الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكثير من الحكايا في زمن الكورونا

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2020 / 6 / 10
المجتمع المدني


لم يكن حضورها خفيف الظل بل امتد ظلها بثقله كجبل لم يرد أن يزيح عن صدري...
لم أرها بهذ الجنون من قبل رغم أني لم أعرفها من كثب، فقد كانت كلمات عابرة وجمل مجاملة قصيرة منمقة بلا حدود، ولكن الأمر بغرابته لم يكن بعيدًا عن غرابة اختيارها لي من دون الخلق لتروي لي جنونها وانهيارها العصبي...
ربما صمتي...ربما تلك الهالة حولي بالقدرة الكبيرة للاستماع في زمن كثر فيه اللغط وكثرت به الألسنة المشحونة بالأفكار الجوفاء.
" لقد رأيتها عاصفة...لا ليست عاصفة بل أشد وأدهى...لم تكن كتلك التي تصور على ناشونال جيوغرافيك، بل كانت عاصفة عامة وطامة وفيضانًا بموج قد لامس لسانه صفحة السماء السوداء رأيتها تلك الموجة الضخمة من بعيد...بل من مسافة لا يمكن وصفها بالبعيدة، كان الناس غرقى...يُغرقون وهم مستيقظون وكنت وزوجي وأولادي بسيارتنا نعبر الموج والطود العظيم يقترب...نعم لقد كاد يلتقمنا لكنه لم يفعل..."
كانت أشبه بالمجنونة وهي تروي بزبد شفتيها ووجوم وجهها العتيق..
" لم يكن ذلك الحلم وحده بل رأيت صاعقة من السماء وطيرًا أبابيل ونارًا تلظى في كل مكان والناس يهرعون إلى حيث لا يدرون...بل أزيدك أنني رأيتنا والناس كالجراد المبثوث يصعدون إلى الجبال إلى حيث يهربون من الموت، نعم رأيتهم يتلحفون بطونهم حفاة يصعدون إلى السماء..."
لم أعلق بشيء...فقط ظللت أقلب ناظريّ بين صفحات وجهها المقلوبة وأوازنها مع نبرات صوتها...الحقيقة في صدقها لن ينافسها فيها أحد...
ملت من هدوئي فوقفت وقد تصلبت ذاكرتها بعينين مشدوهتين وكأنما رأت أمرًا جللاً أو تذكرت طوفانًا أو صاعقة...
فخرجت وهي تطلق العنان لجنونها مسرعة الخطى تطوي الجمر تحت قدميها، تعيد ما كانت ترويه: إنه العذاب ...إنه العذاب...مالهم لا يصدقون؟...المجانين، المجانين آن زمانهم...آن زمانهم".
تبعت صوتها ووقع قدميها المسرعتين وقد تأكد لي أن جسدها الهش قد بدأ يعد أيامه بالانهيار...صفحة صفحة بلا عناوين أو أرقام، عدت بعيني أقلب المتصفح عن تفسير ابن سيرين...
كان عذابًا وكانت إشارات عن تغول وغلاء أسعار...كانت عن نهب وسلب...عن اختلاط الحابل بالنابل...كانت تروي ظلم البشر للبشر...
آخر ورقة أتمُّ إنجازها بالعمل، وآخر اتصال هاتفي...حين كانت رواية كورونا قد وصلت الأردن...
أعرف أنها حربًا بيولوجية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة...ولكنها ليست كذبة...
من يدري متى يأتي ينقضي أمر الله؟
في زمن الكورون عشنا تحت سقف واحد، بالكثير من المحاذير، ثلاثة أشهر...دراسة عن بعد...وعقاب عن بعد وظلم عن بعد...وأمزجة عن بعد...بين أولادي ومدرستهم ومدرسيهم وبين دراستي وترف المزاجية...وبين اللاب توب خاصتي الذي أرضخني رغمًا عني أن أتوسل إليه صبيحة كل يوم، كي لا ينطفئ...كي لا يلغي ما تعبت فيه وسهرت عليه، ولكنه خانني وكم أكره الخيانة...
وحظر...بلا أماكن للتصليح كان أملا كاد أن ينقضي...لم أصدق حين أنار ضوء النهار وأحد أبنائي يخبرني أنه أمضى الليل وأبيه يعيدون ترتيب اللاب توب ماركة ديل...قطعة قطعة...صغيرة وكبيرة...حتى أضاء ثانية...
لم أدر أحري بي أن أبكي كما أفعل عادة أم أصلي ركعتي شكر لله أم أجري لأكمل ما أنا في دوامته...؟!
فعلتها جميعها بل أزيد قبلتهم وكان ذلك في زمن الكورونا...حين لا ينفع مال أو بنون.
في زمن الكورونا بكبسة زر فقدت أزيد من عشرين صفحة في بحث كانت تفصلني أيامًا عن تسليمه...
صمتُّ طويلاً وأنا أراقب الشاشة...بيضاء تمامًا بلا أثر...
قلت الحمد لله...
وذهبت أبحث عن بصيص أمل لابد أن يكون...لا بد.
قلت سأعيد بناء المسودة...فوجدته أمامي والمسودة...
بكيت...بكيت بحرقة...
وقلت: هذا من فضل ربي عليَّ...
في زمن الكورونا...كانت أرغفة الخبز التي أخرجها من الفرن وكانت صنوف الطعام والحلوى ما تعلمت وأتعلم...
كان الخوف من العابرين وممن يسكن خلف الأبواب...والمارقين بلا وعي بالطرقات بين هرج ومرج..ما يخفيها فقط وجع الضبط من الشرطة والحجز وتلك الأموال التي تذهب بلا رجعة...ويقولون: بلاء الناس من الناس...الفسادون كثر كما هم الكثيرون من طلبة المدارس والتنافس على العريف السري.
في زمن الكورونا روينا ألف حكاية وحكاية ولم يكن بها ديك شهرزاد...كانت الفوانيس المعلقة تنير ليالينا وصباحاتنا...
في زمن الكورونا تتلمذنا على ثقافة التغيير...
لا يهم رأي من حولك...فقدت الكثير من الأمثال مهنتها بأن تكون حمارًا "إن انجنوا ربعك عقلك ما بينفعك"
القفازات...الكمامات...أدوات التعقيم...الديلفري..التخلص من الأكياس...التباعد الاجتماعي بمن هو خارج كوكبي الصغير كانت الصفة التي بنت جيًلا من ثقافة..
ثقافة الوعي من الداخل وليس الخوف من صفارة.
كانت أي فواتيركم بطلة زمن الكورونا...
تخلصنا من عقدة السقوط بالفخاخ...فجميعنا فكر...وفكر وصنع له كيانه المستقل ليحافظ عليه سعيًا ليتميز...
في زمن الكورونا تابعنا بشغف مسؤولي الأزمة أصابوا بداية وأخفقوا كثيرًا... لم يكن القانون قانونًا ليظلم بقدر ما كان ليقيم الحق...
ومع ذلك داست أحذية من رخام أجسادًا من ورق هش...وبقيت الكثير من أعقاب السجائر فوق المستنقعات التي كثرت في كل حي، وشارع...
كانت تصفية حسابات...
كانت مسؤولية سئل المسؤولون...فميز الصغار والكبار جمال اسم المفعول واسم الفاعل...
وعرف المترفون أن العامة هم قوة ومنهم من ينخر دعائمها...
كانت منصات ممن هب ودب...
وذاب المنورون في نقدهم وهزالة أفكارهم يحصدون الإعجابات...
لم تكن ذات فائدة أن تؤكد لهم أننا مجرد فأر بمصيدة يتسابق الكثيرون من أجل ضمان مصلحتهم بالاستمرار.
لم تكن هناك أهمية لتخبرهم أن ما نحن فيه قد خيط بإبرة وخيط من مصيص منذ زمن بعيد عندما كان النورانيون قد تملكوا زمام الأمر وكان العالم حلبة يقررون فيها ما يريدون...
في زمن الكورونا لا يهم أن تكون واعيًا لأن من حولك يفضلون البقاء في الظلمة رغم النور...ويعيشون في أقبية تحت الأرض رغم عفونتها يتصنعون أنهم يتنفسون هواء نظيفًا معلبًا بعلب رخيصة.
يقولون: لعبة.
ربما لم تكن في البداية ولكنها الآن...فكيف للرهان بأن تكون منطقة الشرق الأوسط بؤرة لفيروس كورونا بحالة أو اثنتين...وبحرص وقوانيين دفاع...
فليكن القطيع وليتنفذ المتنفذون ولتسير القافلة إلى حيث أضاعت بوصلتها...
نعم هي لعبة اليوم...
بأن نكون حمقى لننجز ما فشل أولئك فيه...بوعينا..
أليس الوعي حينًا من الدهر...جهلاً؟
ومن يدري...ربما نعم...وربما لا ...
وستبقى الكثير من الحكايا في زمن الكورونا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيليون يتظاهرون عند معبر الكرامة الحدودي مع الأردن لمنع


.. الألعاب الأولمبية 2024: منظمات غير حكومية تندد بـ -التطهير ا




.. العربية توثق إجبار النازحين في بيت حانون على النزوح مجددا بع


.. إيطاليا.. مشاريع لمساعدة المهاجرين القاصرين لإيجاد عمل وبناء




.. مصادر فلسطينية: عمليات اعتقال إسرائيلية جديدة شملت قلقيلية و