الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد والدولة والديموقراطية

ثائر سالم

2020 / 6 / 8
الفساد الإداري والمالي


١. الفساد كظاهرة عالمية
الفساد كممارسة فردية او مؤسساتية، وكاستغلال للنفوذ، السياسي او الحكومي او الاقتصادي ، لمنافع شخصية ، هو ظاهرة عالمية، موجودة في كل دول العالم. وصاحبت حقبا وانماطا تاريخية ونظم اجتماعية مختلفة. وبدرجات شيوع  متباينة الحجم والضرر، على اقتصادات الدول ونظمها السياسية.
وهو تعبير عن انحراف سلوكي، قيمي( لافراد او مؤسسات) تارة، وتعبير عن الطبيعة البشرية الانانية، وميلها العام للحصول على مايمكن الحصول عليه، تارة اخرى، وفق التاويل الليبرالي.
وان الثغرات الناجمة، عن ضعف منظومة الرقابة، والقوانين الخاصةالرادعة، او عن هشاشة النظام السياسي والدولة (هذا اذا لم تكن حاضنة له)، هي البيئة الملائمة لشيوعه، رغم آثاره السلبية على المجتمع واقتصاده واستقراره.
واذا كانت هذه الرؤية تبدو بالنسبة للاغلبية من الناس، هي مقاربة معقولة عموما. وهي مقاربة  المنطق الشكلي لليبرالية، التي تتجاهل دور جوهر النظام الاجتماعي الذي يستنبت ظاهرة الفساد.
فان المقاربة التاريخية، اذ لا تنكر اهمية تلك  العوامل وواقعيتها ، فانها تستقصي جوهر هذه الظاهرة في اعماق بنية فكر وثقافة نمط اقتصادي سائد. فنظام السوق والياته والفكر الذي يدافع عن قدسيته، يشكل موضوعيا، ارضية بيئة حاضنة لامكانات واقعية ، لهذه الممارسة بقدر ما يوفر في الجهة الاخرى، من ضرورات اقتصادية لمحاربة شيوعها.
وعليه فان علاقة الفكر الليبرالي بهذه الظاهرة، هي علاقة اشكالية متناقضة. هذا التناقض في الموقف من ظاهرة الفساد، هو في الجوهر  مرآة للطبيعة المتناقضة لطبيعة علاقات الانتاج هذه، القائمة على  قدسية السوق والملكية الخاصة واولوية المصلحة الخاصة على المصالح العامة. و
فالضرر الذي يمكن ان يلحقه شيوع ظاهرة الفساد، باستقرار الاقتصاد واليات عمل السوق  وتطوره، وبالمصالح الخاصة (افرادا او مؤسسات او قطاعات)، وبالمصالح العامة للمجتمع، وتحديدا للطبقات المالكة والحاكمة، وباستقرار النظام السياسي، الذي يحمي توازن القوى الطبقي فيه، اقتصاديا وسياسيا ، هو ما يخلق الضرورة الاقتصادية والسياسية لمحاربة الفساد والتضييق عليه ان لم يكن منع حدوثه ممكنا. بل ان تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلد يتطلب من النظام والدولة،  ايضا انتهاج سياسات تخفيف حدة التفاوت الاجتماعي لتحقيق درجة من الانصاف والعدالة النسبية، عبر نظام ضريبي صارم، يعيد فيها توزيع الدخول ويوفر خدمات وضمانات هامة، للجماعات المهمشة والضعيفة.
  ان قوانين السوق التي تعتبر المنافسة  رافعة التطور والاستقرار في الاقتصاد ومحفزا للابتكار، ولتطور القوى المنتجة ، تشكل الرشوة، والسرقة،  ممارسة الغش _قوانين حماية حقوق الملكية، عوامل كابحة لقوانين ازدهار السوق وتطور الاقتصاد ، بما لها من آثار سلبية على هذه المنافسة.
ولكن علاقات الانتاج (كعلاقات ملكية وتبادل وتوزيع)، يقوم جوهرها على الانحياز والتفهم  للانانية والمصلحة الخاصة، افرادا و شركات، لا يمكنها ان تراعي اعتبارات المصلحة العامة، الا بمقدار اهميتها في ديمومة المصلحة الخاصة.
وكون الطبقة السائدة اقتصاديا لا تسود سياسيا وحسب بل وتصبح قيم ثقافتها هي السائدة اجتماعيا،  فان ثقافة هذه الطبقات المالكة والحاكمة، هي ماتشكل فضاء محتملا ومتفهما لهذه الممارسة. وهذا تجد تجلياته ، في هشاشة القوانين ، وسعة المنافذ التي ينفذ منها الفاسدون،  وفي الحماية التي يتمتعون بها من السلطة السياسية، (حمايتهم وحماية مصالحهم )، خصوصا في الدول الهشة التي تشهد  تزاوجا صريحا او مستترا معهم. وآثار هذا العلاقة والترابط هو الاستحواذ على القرار السياسي والاقتصادي واعاقة مشروع التنمية المطلوبة بابعاده المجتمعية المتعددة. 
و تاريخ التنافس بين الشركات في بلدان الغرب (المركز)،  دع عنك الاطراف، ملي بشواهد كثيرة لازالت تجري يوميا، باشكال ووسائل مبتكرة، لا تخفى فيها بصمة استثمار النفوذ السياسي والاقتصادي ، ولا مظاهر التحايل والفساد، في عقد الصفقات او في استحداث مؤسسات لاوجود لها الا على الورق، كما يفهل راس المال المالي اليوم. او في تخصيص جزء مهم من ثروة البلد ومن اموال دافعي الضرائب في انقاذ مؤسسات حتى بنكية من الافلاس .
فالحديث هنا اذن وفق هذه الرؤية التاريخية، لاينطلق بالدرجة الاولى من نزعة اخلاقية مجردة. ولكنه يدور عن ظاهرة لها تداعياتها السلبية الكبرى على الاقتصاد  وعلى موضوع العدالة الاجتماعية. وعلى تاثيره على قضية دور الدولة الاقتصادي والقانوني، وعلى مستقبل العملية السياسية والنظام الديموقراطي.
اذن هذه النظم والطبقات التي تقف ورائها، هي في علاقة اشكالية متناقضة مع ظاهرة الفساد. فاذ تتطلب الية السوق، وشروط ازدهاره وازدهار الاقتصاد، حماية المنافسة بوصفها رافعة هذا الازدهار، توفر هذه العوامل ذاتها وفكرها ، ارضية استمرار هذه الظاهرة، بتفاوت ضرورات ضبطها الاقتصادية والسياسبة  وجدية اجراءات محاربتها، وضرورات الاحتفاظ بالاستقرار في توازن القوى الاقتصادي والسياسي.
ولكن استمرار فوضى الانتاج والسوق ، والازمات الاقتصادية الناجمة عنها، وما تفضي اليه من هلاك قطاعات اقتصادية هامة، في الاقتصاد الراسمالي العالمي اليوم، هي ليست شواهد فقط على حقيقة مضمون علاقات الانتاج الخاصة التي تمثلها الراسمالية الان، وانما القلق من مصير الافلاس والحرص على الصمود في معركة المنافسة الضارية في ظروف السوق الصعبة هذه، تشكل احد روافع وحوافز استمرار الفساد حينما يكون ممكنا واقعا او قانونا.
وظاهرة الفساد وجدت حتى في دول ماسمي ب"المعسكر الاشتراكي" ، سواء كانت في السوق السوداء للعملة او في استشراء الرشوة ، خصوصا في السنوات الاخيرة من عمر النظام. ولكن الفساد لم يبلغ  المستوى الذي بلغه في البلدان الاخرى. ومع ذلك كان احد العوامل الاساسية في انهيار هذا النظام بقدر ما كان نتيجة طبيعية لنواقص التجربة وضغوط قوى السوق العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا