الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزو القسطنطينية..الوهم المقدس

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2020 / 6 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وقفنا في مقال "ذات الصواري معركة الانتصار الزائف" ومحاضرة "أكذوبة معركة ذات الصواري على يوتيوب" على أن غزو القسطنطينية كان (حلماً أمويا) بدأوه في عصر الخليفة عثمان بن عفان، وأن هذه الغزوة تم تزييف أحداثها عربيا لكن ذكرها المؤرخون البيزنطيين برواية مختلفة تشهد بانتصار البيزنطيين وتسببها في مقتل الخليفة عثمان لاحقا وهروب والي مصر عبدالله بن أبي السرح وموته كمدا في عسقلان..

وأن سياسة ملوك الأمويين وقتها كانت مبنية على حشد الغوغاء للجندية في الجيش بوزاع ديني، وأنهم وضعوا أحاديث الجهاد التي ترغب في القتال للشريعة خصوصا لغزو القسطنطينية لإسقاط الدولة البيزنطية المسيحية أسوة بما فعله الخليفة عمر بن الخطاب في إسقاط الدولة الفارسية المجوسية....وفي دراسات سابقة طرحت الأدلة على أن مهندس تلك العملية هو الراوي "ابن شهاب الزهري"

اليوم مع معلومات جديدة تطرح لأول مرة في نقاط متصلة:

1- دمر العباسيون ملك بني أمية وكانت القسطنطينية ما زالت في يد البيزنطيين، لكن حُلم فتح المدينة ما زال يراود الخليفة " أبو جعفر المنصور" في القرن 2 هـ

2- في عصر المنصور ظهرت روايات مختلفة تقول أن فتح القسطنطينية سيكون على يد الإمام (المهدي) ليستغلوا عاطفة الشيعة الفرس في الجندية كما فعل الأمويين في استغلال عاطفة العرب، وبالفعل ظهرت روايات الفتح منسوبة للرسول وكبار الصحابة تبشر بفتح القسطنطينية على يد إمام آخر الزمان المهدي والذي سيسلم مفاتيحها لعيسى بن مريم ..

3- مات الخليفة المنصور ولم تُفتَح المدينة ، ثم نُصّب ولده "محمد" ذي ال 31 عام كخليفة ثم لقبوه بالمهدي

4- الخليفة المهدي كان يحكم طبرستان في ولاية أبيه، يعني صاحب خبرة سياسية كبيرة وشعبية بين الفرس على ساحل بحر قزوين قبل أن يصبح خليفة شرعي، وهذه المنطقة الممتدة من تركمانستان حتى طبرستان كانت موطن ظهور روايات المهدي وفتح القسطنطينية ، أولا لخدمة حلم العباسيين بفتحها، ثانيا في التبشير بنيل الأمير "محمد بن المنصور" هذا الشرف..

5- في هذا العصر ظهر راوي تركماني هو "نعيم بن حماد" تـ 228 هـ هو الذي بشر بفتح القسطنطينية على يد الخليفة المهدي، ولكن بعد موت الخليفة والمدينة لا زالت عصيّة على الغزو وتخيف أي جيش يحاول التفكير فيها اضطربت روايات نعيم فمرة يقول أن المهدي سيفتحها، ومرة يقول أن (المهدي الثاني) هو الذي سيفتحها ثم سمى هذا الإمام الثاني "هيم" راجع كتاب الفتن لنعيم بن حماد (1/392)

6- حكم القسطنطينية لابد وأن يكون من الخليفة الشرعي ولا نزاع عليه، لذلك مطلوب في أمره صفتين، الأولى أن تجتمع عليه الأمة وهذه لم تحدث أبدا في أي خليفة، الثانية وهي الأسهل أن يكون من ولد قحطان، يعني العرب المستعربة من أولاد إسماعيل في الحجاز، وهذا كان منشأ قصة قرشية الخليفة في روايات الصحيحين لاحقا..وبالتالي فالذي يفتح القسطنطينية لابد وأن يكون عربيا من ولد قحطان وبالأخص قريش..وأخص الأخص بني هاشم حسب القاعدة التي أسسها أبو جعفر المنصور كونه هاشميا..

7- ابن حماد صرح بهوية وقبيلة المهدي تحديدا (بني هاشم) في أحداث غزوة الهند، ولو تتذكروا عرضنا من قبل قصة غزو الهند أنها فشلت في عصر الأمويين وقتل فيها "محمد بن القاسم الثقفي" كعقاب له من الخليفة "سليمان بن عبدالملك" على هزيمته تحت أسوار الهند، وكعادة الأمويين في اعتبار أي مدينة صعبة الغزو أن يجعلوا دخولها من علامات الساعة..وبالفعل تم وضع أحداث فتح الهند من علامات الساعة ما قبل ظهور الدجال والمسيح...

وملخص ذلك أن القاسم الثقفي غزا بلاد السند عام 90 هـ فظل يقاتل 5 سنوات حتى هزم على حدود السند الجنوبية، فتوقف الجيش وعاد إلى دمشق، وهناك انتقم منه سليمان بن عبدالملك بسجنه وإعدامه ، بعدها ظهرت أحاديث تقول أن فتح الهند من علامات الساعة مع نزول السيد المسيح وفتنة الدجال..وهنا ملاحظة هامة: أنه وعندما يلقي العرب الغزاه مقاومة من الشعوب يسلكون أحد مسلكين:

الأول: هو اعتبار غزوهم من علامات الساعة كما تقدم، بهدف حشد وتجييش المسلمين للمعركة الكبرى الفاصلة التي تعقبها جنان الخلد والحور العين..وحدث ذلك عندما فشلوا في غزو القسطنطينية..

الثاني: كان يرافقهم (جهاز إعلامي) لبث الروايات والإشاعات والأحاديث بأمر من الخليفة ودعم من رجال البلاط، فينشطوا في ذم الأمم وشيطنتهم.

فعندما أرادوا غزو بلاد خراسان وإيران- مثلا- ظهرت أحاديث ذم المجوس والترك وهم شعوب هذه المناطق، وعندما أرادوا غزو بلاد المغرب ظهرت أحاديث ذم البربر من ذلك "لا تعط بربريا صدقة ولو أن تطعمها للكلاب" و.."ما تحت أديم السماء أشر من البربر"..وأن الرسول تعوذ بالله من فتنة أهل المغرب، وأخيرا : " قسم الله الشر 70 جزءا فجعل تسعة وستون جزءا في البربر وجزء واحد في سائر الناس"..(كتاب الفتن لنعيم بن حماد) بالضبط حين استدعى السلفيون أحاديث وفتاوى ذم النصيرية والعلوية للتشجيع والتطوع في معارك سوريا، ولو قدر الله أن يحدث عداء بين متطرفي الخليج ومصر الآن ستظهر نفس دعاوى أسلافهم الوهابيين حين تصدوا لجيوش محمد علي بجهاز إعلامي يصف المصريين بالوثنيين الكفار عبيد السيد البدوي..وبدلا من كلمة "الشقيقة مصر" ستتحول إلى "أرض الفتن ومنبع الشرور"..

8- مات الخليفة المهدي ولم تُفتَح القسطنطينية فوعد إبنه الهادي أن يحقق هذا الهدف، لكنه كان ضعيف الشخصية، بالمصري (وزراءه قرطسوه) وشجعوا الشيعة للانتقام مما فعل جده المنصور بالنفس الزكية، وهنا كانت معركة "فخ" سنة 169 هـ، وهي المعركة اللي أضعفته جدا في القصر وتسببت في موته مبكرا وعمره 24 سنة

9- تولى هارون الرشيد الحكم وعقد العزم على تحقيق ملك ونبوؤة أجداده، وبالفعل حشد الجيوش لفتح القسطنطينية وحاصرها لكنه فشل كالعادة، وهنا كانت المرحلة الثانية لروايات فتح القسطنطينية وربطها بالقدس وفلسطين وخراب يثرب، وظلت روايات القسطنطينية شائعة وتخرج سنويا بشكل أحاديث ومنامات طوال العصر العباسي إلى أن غزاها السلطان التركي "محمد خان الثاني" الشهير بالفاتح

10- المضحك أن روايات فتح القسطنطينية كان فيها هذه الجملة (وتعقدوا الصلح مع الروم ثم تحاربون عدوا لهم) يعني أصبح المسلمين والبيزنطيين أصدقاء وحلفاء..وباستعراض التاريخ نجد أن الرواه ذكروا ما حدث في عصر هارون الرشيد من معاهدات بيزنطية عباسية مع الإمبراطور "نقفور الأول" وبين أبي جعفر المنصور والامبراطور "قسطنطين الخامس"

أما حديث "لتفتحن القسطنطينية فنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" فهو حديث منكر لم يسجل في الصحيحين أو الكتب الستة إجمالا، برغم أن البخاري ذكره في التاريخ الكبير، وملخص الحديث أنه ظهر على يد البخاري وابن حنبل في المسند، حتى انهم اختلفوا في اسم الصحابي، ابن حنبل يقول عليه "بشر الخثعمي" والبخاري يقول "بشر الغنوي" حتى اختلفوا في إسم ولده، البخاري يقول عبيد وابن حنبل يقول عبدالله، حتى تم اعتماد جهالة الولد وأبوه في علم الرجال..

بعض الفقهاء قالوا هم اثنين مختلفين وآخرون قالوا هو شخص واحد، وباختصار: هذا صحابي مجهول أسندوا له حديث القسطنطينية بعد فشل هارون الرشيد في غزو المدينة، والدليل أنه لم يذكر في مدونات ما قبل هارون، ورأيي أنه ظهر في خلافة إما المعتصم أو المتوكل فكلاهما زاد فيهما نفوذ الترك الأسيويين وهم الذين حلموا بدخول القسطنطينية منذ أيام جعفر المنصور، وقد اعتاد الوضاعون على فبركة تلك الأخبار لأهداف سياسية كما حدث مع رواية "أسعد العجم بالإسلام فارس، وأشقى العجم بالإسلام الروم، وأشقى العرب بالإسلام تغلب والعباد"..(جامع معمر بن راشد 19925)

فهذا الحديث وضع بعد غزو بلاد فارس عام 23 هـ وفشل غزو الروم وإسقاط الدولة البيزنطية، أي ظهر تقريبا في العصر الأموي بعد فشل حملات عثمان ومعاوية لغزو القسطنطينية..فأسعد البلاد هي التي تقبلت دعوة المسلمين ولم تقاوم، وأشقاهم أي التي قاومت، علما بأن قبائل تغلب والعباد سكنت قديما أراضي العراق والأردن، وهؤلاء كانوا إما مسيحيين أو عناصر لجيوش الشيعة وابن الزبير والخوارج..فجاء ذمهم باعتبار محاربتهم للخليفة الأموي، ودلالة ذكر قبيلة العباد تحديدا يعني الحديث ظهر في الشام بعد إنهاء تمرد بن الزبير..

قبيلة تغلب جاءت الآثار في ذمها لتمسكها بالمسيحية فمنع أكل ذبائحها ودفعت الجزية مضاعفة، وهذا دليل إضافي أن ذمها في الحديث ذكر بعد عصر الفتوحات/ الغزوات ولم يعلم الرسول عنه شيئا..

أما دار الإفتاء المصرية..فلهم كلمة واحدة (صباح الخير) بل (صباح الفل) على عيونكم، تصححون حديث مفترى لم يذكر في الكتب الستة ومشكوك حتى في إسم الصحابي، فقط لأن الإخوان هم الذي نشروه وربطوا بينه وبين السلطان التركي "محمد خان"..ولو الأزهر كله على بعضه فيه علماء بحق وحقيق لانتفضوا على تلك الفضيحة وأعلنوها بجرأة..أن غزو القسطنطينية هو كغزو مصر أو دمشق والشام، مجرد صراع سياسي بين الملوك البقاء فيه للأقوى..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل