الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ اجرم بحق جدي

داود السلمان

2020 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لو اقتحم دارك، في ساعة متأخرة من الليل، مجموعة من الـ(دواعش)، مدججون بالسلاح وبلباسهم المرعب المعهود، وبمنظرهم القبيح، فشهروا سلاحهم بوجهك، وطلبوا منك، بل هددوك بالحال، بأطلاق نيرانهم برأسك، واردوك قتيلا، أو قتل ابنتك ذات الاربعة اعوام، فزاغ بصرك نحوها ونظرت اليها وهي غارقة بأحلامها الطفولية البسيطة، ومحتضنة دميتها الصغيرة، ونائمة بكل هدوء واطمئنان، وهي على يقين بأنها بأمان طالما أن والدها بجنبها.
ماذا ستفعل؟. هل ستقول: هيا...! صوبوا بنادقكم.. اطلقوا نيرانكم.. أملئوا رأس طفلتي بالبارود.. واتركوني اعيش بقية عمري بسلام!...كلا.. والف كلا.. بل ستقول، وعلى الفور، اقتلوني واتركوا ابنتي هذه الصغيرة، اتوسل اليكم.
لماذا تقول هذا الكلام؟. والسبب ببساطة أن حب ابنائنا هو غريزة ربانية، منحها الله ايانا، وزرعها في قلوبنا. محبة لا شعورية، ادراك نفسي يسري في دمائنا. لذلك فنحن نفديهم بأرواحنا، نجوع كي لا يجوعون، نعطش كي لا يعطشون، نسهر حتى ينامون، نمرض قبلهم اذا داهمهم المرض، تقظ مضاجعنا، ونخاصم النوم لأجلهم.
ادخل الى عالم الحيوان، انظر الى الدجاجة ستراها كيف تحمي صغارها من القطط ومن الثعالب، او من أي حيوان يريد الاعتداء على اسرتها هذه الصغيرة. انظر الى الفيل ماذا يفعل حينما يجد الاسد يتربص به لكي يغافله ويهجم على صغيره، ليلتهمه لقمة سائغة. أنظر الى أي حيوان آخر، غير الدجاجة والفيل، أنظر حتى لأبسط حشرة وانتظر رد فعلها، حينما تجد الشر محدقا بصغيرها.
فالغرائز، إذن، اوجدها الله حتى في الحيوان الاعجم، وحتى في الحشرات، وغيرها من كافة المخلوقات.
والسؤال موجه الى جدي قبل خمسة عشرة قرنا: لماذا يا جدي قتلك ابنتك، فلذة كبدك.. ابنتك التي هي قطعة منك؟!.
يقول جدي: قتلتها لأنني لا اجد ما اطعمها به، فالحياة صعبة، وانا غير ميسور الحال، ثم أني واخاف عليها من اللصوص.
كان جدي مطرقا، ورأسه منحنيا الى الارض؛ كأنه بين يدي قاض التحقيق.
ثم، اخيرا، رفع رأسه وقال: كانت القبائل تغزوا بعضها بعضا، فتسلب الاناث، وتقتل الرجال، والقبيلة الضعيفة هي دائما تكون الضحية!. (مدافعا جدي عن نفسه).
لم اكن مقتنعا فيما قال جدي، أو بالأحرى، الذي كتب تاريخ جدي كان يفتري عليه، فالحيوان الذي يحمي صغاره من المخاطر ليس احن قلبا من قلب جدي. اين انسانية جدي واين مرؤته؟. بل اين ضميره وغيرته على ابنائه؟. اليس هو عربي والعرب- كما قيل- لهم شيمة ومروءة، وكانوا يقرون الضيف ويسعفون الملهوف. اين غابت حنكة جدي وحكمته؟.
كلنا يعلم أن التاريخ كُتب بعد فترة طويلة من انبثاق الاسلام، أي بالفترة التي اطلقوا عليها بـ "عصر التدوين". فكيف للكتاب والمؤرخين أن يكتبوا في تفاصيل هي قمة في الدقة والحساسية والاحداث الجسام، ولحقبة طويلة تفصلهم عن تلك الاحداث، وهذا الكم الهائل من السنوات، كيف يصدق العاقل.
جدي مفترى عليه، جدي كان يحب ابنائه، وكان حريصا عليهم. جدي لم يكن متوحشا، ولا مجرما، إن التاريخ اجرم بحق جدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية