الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط الدائنين

إلهامي الميرغني

2020 / 6 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


منذ بدء انتشار وباء كوفيد – 19 لجأت عدة دول في العالم من موريتانيا الي فرنسا لإطلاق حزمة إجراءات لدعم المتضررين شملت اعفاء من سداد فواتير الكهرباء والمياه والغاز وايجار المساكن وصرف إعانات مالية للمتضررين.ورغم انخفاض اسعار النفط والغاز الطبيعي ووجود فائض في انتاج الكهرباء اصدر وزير الكهرباء قراراً بتثبيت أسعار الكهرباء للصناعة لمدة خمس سنوات وتحمل وزارة المالية 22 مليار عن المستثمرين ورجال الأعمال. بينما تم رفع اسعار الاستهلاك المنزلي بنسب تراوحت بين 17% و30% مع بشري للكادحين باستمرار الزيادات سنوياً للمستهلكين بالمنازل حتي عام 2024.
رغم أوضاع الفقر والفقراء واتساع دائرة الفقر نتيجة الوباء ورغم تحذيرات الجهات البحثية من خطر انعكاسات الوباء علي الطبقات الفقيرة صدر قرار وزير الكهرباء برفع اسعار الكهرباء ليستكمل تنفيذ إملاءات المقرضين الدوليين المسيطرين علي 30% من ديون مصر الخارجية التي بلغت 1.7 تريليون جنيه في سبتمر 2019. اضافة الي ثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات والكويت تسيطر علي 25% من ديون مصر الخارجية بينما الاتحاد الأوروبي له 14% من هذه الديون.
مهم ونحن نتحدث عن رفع اسعار الكهرباء وأحوال الفقراء ولمصلحة من تصدر الحكومة التشريعات والقرارات علينا ان نعرف ان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فقط يسيطرون علي 20% من ديون مصر الخارجية وفقاً لتقرير البنك المركزي.لذلك نركز في هذا الجزء علي رؤية الصندوق والبنك لقطاع الكهرباء في العالم وفي مصر بشكل محدد.
مؤسسات التمويل الدولية والرأسمالية العالمية
في أعقاب الحرب العالمية الثانية اجتمعت 44 دولة في بريتون وودز في يوليو 1944 ووقعوا اتفاق لتنظيم الاقتصاد العالمي بعد الحرب واقر المؤتمر إنشاء صندوق النقد الدولي الذي بدأ نشاطة عام 1947.وشهد المؤتمر نهاية السيطرة البريطانية علي النظام الرأسمالي العالمي وصعود الرأسمالية الأمريكية لقمة النظام العالمي بعد الحرب.كما شهد المؤتمر صراع حول دور الصندوق وادارة الاقتصاد العالمي بين جون ماينرد كينز وزير المالية البريطاني وهاري دكستر وايت رئيس الوفد الأمريكي ورفض المؤتمر خطة كينز المعتمدة علي التمويل الأمريكي لخطة التنمية بعد الحرب.وتم اعتماد الخطة الأمريكية التي استحدثت نظام نقدي عالمي جديد لم تكن له أي قرينة في تاريخ النقود ابداً، نظام نقدي يتمحور حول الدولار الأمريكي أولا وأخيراً. وذلك لأن الدولار كان قد أنيط به أن يكون الأساس في تحديد أسعار باقي عملات العالم ، فسعره بات محدداً وثابتاً مقابل الذهب.كما طالبت الخطة الأمريكية بضرورة تأسيس منظمات دولية مختلفة، تكون مهمتها في مراقبة عمل النظام النقدي الجديد ، وفي العمل علي استقرار هذا النظام ، وذلك من خلال منح القروض للبلدان ، التي تعاني من مشاكل في ميزان المدفوعات.
(أرنست فولف – صندوق النقد الدولي قوة عظمي في الساحة العالمية – سلسلة عالم المعرفة – إبريل 2016 – صفحة 25 )
اسفر مؤتمر بريتون ودز عن ميلاد صندوق النقد الدولي والذي وقع علي اتفاقية إنشائه 29 دولة ووصل عدد أعضائه الآن الي 189 دولة.واعتمدت الخطة الأمريكية للسيطرة الاقتصادية علي النظام العالمي بعد الحرب علي ثلاث منظمات هي صندوق النقد الدولي ويعمل علي السياسات النقدية والمالية للدول التي تحتاج للمساعدة،والبنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD) والمؤسسة الدولية للتنمية (IDA)، اللذان يشكلان معا البنك الدولي، التمويل والمشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية إلى حكومات البلدان النامية. وينصبّ تركيز المؤسسة الدولية للتنمية على بلدان العالم الأشد فقراً، أما البنك الدولي للإنشاء والتعمير فيساعد البلدان متوسطة الدخل مثل مصر والبلدان الأفقر المتمتعة بالأهلية الائتمانية ويقوم بتمويل مشروعات بشرط الالتزام بتوجهات الصندوق في إدارة الاقتصاد العالمي.كما تركز مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA) والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) على تدعيم القطاع الخاص في البلدان النامية. ومن خلال هذه المؤسسات، تقدم مجموعة البنك الدولي التمويل والمساعدة الفنية والتأمين ضد المخاطر السياسية وتسوية المنازعات للشركات الخاصة، ومن ضمنها المؤسسات المالية. هذه هي المنظومة المؤسسية للعولمة والتي تدير النظام العالمي ويضاف إليهم منظمة التجارة العالمية التي تأسست عام 1995 وتضم 164 دولة .
نعود لكتاب فولف حيث يري إن تدخلات الصندوق ظاهرها استقرار النظام المالي العالمي ومساعدة البلدان المأزومة علي تلافي ما تعانيه من مشاكل.غير ان تدخلاته تبدو اشبه ما تكون بغزوات جيوش متحاربة. فإنه كان " في كل تدخلاته ينتهك سيادة هذه الدولة او تلك ، ويجبرها علي تنفيذ إجراءات ترفضها الأغلبية العظمي من المواطنين، وتخلف ورائها مساحة عريضة من خراب اقتصادي واجتماعي ".
ويري فولف أن الصندوق لا يستخدم أسلحة أو جنود بل يستخدم آليات النظام الرأسمالي لمنح القروض وفرض شروطه التي تقود للسقوط أكثر فإكثر في فخ مديونية لا فرار منه بفعل ما يتحمل البلد المقترض من فوائد وفوائد مركبة وأقساط لتسديد ما في ذمته من ديون . وهو ما ينعكس سلباً علي الموازنة الحكومية والاقتصاد الوطني ، لذا يمكن القول إن قروض الصندوق تتسبب في نهاية المطاف،في تردي الوضع المالي أكثر فأكثر،الأمر الذي يتيح للصندوق الفرصة لأن يطالب الدول المعنية بتنفيذ برامج تقشفية لا نهاية لها ولا آخر .
وبالنسبة إلي البسطاء من مواطني الدول المعنية ههنا ، اعني الدول المتدنية الدخول أصلاً، تترك هذه السياسة ، في الحالات العامة ، نتائج وخيمة جداً، فجميع حكومات هذه البلدان تتصرف وفق نهج لا اختلاف فيه : إنها تُحمل الجماهير العاملة وفقراء المواطنين تبعات برامج التقشف المالي .( فولف صفحة 20)
وتعكس البيانات الحكومية المنشورة الحقائق التي تحدث عنها أرنست فولف ، فقد ارتفعت الديون المحلية في مصر من 2.7 تريليون جنيه في يونية 2016 إلي 3.8 تريليون جنيه في سبتمبر 2019 اي زادت 1.1 تريلون جنيه حتي سبتمبر الماضي فقط.أما الديون الخارجية فقد ارتفعت أيضاً من 55 مليار دولار إلي 109.4 مليار دولار خلال نفس الفترة اي 54.4 مليار دولار. ( وزارة المالية – النشرة الشهرية – مارس 2020 – صفحة 35- 42)
كما ارتفعت فوائد الديون التي تدفعها مصر من 316.6 مليار جنيه في موازنة 2016/2017 إلي 566 مليار جنيه في موازنة 2020/2021 أي زادت 249.4 مليار من 2016- 2020 بما يمثل 33% من مصروفات الموازنة المتوقعة.ولم ينخفض عجز الموازنة بل أرتفع من 379.6 مليار جنيه إلي 431.1 مليار في موازنة العام الجديد وتستمر الاستدانة لتغطية العجز وسداد الأقساط والفوائد. وبذلك أدت قروض الصندوق والبنك للمزيد من الديون والفوائد التي تلتهم مصروفات الموازنة ولم تحل مشاكل عجز ميزان المدفوعات والموازنة العامة وتحمل الأجيال القادمة باعباء سداد هذه الديون.
صندوق النقد الدولي
كما أوضحنا فإن دور الصندوق يعتمد علي تعديل السياسات النقدية والمالية بما يحقق اندماج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي غير المتكافئ الذي ينزح الأرباح من الأطراف الي المركز مع الخضوع لتقسيم العمل الدولي وسيطرة القطاع الخاص وبيع كل الأصول المملوكة للدولة وتخلي الدولة عن دورها في الحماية الإجتماعية وضبط الأسواق لصالح سوق منفلت واحتكارات متحكمة في كل شئ وتردي المرافق والخدمات العامة وإتاحتها للقطاع الخاص وتبعية متزايدة للخارج .
عندما أعلنت الحكومة رفع الدعم عن الكهرباء لتخفف عبء الدعم الذي تتحمله الموازنة في أغسطس 2016 ، كتبت "نون بوست" : أصبح واضحًا لدى الجميع أن رفع الدعم سواء عن الكهرباء أو عن أي سلعة أو خدمة أخرى تقدمها الحكومة بأسعار مدعمة للمواطن في هذا الوقت بالذات، حيث يمر الاقتصاد المصري بمصاعب عديدة، يندرج كأحد مساعي الحكومة لاسترضاء المقرضين، سواء صندوق النقد الدولي أو المستثمرالأجنبي أو الأسواق العربية والأجنبية وبهذا تصبح إمكانية الإقبال على سندات دولية تابعة للحكومة أكثر.لذا فهي من خلال سياسة ترشيد الدعم التي تقوم بها، تود إرسال إشارة للجميع أن وضع المالية العامة للدولة يتحسن وأن العجز المالي في طريقه للانخفاض وأن الظروف والبنود التي تودون رؤيتها في المالية نقوم بتطبيقها واحدًا تلو الآخر. ( نون بوست - كيف أثرت بعثة صندوق النقد الدولي على رفع أسعار الكهرباء في مصر؟- 9 /08/2016) كما تحمل التجارب الدولية العديد من الأمثلة للدول التي نفذت اصلاحات الصندوق وغرقت في الديون مثل البرازيل والأرجنين وتشيلي واندونيسيا وغانا والعديد من دول العالم .
لطالما اشتكت الدول النامية من إجراءات الصندوق المجحفة، ويوجه المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي هجومًا عنيفًا على سياسات صندوق النقد، حيث وصف الصندوق بأنه "ما هو إلا فرع من وزارة المالية الأمريكية، وأداة الولايات المتحدة لاحتلال الدول اقتصاديًا بدلاً من احتلالها عسكريًا".
كما تعرض الصندوق لانتقادات مسؤولين وخبراء اقتصاديين سبق لهم العمل في المؤسسات الدولية الكبرى، أبرزهم جوزيف ستيغليتز النائب الأسبق للبنك الدولي والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، الذي رأى في كتابه «العولمة ومساوئها» ، "أن القروض التي يقدمها صندوق النقد للدول النامية تضرها أكثر مما تفيدها".
وقعت مصر وصندوق النقد الدولي طلب عقد اتفاق في 2016 ونشر في الجريدة الرسمية وجاء فيه تحت إصلاح قطاع الطاقة " وبالإضافة إلي تخفيض الدعم ، تقوم السلطات المصرية بوضع جدول أعمال شامل لإصلاح قطاع الطاقة ( البترول والكهرباء والغاز ).والهدف من ذلك هو تحديث القطاع من خلال تحسين إطاره التنظيمي لإتاحة الفرصة أمام الاستثمارات الخاصة، وتعزيز موارده المالي ،وتشجيع المنافسة وغير ذلك من الإجراءات " . صفحة 26
( قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 108 لسنة 2017 – بشأن الموافقة علي " إتفاق تسهيل الصندوق الممدد " بين جمهورية مصر العربية وصندوق النقد الدولي الذي اعتمده مجلس إدارة الصندوق بتاريخ 11/11/2016 – الجريدة الرسمية العدد 7 في 15 فبراير 2018 )
تم توقيع الاتفاق في 2016 وصدر بقانون في 2017 ونشر القانون 2018. وضم عدد الجريدة الرسمية السياق الاقتصادي للاتفاق وخطاب النوايا الذي وقعه وزير المالية ومحافظ البنك المركزي ويشمل تعهدات الحكومة المصرية لتنفيذ الاتفاق وجاء فيه :
" تحتاج السلطات إلي إجراء زيادات كبيرة أخري في أسعار الطاقة لتحقيق هدف إلغاء أغلبية الدعم في السنوات القادمة.وسيستغرق الإصلاح الهيكلي عدة سنوات،وقد يتعرض لخطر التراجع تحت ضغط المصالح المكتسبة ، وسيكون من الضروري المثابرة في تنفيذ البرنامج من أجل إعادة بناء الاحتياطيات الدولية ، وتوحيد سعر الصرف الأجنبي وتحسين وضع الدين بما يضمن القدرة علي تحمله " صفحة 35
لذلك بدأ رفع اسعار الكهرباء منذ عام 2014 علي ان ينتهي في 2017 ثم امتد الي 2020 واخيرا أمتد بعد قرار وزير الكهرباء الأخير لينتهي في 2024/2025 ليؤكد المثابرة علي تنفيذ البرنامج الذي طالب به الصندوق .
قدمت مصر خطاب نوايا للصندوق في 7 نوفمبر 2016 تتعهد فيه الحكومة المصرية بتنفيذ ما يعرف بروشتة الصندوق لإصلاح السياسات المالية والنقدية.وجاء بالخطاب " يتألف برنامجنا من إجراءات مركزة في البداية نقوم فيها بتعديل السياسات وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة بهدف تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي والحفاظ عليه ، وتشجيع النمو الإحتوائي وخلق فرص العمل ، ودعم تنمية القطاع الخاص ، وحماية الشرائح محدودة الدخل ." صفحة 57
وقدمت الحكومة مذكرة بالسياسات الاقتصادية والمالية التي تلتزم بها وجاء فيها تحت عنوان دعم الطاقة ما يلي " تم في أوائل أغسطس 2015 إعلان المرحلة الثالثة في سلسلة زيادات تعريفات الكهرباء ، وقد زادت هذه التعريفات بمتوسط 40% إعتباراً من يوليو 2016 ، وسيتم إجراء زيادات أخري في 2017/2018 و 2018/2019 حسب المخطط المعلن في عام 2014 ، وذلك للوصول إلي مستوي إسترداد التكلفة في السنوات القادمة ، وسوف نستأنف برنامج إصلاح دعم الوقود الذي بدأ في 2014. وخطتنا هي الإلغاء التدريجي لدعم الكهرباء ومعظم أنواع الوقود " صفحة 69 شعار استرداد التكلفة هو عنوان تحول القطاع الي خدمات غير مدعمة وتحقيق أرباح متصاعدة وتخلي الدولة عن دورها وتحويله للقطاع الخاص المحلي والأجنبي.
وعادت مرة أخري تحت عنوان سياسات قطاع الطاقة لتؤكد علي توجهاتها بعد الحصول علي القرض والتزاماتها فقالت " نقوم حالياً بإطلاق برنامج إصلاح شامل لقطاع الطاقة يشمل البترول والغاز والكهرباء ، ويهدف إلي تحسين المركز المالي للقطاع ورفع كفائته ،ذلك أن التسعير الحالي الأقل من التكلفة في المجالات الثلاثة ( عدا الغاز الطبيعي ) يفتقر الي الكفاءة الاقتصادية ولا يستهدف المستحقين ، ومن ثم يشجع علي الاستهلاك المفرط للطاقة ، ويعطي أفضلية للأنشطة ذات الكثافة الرأسمالية بدلاً من الأنشطة كثيفة العمالة ، ويتسبب في إنصراف القطاع الخاص عن القطاع وإلقاء عبئ ثقيل علي كاهل المالية العامة . ومن المؤثرات السلبية الأخري علي الأداء المالي للقطاع ضَعف الحوكمة وهيكل التكلفة المرتفع ، ونهدف الي تحديث الصناعة ووضعها علي مسار مالي سليم لضمان إتاحة منتجات الطاقة بكفاءة ودون إنقطاع لكل من الأعمال والأسر.وننوي القيام تدريجياً بإلغاء الدعم غير الموجه إلي المستحقين والعمل علي جذب مشاركة القطاع الخاص. وبالتوازي مع ذلك ، سيتم فصل وظائف صنع السياسات عن الوظائف التنظيمية ، وتشكيل جهاز مستقل لتنظيم قطاع الطاقة . وسيعمل هذا الجهاز علي تشجيع المنافسة وإقامة آلية تسعير شفافة لضمان استرداد التكلفة، مع توفير الحماية للمستهلكين. وحتي نتمكن من تحقيق هذا الهدف،تعاقدنا بالفعل مع جهة استشارية دولية بارزة لإجراء دراسة تشخيصية في هذا الخصوص ومساعدتنا في تصميم خارطة طريق محددة التوقيت لإصلاح قطاع الطاقة.ومن المتوقع أن نتسلم تقرير الجهة الاستشارية في موعد لا يتجاوز 30 سبتمبر 2016. وفي ضوء نتائج التقرير نعتزم الإنتهاء بحلول 31 مارس 2017 من وضع استراتيجية متوسطة الأجل لإصلاحات قطاع الطاقة ( معيار هيكلي ) . صفحة 71- 72.
هكذا أوضحت الحكومة في تعهداتها لصندوق النقد الدولي انها تسعي لتغيير نظام التسعير وجذب القطاع الخاص للاستثمار في القطاع وتخفيف التزام الدولة بقطاع الكهرباء وهو ما يستلزم إلغاء الدعم .بناء علي ذلك كانت الحكومة قد اصدرت القانون 87 لسنة 2015 الخاص بالكهرباء كما اعتمدت علي قانون مشاركة القطاع الخاص رقم 67 لسنة 2010 الخاص بمشاركة القطاع الخاص فى مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة وسبقه قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 695 لسنة 2001 بتشكيل لجنة وزارية ومجموعة عمل لتنظيم المشروعات القومية والمحلية بنظام b.o.t ونظام b.o.o.t . وقد سبق ذلك صدور قرار رئيس الجمهورية رقــم 326 لسنة 1997 بتاريخ 25 / 9 / 1997 بشأن إنشاء جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك.وبذلك تم تمهيد التربة التشريعية والتنظيمية لكل التغيرات التالية وسوف نعود في الجزء الثالث والأخير من الدراسة للحديث عن تطور خطة تفكيك وإعادة تركيب قطاع الكهرباء وتراجع دور الدولة وتقدم القطاع الخاص وإلغاء الدعم. وننتقل بعد ذلك للقطب الثاني في إدارة الاقتصاد العالمي المعولم.
البنك الدولي
يري البنك الدولي أنه خلال التسعينيات، نشأ نموذج جديد لتنظيم قطاع الكهرباء من “توافق واشنطن” الخاص بالتنمية وقادته المؤسسات متعددة الأطراف.وجاء النموذج الجديد في أعقاب الاستياء المتزايد من المرافق العامة المملوكة للدولة ( بيكون وبيزانت-جونز 2001 ). فقد نجحت هذه الاحتكارات المتكاملة رأسيا في  مساندة تعميم شبكات البنية التحتية الوطنية في  العديد من البلدان خلال الستينيات والثمانينيات من القرن الماضيŸ، ولكنها بدأت تعاني š من أوجه قصور في  شكل عدم كفاءة التشغيل، وتضخم فاتورة الدعم، والقيود المالية. تضمن نموذج إصلاح قطاع الكهرباء في  التسعينيات حزمة من أربعة إصلاحات هيكلية:
• اللوائح التنظيمية ( من خلال إنشاء كيان رقابي š مستقل).
• إعادة الهيكلة (تنطوي على الخصخصة والتفكيك الرأسي والأفقي الكامل للمرفق)
• مشاركة القطاع الخاص (خاصة في  التوليد والتوزيع)
• المنافسة ( في  شكل سوق للكهرباء بالجملة في  نهاية المطاف).
( مجموعة البنك الدولي – سلسلة تقارير البنية التحتية المستدامة - فيفيان فوستر وأنشول رانا- 2019 . "إعادة النظر في إصلاح قطاع الكهرباء في … العالم النامي." كتيب العرض العام. البنك الدولي ، واشنطن الترخيص: نسب المشاع الإبداعي CC BY 3.0 IG .صفحة 1 )
ويقول التقرير "جاء تحويل المرافق العامة إلى شركات كطريقة لإضفاء طابع تجاري على قطاع الكهرباء بصورة أكبر قبل عام 1990 ، كان العديد من مرافق الكهرباء العامة يعمل كإدارات في  الوزارات المختصة التابعة لها دون وجود كيان اعتباري منفصل. وقد تركها ذلك عرضة لتقلبات الإدارة العامة غير القادرة على تبني أي توجه تجاري.ولهذا السبب، كانت الخطوة الأولى لإصلاح قطاع الكهرباء في  العديد من البلدان هي فصل الوظائف التشغيلية المرتبطة بتوفير الخدمة وتحويلها إلى شركة منفصلة مملوكة للدولة، تعمل عادة بموجب قانون الشركات.وخلال ذلك تم اتخاذ العديد من القرارات المهمة فيما يتعلق بحوكمة الشركة واستحداث العمليات الإدارية" . صفحة 11 وقد قامت مصر بعدة إجراءات تنفيذاً لهذه السياسة منذ ايام مبارك شملت :
- قانون رقم 18 لسنة 1998 ببعض الأحكام الخاصة بشركات توزيع الكهرباء ومحطات التوليد وشبكات النقل وتعديل بعض أحكام القانون رقم 12 لسنة 1976.
- قانون رقم 164 لسنة 2000 بتحويل هيئة كهرباء مصر إلى شركة مساهمة.
- قرار رئيس الجمهورية رقم 339 لسنة 2000 بإعادة تنظيم جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك.
- قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 695 لسنة 2001 بتشكيل لجنة وزارية ومجموعة عمل لتنظيم المشروعات القومية والمحلية بنظام b.o.t ونظام b.o.o.t.
- إبريل 2007 صدر القانون 13 لسنة 2007 بإلغاء القانون رقم 27 لسنة 1976 بإنشاء هيئة كهربة الريف بحيث تؤول إلى شركات نقل وتوزيع الكهرباء التابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر، جميع أصول هيئة كهربة الريف،بما فى ذلك أصول المنشآت الكهربائية التى أقامتها وتقيمها هيئة كهربة الريف.
لذلك فإن خططة خصخصة قطاع الكهرباء وإلغاء الدعم يتم التجهيز لها منذ سنوات لنصل للوضع الحالي. وإذا عدنا مرة أخري لتقرير البنك الدولي نجد الآتي :
" ترتبط مشاركة القطاع الخاص في التوزيع باسترداد التكاليف بالكامل. وتمثل مشاركة القطاع الخاص الإصلاح الوحيد المرتبط بمستويات أعلى من استرداد التكاليف الرأسمالية بالكامل بديلا عن استرداد تكاليف التشغيل وحدها". صفحة 38 وقال " ان مصر نفذت اقل من 65% من الاصلاحات المطلوبة في قطاع الكهرباء حتي يوليو 2019 ومنها استرداد التكلفة". صفحة 15 وبالتالي يتبقي 35% ليصبح القطاع بالكامل يدار وفق اليات الربحية والقطاع الخاص.
" ركز نموذج الإصلاح في التسعينيات على خصخصة مرافق التوزيع، لكن الواقع هو أن معظمها لا يزال مملوكا للقطاع العام. وكان يُنظر إلى تحويل المرافق العامة من إدارات وزارية تقليدية إلى شركات تجارية كإجراء انتقالي قصير نحو الخصخصة في  نهاية المطاف، الأمر الذي سيؤدي إلى إصلاح كامل للممارسات الإدارية. ومع ذلك، نظرا للإقبال المحدود نسبيا على الخصخصة في  قطاع التوزيع، فقد أصبح من المهم بشدة معالجة نقاط الضعف الدائمة في أنظمة إدارة المرافق العامة كشركات". صفحة 30
ويواصل التقرير " تتعارض الكهربة الشاملة مع الحوافز التجارية للمرافق وتتطلب دعما ماليا وسياسيا موازيا. ومن شأن تعزيز التوجه التجاري للمرافق من خلال مشاركة القطاع الخاص أو غيرها من الوسائل أن يقود توسعا سريعا في  وصلات الكهرباء في  المناطق الحضرية. ومع ذلك، فإن توسيع إمكانية الحصول على الكهرباء في  أطراف المدن والريف غالبا ما يؤدي إلى خفض عائدات المرافق من الاستثمار أو دخولها منطقة سلبية، ولا سيما إذا ظل استهلاك الأسر الفقيرة للكهرباء منخفضا للغاية. وبالتالي ،لا يمكن تحقيق كهربة شاملة فقط عن طريق السماح للمرافق بمتابعة الحوافز التجارية. ويتطلب الإمر إجراءات مكملة على صعيد السياسات لتحديد أهداف الحصول على الكهرباء، وتقديم دعم حكومي مستدام لتعويض الخسائر المالية المرتبطة بها.صفحة 33
يؤكد البنك الدولي ان تكاليف وصول الكهرباء إلي المناطق الريفية البعيدة والمناطق العشوائية في أطراف المدن يدخل استثمارات القطاع في مناطق سلبية في ظل انخفاض استهلاك الفقراء للكهرباء لذلك يجب ان تدعم الدولة شركات القطاع الخاص ليعمل في هذه المناطق . ورغم ذلك تم إجراء رفع متزايد للشرائح الدنيا للاستهلاك 50 – 200 كيلو وات ساعة ليزيد الأعباء علي الفقراء ويزيدهم فقراً .هذا هو صميم توجيهات الصندوق والبنك.
في 20 نوفمبر 2015 وقعت مجموعة البنك الدولي التي تضم البنك الدولي للإنشاء والتعمير ، مؤسسة التمويل الدولية ، الوكالة الدولية لضمان الاستثمار مع مصر إطار للشراكة الإستراتيجية لفترة السنوات المالية (2015-2019) .وحددت مجموعة البنك الدولي الخطوط العريضة لخطتها التمويلية للاقتصاد المصري لمدة خمس سنوات.ثم أعلنت مجموعة البنك الدولى عن تمديد إطار الشراكة القُطرية مع مصر للفترة 2015-2019 لمدة عامين آخرين تنتهى فى 2021، بعد أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها مصر تظهر علامات نجاح مبكرة. ( اليوم السابع – 1 مايو 2019)
علامات النجاح المبكرة هي المزيد من الخصخصة وإلغاء الدعم وإطلاق يد القطاع الخاص وتحرير نظام التسعير وإخضاعه للربحية بدون الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية وأهمية الكهرباء في التنمية.
قام البنك الدولي علي مدي سنوات بتمويل عدد من المشروعات في قطاع الكهرباء منها :
- مشروع العين السخنة للطاقة الكهربائة والذي تمت الموافقة عليه في 29 يناير 2009 وينتهي في 31 ديسمبر 2015 وتبلغ قيمة المشروع 2.2 مليار دولار يدفع منها البنك الدولي 600 مليون دولار ومصر تتحمل 831.3 مليون دولار ويتم الحصول علي قروض من ممولين آخرين بقيمة 758.5 مليون دولار.يستهدف المشروع ضمان استمرار إمدادات الكهرباء ببناء محطة كهرباء جديدة ومساعدة الحكومة في وضع استراتيجية جديدة لتسعير الكهرباء .
- مشروع محطة توليد الكهرباء بالجيزة من 8 يونيو 2010 إلي 30 يونيو 2015 بقيمة 1.4 مليار دولار يدفع منها البنك الدولي 600 مليون دولار وتتحمل مصر 475.1 مليون دولار ويتم الحصول علي قروض من ممولين اخرين بقيمة 337 مليون دولار.
- مشروع محطة توليد كهرباء التبين من 16 فبراير 2006 إلي 30 إبريل 2012 بقيمة 449.6 مليون دولار يمول منها البنك الدولي 259.6 مليون دولار وتتحمل مصر 190 مليون دولار .(مركز معلومات البنك الدولي – حافظة استثمارات البنك الدولي الحالية في مصر )
- أثناء بناء محطة كهرباء شمال الجيزة في عام 2012 عبرت المجتمعات المحلية عن قلقها حيال ما قد يترتب من مشاكل عدة من بينها ما يتصل بحقوق المياه والأرض وفقدان موارد الرزق والتعويضات غير المناسبة وسياسات الإجبارالتي يتم إتباعها معهم. وقد قدمت هذه المجتمعات شكواها إلى الشركة المنفذة وإلى فريق إدارة المشروع التابع للبنك الدولي ولكن دون الوصول إلى حل. وفي شهر فبراير من عام 2013 قامت ست منظمات مجتمع مدني وشبكتان إقليميتان من المجتمع المدني و35 من أعضاء المجتمعات المحلية المتضررة بالتعبير عن قلقها إلى هيئة التفتيش – وهي آلية مسائلة مستقلة للبنك الدولي،- وقد قامت هيئة التفتيش بعمل زيارة وإعداد تقرير خاص بأهلية الشكوى حيث أقرت بأن المشروع قد نتج عنه أضرار على المجتمع المحلي،إلا إنها لم توصي بعمل تحقيقات كاملة للمشروع بل بدلا من ذلك قدمت الهيئة تقريرا توصي فيه بتناول الأضرار وحلها من قبل الإدارة مما يترك القضية مفتوحة أمام مزيد من البحث والتحقق في حالة تقديم دليل جديد، وحتى تاريخه فإن المجتمعات المحلية المتضررة التي عبرت عن قلقها في البداية لا تشعر بأنه قد تم تناول الأمر بما يكفي وبأنه لم يتم تقديم تعويضا مناسبا لها.
https://bankinformationcenter.org/ar-eg/project/%D9%85%D8%B5%D8%B1/
لذلك مثلت سياسات الصندوق والبنك تجاه قطاع الكهرباء والتزمات مصر التي تعهدت بها في خطاب النوايا الذي قدمته مع قرض 2016 التوجهات الاستراتيجية لخصخصة قطاع الكهرباء والغاء الدعم وإطلاق يد القطاع الخاص وتراجع الدولة.كما لعبت مشروعات البنك الدولي والممولين الدوليين الآخرين دور هام في التمهيد لوصولنا للوضع الحالي في 2020 .
رفع الاسعار لم يكن خطأ أو قرار مفاجئ ولكنه جزء من سلسلة تغيرات في القطاع تمتد لعقود سابقة وصولا للمرحلة الحالية .
وفي الحلقة القادمة نكمل .

15/6/2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان