الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل السياسي والحزبي والمثقف

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2020 / 6 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


فشل السياسي والحزبي والمثقف ..جميعهم فشلوا في دعم مشروع الحداثة السياسية المعلن منذ خمسينات القرن الماضي وكان مراكز للنضال الوطني والقومي .. لان السياسي والحزبي اردوا مشروعا يستملكون فيه السلطة دون غيرهم ، فظهر الصراع بين الاشتراكي والقومي وبينهما وجماعات الاسلام السياسي وعندما يصل احدهم للسلطة ينتقم من الاخر بطرق واساليب متعددة .. لان جميعهم لا يؤمن بالديمقراطية وجميعهم دأبوا على تقريب عدد من المثقفين اليهم باختيار نوعية محددة من كائنات اطلق عليها اسم المثقف الذي يقبل ان يكون خادما للسياسي وللحزبي - قليل جدا ما كان السياسي او الحزبي مثقف بذاته - خاصة وان الدائرة التي يعملوا بها جميعا دائرة المصالح والغنيمة دونما نقد او حتى تفكير بالنقد للسياسي والحزبي..
هنا ظهر مثقف خانع لا ينتج علما ولا معرفة بل اصبح جزء من فرق بروباجندا تشبه المسرح الشعبي الذي يعتد على الارتجال دونما فكرة او هدف الا المكسب المالي.. ففشل هذا المثقف كما فشل السياسي والحزبي ..وهكذا مشهد نجده في عموم المنطقة خاصة الدول ذات النظام الجمهوري من الجزائر وتونس وموريتانيا الى بلاد الممانعة سوريا ولبنان والعراق ثم مصر والسودان واليمن والصومال ..فشل المشروع الحداثي فغابت الدولة في بعض هذه الدول رغم عدم اكتمال مؤسساتها .. فعم العبث السياسي والاقتتال الاهلي (العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال ولبنان ) زد في ذلك تحول القومي والاشتراكي والليبرالي الى خادم لرجال الدين كما في حالة العراق ولبنان واليمن وفي خدمة العسكر في جميع الجمهوريات وبقي القلة القليلة من المثقفين الشرفاء منتجي المعرفة والعلم مكتفين في وظائفهم في الحد الادنى منها وفي تنوير المجتمع بالكتابة عن الهم الوطني والتحديثي بل والاممي ايضا . ومن يشاهد اليوم الصورة العامة يجد المتنططون الى مناصب ادارية وسياسية وفي الفضائيات دونما اي مسوغات موضوعية ودونما حضور حقيقي داخل المجتمع الذي يتعرض نسيجه الاجتماعي والوطني للتمزق والتشظي وفق دعاوى مناطقية ومذهبية وقبلية ، وتحولت بلاد العرب اوطاني الى ميدان رماية للغرب الرأسمالي ومخططاته في اعادة هندسة المنطقة وتفكيك ابنيتها السياسية الوطنية وبناها الثقافية العلمية الى هويات فرعية والى تعميم الخرافات والدجل ، هنا لن يستقيم الحال لإعادة بناء الدولة والمجتمع بل استدامة التشظي والاقتتال سنوات اخرى حتى الانهيار الشامل للمجتمع ساعتها يتم تركيب نظام سياسي رخو وفق نخب سياسية يتم تصنيعها حاليا لتعمل كوكيل للخارج وفق منطق الغنيمة والمحاصصة ، وهنا يراد للمنطقة ان تودع الهوية الوطنية بعمقها التاريخي والحضاري لتظهر بدلا عنها كنتونات تعمل وفق اجندات شركات نفطية او استهلاكية ولا غرابة ان نجد كنتونات تحمل علم ماكدونال اوشركة شيل او حتى قبعة بيل جيتس .
الخروج من نفق الازمات يتطلب بديل سياسي بواجهة وطنية برموزها وشخوصها وبرنامجها لان من هم في دوائر صنع القرار حاليا لا يمكن ان يكونوا حلا ولا جزء منه لانهم صانعوا الفوضى والعبث السياسي السائد وعلاقاتهم الخارجية محملة بديون لا تخص الوطن ولا الشعب وهنا نحتاج الى مثقف ملتزم بقضايا الوطن والمجتمع والتنوير لا مثقف مدجن يبرر سلوك قياداته الجاهلة في السياسة والفاشلة دون انجازات حتى داخل احزابها ..ومن ثم فالمثقف المطلوب ليس ساحرا ولا صانع معجزات و لاكرامات بل هو منتج للعلم (منهجا ونظريات) يعمم الثقافة العلمية وينشرها ليتشكل معها وعي فردي وجمعي يكون بداية الخروج من جملة الاوهام السياسية التي يحاول البعض تأسيسها ..العلم هو مرتكز بناء الدولة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية ..
فلا يمكن بناء دولة دون سياسات وبرامج لا تستند الى العلم ، وان تكون مخرجات العلم ومضمونه تؤسس لمسارات مستقبلية متوسطة وبعيدة المدى ..وما نعيشه حاليا وفق الجائحة كورونا يؤكد ما نذهب اليه .. لان منطق العلم من المشافي والكوادار والمعدات اللازمة للتصدي لهذه الجائحة غير متوفرة وثقافة المجتمع تزيد الافراد خوفا وعدم الالتزام بأساليب الوقاية ..لان النظم السياسية والحكومات لم تكن لتهتم بهذا الامر فدمرت التعليم وقلصت موازنات المشافي ماليا لان همها الرئيس كان الجباية ونهب العقارات ونشر الخرافات ..ولهذا الامر تكون الدولة الحديثة عنوان للتجديد واعادة بناء هوية المجتمع بتجاوز الهويات الفرعية لانها هويات قاتلة للمجتمع في وحدته ونسيجه واستقراره وهو امر كتبنا عنه غيرة مرة في السنوات الماضية .
في هذا السياق تكون حاجاتنا الى نخبة سياسية وطنية تعزز من برامج التنمية والاستقرار لكل الشعب دونما ممارسات تمييزية وتعزز من الثقافة السياسية الحديثة عبر نظام تعليمي يرسخ من الولاء للوطن ونظامه الجمهوري ..فهذا الاخير يعكس صفة الشعب باعتباره صانع السلطة. نحتاج الى سياسي وحزبي ومثقف بشرط ان يكون ولائهم للوطن ووعيهم متشبع بالحداثة والعقلانية والمواطنة والمساواة ..واذا كان السياسي والحزبي ذو طبيعة انتهازية في ممارساتهم ،، فالمثقف يجب ان يكون العين الناقدة للسياسي والحزبي والموجهة للمجتمع نحو مسار التحديث وتعزيز الانتماء للوطن وجمهوريته ذات النظام الديمقراطي ، المثقف الذي يفكر بالمستقبل ويبنى اسسه من اللحظة الراهنة وفق منطلقات علمية ووطنية لا وفق تفكير لاهوتي يعزز من الاوهام والينبغيات المفارقة للواقع و زمنيته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ