة الحارة ( المحمّرة ) لفظ أنفاسه الأخيرة، وأيضاً الجوز. أردتُ اضافةَ قليلٍ من دبس البندورة، لكنني وجدتُ النوعَ الخشن. بما أن الطقسَ ماطرٌ منذ الصباح، لم أجد حماساً لديّ للذهاب إلى المخزن.
عوضتُ المحمّرة بالشيلي الحار، والجوز باللوز. بدأتُ أولاً بحشوة اللحمة الناعمة، فقليتها مع البصل المفروم. ثم تحولت بعد نضج اللحمة إلى فرك خلطة البرغل الناعم مع اللحمة الناعمة ( النيّة ) والشيلي ودبس البندورة؛ وبالطبع مع بهارات الكبّة. ما زادَ من الخلطة، جعلته أقراص كبّة نيّة مع زيت الزيتون. أما الكبة بالصينية، فاحتاجت لأربعين دقيقة في الفرن بحرارة متوسطة، ثم عشر دقائق حرارة سفلية. في الأثناء، حضّرتُ سلطةَ الخيار مع اللبن.
لما دعوتُ ابني إلى طاولة الغداء، تذوق أولاً قرصاً من الكبّة النيّة. لأول مرة يبدي إعجابه بها، وطلب مني المزيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض