الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيادة من الخلف تحاول اسقاط ترامب (2)

طارق الهوا

2020 / 6 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


منذ نشأة الولايات المتحدة التي نعرفها اليوم بعد سلسلة الحروب الأهلية، لم تشهد نتائج أي انتخابات ما حدث عقب انتخاب دونالد ترامب، كان الخاسر في تاريخ كل الانتخابات الرئاسية يقبل النتائج كما هي ويحتفظ بمشاعره الخاصة لنفسه، وطالما عمل المهزوم مع الطرف الفائز من أجل خدمة الدولة، ولم يشهد التاريخ الأميركي ما شهده منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة من انقسامات حادة، وفق المعايير العرقية أو الدينية أو المذهبية أو على مستوى الهويات الآيديولوجية، نتيجة لسياسات "تحالف طيف الأقليات الاميركية" الذي أنشأه حسين أوباما سنة 2008، وبعد مرور السنوات من إذكاء "الاستياء عميق الجذور" تمكن هذا التحالف من نشر الاستياء في المجتمعات الاميركية وداخل السياسة بشكل أعمق، وكان طبيعياً أن يستثمر السياسيون هذه الحالة كل حسب توجهاته، لدرجة متاجرة العنصري منهم بالغبن الواقع على بعض الفئات، أو طلبه بالقصاص للأخطاء التي حدثت أو المفبركة التي طالت أجدادهم الذين وصلوا أميركا منذ قرون.
لم يخترع حسين أوباما ثقافة "الأستياء عميق الجذور"، فهو رجل لا يستطيع الاتيان بجديد، بل اقتبسها من الفرنسيين، وبدلا من اتخاذ وصوله للرئاسة نقطة تحول في تاريخ السود والمجتمعات التي لا تنتسب للعرق الأبيض في أميركا، والأخذ بيدهم للوصول إلى البيت الأبيض، كما كان أمل أنطونيو فيلاريغوزا محافظ لوس آنجلوس المنتسب للعرق اللاتيني الذي قابله أوباما بكل تحفظٍ وتعالٍ وبرود، طاف بنفسه في دول العالم وهو رئيس وبعيداً عن الرئاسة لنقل صورة الاميركي سيء السمعة الذي لم يقدم الاعتذار للضحايا من الأعراق الأخرى، وكأن وصوله بمؤازة الناخبين الاميركيين وعلى رأسهم العرق الأبيض لم يكن الإنصاف أو الاعتذار المناسب، لكنه تدارك الأمر قبل الانتخابات التي جعلته رئيساً لمرة ثانية، ورفع شعار "أوباما رئيس كل الامريكيين!" بعدما تهاوت شعبيته، وسوّقه بالمال والهدايا وحضوره أثناء خطاباته وفي خلفية الصورة التلفزيونية أشخاص من أعراق مختلفة، وتجنيد بعض ممثلي هوليوود، وابتلع المستهلك الاميركي هذه البضاعة البرّاقة فاقدة المصداقية وانتخبه.
استخدم أوباما في فترة رئاسته الثانية كل الشخوص المناسبة لتسويق فكرته المقتبسة عن الفرنسيين، وفي آخر أيامه في البيت الأبيض السيدة أنطق السيدة الأولى في خطابها أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي خلال انتخابات ترامب/كلينتون الرئاسية، بمعلومات مزورة تاريخيا: "إنها تستيقظ صباح كل يوم داخل البيت الأبيض لتتذكر أن ذلك المبنى الذي تُحكم منه البلاد قد بنته سواعد العبيد السود".
وصلت المتاجرة بلون البشرة إلى تزوير التاريخ، فالبيت الأبيض الأول، الذي عاش فيه الرئيس جون آدامز سنة 1800، كان من تصميم المهندس المعماري الآيرلندي الأصل جيمس هوبان وبناه عمال آيرلنديون، ثم حرق البريطانيون هذا البيت سنة 1814 في حريق واشنطن الكبير، وبعد استعادة المبنى وترميمه، شهد البيت الأبيض عدة تجديدات سنة 1901 وسنة 1927 وسنة 1946، بعد فترة طويلة من إلغاء الرق في الولايات المتحدة، وفي سنة 1948، في عهد الرئيس هاري ترومان، أعيد تصميم المبنى بالكامل بوضعه الحالي، الذي كان يسبب الاحباط للسيدة الأولى ويضع الرئيس أقدامه على مكتبه وهو يتحدث مع نائبه وكبار موظفيه، وهو ما لم يفعله الرؤساء البيض (العنصريون).
رغم تشكيك كبار المحللين السياسيين في نجاح نشر فكرة "الاستياء عميق الجذور"، نجح حسين أوباما في تسويقها على المستوى الشعبي وسمع الاميركيون لاعب كرة القدم الشهير كولن كابرنك، يقول إنه حتى يكون نجم كرة القدم في فريق سان فرانسيسكو رفض الوقوف احترامًا أثناء عزف السلام الوطني للولايات المتحدة المعروف باسم "الراية الموشحة بالنجوم"، وقال تبريرا لعدم احترامه لعلم بلاده ومتاجرته الواضحة للوصول إلى النجومية والشهرة على مستوى الأمة: "لم أكن لأقف احتراما وتبجيلاً لراية دولة تقمع المواطنين السود والمواطنين الملونين على أراضيها". وعنى اللاعب آنذاك حادثة إطلاق نار من بعض رجال الشرطة الأميركيين على عدد من المواطنين الأفارقة في ظل ظروف تتسم بالريبة.
حرر أبراهام لينكون، بحروبه واغتياله هو شخصيا، العبيد وجعلهم أحراراً وجاء أوباما ليذكرهم بعبودية لم تعد موجودة ويشجعهم على الانتقام من الحاضر بالتاريخ! إساءة بالغة لأحرار لا أفهم كيف يبتعلها السود!!
هكذا أصبح حسين أوباما الناخب الأول الذي أوصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لأنه نمّى عند الجنس الأبيض شعور الخوف بتقلص النفوذ، بل والهلع من الانتقام على المدى الطويل إذا تمكن غيرهم من حكم الولايات المتحدة، وبدلا من أن يكون الاختلاف في الاعراق مصدر قوة أميركا، بوصول رئيس من أصول أفريقية إلى الحكم وتبني هذا الرئيس الأسود (بالمناسبة كان أوباما يقول أنه غير أسود!) لأصحاب الطموح والكفاءة من غير العرق الأبيض للوصول إلى الرئاسة، أصبح تعدد الأعراق مصدر تهديد لها، فقد تبيّن بعد قرون من تبني سياسة الهجرة أن قطاعات كبيرة في المجتمعات الاميركية تكره الدولة، وبعضهم يربي أولاده على أنهم لا ينتمون إلى أميركا!
كان طبيعيا أن يسود العرق الابيض على كافة المستويات لأنه مؤسس الولايات المتحدة، وجريمة إبادة العرق الاميركي الأصلي كانت اسلوبا معروفا في التاريخ استعملته كل المجتمعات وحتى الأديان، لكن الرجل الأبيض نفسه صحح المسار فالأفارقة حررهم أبراهام لينكون وهو أبيض، والمواطن من العرق الأميركي الأصلي لا يدفع الضرائب، ومبادىء الرئيس الأبيض وودرو ويسلون الاربعة عشرة كانت نواة عصبة الأمم، والدولة المدنية الاميركية اليوم مؤسَسَة على المساواة في الوظائف، لكن المؤسف أن أعضاء الجاليات أنفسهم هم الذين يخربون هذه المساواة، فالعمل ذو الأغلبية اللاتينية صعب جدا أن يوظفوا شخص شرق أوسطي فيه، والعمل الذي يسيطر على نسبته الكبيرة العنصر الأسود لا يوظّف عنصر آخر سوى بصعوبة بالغة أو إذا كانوا فعلا بحاجة إلى مواهبه.. وهكذا.
ما يثير الانتباه هو أن الكنيسة ذات الأعضاء من أصول أفريقية يستحيل أن يكون شخص آخر عضو فيها، لأنه سيجد صوبة كبيرة في الاختلاط بهم، بينما راعي هذا الكنيسة يتحدث عن تسامح المسيح وإنسانيته وعنصرية الرجل الأبيض. ورغم أن الفتاة البيضاء لا تجد غضاضة في مواعدة شاب أسود، إلا أنني رأيت العديد من قصص الحب هذه تنتهي بزواج الشاب من فتاة سوداء لإستحالة قبول مجتمعه بفتاة بيضاء وسطهم، ثم يتباكون على العنصرية. ومن العبارات المحفورة في ذاكرتي ما قاله محمد-علي كلاي عن سبب تحوله للإسلام: "كل شيء أبيض في المسيحية حتى المسيح والعذراء"، وكأن محمد والصحابة من أصول أفريقية.
المشكلة في الولايات المتحدة ( ودول الهجرة بشكل عام التي ستنفجر فيها القنابل العرقية نفسها) مشكلة إنتماء ، فكل من رأيتهم من غير العرق الأبيض في الولايات المتحدة جاءوا من بلاد تعاني وهربوا وكذبوا في الاوراق الرسمية للهروب من هذه المعاناة، لكنهم لا يقدرون ولا ينتمون إلى الولايات المتحدة سوى بشهادة التجنس. بمجرد سؤالي لشخص من غير العرق الأبيض عن وطنه الأساسي يبدأ في سرد قصة تباهي وحب لبلده، وعندما أوجه السؤال نفسه للعرق الأبيض تكون الاجابة: لا أعرف أو هذه حكاية قديمة جدا سمعتها من جدي.
كان من المفترض أن يكون وصول أوباما بداية النهاية لهذه الامور، تماما مثلما أنهى انتخاب البابا يوحنا بولس الثاني احتكار الإيطاليين لكرسي البابوية، لكن حسين أوباما كان سلفياً كبيرا يعيش في الماضي ويريد فرضه على المستقبل بدلا من التحرك للأمام. رجل غير رؤيوي عمّق ما تعاني منه المجتمعات الاميركية بدلا من فتح صفحة جديدة، في بلد الفرص والوفرة والامكانيات الهائلة وتعدد الأعراق، رغم الدعم الهائل الذي تلقاه. حتى جائزة نوبل للسلام التي منحوه إياها كانت فاتحة للزلزال الكبير الذي أحدثه في الشرق الاوسط. زلزال على شاكلة حسين أوباما "الحياة في الماضي".
أنهي الجزء الثاني من مقالي كما بدأته. تحالف القيادة من الخلف يريد إسقاط دونالد ترامب قبل موعد إنتهاء ولايته، وقد اتخذوا من موت جورج فلويد المريب بملابساته شرارة البدء، وإذا لم ينجحوا فعدم انتخابه مرة ثانية هو الهدف، لدرجة أن جو بايدن أصبح مثل حكام الشرق الاوسط وأفريقيا وقال علانية: إذا فاز ترامب بالرئاسة بالتزوير فيجب على الجيش الاطاحة به. الرجل نسى تماما أنه مواطن في بلد فيه محاكم وكونغرس.
تحالف القيادة من الخلف هم الدولة العميقة التي تريد أن تصبح صناعة الولايات المتحدة هي المال والبورصة والشركات العملاقة الافتراضية، ولا يهمها من يحكم ولا شخصية البلد ولا ثقافته ولا حضارته طالما هي تجمع المال من المستهلك، والحزب الديمقراطي المتحالف مع اليسار الذي نسى يساريته الحقيقية، وفرع الخلافة الاسلامية في الولايات المتحدة المتلّون المتعاون مع الجميع. كل فريق له أهدافه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟