الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الحادية عشر)

عمرو إمام عمر

2020 / 6 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


القوى الإمبريالية العظمى و تكوينها تاريخياً


”إن المصـالح المشتركة لطبقة ما ، لا توجد فحسـب فى مخيلتها كشئ عام ، و إنما توجد أولا و قبل كل شئ فى الواقع ، متمثلة فى تساند الأفراد اللذين يقتسمون العمل الإجتماعى ، و فى تعاضدهم“
كارل ماركس



إشكاليات الثورات البورجوازية

عرضنا خلال الحلقات السابقة كيف تكونت الطبقة البورجوازية و نماذج للصراع بينها و بين الإقطاع ، و كيف قادت الطبقة البورجوازية الثورات ضد النظم الإقطاعية ، و أخذنا كمثال ”الثورة الفرنسية“ على ذلك ، لكن هل يمكن القول أن هناك نموذج نمطى للثورات البورجوازية ، و هل تعتبر الثورة الفرنسية نموذجاً لذلك كما هو شائع ، هناك ثلاثة أمثلة يستشهد بها علماء التاريخ السياسى كنماذج للثورات البورجوازية هما إنجلترا ، فرنسا ، و بروسيا ، إلا إننا سنجد تباينات واضحة فى تلك النماذج الثلاثة بين أنساق غير متطابقة خاصة من زاوية البنية الاجتماعية و ميدان الصراع الطبقى و السياسى ، فإذا أخذنا المثال الإنجليزى و هو يسبق الثورة الفرنسية بأكثر من قرن و قبل الثورة الصناعية فهى حدثت فى عام 1640 ، الدور الأساسى و القيادى فى تلك الثورة لعبته شريحة من الطبقة الأرستقراطية الإقطاعية من كبار ملاك الأراضى الآخذة فى التحول نحو البورجوازية نتيجة لتغير نمط الإنتاج الزراعى من أسلوب الإنتاج الصغير إلى الإنتاج الرأسمالى الكبير ، فالثورة الإنجليزية ابرز ما انتهت إليه فى العملية الاقتصادية هو فرض سيادة نمط الإنتاج الزراعى الرأسمالى ، لتسحق صغار الملاك من الفلاحين ؛ من هنا نرى إن البورجوازية التجارية لم تلعب إلا دورا ثانويا فى الثورة الانجليزية ، و شكلت بورجوازية الريع العقارى المنبثقة من طبقة النبلاء نواة البورجوازية الصناعية و المالية بعد ذلك ، من هنا رأى بعض المحللين إن الثورة الإنجليزية كانت سابقة لأونها ، و ما حدث فى أنجلترا تكرر تقريبا فى بروسيا البسماركية لكن بسمات مختلفة ، لتنتهى الثورة الانجليزية إلى تحول فى علاقات الملكية و الإنتاج من خلال ثلاثة أطراف
1- كبار الملاك العقاريين و هم على قمة الهرم يمثلون تقريبا 1% أو اقل من الشعب الانجليزى و يسيطرون على 95% من الاراضى الزراعية
2- المستأجرون و هم المزارعين اللذين أستطاعوا أستئجار مساحات من الأراضى الزراعية ، و بعض الفلاحين صغار الملاك من أصحاب الحيازات المفتتة
3- الفلاحون الذين يبيعون قوة عملهم سواء لكبار الملاك أو المستأجرين و هم الغالبية الساحقة

كان من نتيجة التقسيمات الجديدة أن أنتهى دور الفلاحين الإنجليز كقوة أجتماعية و سياسية ، و أصبحت السلطة محتكرة فى يد البورجوازية الناشئة من قلب الأرستوقراطية الإقطاعية ، و مع بسط سيطرة أسلوب الإنتاج الرأسمالى الذى واكب ظهور الآلة البخارية و الانقلاب الصناعى أدى تراكم الثروات فى يد البورجوازية الأرستقراطية إلى سيطرتها على علاقات الإنتاج الصناعى و التجارى ، لتضع البورجوازية الصغيرة التى كانت تتشكل حثيثا تحت ضغوط شديدة أدت إلى استسلمها فى النهاية و أصبحت تلعب دور التابع للبورجوازية الكبيرة و لم يظهر لها دورا فى الحياة السياسية و الاجتماعية الإنجليزية و لم تحاول حتى تشكيل حزبا سياسيا يعبر عنها …

تقع إشكالية الثورة الإنجليزية فى أنها لم تتقاطع مع أنماط ما قبلها على المستوى السياسى و الإجتماعى بل هى جاءت كتطور طبيعى للتحولات داخل طبقة النبلاء فالسلطة السياسية انتقلت من يد الملك إلى يد النبلاء المتحولون إلى البورجوازية ، حيث شكلوا حزبا ليكون ممثلا سياسيا لهم و هو ”حزب الأحرار“ الذى اقتصرت عضويته على الملاك العقاريين اللذين تحولوا بعد ذلك ليشكلوا نواة البورجوازية الصناعية و المالية الكبيرة ، و يتضح هذا أكثر على الصعيد القانونى فقد بقى النمط الإقطاعى هو الغالب على الدولة الرأسمالية و ذلك فى مجلس اللوردات و قضاة المقاطعات ، حتى على مستوى التشريع ، فقط بقى القانون الإنجليزى غير مكتوب يعتمد على الأعراف ، لذا بقى الطابع الإقطاعى هو الغالب على الدولة فى ظل سيطرة رأسمالية ، هذا النموذج أسفر فى النهاية إلى أختفاء الطبقة العاملة و الفلاحين و معهم البورجوازية الصغيرة و أصبحوا خارج المشهد السياسى ، و السلطة السياسية باتت فى يد طبقة الريع العقارى من النبلاء و أجبرت البورجوازية التجارية الصغيرة أن تعيش فى كنف تلك الطبقة و التى لم تتمكن من المشاركة النسبية فى السلطة إلا بعد إصدار قانون الإصلاح عام 1832 ، و ظلت مؤسسات الدولة و الجيش على ولائها الطبقى إلى النبلاء ، لذا نستطيع القول إن الثورة الإنجليزية لم تكن ثورة الطبقة البورجوازية على عكس ما أعتبرها ”فردريك إنجلز“ ، حتى إبان تجلى الانقلاب الصناعى و السيطرة الاستعمارية فى القرن الثامن عشر ، ظلت الطبقة الأرستقراطية هى المهيمنة سياسيا و اقتصاديا ...

امتازت الطبقة الأرستقراطية الإنجليزية خلال القرن الثامن عشر إنها كانت أكثر ثقافة من باقى نبلاء القارة الأوروبية ، فانتقلت من مثال الفارس النبيل الذى حاز على نبالته بالسيف و الحرب ، إلى مثال الأرستقراطى متذوق الفنون الذى يجمع المقتنيات الفنية و يرعى الأدباء و الفنانين ، يهوى الموسيقى و يطرب لها ، رحالة يجوب الأرض إذ أمكن للمعرفة مما أدى إلى تحولها إلى نخبة متفتحة فكريا نوعا ما ، فى نفس الوقت على جانب آخر كان هناك مثال نموذج التاجر كما تم وصفه فى مؤلفات سفارى و بومارشيه و غيرهم من الكتاب فلم يعد يوجد فى المجتمع أعضاء أكثر فائدة من التجار ، فكل إنجليزى يتاجر ، يحول قصدير بلاده إلى ذهب و من صوفه يغزل الياقوت ، هذا كان وصف الأدباء للحياة فى أنجلترا فى تلك الفترة ، و هو وصف بالتأكيد يمجد الطبقة البورجوازية و يعلى من شأنها فى مقابل الطبقات الأخرى و خاصة الأرستقراطية ...

أما على الصعيد الاقتصادى استطاعت الدولة الإنجليزية من تحقيق التراكم الأولى من خلال طبقة كبار الملاك و لصالحهم ، على عكس كل من فرنسا اليعقوبية و بروسيا فى عهد بسمارك حيث لعبت الدولة دورا هاما لتحقيق التراكم الرأسمالى ، ففى فرنسا لم تكن علائق الإنتاج الرأسمالى قد حسمت فلم تقطع الطريق أمام البورجوازيات الصغيرة بل على العكس ثبتت الثورة الفرنسية أركانها من خلال دعم الإنتاج الزراعى الصغير بالخصوص ، فقد وجدت البورجوازية فى الفلاحين دعما و سندا لها فى صراعها مع طبقة النبلاء من أجل مصادرة أملاكهم ، و من ثم كانت النتيجة الفعلية على الأرض هو إرساء دعائم الملكيات الزراعية الصغيرة و توسيع قاعدتها ، لذا لعب الفلاحين الفرنسيين دورا سياسيا كبيرا لفترة ليست بالقصيرة ، فالبورجوازية الفرنسية لم تكن قد نمت بها أنماط إنتاجية رأسمالية كبيرة ، و يظهر ذلك فى عدم ارتياح أرباب المصانع إلى المعاهدة التى أبرمتها الدولة مع أنجلترا فى 27 سبتمبر 1786 على أساس حرية التجارة بين البلدين ، فى الوقت الذى كانت فيه الصناعة الإنجليزية مجهزة بالآلات الحديثة مما زاد من قدرتها الإنتاجية فى مقابل الصناعة الفرنسية التى كانت لا تزال فى طور التكوين ، و شكا الصناع الفرنسيون من الخسائر الفادحة التى تكبدوها نتيجة للمنافسة الإنجليزية ، كذلك سنجد فى ”ثورة كومونة باريس“ – سنتطرق لها خلال سطور قادمة – أن البورجوازية الصغيرة أخذت جانب البروليتاريا و كان لها تأثير كبير عليها ، و على الرغم من ملائمة الحالة الفرنسية للتطور الرأسمالى بسبب بنيتها التى تأسست على قاعدة راسخة من الملكيات الزراعية و البورجوازيات الصغيرة و وجود مؤسسات لها ثقل فى الحياة السياسية إلا إن هذا التحول كان مشوشاً على العكس من أنجلترا أو ألمانيا فجاءت عمليات التطور التكنولوجى و تمركز رأس المال بطيئة الإيقاع مترددة إلى حد كبير ، و هنا استطيع أن ارجح السبب فى ذلك إلى دور صغار الفلاحين و البورجوازية الصغيرة و حتى المعدمين الذين مهدوا الطريق لسيطرة البورجوازية على السلطة السياسية ، كل هذا جعل البورجوازية الفرنسية مترددة فى التقدم نحو تنظيم بنية رأسمالية كالحالة الإنجليزية مثلا ، فهى ليست بالقوة الكافية لسحق ملايين الفلاحين و البروليتاريا و فى نفس الوقت كانت سلطتها السياسية ترتكز عليهم ، و يتأكد هذا فى عهد ”لوى بونابرت“ حيث تخلت البورجوازية عن سلطاتها لصالح جهاز الدولة البيروقراطى الذى أستند على تأييد صغار الفلاحين و البورجوازية الصغيرة ، كذلك لا نستطيع أن نغفل نزعة الصان كيلوت Sans-Culottisme كظاهرة أجتماعية لها مضمونها الأيديولوجى الذى تتطلع إليه تساندها قوتها الأيديولوجية المؤثرة على الأرض ، و هو مجتمع صغار المنتجين المستقلين ، حيث يملك الفلاح حقله ، و الحرفى أدوات إنتاجه و دكانه ، مجتمع يستطيع أن يوفر كل فرد فيه لقمة العيش له و لأسرته بدون أن يكون مأجوراً أو يتعرض لاستغلال أصحاب الثروات الكبيرة ، ترتبط تلك الأيديولوجية بيوتوبيا قديمة كان يحلم بها عمال الصناعات اليدوية و التى تتمثل فى مجتمع يسود فيه الانسجام بين مختلف الطوائف و الروابط الحرفية من هنا جاء تحالف اليعقوبيين معهم ، فأيديولوجية اليعاقبة كان لها مضمون أجتماعى واضح ارتبط بشكل وثيق بتطلعات صغار الفلاحين و البورجوازية الصغيرة فهى باختصار تمثل أيديولوجية الملكيات الصغيرة التى لا تقترب بأى شكل من مبادئ الديمقراطية للاشتراكية العلمية ، و هنا أتعارض مع ما طرحه كل من ماكس أدلر(1) Max Adler و جلفانو ديللا فولب(2) Galvono Della Volpe و حتى جرامشى حيث أعتبر هؤلاء و معهم آخرين أن جان جاك روسو اليعقوبى رسولاً للديمقراطية الاشتراكية ، و أعطوا للأيديولوجية اليعقوبية أساس بروليتارى و هذا ما عبر عنه بشكل واضح ماكس أدلر فى مفهومه للمجالس العمالية ، كذلك لا يمكن إغفال أن نمط الإنتاج الرأسمالى لم يكن قد حسم فى فرنسا على صعيد علائق الإنتاج أى إنها لم تحل معضلة مرحلة الانتقال إلى الرأسمالية فهى لم تسحق الملكيات الزراعية الصغيرة كما حدث فى انجلترا و لم تقطع الطريق على نمط الإنتاج الصغير لذا كان عليها أن تتكئ على الفلاحين و صغار الحرفيين و البروليتاريا لتفرض سيطرتها السياسية و تقصى طبقة النبلاء عن الحياة السياسية ، حتى عملية التراكم تشكلت من خلال صراعها السياسى الداخلى بمصادرة الملكيات العقارية الكبيرة ثم بمساعدة مؤسسات الدولة – الجيش - فى المرحلة البونابرتية ، و من خلال نهب المستعمرات فى جنوب شرق آسيا ، و شمال أفريقيا و أمريكا الشمالية …

لذا جاءت أهمية ثقل مؤسسات الدولة فى فرنسا – الجهاز البيروقراطى و الجيش - و دورهما فى الحياة السياسية كذلك انتماءه الطبقى – حتى تلك اللحظة - و لا أعتقد أن هناك مبالغة إذا اعتبرناه أحد عسرات التحول إلى بناء الدولة الرأسمالية النموذجية فى مراحل تحولها الأولى كانجلترا ، ، كذلك الأيديولوجية البورجوازية اليعقوبية بكافة تناقضاتها فهى ارتكزت على أفكار الحرية و الإخاء و المساواة و إن الدولة تقوم على رعاية المصلحة العامة للشعب إلا إن هذا الجانب ليس إلا انعكاس لظروف البنية الضعيفة للبورجوازية الفرنسية بالمقارنة ببنية البورجوازية الانجليزية أو البروسية الصاعدة من قلب الطبقة الأرستقراطية ، لذا فالثورة الفرنسية لم تتطابق مع ذاتها فهى بدت متقدمة و متراجعة فى آن للانتقال للرأسمالية ، لم تنجح فى القضاء على نمط الإنتاج الصغير ، و أعطت الفرصة لنمو البروليتاريا فى كنف الإنتاج الصغير فأرتبط بها ، و فى نفس الوقت جاءت علاقتها مع صغار الملاك الزراعيين متأرجحة بين التناقض العدائى و التأييد و التحالف فى أوقات ، و بالرغم من انتصارها الساحق على الطبقة الإقطاعية إلا إنه أنتصار ناقص فظلت تلهث أمام الفلاحين و صغار الملاك الزراعيين ، و تتراجع فى ظل تنامى البروليتاريا ، و اضطرت إلى الاعتماد على تأييد غامض و مضطرب من صغار المنتجين ، لذا فاليعقوبية لم تكن نموذج للتحول الرأسمالى فالأيديولوجية السياسية اليعقوبية مليئة بالتشوهات و عدم النقاء ، فهى لم تمثل الطبقة البورجوازية بعينها فهى حملت عناصر لطبقات أخرى تتناقض مصالحها مع البورجوازية ، و يظهر ذلك فى تناقض أيديولوجية روسو الاجتماعية(3) ، و أيديولوجية مونتسكيو و كونستان السياسية(4) ، هذا الغموض منح الفرصة لشخصية مثل بونابرت أن يعتلى السلطة تحت تأييد الفلاحين و صغار المنتجين ، كذلك البروليتاريا النامية حديثا كانت متأثرة بشكل كبير بالطوباوية على شاكلة لويس بلان ، كذلك أفكار روبسبير (5) و أتباعه الذى حاولوا الانتصار على التناقض الأساسى بين متطلبات المساواة فى الحقوق المعلنة مبدئياً و بين الحرية الأقتصادية لكى يحققوا المساواة فى إطار جمهورية ديمقراطية أجتماعية ؛ يمكننا القول إنها محاولة فى غاية الفخامة إلا إنها فى نفس الوقت مأساوية فى عجزها فهى تسمح باستمرار التناقض الذى يمكن أن يقوم بين فئة أجتماعية و بين الحالة الموضوعية للضرورات التاريخية ، فكيف نستطيع التأكيد على الاستمرار فى حق الملكية و بالتالى الاعتراف بمتطلبات المنافع الخاصة و حرية متابعة الكسب ، و نريد فى نفس الوقت إلغاء نتائج تلك الحقوق لكى نقيم مجتمع المساواة ؟ ، كل هذا أدى إلى وقوعها فى فخ مثالى غير علمى و تسببت فى كثير من الفوضى مما سهل على البورجوازية السيطرة عليها و استغلالها فى أحيان كثيرة ، كذلك كان عدم الوضوح أو التقنين لمبادئ الثورة الثلاثة ”الحرية ، الإخاء ، المساواة“ ، أغرقت فرنسا فى بحر من الدماء ، فضلاً عن الخلط الساذج ما بين الفضيلة و القانون ، و الأخلاق و السياسة متجاهلين سمات كل منهما ، فالأخلاق مطلقة و ثابتة و باطنية ، فى حين إن السياسة نسبية و متغيرة و خارجية ، و إن كان هذا لا ينفى ما بينهما من أتصال ، فساد قانون الاشتباه و باتت المقصلة الأداة السهلة و السريعة فى أيدى الثوار ...

بالرغم من الخسائر التى منيت بها الطبقة الأرستقراطية الفرنسية سواء من الناحية السياسية أو المالية ، و فقدهم الامتيازات الإقطاعية ، إلا إنها استطاعت أن تستعيد توازنها من خلال بيع بعض من أملاكها العقارية التى بقيت تحت ايديهم ، كذلك استطاع الكثير منهم خلال الفترة النابليونية الإندماج مع الطبقة الامبراطورية الجديدة و اشترى بعضهم أملاكا كنسية كان قد تم مصادرتها لصالح الدولة ، و فى فترة عودة الملكية صوت البرلمان لصالح ما سمى بـ ”قانون المهاجرين“ الذى عوض بعضا من خسائر تلك العائلات ، لذا ظل أصحاب الريع العقارى يتصدرون الوضع الإجتماعى ، هذا الأمر أثار حفيظة الفيلسوف الاشتراكى ”سان سيمون“(6) ، و بالرغم من الثورة و أفكارها إلا إن النفوذ الأرستقراطى لم ينتهى بل استمر بشكل أو بآخر خاصة فى رين ، تولوز ، و بوردو و بعض المناطق المتاخمة لباريس ، بالرغم من ذلك لم تستطع الأرستقراطية الفرنسية المشاركة بفاعلية فى الانقلاب الصناعى و فوائده ، و أن ظهرت مساهمات لبعض العائلات فى الشركات الصناعية لكنها كانت غير منتظمة أو ذات تأثير كبير على العكس من الأرستقراطية الإنجليزية ...

قبل التطرق للمثال البروسى – الألمانى - كأحد الثورات التى أخترناها كمثال ، يجب إلقاء الضوء بشكل سريع على ما حدث فى أوروبا على اثر الحروب النابولويونية ؛ بعد هزيمة بونابرت و سقوط أمبراطوريته و نفيه إلى جزيرة سنت هيلانة اجتمعت الدول الأوروبية فى فيينا لمعالجة المشكلات التى نجمت عن سلسلة الحروب المتتالية التى شهدتها أوروبا و آثارها السياسية كذلك إعادة بناء الخريطة الأوروبية ، هذا المؤتمر كان نتيجة لمعاهدة صلح باريس الأولى التى عقدت فى 30 مايو 1814 كان الغاية الحقيقة من هذا المؤتمر هو إعادة النظم الملكية القديمة التى انهارت على اثر الاجتياح الفرنسى البونابرتى و الأفكار التى طرحتها الثورة الفرنسية و نشرتها سواء من خلال الحروب أو بانتفال تأثيرها الثقافى و الفكرى عبر الحدود مما أدى إلى نمو شعور قومى لدى تلك الشعوب ؛ أعضاء هذا المؤتمر هم بريطانيا ، روسيا ، النمسا ، بروسيا ، السويد ، إسبانيا ، و البرتغال ؛ لمع خلال المؤتمر شخصية أصبح لها تأثير كبير على الحياة السياسية الأوروبية هو وزير خارجية النمسا مترنيخ Metternich ، خلال تلك الفترة كانت القارة الأوروبية تقف فوق سطح صفيح ساخن ، فقد بدأت تنمو بشدة الحركات القومية بين الشعوب ، و أفكار الحرية السياسية و المجتمعية و حقوق الإنسان باتت هى القوة المحركة ضد الحكم الملكى و طبقة النبلاء و قيود القنانه ؛ كانت معاهدة الصلح الأولى و التى عقت فى باريس قد وقعها لويس الثامن عشر بعد أن تنازل نابليون بونابرت عن عرشه بلا قيد أو شرط على أثر هزيمته ليأتى المؤتمر كمقدمة لمؤتمر فيينا ، فى تلك المعاهدة أعيدت فرنسا إلى حدودها إلى ما قبل 1792 ، مع استرداد بعض المستعمرات ، أما باقى الأراضى فقد قرر المؤتمر أن يعود مُلك هولندا إلى أسرة أورانج على أن تضم إليها بلجيكا ، و أن تستقل الولايات الألمانية و ترتبط باتحاد عام بينها ، و تستقل سويسرا فى ظل حكومة اتحادية ، و تسترد الولايات الإيطالية استقلالها القديم ما عدا ما كان تحت أُمرة النمسا ، و أجلت قضايا أخرى لمؤتمر فينا …

يعتبر مؤتمر فيينا من أكثر المؤتمرات أهمية فى التاريخ الأوروبى بعد ”مؤتمر وستفاليا“(7) الذى يعتبر حجر الأساس فى البناء السياسى للعلاقات الأوروبية ، فإذا كان الأخير قد أعاد تنظيم أوروبا بعد حروب الثلاثين عاما ، فمؤتمر فيينا أعاد تشكيل و بناء الخريطة الأوروبية على أثر الحروب النابليونية ، كان جدول أعمال المؤتمر يضم بندين هامين هما استكمال لمعاهدة باريس الأولى لتوزيع البلاد التى لم يبت فى أمرها و هى أراضى الراين الألمانية و بعض الولايات الإيطالية ، و الثانى إعادة تنظيم الولايات التى أنشأها نابليون و هى ولايات اتحاد الراين و دوقية فرسوفيا ، كانت الأطماع هى المحرك الأول فى هذا المؤتمر ، فروسيا كانت تريد ضم دوقية وارسوا إليها التى كانت تحت أُمرة بروسيا قبل الحرب ، و بروسيا كانت تريد تعويض أملاكها فى بولندا بالاستيلاء على مقاطعة سكسونيا عقابا لملكها على مساندته لنابليون ، إلا إن أنجلترا و النمسا رفضتا تلك الرغبات ، فإنجلترا كانت تخشى امتداد النفوذ الروسى داخل أوروبا مما يخل بمصالحها ، و النمسا رأت فى مطامع بروسيا إخلال بالتوازن فى الأراضى الألمانية ، انتهى هذا الخلاف بعد أحداث عديدة منها محاولة نابليون العودة لملك فرنسا مرة أخرى مما أجبر الدول المجتمعة على التعجيل بالوصول إلى حل ، فأقروا أن تتحد الاراضى الألمانية بأكملها بدلا من اتحاد الراين الذى أنشأه نابليون ، و أن تتم تسوية الأراضى الإيطالية خاصة نابولى التى لم تتضمنها معاهدة باريس الأولى بخلع حاكمها ”ميرا“ الذى عينه نابليون و إعادة المملكة لتكن تحت أُمرة أسرة البوربون ، ليكون الناتج النهائى للمؤتمر كالتالى : -
1) أعيدت فرنسا إلى ما كانت حدودها قبل الثورة إذا استثنينا أفنيون التى ضمت إليها و بعض الاراضى التى اجتزئت منها فى الشمال و الشمال الشرقى
2) حصلت إنجلترا على مالطة و جزر الأيونيان فى البحر المتوسط ، ترينداد و توباجو فى أمريكا ، و جنوب أفريقيا ، و سيلان فى آسيا ، و جزيرة فى المحيط الهادى كانت فرنسا قد احتلتها
3) حصلت بروسيا على إقليم بوزن و دانتريج البولنديين ، و على ثلثى أراضى سكسونيا ، و وستفاليا على شاطئ الراين الأيمن ، و أراضى تريف على الشاطئ الأيسر التى انتزعت من فرنسا ، بهذا أصبح واجب الدفاع عن الأراضى الألمانية من الغرب مناطاً ببروسيا ، خاصة و إن النمسا انسحبت من بلجيكا
4) حصلت النمسا على مقاطعة سالزبورج فى ألمانيا ، و على لمبارديا و البندقية فى إيطاليا ، بالإضافة إلى دلماشيا و راجوس ، و تخلت عن بلجيكا و بعض أملاكها لصالح بافاريا
5) حصلت روسيا على فنلندا ، كما حصلت على إقليم بسارابيا التابع للامبراطورية العثمانية ، و دوقية وارسوا البولندية ، و ثلثى مملكة سكسونيا
6) أحيطت فرنسا بسلسلة من دويلات صغيرة ليكون حائل لها و يعزلها عن وسط و شرق أوروبا ، و تكونت تلك السلسلة من مملكة الاراضى الواطئة المكونة من بلجيكا و هولندا ، و الاتحاد السويسرى الذى يتكون من 12 ولاية تعهدت الدول الموقعة على حيادها ، و مملكة سردينيا التى اشتملت على سافوى ، نيس ، بيدمنت ، و جنوا
7) احتفظت ألمانيا بأكبر الممالك التى أنشأها نابليون و هى مملكة بافاريا و أضيف لها لاندوسبير ، و مملكة ورتمبرج ، و ثلث مملكة سكسونيا ، و مملكة هانوفر التى كانت تتبع أنجلترا ، و بهذا تقلص عدد الولايات الألمانية إلى 38 بعد أن كانوا من قبل ما يقرب من أربعمائة و تقرر إنشاء اتحاد فيما بينها إلا أنه كان أتحاد أسميا لا قيمة حقيقية له
8) تقرر أن يسترد البابا أملاك الكنيسة فى إيطاليا ، و تسترد أسرة البوربون أملاكها فى إيطاليا ، و أن ترد باقى الولايات الإيطالية إلى أمراءها ماعدا ما خصص منها للنمسا
9) أعيدت كل من أسبانيا و البرتغال إلى ملوكهم القدماء ، بينما انتزعت مملكة النرويج من الدنمارك و ضمت إلى السويد

يجب الإشارة هنا إلى أن قرارات هذا المؤتمر أحدثت ردود فعل سلبية بين الألمان اللذين استاؤوا ، فبعد خوض غمار الحرب لتحرير ألمانيا ، شعر الوطنيين الألمان بخيبة الأمل فهم وجدوا إن فرنسا قد خرجت من المؤتمر بشروط أفضل بكثير من المفترض أن يكون ، كما نددوا بأنانية الدول العظمى خاصة روسيا و بريطانيا ، فالمؤتمر تجاهل رأى الشعوب و مبدأ القوميات فى مقابل الأخذ بقاعدة التعويض للأسر الملكية القديمة ...

البورجوازية و الثورة الألمانية

يمكننا القول بمنتهى البساطة لم تحدث ثورة بورجوازية فى ألمانيا ، فالحالة الألمانية غاية فى التعقيد بل تعتبر حالة فريدة من نوعها ، فالبنية الاجتماعية كانت تتشكل من ثلاث طبقات شديدة التمايز : -
1- كتلة الشعب المكون فى غالبه من الفلاحين و هى كتلة خامدة راكدة لم تشارك بأى شكل فى العملية السياسية مرهقة من ذل العبودية
2- الطبقة البورجوازية التى استطاعت أن تثرى بشكل كبير من خلال نشاطها الاقتصادى و التجارى و استفادت من الاتفاق الجمركى بين الدويلات الألمانية لتحقيق التراكم الأولى
3- أخيرا … طبقة النبلاء الإقطاعيين ملاك الأراضى
كان بين تلك الطبقات الثلاثة هناك طبقة متداخلة ما بين البورجوازية و الأرستقراطية ، و التى أطلق عليها تاريخياً طبقة ”الأشراف الملقبين“ ، و هى تتألف من أساتذة الجامعات ، و كبار موظفى الدولة و القضاة ، مرتبطين بالحكومة و السلطة السياسية اشد ارتباط ، أصولهم بورجوازية و يطمحون للوثب ليكونوا من الطبقة الأرستقراطية ، كذلك لم تكن الحركة القومية قبل الاجتياح الفرنسى البونابرتى لألمانيا لها بريق واضح فى الحركة الفكرية الألمانية فكان كثيرا من المثقفين و الكتاب يتبرؤوا منها فمثلا قال المفكر ليسينج(8) Lessing ”إن حب الوطن ليس سوى ضعف بطولى ، يسرنى أننى لم أصب به“ كما قال الشاعر شيللر(10) Schiller ”واجب الفيلسوف الشاعر ألا ينتمى إلى أى شعب“ ، و قد فسر الشاعر و المفكر الألمانى جوته(11) Goethe ذلك بقوله ”إن العداوات القومية تشتد بين الطبقات الدنيا ، و تختفى عند المستويات الأعلى من الثقافة“ ، فالحركة الفكرية فى ألمانيا خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر تجاهلت كافة صور المشاعر القومية و تجلت فيها ما عرف باسم ”المواطن العالمى“ ، كانت لتلك الأفكار تأثير بالغ على المفكرين الألمان ، إلا إن الدور الكبير الذى لعبته الثورة الفرنسية و نابليون كانوا من الأسباب الرئيسية فى نمو القومية الألمانية و الشعور بضرورة الوحدة ، كما كان هناك حلم يراود الكثيرين خاصة العامة من الناس بعودة الإمبراطورية الألمانية كما كانت فى القرن العاشر ، حتى الاتحاد الكونفيدرالى الذى نتج عن المؤتمر كان أسمياً فقط لم يحقق سوى نوع من الموازنة السياسية الدولية …

إن البحث فى الطبيعة البروسية مربك للغاية فهناك عدة عوامل مؤثرة فى طبيعة التكوين الاجتماعى و الفكرى ، فالبروسى له طابع خاص مختلف عن ألأنجلوسكسونى أو الفرانكفونى فهم أكثر خشونة و قسوة و حيوية فى آن ، مما يجعلنا نتسائل ما هى العوامل التى شكلت هذا الطابع ، هل بسبب جريان الدم السلافى فى عروقهم أم بسبب المناخ القاسى الذى يميز شمال ألمانيا ، أم نرجعها للتقاليد العسكرية الصارمة التى فرضتها الطبيعة على دولة لا تحميها حدود جغرافيا طبيعية واضحة ، أم تلك العوامل جميعها شكلت هذا التميز ،سؤال من الصعب الإجابة عليه ، لكن كان أكثر ما يميز البروسيين عن سائر الألمان هو إدراكهم لواجبهم نحو الدولة ، فهذا الشعب لم يفكر قط فى أمور السياسة ، أعتاد على طاعة عمياء لحكامه ، و يتجلى هذا على المستوى الفكرى عند إيمانويل كانط(11) Emmanuel Kant الذى وضع نظرية الواجب لمصلحة الواجب ، أى على ضرورة سيادة حكم القانون و إطاعة السلطة طاعة عمياء ؛ أهتم ”كانط“ بحل معضلة الحرية و السلطة فعول على فكرة ”الفضاء العمومى“ الذى يقوم بمهمة رقابة الدولة عن طريق النقد العلنى أو كما سماه الاستعمال العمومى للعقل ، كما عول ”كانط“ على دور الفيلسوف فى نشر ثقافة الحق و المواطنة معتقداً أن للفيلسوف قدرة كبيرة فى نشر المفاهيم الصحيحة بين الجماهير ، و لكنه فى نفس الوقت تجاهل دور القيادات الشعبية الثورية البسيطة و التى قد لا ترتقى لنفس قدرة الفيلسوف على تحليل الوقائع و يتمثل هذا فى حركة الصان كيلوت و الفلاحين فى فرنسا التى كانت فى أوقات كثيرة عشوائية و متناقضة إلا أنها فى الوقت ذاته قادت حركة الثورة فى أوقات عدة و دفعتها إلى تأييد حكم ديكتاتورى بونابرتى ، من هنا نرى كيف تجاهل ”كانط“ الوعى الجمعى للشعوب الثائرة فهو صور الثورة على أنها رغبة شعبية خرجت على أثرها الجموع تكسر حالة القصور و الخمول إلى حالة الرشد و المطالبة بالحرية أى أنها تجرأت ليس فقط لاستعمال عقلها بل و تشكلت أنفعالاتها و رغباتها و كل قواها الحيوية من أجل المضى نحو الحرية و العيش الكريم ، لكن تلك الحماسة الثورية إذا لم تكن تحتويها رؤية عقلية أى ”وعى جمعى“ لدى الشعوب لن تؤدى إلى شئ ، فى الغالب ستهزم تلك الثورة أو ستنحرف عن أهدافها الحقيقية و هذا ما حدث فى الثورة الفرنسية ، و حديثا شاهدنا ما آلت إليه الثورات العربية فهى لم تعرف ماذا تريد … هل تريد الديمقراطية على الطريقة الغربية البورجوازية حيث الرأس المال و سيطرته على الحكم ؟ ! ، أم تريد إعادة إحياء حلم دولة الخلافة من مقبرته ، أم هى تريد ثورة بمعناها التحررى التقدمى و التنموى قائمة على العدالة الاجتماعية و مشاركة حقيقية لتلك الشعوب المقهورة الثائرة فى القرار السياسى ؟ ...

كان ”كانط“ معجبا أشد الإعجاب بالثورة الفرنسية إلا أنه فى نفس الوقت كان يرتجف خوفا من عنف الثورة ، يؤمن تماما بالنظام الجمهورى بشكله الليبرالى إلا أنه وقع فى براثن المثالية الساذجة و يتضح هذا فى بحثه عن ”السلام العالمى“ الذى لا يعدوا أكثر من مجموعة من المواعظ الطوباوية المألوفة ، فقد رأى ”كانط“ أن العقل هو القطب و البوتقة لكل شئ ، و هو الذى يحدد ذاته بذاته ، حتى فى النواحى الظاهراتية يملى على الطبيعة أكثر مما تملى الطبيعة عليه ، و أن الغرض النهائى من الخلق هو تحقيق الإنسان الكامل بوصفه كائنا أخلاقيا و هو هنا يقترب بشدة من ”هيجل“(12) بل قد يكون تخطاه ، فكانت مثاليته مبتذلة لا تعكس الواقع و علائقه المادية ، لكننا لا نستطيع إنكار إسهامه فى تشكيل الفكر السياسى الليبرالى فى مراحل تكونه الأولى و تأثيره عليه حتى وقت قريب …

الوحدة الألمانية (1848 – 1850 ) المحاولة الأولى

كان هناك طموحاً للوحدة الألمانية عند بعض المثقفين و الطبقة البورجوازية بالإضافة إلى شباب الجامعات ، بدأت الشرارة بعقد مجموعة من الاتحاديين الطامحين فى الوحدة القومية مؤتمرا فى 10 أكتوبر 1748، و وضعوا برنامجا أساسه المطالبة بالوحدة و عدد من المطالب الدستورية ، إلا إن تلك النزعة القومية شابها الكثير من الفكر الرجعى نظرا لتعقيدات الحياة الاجتماعية و قوة طبقة النبلاء ، كذلك الحكومات المحلية و أمراء الولايات الذين كانوا متشبثين باستقلالهم حتى لا يفقدوا نفوذهم ، حتى على مستوى العامة و برغم عدم أهتمامهم بالصراع السياسى لكن كان هناك شعور داخلهم بالوطنية المحلية فالبروسى ظل على ولائه لبروسيا ، و أهل بفاريا بقوا على وطنيتهم البافارية ، فلم تكن هناك أرضية كبيرة للوطنية الألمانية إلا لدى الطبقة البورجوازية نظرا لمصالحها ، مما شكل لا مركزية ذهنية على العكس ما كان فى فرنسا ، و لا ننسى دور الطبقة الأرستقراطية التى كان لديها تحفظات على المطالب الدستورية و بالتالى كانت رؤيتهم للقومية الألمانية أنها ضد مصالحهم …

شكلت معاير النبالة البروسية منظومة غاية فى الصرامة لم يكن لها شبيه فى أى دولة أوروبية أخرى ، فبحكم القانون كان ممنوعا على النبيل ممارسة التجارة أو الصناعة ، أو حتى الزواج من خارج الطبقة ، كذلك لم تكن وظائف الدولة العليا تمكن صاحبها من الحصول على النبالة ، حتى فى فترة حكم فريدريك الثانى عندما منح عدد من كبار الموظفين بعض الرتب النبيلة ، كانت تلك الألقاب موضع أحتقار من قدامى النبلاء ، بل اعتبروهم دخلاء و لم يحدث أى تقارب معهم ، على الجانب الآخر كانت الطبقة البورجوازية من داخلها تعانى من تفاوت كبير بين أعضاءها فهى تبدأ من اسفل بالحرفيين و تنتهى فى الأعلى مع كبار التجار الفارق بينهم شاسع ، كذلك عانت البورجوازية من العزلة عن الفلاحين فبحكم القانون كان ممنوع على الحرفيين الإقامة فى الريف ، حتى العمال كانوا يسكنون المدن مرتبطين اشد الارتباط بالطبقة البورجوازية ؛ بقيت طبقة ”الأشراف الملقبين“ و هى طبقة متعلمة ميسورة الحال تعود جذورها للطبقة البورجوازية التى كانت توجه أبنائها للعمل فى الوظائف المدنية ، خاصة فى القضاء ، بالإضافة إلى بعض المهن الحرة كالمحامين و الأطباء ، كذلك أساتذة الجامعات ، و على صعيد الكنيسة كان الإكليروس البروتستانتى كله من البورجوازية ، يبقى وضع الفلاحين الذين انقسموا إلى قسمين من هم فى غرب المملكة كان يتمتع بقدر ما من الحرية ، بينما من هم فى شرق مناطق الألب كانوا تحت رحمة القنانه فلم يكن بمقدورهم مغادرة منطقة نفوذ سيدهم أو الزواج أو حتى تعلم حرفة أو القراءة و الكتابة إلا بإذن من سيده ...

خلال فترة الحكم البونابرتى لبروسيا و النمسا و الأراضى الألمانية حدثت انعطافه كبيرة فى المجتمع الألمانى لتنمو الروح القومية و يمكن تحديد الجوانب المؤثرة فيما يلى : -
1) تبلورت الروح القومية على اثر الاجتياح البونابرتى للأراضى الألمانية و إساءة الفرنسيين معاملة الألمان فأخذت المشاعر القومية تتصاعد مصاحبة لكراهية لفرنسا و ثورتها و مبادئها
2) عمليات الدمج الكبيرة للدويلات الألمانية التى تمت فى فترة الحكم الفرنسى للأراضى الألمانية خدمت مفهوم القومية الألمانية
3) تخلى المفكرين الألمان أمثال جوته Goethe و شيللر Shiller عن فكرة المواطن العالمى و اصبحوا ينادوا بأن لكل شعب عبقريته الخاصة فى فهم الحرية و المساواة ، و الشعب الألمانى بحكم ثقافته و خصوصيته له أن يشكل آراءه الخاصة فى الحرية المساواة
4) إنشاء الاتحاد الاقتصادى من دول الكونفيدرالية الألمانية بزعامة بروسيا كان خطوة مهمة فى طريق الوحدة السياسية و نمت عن طريقها الحركة القومية الألمانية

بعد ”مؤتمر فيينا“ كانت الأراضى الألمانية فى تلك الفترة تعج بالمطالب الدستورية و القومية ، حيث المطالبة بإلغاء القوانين الاستثنائية و مشاركة الشعب فى الحكم ، و إصلاح الاتحاد الكونفدرالى الألمانى لتحقيق الوحدة الألمانية الكاملة ، أضطر فردريك وليم الرابع الاستجابة لحركة الجماهير ، و اقترح على مترنيخ مشروعا لإصلاح الاتحاد الكونفيدرالى ، أهمها إلغاء ضرورة الإجماع لاتخاذ القرارات فى ”مجلس الدايت“ و أن تكون القرارات بالأغلبية ، و إنشاء محكمة اتحادية ، و توحيد التشريع الاقتصادى ، و إصلاح الجيش الاتحادى ، إلا إن الجماهير الألمانية المتأثرة بثورة الشعب الفرنسى 24 فبراير 1848 و الراغبة فى الوحدة أشعلت الأرض و طالبت بتشكيل برلمان ألمانى يضم كافة الاراضى الألمانية ، و انعقد مجلس تحضيرى من 60 عضوا فى فرانكفورت و سُن قانوناً لانتخاب أول مجلس نواب على مستوى قومى ، و فى 18 مايو 1848 أنعقد أول برلمان يمثل الاراضى الألمانية فى فرانكفورت ، كانت تلك هى المرة الأولى التى يتخطى فيها الشعب الألمانى إرادة ملوكه ، و قد وصف المجلس نفسه بأنه هيئة إرادة الأمة الألمانية لتأسيس وحدة ألمانيا و حريتها السياسية ، و اقترح المجلس تشكيل حكومة موحدة برئاسة الأرشيدوق يوحنا نائب إمبراطور النمسا ، كما تقرر إنشاء جيش قومى باستقطاع 2% من الجيوش المحلية ، و إنشاء أسطول لمواجهة التفوق الدانماركى فى بحر البلطيق ؛ تبنى البرلمان النظرية التاريخية و اللغوية فى رؤيته للقومية الألمانية ، و قرر ضم كل الأراضى الناطقة بالألمانية ، و طلب من هولندا حذف الدستور الهولندى فى كل من ليمبرج و لوكسمبورج بأعتبرهما ألمانيتان ، كذلك كل من بالتيرول و الكانتونات السويسرية ، و بالألزاس ، و بشلزفيج و هولشتاين من الدنمارك ، تلك النزعة الوحدوية و التوسعية أثارت الدول الأوروبية ، و رد عليهم البرلمان الألمانى بالبدء فى إعداد الدستور قائما على مبدأين أساسيين : -
1) لا يمكن لأى جزء من ألمانيا أن يتحد مع بلاد غير ألمانية
2) إذا كان لبلد ألمانى و لبلاد غير ألمانية سيد واحد ، فأن علاقتهما لا تكون إلا اتحادا شخصيا لا علاقة له بباقى ألمانيا

أما موقف النمسا فقد أصرت الحكومة النمساوية على أن تدخل بكامل أقاليمها سواء كانت ألمانية أو غير ، مما يعنى تجاهل المبدأ القومى الذى أقره البرلمان ، فتحول البرلمان نحو بروسيا و بالفعل أصدر أول دستور يوحد الدول الألمانية فى 27 مارس 1849 ، بأن تتشكل وحدة كونفيدرالية برئاسة حكومة الامبراطورية التى تمثل الألمان تمثيلا دبلوماسياً ، و تنظم الجيش ، و أن تأخذ على عاقها السلطة التشريعية و السياسة الأقتصادية العامة ، كامبراطورية دستورية وراثية ، على أن يتألف البرلمان الرايخشتاج Reichtag من مجلسين ، مجلس الدول و مجلس الممثلين ، و انتخب الإمبراطور فريدريك وليم الرابع إمبراطوراً للاتحاد ، و بهذا يعتبر دستور فرانكفورت انعطافه تاريخية جادة لتوحيد ألمانيا فى أمبراطورية دستورية …

إلا إن فريدريك وليم رفض التاج المعروض عليه ، بحجة أنه غير مشرف ، فهو معروض من مجلس شعبى لا من الأمراء ، و السبب الثانى رغبة فريدريك فى ضم النمسا إلى الاتحاد الألمانى و يتضح هذا فى قوله ”إن النمسا تملك التاج الإمبراطورى ، و ستكون بروسيا سيف الإمبراطور“ ، و كان رفض فريدريك للتاج معناه إلغاء برلمان فرانكفورت لتخفق المحاولة الحقيقية الأولى للوحدة الألمانية التى جاءت من خلال الطريق الشعبى …

على أثر فشل برلمان فرانكفورت فى تحقيق الوحدة الألمانية دب اليأس عند كثير من زعماء حركة الوحدة ، و هاجر عدد ليس بالقليل منهم إلى كل من أنجلترا و الولايات المتحدة و تبعهم عدد ليس قليل من العامة حتى إن المؤرخين يقدرون عدد المهاجرين الألمان فى تلك الفترة بحوالى 300� ألمانى ، انعكست تلك الهزيمة على كثير من الكتاب و المفكرين و منهم المفكر شوبنهاور(13) الذى تحولت كتاباته بعد فشل مشروع الوحدة إلى تشاؤم مميت فى غاية القسوة حتى أطلق عليه” فيلسوف التشاؤم“ من عنف آراءه التشاؤمية ، على الجانب الآخر فى فرنسا بدأت الأفكار الاشتراكية فى النمو من خلال كتابات الشاعر لامارتين و المنظر الاشتراكى بلانك(14) ، لكن ماذا ننتظر من ثورة يقودها الشعراء و الروائيين الرومانسيين إلا أن تكون ثورة عاطفية لا منطقية ، فمزاج الثورة الفرنسية 1848 كان رسولياً ، فمثلا لامارتين لم يكن اشتراكيا بل على العكس كان ليبراليا إلا إن الالتقاء الفكرى الذى حدث بين التيارين فى تلك الفترة و رفع شعارات العدالة الاجتماعية و الحقوق الشعبية قد وحد فيما بينهم ، لكن هذان التياران لا يمكن أن يستمر التحالف بينهم ، فلويس بلانك كان يرى إن الليبرالية مسرفة فى سلبيتها و فعالية فى أنانيتها ، إلا أنه كان فى نفس الوقت مناهضا لفكرة الصراع الطبقى و الفردية فى آن ، فمن سمى كان أقرب للرومانسية الاشتراكية ، تأثر بجاك جان روسو و بسان سيمون فبات خليطاً غريب التكوين بين اليعقوبية و الاشتراكية …

الوحدة الألمانية (1850 – 1862) المحاولة الثانية

خلال تلك الفترة نهضت الصناعة الألمانية بشكل كبير ، حتى إن المؤرخين الألمان يذكرون دائما إن الحركة الصناعية الألمانية أشرقت شمسها فى تلك الفترة الزمنية ، لتحتل ألمانيا صدارة حركة التطور الصناعى الأوروبى مع إنجلترا ، فقد باتت ثانى أكبر منتج للفحم ، كما زاد عدد أنوال النسيج أكثر من خمسة أضعاف خلال الفترة ما بين 1860/1850 ، خلال نفس الفترة الزمنية ارتفع عدد مصانع السكر من 96 مصنعا إلى 247 ، مدت أكثر من 6000 كم من خطوط السكك الحديدية ، نتج عن كل هذا نمو الطبقة البورجوازية بشكل واضح ، و كان من الطبيعى أن يكون الهدف الأول لهؤلاء البورجوازيين إنشاء دولة موحدة لتتوسع الأسواق لمنتاجاتهم ، فى المقابل كانت النمسا قد لقيت هزائم عسكرية أمام نابليون الثالث و اقتطعت أجزاء منها لصالح فرنسا ، و على الرغم من هذا لم تحاول بروسيا إزاحتها سياسيا خوفا من تزايد النفوذ الفرنسى ، كذلك كان للنمو الصناعى البروسى المتسارع قد بدأ فى هز كل الأطر القديمة ، فى نفس الوقت كان تنامى تسلط الطبقة الإقطاعية قد بلغ اشده ، و الصراع لم يتصاعد أو يصل إلى حد المواجهة بين الطبقة البورجوازية و الأرستقراطية ، بل بسبب تنامى الحركة الصناعية وجدت البورجوازية نفسها فى صراع بينها و بين الطبقة العاملة الجديدة الناشئة على أثر النمو الصناعى ، ليتشكل صراع من نوع جديد فإذا كانت الطبقة الأرستقراطية قد نمت فى حماية الملكية و حمتها من تزايد نفوذ الطبقة البورجوازية ، تبدلت الأوضاع لتلعب الملكية دورا آخر فى حماية كافة الطبقات العليا فى مجموعها خوفاً من تزايد صعود قوة الطبقة العاملة و انتشار الأفكار الاشتراكية ...

بسمارك و الوحدة الألمانية المحاولة الثالثة

فى تلك الفترة انتقلت مقاليد الحكم من فريدريك وليم الرابع بعد وفاته على اثر إصابته بمرض عقلى إلى يد أخيه وليم الأول سنة 1858 الذى استدعى ”بسمارك“(15) ليتولى الوزارة فى سبتمبر1862 ، بدأ رئاسته لمجلس الوزراء معبراً عن اتجاهه لتحقيق الوحدة الألمانية ، و صرح بإن ألمانيا لا تتطلع إلى بروسيا لتحقيق الوحدة بسبب ما تتمتع به من حكم ليبرالى و إنما لقوتها ، فالمسائل الكبرى فى ذلك العصر كالوحدة القومية لا تتحقق بالخطب و قرارات الأغلبية كما حدث فى 1848 و 1849 ، و إنما تتحقق بالدم و الحديد ، بهذا أعلن بسمارك عن منهجه لتحقيق الوحدة ألألمانية ، إلا أنه كان من الذكاء الحاد فاستخدم القوة فى موضعها و الدبلوماسية فى قتها الصحيح ، تميز بشكل كبير فى كيفية الاستفادة من الظروف ، فقد كان دبلوماسى من الدرجة الأولى يعرف كيف يتلاعب بالمواقف و يستفيد منها ، و نستطيع أن نتعرف على ذلك من خلال أسلوبه و سياسته لتحقيق الوحدة الألمانية : -

أولا : وضع حد لطموحات إمبراطور النمسا الذى حاول إصلاح الدستور الاتحادى الألمانى ، إلا إن بسمارك أحس إن انفراد النمسا و تصدرها للمشهد فى الدعوة للوحدة لن تكون إلا تدعيم لقوة إمبراطور النمسا ، لذا اتجهت خطته إلى عدم تمثيل بروسيا فى المؤتمر الذى عقد فى مدينة فرانكفورت لإحباط المشروع النمساوى و هو فى المهد ، و بالفعل انعقد المؤتمر فى 14 أغسطس 1863 ، و عندما أبلغت النمسا بروسيا بمشروع الدستور الجديد أجابت بروسيا بوضع ثلاثة شروط : -
1- مساواة بروسيا للنمسا فى الحقوق بالاتحاد ، أى تكون رئاسة الاتحاد بالمناوبة بين الدولتين
2- أن يكون لبروسيا حق رفض إعلان الحرب على دولة أخرى حتى فى حالة موافقة البرلمان الفيدرالى ، و هذا يعنى استقلال بروسيا فى سياستها الخارجية
3- ألا تتنازل عن حق من حقوقها إلا لبرلمان يمثل الأمة الألمانية بأسرها

و عندما حاولت النمسا تشكيل الاتحاد دون رضاء بروسيا ، رفض ذلك الأمراء الألمان لأنهم لم يتصوروا اتحادا ألمانيا بدون بروسيا ، كذلك الطبقة البورجوازية الألمانية خافت على مصالحها فعدم رضاء بروسيا بثقلها الاقتصادى على الإصلاحات الجديدة بدستور الاتحاد قد يعنى نهاية الاتحاد الجمركى ”الزولفراين“ ، و الذى تديره بروسيا و لم تشارك فيه النمسا ، فشنت حملة لإقناع الرأى العام بأنه لا وحدة بدون بروسيا ...

ثانيا : عندما اندلعت الثورة فى بولندا عام 1863 و قمعت بشدة من قبل روسيا القيصرية، أثار هذا الرأى العام الأوروبى و تدخلت كل من فرنسا و إنجلترا و النمسا فى محاولة للضغط على قياصرة روسيا ليمنحوا بولندا حكما ذاتيا ، و دعوا بروسيا للانضمام إلى مطالبهم إلا إن بسمارك رفض الاشتراك معهم و وقع مع روسيا اتفاقية حربية مضمونها الأساسى هو قهر الثورة البولندية فضمن بسمارك تأييد روسيا له ، و فى نفس الوقت كان يريد تأمين أطماعه فى الجزء البولندى الخاضع لبروسيا ، و وضع خطة لتحويل البولنديين إلى بروسيين فى أقل وقت ممكن و القضاء على لغتهم الأصلية و محو ثقافتهم القومية و ربطهم ثقافيا ببروسيا …

ثالثا: فى العام التالى برزت مشكلة شلزفيج و هولشتاين ، و مرة أخرى تظهر مهارة بسمارك و انتهازيته ، كانت تلك الدوقيتين تقعان فى الشمال الشرقى لألمانيا فى شبه جزيرة جاتلاند يتبعان لملوك الدانمارك منذ عام 1490 ، و يتمتعان بحكم ذاتى ، كان نصف سكان شلزفيج يتحدثون الألمانية ، بينما كان هولشتاين بأكملها تتحدث الألمانية و كانت من قبل جزء من الامبراطورية الرومانية المقدسة ، و اعترفت بها معاهدة فيينا 1815 كعضو فى الاتحاد الكونفيدرالى الألمانى ، و مع نمو الحركات القومية فى القرن التاسع عشر كان هناك حراك داخل تلك الدوقيتين للارتباط بالاتحاد الألمانى ، و فى سياق تعقدات سياسية و حروب بين الدانمارك و بروسيا أنتهز بسمارك الفرصة و بعد سلسلة من المناورات انتهت إلى سقوط الدوقيتين فى بد بروسيا ، و قرر الدايت الألمانى لسان حال الاتحاد أن تجلو الدانمارك عن الدوقيتين ، فى تلك الفترة بدأ بسمارك مجموعة من الإصلاحات السياسية لكسب ولاء الشعب الألمانى فتقدم بمشروع إصلاحى للاتحاد الكونفيدرالى الألمانى بدعوة الناخبين إلى انتخاب برلمان ألمانى تنتخبه الأمة الألمانية كلها بواسطة الانتخاب المباشر على أساس حق الانتخاب للجميع(16) ، ليشكل بسمارك ثورته من أعلى …

التحليل التاريخى للثورة الألمانية

كما قلت فى بداية حديثى عن المثال الألمانى إنه لم تحدث ثورة بورجوازية فى بروسيا أو حتى ألمانيا ، ما حدث هو مجموعة من المؤامرات السياسية الغرض الأساسى منها هو السيطرة و الحفاظ على سلطة الطبقة الأرستقراطية و بالتالى لم تمس أبنية الدولة الفوقية ، و بقيت الطبقة المسيطرة على السلطة السياسية كما هى دون تغيير ، فقد كانت فى ايدى طبقة النبلاء ملاك الأراضى ، هذه الدولة ذاتها هى التى قادت عملية التحول إلى الرأسمالية من أعلى كما وصفها كل من ماركس و إنجلز ، فالطبقة البورجوازية صحيح إنها كانت آخذة فى النمو و شرعت فى عملية التصنيع قبل مطلع القرن التاسع عشر و سارت العملية جنبا إلى جنب مع استمرار الطبقة الأرستقراطية على السلطة ، كان هذا دليل على تأخر الوعى السياسى للبورجوازية ، و هذا ما وضح عندما استفاقت فجأة نتيجة للتطور الصناعى على ظهور تنظيمات وليدة تمثل الطبقة العاملة فكانت الصدمة التى أففدتها توازنها ، و وقفت البورجوازية الألمانية عاجزة عن اتخاذ موقف سياسى واضح فتركت للدولة مهمة تحقيق سيطرتها على السلطة السياسية مما إلى أدى إلى : -
1- بقاء البنية الإقطاعية على حالها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى
2- أصبح للدولة دورا هاما بعد مرحلة التراكم الأولى أهمية خاصة فى عملية التصنيع ، تفوق بمراحل ما حدث فى بريطانيا ، بل و فى فرنسا ذاتها ، فقد كان بمثابة تجسيد لرأسمالية الحرب إبان الحرب العالمية الأولى و هو ما تميزت به الدولة النازية فى التدخل فى العملية الأقتصادية خلال فترة ما بين الحربين
3- شكلت المنظومة القانونية خلال علمية الانتفال تضاربا مع طبيعة مؤسسات الدولة – كما حدث فى بريطانيا - ، فالطابع الإقطاعى لبنية الدولة السياسية و القانونية ظل جنبا إلى جنب مع صور الملكية الرأسمالية خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، تحت ستار إحياء القانون الرومانى الذى ظلت بصماته واضحة حتى صدور التقنين المدنى الألمانى فى بداية القرن العشرين
4- تم بسط أسلوب الإنتاج الرأسمالى على ميدان الزراعة من خلال مصادرة ملكيات صغار الفلاحين و تركيز الملكية فى أيدى نبلاء الريف و تحويل الفلاحين بالجملة إلى عمال زراعيين ، و سارت تلك العملية بخطى بطيئة و بالتالى بقيت مخلفات القنانة زمناً طويلا ، فقد كانت ذكريات الفلاحين الألمان السيئة عن ثوراتهم التى قادها توماس موتزر تثير فزعهم ، كذلك رفضهم للتحول إلى صفوف البروليتاريا و هو أمر لم يكن من الممكن أن يتقبلوه من الناحية الأيديولوجية مما جعلهم ركيزة قوية للحكم النازى خلال القرن العشرين ، و بالتالى أحتفظ نبلاء الريف و اليونكرز البروسيين لفترة طويلة بطابعهم المتميز كنبلاء عقاريين دون أن تخذوا قرارا للتحول إلى استثمار التراكم المالى من ريع الأرض فى المنظومة الرأسمالية و ذلك على خلاف ما حدث فى بريطانيا ، بهذا جاء بسط سيطرة الأسلوب الرأسمالى على نحو لا يسمح للملكيات الصغيرة بالتواجد مما قوى موقف النبلاء الإقطاعيين من ناحية و على الجانب الآخر كان له أثر وخيم على الفلاحين الألمان سياسيا و أيديولوجيا فلم يشكلوا قوة أجتماعية فى ألمانيا على عكس ما شاهدناه فى فرنسا ، من ناحية أخرى سُمح بنمو حذر للبورجوازية فى ظل سيطرة الدولة ، كما سُمح بوجود للبورجوازيات الصغيرة إلا إنها نشأت مرتبطة بالبورجوازيات الكبيرة فكانت حليفها الدائم ، لذا فالبورجوازية الألمانية الصغيرة لم تتأثر بالأيديولوجية اليعقوبية ، و كانت لا تثق بالبروليتاريا لتتفق رؤيتها مع رؤية البورجوازية الكبيرة ، مما شكل أهمية كبرى لها فى العهد النازى.

كل هذا يوضح لنا أهمية الدور الذى لعبته أجهزة الدولة خلال علمية التطور السياسى ، و جهاز الدولة هنا لم يرتبط بتقدم البورجوازية بل على العكس بل كان انعكاس لتخلفها ، فقد كان بحكم ولائها و انتمائها الطبقى للأرستقراطية ، و البورجوازية الصغيرة بضعفها و تحالفها مع البورجوازية الكبيرة ، أتاحت تلك المنظومة لأجهزة الدولة فى العهد البسماركى أن تقود علمية التحول و أن تصبح البورجوازية بجناحيها الكبيرة و الصغيرة بعد ذلك الحليف الأساسى للنازية ، و هذا يختلف تماما عن الدور الذى لعبته أجهزة الدولة فى فرنسا فى ظل البونابرتية …

عجز البورجوازية السياسى

لذا فبات من المستحيل أن نقول أن هناك نموذجا مثالياً واضحاً للثورة البورجوازية ، فرأينا كيف أتسمت مرحلة الانتقال مع الإقطاع إلى الرأسمالية بسمات مختلفة تبعا لظروف كل دولة على حدى ، و مع ذلك فمن المثير للدهشة أن الأمثلة الثلاثة الرئيسية للتحول الرأسمالى اتفقت على أمر واحد هو عدم قدرة البورجوازية السياسى بحكم تكوينها عن إنجاز ثورتها و السير بها إلى نهايتها ، فلم يكن هناك خطا ثابتا للعملية الثورية مما أدى إلى عجزها عن التصدى لمهمات القيادة السياسية لتحقيق الديمقراطية البورجوازية ، و هذا ما أثار دهشة كل من ماركس و إنجلز و لينين ، فى نفس الوقت كان لهذا النموذج الأيديولوجى المضطرب تأثير على الحركات العمالية التى لم تكن فى تلك الوقت تحمل فكرا ثوريا ناضجا فأصيبت بتشوهات بما تحمله من إغراءات محاكاة الثورات القومية البورجوازية و يمكننا أن نحددها فى النقاط التالية : -
1) الحركة العمالية الانجليزية التى عانت من نزعتها النقابية بإعطاء الأولية للنضال الاقتصادى الطبقى – أى النضال النقابى – و إهمال الكفاح السياسى من أجل الاستيلاء على السلطة
2) أما الحركة العمالية الفرنسية فتهددها النزعة اليعقوبية الماثلة للاشتراكية الطوباوية الخيالية و هو ما أدى إلى تسلل أيديولوجية صغار المنتجين و البورجوازية الصغيرة إلى أيديولوجية الطبقة العاملة و نظريتها الثورية تحت ستار من الدعاوى الراديكالية الغامضة ذات المحتوى اليعقوبى ، التى سمحت بتنوع كبير بدأ من البلانكية ، إلى النزعة الإصلاحية الاجتماعية الكلاسيكية كروبسبير ، مرورا بالفوضية على شاكلة برودون و باكونين(17) ، مما أدى إلى تشويه فى أيديولوجيتها و نظريتها الثورية
3) الحركة العمالية الألمانية ، و التى تمثلت رؤيتها باعتبار الدولة أحد العوامل الضرورية للقيام بثورة اشتراكية من أعلى ، إذا فالمطلوب هنا ليس تحطيم بناء الدولة ، و لا حتى الاستيلاء عليها لإعادة بناءها و لكن التحالف مع الدولة لتحول اشتراكى تدريجى لتصيح مؤسسات الدولة بمثابة وسيط بين الطبقات المتصارعة(18).

الثورات الأوروبية و الاشتراكية

فى الوقت الذى كانت تعج فيه القارة الأوروبية بالثورات أصدر كل من كارل ماركس ، و فريدريك إنجلز بيانهم الشيوعى فى فبراير 1848 ، هذا البيان الشهير لم يكن له صدى يذكر وقت أصداره ، كان ماركس و إنجلز وضعاه لمنظمة يسارية صغيرة ضئيلة التأثير إلا إنه فيما بعد باتت تلك الوثيقة الأكثر جدلا و شهرة فى عالم السياسة و الفكر ؛ لم يكن ماركس هو أول من تحدث عن الاشتراكية ، بل إن للاشتراكية أصولا اقدم بكثير من القرن التاسع عشر ، فهى تطالعنا فى الأفلاطونية ، و فى العصر القروسطى ، إلا إن بروزها جاء متزامنا مع تصاعد المذهبين الليبرالى و المحافظ ، ففى عام 1732 أصدر شارل فورييه كتابه الاتجار بالبشر Traite de L’Association لكن هذا الكتاب لم يلقى إقبال وقت أصداره و لكن مع مرور الزمن أصبح من أعظم الكتب و أكثرها انتشارا حيث كان يحمل ملامح أشتراكية ، و فى الفترة ما ببن 1814 إلى 1820 تدفقت كتب المفكر الفرنسى الكونت سان سيمون الأرستقراطى المعدم الغريب الأطوار الذى وصف نفسه بأنه مزيج من بيكون ، و نيوتن ، و لوك ، كما زعم أنه أول اشتراكى جدير بالأهمية ، طالب سيمون بنظام يعتمد على التسلسل الهرمى ، فلقد كان يرى المجتمع كمصنع ضخم و أن تنظيم هذا المصنع يستوجب البراعة و المهارة الدقيقة ، لذا أقترح أن تقوم نخبة من المهندسين الاجتماعيين بالتخطيط للمجتمع و إدارته وفقا للمبادئ العلمية ، رفض سان سيمون الديمقراطية ، فالعامة فى نظره عاجزة عن الحكم ، لم يعترف بالصراع الطبقى أو بسيادة الطبقة العاملة ، فهو أراد حكما تكنوقراطياً Technocracy ، تنبع خصوصية فكر سان سيمون فى رؤيته فى التضاد الذى يتشكل بين العاملين و العاطلين ، حيث العاطلين هم المنعمين القدماء اللذين يعيشون من ريع الأرض و لا يساهمون بأى شكل كان فى الإنتاج و التوزيع ، فى مقابل العاملين المتشكلين من العمال المأجورين و الحرفيين و التجار و الصيارفة ، فهو وجد أن العاطلين المنعمون بريع الأرض فقدوا القيادة الفكرية و السياسية و هذا ما أثبتته الثورة الفرنسية ، و فى المقابل العمال المأجورين الغير مالكين اللذين يبيعون قوة عملهم لا تملك القدرة على القيادة ، ليبقى الحل فى يد البورجوازية العاملة من صناع و تجار و صيارفة ، أراد سيمون أن يتحول هؤلاء إلى نوع من الموظفين العموميين أو الأوصياء الاجتماعيين ، إلا إن التعارض الذى حدث ما بين البورجوازية و البروليتاريا هو ما جذب أهتمامه ، مما أدى إلى طرحه تساؤل ما هو مصير الطبقة الأكثر عددا و الأشد فقرا و الأكثر مساهمة فى عمليات الإنتاج ، على هذا وضع عدد ليس بالقليل من المفكرين السوفيات و و فى العالم خاصة فى فترة الخمسينات و الستينات من القرن العشرين سان سيمون كأحد الإرهاصات الهامة للفكر الشيوعى برغم التناقضات التى قد نراها بين اشتراكية سيمون الطوباوية و الاشتراكية العلمية …

كذلك لا يمكن أن نتجاهل تجربة الإسكتلندى روبرت أوين هذا العصامى الذى بدأ فقيراً و استطاع أن يجمع ثروة طائلة ، حيث امتلك مصنعا للنسيج فى بلدة نيو لانارك ، لينفذ مشروعا ثوريا فى تلك البلدة الصغيرة ، كان شاغله الأول تحسين أحوال عمال مصنعه – اللذين كان أغلبهم أطفال – كانوا يعيشون فى بؤس و جهل ، فى أجواء قابضة و كئيبة ، فخفض ساعات العمل ، و حسن أحوال مساكنهم ، و أنشاء المدارس ، و خصص مرتبات للمتقاعدين ، و أعتمادات مالية للمرضى ، فجاءت أصلاحاته بثمارها ، فارتفعت معدلات الإنتاج و زادت أرباح المصانع بشكل كبير ، و بلغت شهرة أوين و تجربته عنان السماء و دعته حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1825 لزيارتها و عقد الكونجرس الأمريكى بمجلسيه جلسة مشتركة و دعوا أوين لإلقاء خطاب يشرح فيه تجربته …

كان يرى الكثيرين فى تلك الفترة خلال الانقلاب الصناعى سوى الفوضى و الاضطراب و أنها الفرصة السانحة من أجل الصيد فى المياه العكرة و الإثراء بأقصى سرعة ، أما ”أوين“ فقد وجد فيها الفرصة السانحة من أجل تطبيق نظريته المفضلة و بذلك يمكنه تحقيق النظام انطلاقا من الفوضى ، و قد جرب ذلك بشكل عملى خلال إشرافه على أكثر من 500 عامل فى أحد مصانع مانشستر ، ثم كانت تجربته فى نيو لانارك حيث أستطاع أن يجمع ما يبلغ من 2500 شخص يتألفون من عناصر شديدة التباين و التنوع إلى مستعمرة نموذجية ، حقق ذلك بمجرد وضع الناس فى بيئة جديرة بالكائنات الإنسانية ، أهتم بتربية الأجيال القادمة فأنشأ مدارس الأطفال و جعل منها جنه ينعمون فيها حتى إن الأطفال كانوا يأبون العودة إلى منازلهم ، اغرى هذا النجاح أوين إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى ، و بدأ يطلع الناس على آراءه و نظريته، التى كان يرى أن ثمة ثلاث عقبات كبرى تسد الطريق أمام الإصلاح الاقتصادى و هى ”الملكية الخاصة ، الدين ، و الشكل الراهن للزواج“ ، مما أدى إلى نبذ المجتمع له و حيكت ضده المؤامرات ...

بالرغم إن تجربة أوين لم تحقق النجاح المرجو منها عندما حاول توسعتها فى محاولة لإصلاح المجتمع و انشأ عدد من المدن الاشتراكية التعاونية مشابهة لتجربته فى نيو لانارك ، و انتشرت تلك المدن فى الجزر البريطانية و الولايات المتحدة و جذبت إليها عدد كبير من المنظرين و المفكرين حيث سحرتهم فكرة الإسهام فيما دعاه أوين ببناء عالم أخلاقى جديد حيث تسوده روح الجماعة لا الأنانية الفردية ، تبنى أوين صورة بسيطة من الاشتراكية فى محاولة لإيجاد نظام للتبادل يرتكز على قوة العمل إلا أن هذا النظام التبادلى لم يحقق النجاح الذى كان منتظرا ، فالمدن التى أنشأها أوين على غرار مدينته الأولى جذبت عدد كبير من الناس أنتشر بينهم الطفيليين و الانتهازيين الذين تسببوا فى إحداث إرباك شديد للتجربة ، كذلك المثالية الطوباوية التى نشأت عليها التجربة و عدم وفرة الإداريين اللذين يملكون خبرة التعامل مع التجربة الجديدة لم تساعدها على الصمود و مقاومة تلك المجموعات الطفيلية التى انتشرت فى المدن الأويونية لتنتهى التجربة بموت أوين فى عام 1857 ؛ على الرغم من هذا فإن تجربة أوين سارت فيما بعد رمزاً للحركة الاشتراكية التعاونية فى العالم …

من كل هذا نستطيع أن نرى فى أفكار سيمون و فورييه و تجربة أوين(19) إن الشروط الاجتماعية لم تكن قد تبلورت بالشكل الكافى لتتيح للطبقة العاملة أن تتشكل كطبقة نضالية ، فأفكار هؤلاء ظهرت فى المراحل الأولى من الصراع بين البورجوازية و البروليتاريا ، لذا فقد اضطروا أن تقتصر أحلامهم على المجتمع المثالى ،و أن يدينوا كافة المحاولات التى أفرزتها طبيعة الصراع ، كالإضرابات ، و التنظيم الحركى للعمال ، فسان سيمون لم يتجرأ و يعلن إن هدفه هو تحرير تلك الطبقات الكادحة من طغيان البورجوازية إلا فى مؤلفه الأخير ”المسيحية الجديدة“ ، فقد جاءت جميع كتاباته السابقة عليه عبارة عن تمجيد للبورجوازية و صراعهم ضد الإقطاعيين ، أو مجتمع المنتجين و المصرفيين ضد المارشالات و صنعة القوانين فى العصر النابوليونى…

كان الصراع الطبقى يتصاعد جنباً إلى جنب مع التقدم الصناعى ، من هنا جاءت أهمية البيان الشيوعى الذى أطلقه ماركس و إنجلز حيث تخطى البيان المحاولات الاشتراكية الأولية ، مؤكدين حقيقة وجوب تحرك الطبقة العاملة ، و انه يجب التخلى عن الأحلام الطوباوية التى جاء بها الاشتراكيين الأوائل إلى العمل الفعلى ”يا عمال العالم أتحدوا“ ، فقد كان هؤلاء الحالمين يحسبون أن إقناع الحكومات و الطبقات الحاكمة بعوار النظام الإجتماعى السائد حتى يسود السلام و الرخاء على المجتمعات ، فقد كانوا يحلمون باشتراكية بلا صراع ، و ذلك بتجمع السكان فى تعاونيات ، و هذا شئ خيالى رومانسى قد يصل إلى الابتذال ، كيف يمكن تحويل الأعداء الطبقيين إلى متعاونين طبقيين ، و هذا ما أكدته الثورات التى احتاجت أوروبا فى عام 1848 ، فتلك الثورات كانت نتيجة للانقلاب الصناعى و تجدد الصراع الطبقى بسمات مختلفة ، من نبلاء و بورجوازيين ، إلى بروليتاريا و بورجوازيين ، هذا الصراع و العداء أكدته مذبحة العمال على يد البورجوازية الجمهورية الليبرالية فى يونيو 1848 بباريس ، فهى تؤكد مدى خِشّيتْ البورجوازية من استقلال تلك الطبقة الصاعدة ، فى نفس الوقت دأبت الطبقة البورجوازية منزعجة و خائفة و مترددة و يقول كارل ماركس فى ذلك: ”إن نضال الطبقة البورجوازية من أجل الدفاع عن مصالحها العامة ، أى عن سلطتها السياسية يضايقها و يزعجها ، لأنه يعرقل سير شئونها و مصالحها الخاصة“ ...

إن كل تجارب السابقة للثورات تثبت لنا إن فكرة التحول السلمى نحو الاشتراكية لا يمكن أن نجد لها جذور فى أى مجتمع قائم على الاستغلال ، إن كل المحاولات لتحقيق هذا التحول الحالم الذى أثار مخيلة الفلاسفة و شغل أذهان السياسيين لعدة قرون فهو لم يعكس فى النهاية إلا مصالح الطبقة العليا الحاكمة فى المجتمعات الطبقية ، و نتيجة لذلك جاءت كلها مفككة و ضعيفة ، و ثبت عجزها بفشل كافة مشاريعها و لم يبقى أمامنا سوى الاشتراكية العلمية و الثورة الاجتماعية لتحقيق مجتمع يحمل داخله جوهر العدالة الحقيقية حيث الانتقال من قهر الضرورة إلى مملكة الحرية …



________________________________________________________________

الهوامش

1) ماكس أدلر (1873 - 1937 م) من أبرز ممثلي الماركسية النمساوية في النصف الأول من القرن العشرين ، قدم تأويلا كانظيا للماركسية ، كانت آراءه الفلسفية كما وصفها هو أنها مثالية نقدية ، رفض الاعتراف بالماركسية كأيديولوجية ، إلا أنه أعتبرها كنظرية أجتماعية علمية ، طالب بإصلاح وعى الطبقة العاملة ، و رفض فكرة ديكتاتورية البروليتاريا ، إلا أنه فى نفس الوقت لم يقبل الديمقراطية البرلمانية قبولا كاملا ، من مؤلفاته كانط و الماركسية (1904) ، علم اجتماع الماركسية (1934)

2) جالفانو ديلا فولبي (1895-1968) أستاذاً للفلسفة و منظر ماركسى ، بدأ مثاليا ثم ارتبط لفترة بالفلسفة التجريبية ، ثم انقلب تماما ضد المثالية ، لينضم للحزب الشيوعى الإيطالى ، حتى اعتبره الكثيرين أحد منظرى الحزب بعد جرامشى ، من الجوانب الرئيسية فى حياة جالفانو هو محاولته تطوير نظرية مادية عن علم الجمال حيث أكد على دور الخصائص الهيكلية و العملية الاجتماعية لإنتاج الأعمال الفنية في تشكيل الحكم الجمالى ، كتب ديلا فولبي أيضاً عن قضايا الفلسفة السياسية ، ولا سيما العلاقات بين فكر جان جاك روسو و كارل ماركس ، سمح له هذا باستكشاف العلاقات بين ما أسماه بالحريتين لفكر التنوير ، و هما الحريات المدنية لجون لوك و إيمانويل كانط التى أصبحت مجسدة فى الديمقراطية البرجوازية و الحريات المتساوية الموصوفة فى العقد الاجتماعي لروسو و الخطاب حول عدم المساواة. كان ديلا فولبى مهتماً بشكل خاص بالتناقض بين المساواة الرسمية للحريات القانونية الكانطية ، و عدم المساواة الاجتماعية الجوهرية بين الأشخاص ، مع عدم المساواة النسبى للعقد الاجتماعي لروسو كوسيط للمساواة بين الأشخاص ، لقد رأى فى كل تلك القضايا أنها مقدمة لانتقادات ماركس الشهيرة للفكر البورجوازى و فى نقده لبرنامج جوتا …

3) وصف عدد من مؤرخى الثورة الفرنسية روسو بأنه بطلا شعبيا ، إلا إن هذا الوصف غير دقيق و اقرب إلى الخطأ ، فرسو لم يكن قريبا من عامة الشعب فهو كان ينظر لهم على أنهم مجموعات من الدهماء ، مخبولة و رعناء و فى نفس الوقت كان بعيدا عن الطبقة الأرستقراطية التى أعتبرها فاسقة و فاسدة ، لذا الوصف الأدق لروسو أنه كان ممثلا لطبقة البورجوازية الصغيرة و معبرا عنها ، فطرح الديمقراطية و الملكية جانبا ، و لم يقر إلا بالديمقراطية النخبوية ، و يتضح ذلك فى البنى السياسية التى أقترحها لكل من بولونيا و كورسيكا التى كانت عبارة عن بنى تراتبية فى السلطة و المجتمع

4) كان مونتسكيو معجباً أشد الإعجاب بالملكية الدستورية الإنجليزية ، بالرغم من وصفها بالدستورية إلا أنها فى نفس الوقت لم تكن ديمقراطية بالشكل الكامل فهى كانت ديمقراطية النبلاء التى كانت حكرا لهم و استبعدت باقى طبقات الشعب ، فتناقض مونسكيو مع نفسه و مع الثورة الفرنسية فى آن ، و كذلك كل من فولتير و ديدور اللذين كانا يتطلعان إلى وجود أمير فيلسوف يطبق أفكارهما ، و لم يطرحوا بشكل قاطع مشاركة الشعب فى مهمات الدولة

5) ماكسميليان روبسبير عاش فى الفترة ما بين 1758 – 1794ولد فى مدينة أراس نشأ يتيما بعد وفاة أمه هجرة أبوه للبيت و كان عمره تسع سنوات ، استطاع استكمال تعليمه بصعوبة شديدة ، و فى عام 1770 التحق بكلية لويس العظيم لدراسة القانون بعد أن استطاع الحصول على منحة قدرها 450 جنيه سنويا ، بعد تخرجه عمل بالمحاماة ، و انتخب عام 1789 فى مجلس الطبقات بمدينة أراس ، و فى عام 1792 عين مدعى عام لمحكمة باريس ، و فى نفس العام انتخب نائبا عن باريس فى المؤتمر الوطنى، و فى 1793 أنتخب عضوا فى لجنة الإنقاذ الوطنى ، أعدم فى يوم 28 يوليو 1794 عن عمر 36 عاما بلا محاكمة بعد مجموعة من الصراعات السياسية مع الجبليين و الجيروند ، كان روبسبير من المؤمنين أشد الإيمان بأفكار جان جاك روسو مما وضعه فى صراعات عنيفة مع أعضاء الجمعية التأسيسية ، فُتنت به الجماهير فى باريس و و تزعم حركة الصان كيلوت ،من يتتبعه سيجد أنه جمع كافة التناقضات فى بوتقة واحدة فهو وقف يخطب فى المؤتمر الوطنى معلنا "إن المساواة فى الممتلكات خيال" ، و فى نفس الوقت كان يقف مخاطبا الصان كيلوت و اليعاقبة قائلا "إن التفاوت الكبير فى الثروات هو منبع كل المآسى و كثير من الجرائم" ، حاول أن يكون منسجما مع طبقة البورجوازيين الصغار من الحرفيين و أصحاب الحوانيت و تجار التجزئة ، مما وضعه متناقضا مع حرية الإنتاج المطلوبة و التى تحمل المركزية الرأسمالية

6) مفكر اشتراكى فرنسى و لد عام 1760 و توفى فى1827 ، كان لفلسفته تأثير كبير على جميع الأيديولوجيين اليساريين بمن فيهم كارل ماركس ، لذلك أعتبر من ابرز الماديين الفرنسيين ، و من أشد معارضى الفلسفة المثالية ، و بخاصة المثالية الألمانية ، كان وثيق الصلة بالحركة اليعقوبية خلال الثورة الفرنسية ، كما شارك فى حرب الاستقلال الأمريكية ، من أهم مؤلفاته "رسائل أحد سكان جنيف إلى معاصريه" ، "بحث فى علم الإنسان" ، "بحث فى الجاذبية العامة" ، "النظام الصناعى" ، "المسيحية الجديدة" ، آمن بالحتمية فى تطور المجتمع البشرى على أساس إن التاريخ محكوم بقوانين لا تقبل التعديل و لا التبديل ، أعلن فى بيان أصدرته الحركة التى أسسها أنها ترفض مبدأ إعادة توزيع الثروة و أنها تسلم باللا مساواة الطبيعية بين البشر ، و بهذا فإن سان سيمون و حركته الفكرية و السياسية أعلنت موافقتها على قيام مجتمع هرمى

6) الكونت كلود هنرى دى سان سيمون دورفروامفكر اشتراكى فرنسى و لد عام 1760 و توفى فى1827 ، كان لفلسفته تأثير كبير على جميع الأيديولوجيين اليساريين بمن فيهم كارل ماركس ، لذلك أعتبر من ابرز الماديين الفرنسيين ، و من أشد معارضى الفلسفة المثالية ، و بخاصة المثالية الألمانية ، كان وثيق الصلة بالحركة اليعقوبية خلال الثورة الفرنسية ، كما شارك فى حرب الاستقلال الأمريكية ، من أهم مؤلفاته "رسائل أحد سكان جنيف إلى معاصريه" ، "بحث فى علم الإنسان" ، "بحث فى الجاذبية العامة" ، "النظام الصناعى" ، "المسيحية الجديدة" ، آمن بالحتمية فى تطور المجتمع البشرى على أساس إن التاريخ محكوم بقوانين لا تقبل التعديل و لا التبديل ، أعلن فى بيان أصدرته الحركة التى أسسها أنها ترفض مبدأ إعادة توزيع الثروة و أنها تسلم باللا مساواة الطبيعية بين البشر ، و بهذا فإن سان سيمون و حركته الفكرية و السياسية أعلنت موافقتها على قيام مجتمع هرمى

7) مؤتمر أو معاهدة وستفاليا Westphalia سنة 1648 التى جاءت بعد حروب دينية بين الكاثوليك و البروتستنت استمرت ثلاثين عاما ، و انتهت الحروب بتوقيع تلك المعاهدة و التى أصبحت الأساس الذى تستند إليه الدول الأوروبية فى علاقتها القانونية حتى قيام الثورة الفرنسية

8) جوتهولد إفرايم ليسينج من ابرز مفكرى حركة التنوير الألمانية عاش فى الفترة ما بين 1729-1781 ناقد و مؤلف مسرحى و فيلسوف ، يعتبر الأب للأدب الألمانى الحديث ، بشر فى كتابه المعروف "تربية الجنس البشرى" ، بمستقبل متحرر من القسر و العبودية ، و فى مسرحيته الشهيرة "ناثان الحكيم" دعا إلى المساواة بين الأمم ، شدد على وظيفة الفن فى الأخلاق و التربية ، نشب بينه و بين فولتير خلاف حاد بالرغم من أن الفلسفة الفرنسية كان لها أثر بالغ فى منهجه إلا أنه كان يسعى دائما إلى تحرير المسرح الألمانى من التقاليد الفرنسية.

9) يوهان كريستوف فريدريش فون شيلر شاعر و فيلسوف و مؤرخ ألمانى عاش فى الفترة ما بين 1759 – 1805 ، أعتبر الفن وسيلة لصهر الإنسان و إعادة صياغته كإنسان خيراً حراً ، لذا فهو مثالى المذهب ، و يكاد يكون من اتباع إيمانويل كانط ، تعرف على جوته و تعاون معه فى ترسيخ المذهب الكلاسيكى الجديد ، أشهر مسرحياته فلانشتاين ، عذراء أورليان ، و وليم تل ، أما مؤلفاته ذات الطابع الفلسفى فهى الفلسفة الموجزة ، فى الجميل و الجليل ، موجز فى التربية الجمالية للإنسان ، و أشهر مؤلفاته التاريخية تاريخ حرب الثلاثين عاما.

10) يوهان فولفجانج فون جوتهشاعر و كاتب مسرحى و عالم طبيعة ، و مفكر ألمانى ، كان له أثر كبير فى طور الفكر النظرى الأوروبى ، تأثر بشكل كبير بالفيلسوف سبينوزا ، لذا قال إن التفاعل بين الإيجابى و السلبى "التصاعد و الاستقطاب" أمر مشهود فى كل ظاهرة ، نزع فى أواخر أيامه إلى نوع من التصوف الأمر الذى نلاحظه فى الجزء الثانى من مسرحيته الشهيرة فاوست ، تعرف على الشاعر الألمانى شيللر و تعاونا معا لتطوير مذهب مسرحى جديد و ترسيخه على أسس ثابتة ، كان احد اساطين حركة العاصفة و الانعصاب و هى حركة ألمانية تصدت لدعاة التقليد و عملت على سبيل الإبداع و دعت إلى إسقاط القواعد المتعارف عليها ، و قد اتخذت تلك الحركة أسمها من عنوان مسرحية للكاتب الألمانى فريدريك كلنجر ، و قد كانت تلك الحركة هى التربة و البذرة التى نمت فيها و منها الحركة الرومانسية فى الأدب الألمانى.

11) إيمانويل كانط أحد أكبر الفلاسفة الألمان عاش فى الفترة ما بين 1724 – 1804 ، مؤسس المذهب المثالى الكلاسيكى الألمانى و المثالية النقدية ، أشهر كتبه "نقد العقل المجرد" ، و "نقد العقل العملى" ، و "نقد ملكة الحكم"، تأثر بأفكار جان جاك روسو ، و تربى فى مدرسة لاينتز الفلسفية ، أهتم بالعلوم و اشترك فى الجدل الذى أثاره فلاسفة عصر التنوير ، أحدث ما سماه بالثورة الكوبيرنيكية نسبة إلى كوبيرنكوس كتب عنه الشاعر الألمانى هينريش هاينى معلقا على كتاب "نقد العقل المجرد" (بهذا الكتاب بدأت ثورة فكرية فى ألمانيا ، و إن هذه الثورة تشبه أشد الشبه الثورة المادية فى فرنسا ، و تبدوا للعقول الأعمق تأملا أنها تتساوى فى أهميتها مع أهمية تلك الثورة ، فعلى ضفتى الراين نرى الخروج نفسه من الماضى ، و نرى كلتا الثورتين تنسخان – تبطلان – كل التقاليد القديمة البالية)

12) يعتبر هيجل أعظم فيلسوف مثالى ألمانى عاش فى الفترة ما بين 1770 – 1831 ، كان له أثر كبير فى الفكر السياسى الحديث عند ماركس و ما بعده من المفكرين و الفلاسفة ، تولى كرسى الأستاذية فى جامعة برلين ، حيث أصبح وقتها الفيلسوف الرسمى للدولة البروسية ، وضع هيجل المنهج الجدلى الذى يعتبر أكثر المصطلحات الفلسفية غموضا و شيوعا فى نفس الوقت ، فكان من النادر أن تجد فيلسوف استخدمه باتساق و معنى واحد فى جميع مؤلفاته ، لذا فإذا طرحنا سؤال ما هو الجدل ؟ ، ستكون الإجابة مستحيلة بدون دراسة ما مرت به الكلمة من أختلافات لتصف ألواناً شتى من التصورات و المواقف ، فهناك جدلية مثالية ، مادية جدلية ، تاريخ جدلى ، منطق جدلى ، حرية جدلية ، ضرورة جدلية ، و هناك جدل الطبيعة ، جدل المجتمع ، جدل الذات ، جدل العلم ، جدل العواطف ، جدل الأفكار … الخ ، باختصار لا نستطيع استخدام المصطلح استخداما مجديا إلا إذا اشرنا بدقة إلى المعنى الذى استخدم فيه ، من الناحية السياسية كان هيجل محافظا ، تحمس لبونابرت ، و جاء كتابه "فلسفة الحق و القانون" كرد فعل على هزيمة نابليون ، نادى بالحكومة الدستورية إلا أنه كان يفضل النظام الملكى على الديمقراطية ، كان يشارك البورجوازية فى شكوكها للطبقة العاملة ، استهوت أفكار هيجل الليبراليين المعتدلين فهم رؤوا فيها ما يناسب توجهاتهم البورجوازية بالرغم من إن هيجل كان ضد الفردية إلا أنه فى نفس الوقت لم يكن اشتراكيا ، تبنت عدد من الحركات الإصلاحية المجتمعية أفكار هيجل ، و أنتشر تلامذته ما بين أقصى اليمين إلى الوسط المعتدل إلى اليسار الثورى مثل كارل ماركس و فيورباخ و بلينسكى

13) أرتور شوبنهاور فيلسوف مثالى ألمانى عاش فى الفترة ما بين 1788 – 1860 ، كان العدو اللدود للمادية و الجدلية ، و ضع المثالية الميتافيزيقية معارضا الفهم المادى للعالم ، و برغم توافقه مع كانط فى كثير من الآراء إلا أنه ذهب إلى القول بإن الإرادة العمياء و اللاعقلانية هما الأساس و الجوهر ، أضف إلى ذلك إن مثاليته الإرادية هى شكل من أشكال اللاعقلانية ، و إن الإرادة التى تسيطر تستبعد قوانين الطبيعة و المجتمع و من ثم تستبعد المعرفة العلمية ، و كان لآراء شوبنهاور الجمالية تأثير كبير و كان من مناهضى المذهب الواقعى فى الفن ، اشهر مؤلفاته كتابه الشهير "العالم كإرادة و تصور" الذى صدر فى عام 1819

14) لويس بلانك اشتراكى طوباوى فرنسى ، كانت مقالاته فى صحيفة الإصلاح الثورية الملتهبة لها وقع قوى فى نفوس الجماهير الفرنسية ، ، اختير وزيرا فى الحكومة المؤقتة على أثر ثورة 1848 ، و لكن بعد سحق الثورة تم نفيه إلى أنجلترا حيث بقى فى منفاه حتى عام 1870 ، خلال فترة المنفى كان تركيز بلانك فى كتابة الأبحاث فى التاريخ الفرنسى ، و فى الأحوال السياسية و الاجتماعية البريطانية ، و بعد سقوط نابليون الثالث عاد بلان إلى باريس عام 1871 ، لكنه رفض المشاركة فى ثورة كومونة باريس و بقى على الحياد ...

15) ولد أوتو فون بسمارك Otto von Bismarck فى مدينة براندنيورج فى 1815 من أسرة أرستقراطية من أصحاب الأرض (اليونكرز) تحرج من جامعة بوتنجن بمدينة هانوفر ، و عندما وقعت أحداث 1848 أقترح على الملك إخماد الثورة بالقوة ، و طلب منه السماح باستخدام فرقة من فلاحيه للقضاء عليها ، و فى عام 1849 أنتخب لأول مرة عضوا فى البرلمان البروسى ، و كان موقفه متشددا ضد الأغلبية الليبرالية ، و بعد حل برلمان فرانكفورت عين مندوبا لبروسيا فى مجلس الدايت الألمانى ، ثم عين عام 1859 سفيرا لبروسيا فى موسكو ، ثم أنتقل إلى باريس سفيرا عام 1861 حتى تم استدعاءه لتولى رئاسة الوزراء فى 1862

16) لم يكن أى قطر من الأقطار الألمانية قد عرف حق الانتخاب المباشر للجميع حتى ذلك التوقيت

17) ميخائيل ألكسندروفيتش باكونين روسى أرستقراطى وضع أُسس لمذهب الفوضوى (الأناركية) ، تعمق فى دراسة كل من فيختى و هيجل ، اشترك فى ثورة 1848 – 1850 فى براغ و دورسدن ، و عندما عاد إلى موسكو فى عام 1851 ألقى به فى السجن ، و من ثم تم نفيه إلى سيبريا ، لكنه فر من منفاه فى عام 1861 ، و لجأ إلى أوروبا الغربية ، و دخل فى جدال حامى مع ماركس حيث عارضه فى مفهوم الصراع الطبقى و ديكتاتورية الطبقة العاملة ، اشهر مؤلفاته "سلطة الدولة و الفوضى" الصادر فى عام 1877

18) أنتشر خلال سبعينات القرن التاسع عشر تيار فى ألمانيا أطلق عليهم اشتراكيو المنابر أو الدولة ، من أبرز الوجوه لهذا التيار جوستاف شموللر ، لويو برنتانو ، أدولف فاجنر ، كارل بوشر و غيرهم ، أتخذوا موقفا معارضاً للماركسية و للحزب الديمقراطى الاجتماعى داعين إلى موقف إصلاحى على قاعدة السلام الطبقى ، و قد اعتبروا تأميمات بسمارك للسكك الحديدية و غيرها بمثابة اشتراكية دولة و قد وجه كل من ماركس و إنجلز نقدا شديدا لهذا التيار

19) كان ماركس معجبا اشد الإعجاب بعبقرية سان سيمون ، و إذا كان سيمون قد جهل فى كتاباته الأولى التعارض بين البورجوازية و البروليتاريا ، التى كانت فى مهدها فى تلك الفترة بفرنسا ، و إذا كان قد صنف العمال ضمن الفئة البورجوازية التى تشتغل بالإنتاج ، إلا إن ذلك يقابل مفاهيم فورييه الذى كان يريد أن يحقق المصالحة بين الرأسمال و العمل ، و يفسر من خلال ذلك الوضع الاقتصادى و السياسى بفرنسا ، بينما أوين كان قد توصل إلى منظورات أعرض ، و ذلك لأنه كان يعيش فى قلب الانقلاب الصناعى و التضادات الطبقية فى أنجلترا


المصادر

• هربرت فيشر – أصول التاريخ الأوربى الحديث – ترجمة د. زينب عصمت راشد ، د. أحمد عبد الرحيم مصطفى – دار المعارف المصرية – الطبعة الثالثة 1970
• لوسيان سيف – البنيوية و الماركسية – ترجمة عبد الحميد عبد الله – دار إبن خلدون – الطبعة الأولى 1981
• فرنان برودل – الحضارة المادية و الاقتصاد و الرأسمالية من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر – المجلد الثالث – ترجمة مصطفى ماهر – المركز القومى للترجمة - الطبعة الأولى 2013
• برنار جروتويزن – فلسفة الثورة الفرنسية – ترجمة عيسى عصفور – منشورات عويدات – الطبعة الأولى 1982
• ألبير سوبول – تاريخ الثورة الفرنسية – ترجمة جورج كوسى - دار منشورات عويدات – الطبعة الرابعة 1989
• د. لويس عوض – الثورة الفرنسية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – الطبعة الأولى 1992
• نيكوس بولانتزاس - السلطة السياسية و الطبقات الاجتماعية – المجلد الأول – ترجمة عادل غنيم – دار الثقافة الجديدة – الطبعة الثانية 1982
• هوراس دايفيس – القومية و الاشتراكية ”النظريات الماركسية و العمالية حول القومية حتى عام 1917“ - ترجمة فضل شلق – دار الحقيقة للطباعة و النشر – الطبعة الأولى 1971
• د. إمام عبد الفتاح إمام – دراسات هيجيلية – دار الثقافة للنشر و التوزيع – الطبعة الأولى 1984
• إيمانويل كانط – تأسيس ميتافيزيقية الأخلاق – ترجمة عبد الغفار مكاوى – الدار القومية للطباعة و النشر – الطبعة الأولى 1965
• هـ . أ. ل. فيشر - تاريخ أوروبا فى العصر الحديث 1789 – 1950 – ترجمة أحمد نجيب هاشم ، وديع الضبع – دار المعارف المصرية – الطبعة السادسة 1972
• جيمس كونولى – حرب الشوراع ”تجربة سبع ثورات“ - ترجمة منير شفيق – المؤسسة العربية للدراسات و النشر – الطبعة الأولى 1972
• كارل ماركس ، فردريك إنجلز – الأيديولوجية الألمانية – ترجمة د. فؤاد أيوب – دار دمشق – الطبعة الأولى 1976
• د. محمود زيدان - كانط و فلسفته النظرية – دار المعارف المصرية – الطبعة الثالثة 1979
• كارل ماركس ، فريدريك إنجلز ، فلاديمير لينين – الشيوعية العلمية – ترجمة د. فؤاد أيوب – دار دمشق الطبعة الأولى 1972








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع