الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا ووعي المشتغلين بالعلوم الاجتماعية

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2020 / 6 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


فجأة التفت نفر من المشتغلين بالعلوم الاجتماعية والسوسيولوجيا خصوصا الى اهميتها في دراسة الاوبئة والامراض وكأنهم اكتشفوا شيئا جديدا مع ان تاريخ المجتمع الانساني وتاريخ الاوبئة يشير الى التناول الاجتماعي باستمرار تجاه الاوبئة من منظورات انتربولوجية واجتماعية وفلسفية وكثير من المخزون التاريخي المتبلور في معتقدات ومقولات الثقافة الشعبية ثم ما تراكم من منظورات عقلانية وعلمية التي تم تأصيلها منذ الثورة الصناعية تباعا حتى اليوم .. وهناك عشرات من الكتب والدراسات التاريخية والاجتماعية والثقافية التي تتناول كيفية تعامل المجتمعات والشعوب مع الامراض والاوبئة كل وفق مستوى التطور الذي وصل اليه ..الجديد ان حقل السوسيولوجيا ركز في بلادنا العربية على الايدولوجيا والاعجاب بالدولة والصراع الطبقي او اتجه نحو تقليد الدراسات الامريكية وفق النظرية الوظيفية التي تعتمد الاحصاء وفق استطلاعات انطباعية دونما اهتمام بالبنى الاجتماعية والسياقات المولدة للظواهر الاجتماعية ومنها ظاهرة الاوبئة والامراض المعدية ..
فأمراض واوبئة سابقة مثل الايدز ، انفلونزا الخنازير ، سارس ، أيبولا ...الخ لم تثر حماس هؤلاء الذين ظهروا حاليا واكتشفوا ان للعلوم الاجتماعية دور واهمية ..وهذا يرجع من وجهة نظري الى ضعف الدور المؤسسي للعلوم الاجتماعية لأن المؤسسات الاكاديمية تعتمد الاهتمام الصفي ويقل معها النزول الميداني كما يقل الدعم الموجه للأساتذة والطلاب لأجراء أبحاث ودراسات ميدانية ، كما تخلوا تلك المؤسسات من اجندة بحثية يتم اعتمادها سنويا وفق مواضيع متعددة ومتنوعة ترتبط بقضايا المجتمع الحقيقية ووفق اولويات معاشة تهم عامة المجتمع وخاصته ...وهنا كانت الجائحة كورنا وتأثيرها المباشر في الافراد والاسرة والدول والمجتمعات وكأنها ايقظت المشتغلين بهذه العلوم مع اخرين للاستفسار وطلب الاجابات عن هذا الوباء وما يصنعه في الانسان والمجتمع بل ما يصنعه في المدنية وهي زهرة التطور الحداثي في العالم كله ..
وللعلم لاتزال العلوم الاجتماعية بعيدة عن كثير من القضايا الحساسة في مجتمعاتنا فالطرح التحليلي الناقد للظاهرة الدينية ومضمونها وممارساتها وطقوسها لاتزال قليلة الاهتمام والتناول العلمي من منظور سوسيولوجي ، إضافة الى قضايا الديكتاتوريات والمسألة الجنسية والفساد والتبعية جميعها لايزال الاهتمام العلمي بها قليلا وضعيف المحتوى وغالبا يتم تناولها بطريقة صحفية واعلامية .. والتحليل السوسيولوجي لايزال يحبو تجاه مسائل الصراع الطبقي ومكوناته والتوجهات التي تشكله اقتصاديا وسياسيا .. وقضية العدالة والمساواة ، ناهيك عن قضية الاقتصاد السياسي للحروب الاهلية التي مفتاح رئيسي كاشف لمسألة الصراع الراهن في عشر دول عربية بل في عموم المنطقة والعالم كله ومن ذلك فهم مسألة التمييز العنصري في امريكا واروبا من هذا المنظور التحليلي ..
والاهتمام العالمي من منظور تحليلي ناقد لمسألة الدولة واهميتها المحورية كناظم للسياسات والممارسات الانتاجية والمجتمعية واهميتها في حماية المواطن من الاوبئة والامراض الفتاكة من هنا لم تهتم كثير من الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بنقد التحول نحو النيوليبرالزم واقتصاد السوق في مرحلة لم تتمكن الدولة في مجتمعاتنا من القيام بالدور المناط بها اصلا منذ نشأتها الحديثة . وهذا الوباء القاتل اظهر اهمية الدولة في الغرب الرأسمالي وتمت مراجعة فورية من قبل الادارات الحكومية وتقبل الشركات والافراد لدور الدولة تجاه حماية شعوبها ودعمها للمشافي والافراد اقتصاديا وهو الدور الذي طالما تغنى بغيابه رموز النيوليبرلزم منذ صعود التاشرية والريجانية . وقد كتبت اكثر من مقال في هذا الصدد مطالبا المثقفين و الاكاديميين بالدعوة لتجديد دور الدولة في وظائفها وممارساتها وادوارها ولكن ليس تغييب هذا الدور او هدم الدولة ذاتها كما يحدث اليوم في العراق وليبيا واليمن وسوريا ومن قبل الصومال ولبنان وافغانستان واهتزاز هذا الدور في بقية البلدان العربية ..
الدولة ككيان سياسي قانوني حداثي يمثل المجتمع ويديره وفق نص الدستور مطلوب منها الحضور بوظائفها الانمائية والانتاجية ودعم الافراد لحماية حقوقهم الاساسية وتعزيز النسيج الاجتماعي من التمزق والتشظي كما يحدث في دول الربيع العربي (ليبيا واليمن والعراق وسوريا )... اذا ..المهمة لاتزال مناطة بالعلوم الاجتماعية لتشكل رافعة بنيوية تجاه تعزيز الفكر العلمي والعقلاني بين الطلاب وفي عموم المجتمع وتساهم في صنع السياسات كشريك فاعل مع الاخرين .. وعلى المشتغلين بهذه العلوم مزيدا من الوعي والادراك لأهمية ادواهم ومدى قدرتهم في التأصيل النظري للمفاهيم والقضايا التي ترتبط بواقع مجتمعاتهم ومدى ارتباطهم بهذه المجتمعات من خلال البحث العلمي الامبريقي وقدراتهم التحليلية لان الاكتفاء بعرض جداول إحصائية لا يحقق حضور لهذه العلوم ولا ينع لها فاعلية في المجتمع ولا يصنع باحثين أصلا ...
في هذا السياق يتطلب وعي الحكومات العربية بهذه العلوم واهميتها الكبيرة ناهيك عن الاقرار بان السياسات الحكومية يجب ان تعتمد على العلم ومنطق والدراسات والابحاث للواقع المجتمعي بكل مجالاته وقضاياه وليس اعتماد رؤى وتصورات افراد او احزاب وفق تعبيرات وصفية ..وعلى المشتغلين بالعلوم الاجتماعية خاصة السوسيولوجيا العمل وفق مجموعات بحثية في اطار منهج الشراكة داخل البلد الواحد او داخل البلدان العربية المتعددة ..لتتشكل من ذلك مجموعات بحثيىة ومدارس فكرية تسهم في تطوير العلوم بحثيا ومعرفيا ونظريا وتضيف جديدا من خلال اسهاماتها البحثية والنظرية ..
وفي واقع مجتمعي لايزال يقلل من اهمية هذه العلوم بل وتنتشر فيه الثقافة الشعبية كما تجلت في التعبيرات تجاه كورونا في اكثر من بلد والاقرار بان هذا الوباء انما هو عقاب الهي وفقا للانحراف عن الخط الديني الطقوسي او ان الجائحة مؤامرة غربية ، وانها مسألة قدرية ، وفق سياق ثقافي وديني يعزز من اللاعقلانية والفكر الغيبي ..لابد من تحليل الظاهرة الدينية وخطابها وكيفية فهم ذلك الخطاب وتنزيله مجتمعيا وفق مقتضيات زمانية ومكانية متغيرة ومتجددة وكيفية تجديد هذا الخطاب ليكون جزءا من مسار مدني عام في المجتمع ..
من هنا يكون الدور كبير امام المشتغلين بالعلوم الاجتماعية لبلورة ثقافة عقلانية في المجتمع واشاعة المنظور العلمي تجاه فهم الأوبئة ومصارها وتشكلها والاشادة بأهمية التطبيب واعتماد كل سبل الوقاية المقرة من المرجعيات الصحية العالمية ، والدعوة للمؤسسات المالية في دعم المراكز الطبية والبحثية لمزيد من الاهتمام بصناعة علاج او لقاح يقلل او يعالج المصابين من هذه الجائحة ويخلق طمأنينة وثقة افضل لدى الافراد تجاه حياتهم ومستقبلهم .. والمطلوب دراسات اجتماعية تحليلية للثقافة الشعبية والسياقات المولدة للفكر اللاعقلاني ووضع البديل الفكري والثقافي من خلال نشر وتعميم الفكر العلمي الذي يجب ان يكون له الكلمة الاقوى في مواجهة الاوبئة دعما لحياة الانسان واستدامة وجوده الاجتماعي وتدفق ابداعاته وحضارته . والفكر العلمي مطلوب ايضا كمرتكز لتأسيس دولة مدنية في مجتمعاتنا العربية ، دولة تتسع معها فضاءات الحرية والممارسة الديمقراطية لنخرج معها من سياق الثيوقراطية والادعاء باحتكار الدين تأسيسا للمجتمع المفتوح بمدنيته وثقافته العقلانية ...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟