الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو رسم ملامح المدرسة المعمارية السورية

آزاد أحمد علي

2020 / 6 / 12
الادب والفن


إن ربط العمارة بالهوية الرئيسية بطريقة مباشرة وميكانيكية فيها الكثير من المبالغة، فلا شك أن الهوية الرئيسية لأي مجتمع، التي تتجسد راهنا بصيغة وطنية أو قومية، هي نتاج تضافر جملة من العوامل وتراكب مجموعة من العناصر الثقافية في ثقلها الرئيسي، وبالتالي لا يمكن استبعاد العمارة بشكل قسري عن هذه المكونات التي تشكل الهوية الرئيسية التي نحن بصددها أي الهوية (السورية)، وبناء على هذا الافتراض، فالعمارة ليست عاملا حاسما في تشكيل هوية أي شعب أو مجتمع. وحيث أن الهوية مازالت من الموضوعات الإشكالية، فمن الأفضل أن لا نعطيها بعدا جامدا أو نحملها ما لا تتحمل، فضلا عن أن لا نصيغها بشيء من القداسة .
ولخدمة المجتمع أولا، ولتجنب المزيد من الإشكال يستحسن أن نتحاور حول الثقافة المعمارية أو النمط المعماري، وعندما نكون طموحين للتأسيس لعمارة معاصرة، عمارة ناجحة وظيفيا وبيئيا وداعمة لأركان هويتنا الجامعة في الوقت نفسه، يكون التأسيس لمدرسة معمارية معاصرة هو الهدف الأكثر واقعية وقابلية للحياة. كنتيجة أولية: نقترح أن يتركز الحوار حول المدرسة المعمارية السورية، جذورها وآفاق تطويرها المستقبلي. ولكي يكون السجال والبحث عمليا، قابلا للتأسيس والتطبيق في المستقبل القريب.
بداية ينبغي أن تنصب الجهود على إعادة تجميع ورسم ملامح المدرسة المعمارية السورية. وكخطوة أولى يفضل التوقف عند حدود المصطلح: ما هي سمات هذه المدرسة؟ وما هي عناصرها ومكوناتها الرئيسية؟ وكيف يمكن أن نؤسسها، نطورها وننميها؟
الموضوع الرئيس الذي يظل مفتاحيا، هو طبيعة العلاقة بين العمارة التراثية والحديثة، ففي لب هذه العلاقة تكمن ثقل المشكلة المعمارية ونظريتها. فإشكالية العلاقة القيمية بين التراث المعماري والعمارة المعاصرة مازالت كبيرة ولم تفكك وتقيم هذه العلاقة بشكل موضوعي بعد، ومازال الموضوع بحاجة إلى حسن إدارة ومعالجة موضوعية تاريخية .فالعمارة بوصفها منتج بصري وفراغي تؤثر على مجموع المشاهدين والمتلقين بقوة، وتحرض أشكاله على توليد الكثير من ردود الفعل الناتجة من تصادم القيم والمعايير الجمالية. لذلك برزت تيارات تدعو الى الحداثة وتلقي النموذج الصنعي الأوربي للعمارة في مواجهة تيار آخر يعاكسه عن طريق التمسك بالتراث المعماري المحلي والتشبث بحرفيته، لدرجة أن اعتبرت العمارة الحديثة غزوا واستمرارا لتيارات فكرية ومدارس حداثوية غازية، وفي حالات أخرى تآمرا!
يبدو لي في هذا السياق أن الاتجاه الحداثوي يخطأ عندما يصر على نقل حصيلة تطور عدة قرون من الغرب مباشرةً الى مدننا واستنساخ العمارة الغربية دون الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في المناخ ونوعية مواد البناء وسوية التطور الاجتماعي – الاقتصادي في مجتمعاتنا، إضافة الى الوعي المديني والثقافي. لذلك فثمة اختلافات جوهرية بين المهتمين والمنظرين المعماريين في فهم المسألة الجمالية للعمارة المعاصرة ودرجة تصادمها القيمي مع التراث المعماري المحلي، أو استمداد مواصفاتها وجمالياتها من المعاير العالمية السائدة.
مهما يكن درجة الخلاف يجب أن ننحاز إلى الرأي المتمسك بالإبداع المحلي، ولا بد أن نتجه نحو مصطلح (الحداثة المنسجمة) مع واقعنا، هذه الحداثة التي لا يمكن إلا أن تكون جميلة, ولا يمكن لها إلا أن تكون منتمية في الوقت نفسه, بكل معايير الانتماء، لأنها ستكون ثمرة لتطور المجتمعات البشرية ولديالكتيك تجدد بعدها الحضاري لمواكبة متطلبات العصر والانتماء إلى الزمن الحقيقي، وعدم الانصياع للحنين الماضوي. فالحداثة العمرانية والمعمارية لابد لها أن تكون وليدة المكان وابنة الثقافة المحلية، وبالتالي ستكون متداخلة ومتفاعلة مع التراث المعماري المحلي ومنبثقة عن روحه.
إن آلية النقل المباشر والسريع لنماذج الأبنية الحديثة الموشورية البلورية وزرعها داخل نسيج مدن الشرق وعمارتها الهادئة الرصينة, تخلق انطباعات وأحاسيس تكون أقرب الى النفور والتصادم والدهشة واللاإنسجام، منها الى القبول والتفاعل والارتياح.
إن نقل حصيلة تطور عدة قرون وتكثيفه بعدة سنوات وغرسها في جسد مدننا التي عانت من قطيعة تاريخية وتجمد في أوصالها الحضرية – العمرانية, لها انعكاسات نفسية واجتماعية وخدمية غير ملائمة.
فما الحل؟ لا بد من العمل لتطوير عمراننا على أسس إبداعية. وينبغي لذلك أولا فصل موضوع المدن القديمة وحماية تراثها المعماري عن عملية الإنتاج المعماري المعاصر وبناء مدن جديدة ذات سمات وخصائص معاصرة، وبهوية منتمية إلى البيئتين الطبيعية والاجتماعية، هوية لا تستنسخ تجارب الآخرين ولا تعتمد على التراث بشكل كبير.
باختصار شديد: إن سمات المدرسة المعمارية السورية ينبغي أن ترتكز على دعامتي: الإبداع والانسجام، فعلاقة الهوية بالإبداع والتميز جدلية ووثيقة، وهذا ما يدفعني للتأكيد على مصطلح (الحداثة المنسجمة) التي تعني كل ما هو جديد ومتوافق مع البيئتين الطبيعية والاجتماعية. كما يجب أن تحل مشكلة التباعد بين العمارة التي انبثقت عن المناهج الأكاديمية (الحديثة) والعمارة التراثية التي انبثقت عن تراكم مجمل النشاط المهني والخبرات المحلية للحرفيين والبنائين غير المهندسين، فسد هذه الفجوة يبقى أيضا أحد دعائم التأسيس لشخصية العمارة السورية المعاصرة في الأفق المنظور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في