الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيدي الرئيس : خلل ثقافي في نظرية الأواني المستطرقة يهدد كل إنجازاتك!

محمد القصبي

2020 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


هل مصر دولة فاشلة ؟

هكذا صُنِفت من قبل تقرير أصدرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية ..عدد أغسطس 2013 ..حيث رصدت المجلة 60 دولة تضم ملياري نسمة ..تطفح بعوامل الفشل..اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ..واحتلت مصر المرتبة 31 .. بمجموع نقاط 90.4 بما يعنى أنها فى وضع حرج " Critical "!
أهذا حالنا الآن ؟
يقيناً لا ..
ثمة ملحمة بناء هائلة لم تستثنى منها بقعة في الجغرافية المصرية خلال السنوات الست الماضية..قفزت بمعدلات النمو الاقتصادي من 1,8% عام 2010/2011 إلى نحو 5,6% ..عام 2018/2019
وقد أدى هذا إلى انخفاض معدلات البطالة بشكل ملحوظ ..
كما شهدت قطاعات مثل الطرق والرعاية الصحية إنجازات غير مسبوقة منذ عقدي الخمسينيات والستينيات ..
حيث حظى مرفق الطرق باستثمارات تبلغ 100 مليار جنيه ..لتقفز مصر من المرتبة 118 للمرتبة 45 في مجال جودة الطرق طبقاً للمعايير الدولية ،
وارتفع انتاج مصر من الطاقة من حوالي 24ألف ميجا وات عام 2010 إلى حوالي 56 ألفاً عام 2019..لتتحول مصر خلال 6 سنوات من دولة تغرق بشكل شبه يومي في الظلام ..إلى دولة مصدرة للكهرباء..
وما كان لاستراتيجية البناء الشامل أن تتغافل عن أحد أسوأ أمراض الدولة المصرية خلال العقود الأربعة الماضية ..العشوائيات التي تمثل 40% من الحيز العمراني ..حيث يتبنى صندوق تطوير العشوائيات تنفيذ استراتيجية لتطوير ورفع كفاءة المرافق في المناطق العشواائية على مدار 10 سنوات تقدر تكلفتها بنحو 350 مليار جنيه.. وقد تم بالفعل تطوير 57 منطقة كنموذج لتطوير المناطق غير المخططة في كل من محافظات القاهرة والجيزة وإلمنيا والبحر الأحمر.
وكما نرى ثمة مبادرات رئاسية عديدة للنهوض بصحة الانسان المصري مثل مبادرة 100 مليون صحة التي نجحت في انتشال ملايين المصريين من براثن فيروس سي ومعالجة الأمراض غير السارية..وهي المبادرة التي أشادت بها منظمة الصحة العالمية حين قالت أن مصر تمتلك " أقوى برنامج قومي في العالم لعلاج الفيروسات الكبدية .
هناك أيضا العديد من المبادرات لإنهاء قوائم الانتظار للعمليات الحرجة..ودعم صحة المرأة.. و العناية بعيون المصريين .."مبادرة نور حياة التي يجري تنفيذها منذ مطلع العام الماضي للكشف على 5 ملايين طالب بالمرحلة الابتدائية على مستوى الجمهورية، إضافة إلى 2 مليون مواطن من الحالات الأولى بالرعاية وتوفير مليون نظارة طبية وإجراء 250 ألف عملية جراحية فى العيون ، بتكلفة تتجاوز المليار جنيه".
سيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ..بالفعل ..ملحمة بناء هائلة ..تجري في كل أنحاء جغرافية المصرية..لكن ما يجري لايتسق علميا مع نظرية الأواني المستطرقة ..فإن كانت كل الأحواض مفتوحة على بعضها البعض فينبغي أن تتساوى مستويات المياه بها ..لايستثنى من ذلك حوض واحد ..
لكن في مصر ..نجد للأسف حوض الثقافة يكاد يكون جافاً من الفكر المستنير والقيم الإيجابية !!
هذا يهدد سيدي كل ماتحقق وسيتحقق من إنجازات في كافة المجالات.... والحل ..سريعاً وحتميا ..يكمن في مشروع ثقافي طموح لإعادة هيكلة دماغ المصريين ..نعم سيدي الرئيس.. دماغنا في حاجة إلى إعادة هيكلة ..حيث يعاني من اختلالات هائلة تتجسد في سلوكياتنا الكارثية على مدار الساعة..
رجل ..سيدي.. يقيم في عشة بالقرب من المنطقة الصناعية في القاهرة الجديدة تزوج تسع مرات وأنجب 17 ..تحدثت معه عن خطيئته الكبرى..هو يرى أنه نهج ما يحث عليه الدين ..تحدثت مع إحدى زوجاته ..تثني على سلوكه ..وتقول هذا خير من أن يأتي بما يغضب الله!! هرعت إلى شيخين في المنطقة ..أحثهما أن يتناولا ذلك في خطبة الجمعة وأحاديثهما الدينية ..أحدهما لزم الصمت ولم يعلق والثاني كال المديح للرجل ..وقال أنه يعرفه ..ويعرف عنه ورعه ..كتبت مقالا عن هذا المزواج تحت عنوان " عدو مصر" .. إن نشرته ليس بمستبعد أن يرد أحدهم بمقال " عدو الإسلام "..بالطبع يقصدني!! ..
هذا الرجل" الورع التقي" يوجد مثله الملايين في مصر ..تقذف أرحام زوجاتهم في وجوهنا بطفل كل 17,9 ثانية ..وبم ا يزيد عن مليوني و300 ألف طفل كل عام في حاجة إلى مايقرب من 7 ملايين وجبة غذائية كل يوم ..غير ملايين المقاعد في المواصلات والمدارس..وبالطبع الوظائف..!!
وفي قاع مصر يستسلم الملايين لما يقوله مشايخ السوء عن الجهاد والغزو والسبي والغنائم..أعاصير الفكر الجاهلي التي هبت علينا من شرق البحر الأحمر والتي روج لها هؤلاء المشايخ إما عن جهل أو في ظل إغراء البترودولار.. ومع غياب ينابيع الفكر المستنير ..مع تحول وزارتي التعليم إلى وزارتي للتلقين ....مع تسطيح الخطاب الديني من قبل وعاظ وزارة الأوقاف ..فلاشيء لديهم سوى هل صليت على النبي اليوم 3 آلاف مرة !!
ومع حالة الانشطا ر الهائلة بين وزيرة الثقافة والمراكبي الذي لايبعد عن مكتبها بأكثر من 50 مترا..وعدم إدراكها أن هذا المراكبي هو المستهدف برسالة وزارتها التنويرية ..يتحول المراكبي هووأبناؤه العشرون الذين أنجبهم من عشر زيجات إلى مشاريع للإرهاب ..لينتشر التطرف والفكر الإرهابي ..خاصة مع زنزنة وزارة الشباب معظم أنشطتها في كرة القدم ..ولاشيء من التواصل الفكري مع ملايين الشباب في مدن ونجوع مصر!

وليس هذا حال وزيرة الثقافة فقط - سيدي- ..بل كل المؤسسات والهيئات التابعة لها .. حيث
لدينا مايقرب من 600 قصر ثقافة ونادي أدب ..لدينا المجلس الأعلى للثقافة ولجانه ال28 وقاعاته الفخمة ،لدينا الهيئة العامة للكتاب ..أكبر دار نشر للكتاب العربي عبر العالم..
ومئات المؤتمرات والندوات تنظم كل عام ..
ولأن أنشطة الوزارة مزنزنة في قاعات عازلة للصوت ..فمايجري بداخلها لايصل لا للمراكبي ولا للفلاحين في النجوع ولا عشرات الملايين من الشباب في المدن والقرى..كل من يتابعون بضعة عشرات في القاعة الفخمة ..معظمهم إعلاميون وموظفون في الوزارة!!
فإن كانت ثمة أصوات تتسرب من نوافذ تلك الجدران إلى الشارع فهي أصوات المتصارعين على المناصب والجوائز والمكافآت ، والمحبط جداً سيدي ..أن بعضاً من رموزنا الثقافية " الرفيعة " ليست بمنأى عن هذه الصراعات ،بل تقاتل بشراسة لتلتهم ما لها ومالغيرها!!
سيدي الرئيس ..خلال زيارتي لقريتي منذ عدة شهور التقيت بسائق توكوتوك ..أخبرني بما أذهلني ..بما أوجعني ..أمضى في السعودية عشر سنوات ادخر خلالها 250 ألف جنيه ..لكنه الآن لايملك سوى التوكتوك ..حيث أنفق على ابنته المريضة كل مدخراته .. ومم تعاني ابنته ؟ مشايخ الدجل أخبروه بأنها مسكونة ب" جني" ..وسلبوه مدخراته! وليست حالة فريدة ..فطبقا لدراسة لأحد الباحثين 63% من شعبنا الطيب ..من كافة شرائحه يهدرون سنويا عشرات المليارات من الجنيهات على مباخر الدجالين !
وكما نرى -سيدي- حالة شبه جماعية من الاستهتار بإجراءات الحكومة للحيلولة دون انتشارفيروس كورونا ..ثقافة اللامبالاة حتى بصحتنا تشيع بين كافة شرائح المجتمع ..بل إن نزع الكثيرين للقفازات من أيديهم وإلقائها أينما كان مما يعرض حياة الآلاف للخطر ليست فقط تجسيدا لغياب الوعي الصحي .. إنما أيضاً طفح لأحد أسوأ الاختلالات التي نعاني منها ..التآلف مع القبح .. وهكذا تحولت مدننا وقرانا إلى مقلب زبالة عالمي ..ولانرى في ذلك مشكلة ..حيث اعتدنا على القبح .. يتساوى في ذلك الجاهل والمتعلم والمثقف ..المعلم يدخن أمام تلاميذه ، ثم يلقي بعقب السيجارة أينما كان ..أكوام القمامة تنتشر حتى حول المساجد..ولايرى لا الشيخ ولا المصلون في ذلك مشكلة!
المثقف يعتلي المنصة ليٌنظِّر حول رولان بارت ..ويرمي بمناديله الورقية التي تطفح ببصاقه في القاعة!!
ولايخفى على أحد اهتمامك سيدي الرئيس بالمرأة.. والذي يتجسد في تسكينها بالعديد من المناصب العليا في الدولة ..وزيرة ومحافظة وغير ذلك من المواقع بالغة الأهمية .. وهو اهتمام ينبع من واقع عالمي..حيث لاتوجد دولة نهضت بدون فكر وجهد المرأة ..ومساواتها بالرجل ..
لكن على ما يبدو ثمة فجوة هائلة بين إيمانك هذا سيدي والسائد في شرايين المجتمع من ثقافة ذكورية تمنح الذكر حق نكاح زوجته وهي ميتة وتحرمها من ميراثها الشرعي وهي حية ..دراسات تكشف عن ظلم بيِّن تتعرض له ملايين النساء في هذا الشأن خاصة في الصعيد؟! وأين مشايخنا ؟ زنزنوا اهتمامهم بالمرأة في الحديث عن تلك الفاجرة المتبرجة التي تسمح لخصلة من شعرها من أن تنسل من تحت الحجاب ..ويتوعدونها بأن تعلق من شعرها في سعير جهنم!!
إن تلك الاختلالات الثقافية تهدد بقوة سيدي الرئيس كل الانجازات التي تحققت وسوف تتحقق مستقبلا ..لذا أرى أننا في أشد الحاجة لمشروع قومي لإعادة هيكلة دماغ المصريين على أسس من العقلانية والتفكير العلمي والدين الصحيح..
وبدون هذا المشروع تتعرض نظرية الأواني المستطرقة لخلل هائل .. حيث تسيل بلازما التنمية في كل شرايين الدولة المصرية إلا شرايين الثقافة ..
هذا المشروع سيدي أرى أن يسند تنفيذه إلى المجلس الأعلى للثقافة ..ليس بشكله الهزيل الحالي ..حيث لايجني ثماره سوى بضعة مئات من أعضاء اللجان.. ومن يحصلون على جوائزه ويشاركون في مؤتمراته التي تلقى توصياتها وأبحاثها في أدراج النسيان .. بل مجلس آخر..تترأسونه فخامتكم .. و تحت رئاسته تنضوي وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والإعلام والثقافة والرياضة والشباب والأوقاف ..يرسم لها سياساتها ..ويشارك في وضع خططها السنوية.. والتي تصب في استراتيجية تشكيل دماغ المصريين على أسس من الفكر المستنير والقيم الإيجابية .. مثل تقديس العمل والانتاج والنظافة والجمال والمحبة والسلام والتكافل والعدل والأمانة والتآخي بين أفراد المجتمع بغض النظر عن اختلافاتهم العقائدية وغير العقائدية.. على أن يكون لدى المجلس من الخبراء مايمكنه من المتابعة الدقيقة لتنفيذ كل وزارة لخططها ..على أن يرفع المجلس إلى فخامتكم تقاريره نصف السنوية ..ومن يخفق في تنفيذ دوره في تلك الاستراتيجية الطموحة لايُكتفَى بإقصائه بل وأيضاً.. محاكمته !
لو كان هذا -سيدي الرئيس- مصير كل مسئول فاشل ..لاختزل كثيراً طابور المتطلعين إلى المناصب..هؤلاء الذين يعانون من أنيميا في الانتماء والمرجعية المعرفية والرؤى ..ومع ذلك يُسَخِركل منهم سلندراته..كل سلندراته.. لاقتناص المنصب ..دبوساً ذهبياً يلمع في رابطة عنقه..وغالباً ما ينجح!
ذلك خلل آخر في منظومتنا الثقافية ..يهدد كل ما يتحقق من إنجازات.
سيدي الرئيس ..ميدان الثقافة في انتظارك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي