الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي

عاصم البرقان
(Asem Al-burgan)

2020 / 6 / 16
السياسة والعلاقات الدولية


فرضت العديد من دول العالم قيود صارمة على النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسفر، مما أثر على ما يقارب من ‫نصف سكان العالم وانعكس سلبياً على الاقتصاد العالمي، حيث انخفض الاستهلاك باستثناء المواد الغذائية، وتأثرت العديد من القطاعات وعلى رأسها قطاعات السياحة والنقل والمطاعم والفنادق، وكذلك وكنتيجة طبيعية لتقسيم العمل الدولي، و"سلاسل القيمة العالمية" قاد إغلاق المصانع في بعض الدول إلى وقف الإنتاج حتى في الدول التي لم تطبق هذه القيود.
إن الأزمة التي أوجدتها هذه الجائحة واستمرارها سيقود إلى ركود في اكبر الاقتصاديات على المستوى العالمي كما هي اقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين، وكذلك على مستوى الاقتصاد العالمي بأكمله. ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي فبدلا من التوقعات لعام 2020 بزيادة النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3.3% إلا أنه يمكن أن ينخفض بسبب الجائحة إلى 3%، كما سيتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة، بما في ذلك في الصين والتي بحسب صندوق النقد الدولي سيهبط فيها نمو الناتج المحلي الاجمالي إلى 1.2%، وهو الادنى منذ سبعينيات القرن الماضي. وفي حال تراجع الوباء في النصف الثاني من هذا العام، وفعالية التدابير المتخذة للحد من آثاره السلبية، يتوقع الصندوق حدوث انتعاش في النمو للناتج الأجمالي العالمي لعام 2021 بنسبة 5.8%.
واثر الوباء أيضا على الأسواق المالية حيث خسرت البورصات العالمية في الربع الأول من عام 2020 في جميع أنحاء العالم ما يقارب 20% من قيمتها مسجلة أسوأ النتائج منذ الأزمة المالية العالمية 2007 – 2009. كما ظهرت التقلبات في سوق العملات، حيث ارتفاع الدولار بشكل رئيسي، وعانت الأسواق الناشئة اكثر من غيرها حيث سحب منها اكثر من 80 مليار دولار في الأسابيع الأخيرة مما قد يهدد استقرار إقتصاداتها، مثل خدمة الديون.
يقع أعباء التصدي لجائحة كورونا بشكل رئيسي على الدول التي أقرت حزم للتحفيز الاقتصادي، فقد اقرت الحكومة الأمريكية حزمة ب ٢,٢ تريليون دولار وأقرت الحكومة الالمانية حزمة ب 1.1 تريليون يورو، وأعلن البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن برنامج شراء غير محدد للسندات، وكذلك أعلن البنك المركزي الأوروبي عن خطة لشراء اصول بقيمة 750 مليار يورو، مع إمكانية التوسع بذلك. وأعلن الاتحاد الأوروبي كذلك عن دعم جهود الدول الأعضاء من خلال تخصيص جزء من ميزانية سياسة التماسك لهذا الغرض. كما وخصص كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي 50 مليار و160 مليار دولار على التوالي لتمويل احتياجات الدول النامية في مواجهة الأزمة، وطلبا من الدول المتقدمة تعليق سداد ديون الدول الأكثر فقراً.
وفيما يتعلق بمجموعة العشرين ورغم إعلان قادة المجموعة في الاجتماع الذي عقده في 26 آذار، عن إنفاقهم 50 تريليون دولار لمكافحة الآثار الاقتصادية للجائحة، تشمل البرامج الوطنية لكل دولة، إلا أن التعاون داخل المجموعة للتغلب على أثر الوباء محدود، وتعيق الاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين بالمسؤولية عن الأزمة تدفق الأموال إلى المناطق الأكثر حرماناً.
وتفرض الحكومات قيود على تصدير بعض المنتجات الطبية ومواد الوقاية والتعقيم، وكذلك فرضت بعض البلدان قيود على بعض المواد الغذائية، فمثلا أوقفت الهند جزئيا تصدير دواء الملاريا الذي يستخدم كعلاج ضد فيروس كورونا المستجد، وكذلك فرضت فيتنام قيود على تصدير الرز. كل هذا بالإضافة إلى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 14 نيسان بوقف التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية يعيق تنسيق الجهود على المستوى الدولي.
‏وستغير الجائحة وبشكل دائم صورة الاقتصاد العالمي مما سيقود إلى التراجع عن العولمة ولو بشكل جزئي. ففي الوقت الذي عملت فيه "سلاسل القيمة العالمية" على خفض تكاليف الإنتاج، إلا أن الحرب الجمركية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين من جهة والأزمة الاقتصادية المستمرة من جهة أخرى شكلا خطراً على نشاطها، وقد تبين ان تركيز الإنتاج في الصين يشكل خطر على استمرارية العملية الانتاجية؛ وعليه ستسعى العديد من الشركات إلى نقل مصانعها إلى مناطق جغرافية جديدة، وهو ما حصل في السابق لعدة أسباب أهمها ارتفاع تكاليف العمالة في الصينية. وستسعى "سلاسل القيمة العالمية" لنقل إنتاجها إلى مناطق أقرب للأسواق الاستهلاكية، للحد من المخاطر، وهذا سيؤثر سلبا ليس فقط على الصين وإنما على العديد من دول آسيا القصوى. وستعمل الشركات على تخزين أجزاء العملية الإنتاجية، مما سيساهم في رفع كلفة الإنتاج لكي يتسنى لها الاستمرار في العملية الإنتاجية رغم انقطاع الإمدادات. إضافة إلى أن استمرار القيود على حركة الأفراد والبضائع يتوقع أن يؤدي إلى انخفاض في حجم التجارة الدولية وبالتالي حصلتها في الناتج الإجمالي العالمي. ‏وسينعكس هذا الواقع على شركات الخدمات الرقمية ايجابيا، حيث ستزداد أهميتها بسبب استخدامها للعمل والتسوق عن بعد في فترة القيود الاجتماعية.
وستؤدي الجائحة إلى زيادة الانفاق الحكومي على الرعاية الصحية والمواد الطبية في جميع دول العالم مما سيؤثر على بنود موازنات هذه الدول، ومن المرشح أن العديد من الدول ستتجه نحو خفض الانفاق العسكري، وزبادة تدخل الدولة. ومن المتوقع أن يرتفع وبشكل كبير الدين على المستوى العالمي سواء العام أو الخاص، وذلك بسبب تمويل مكافحة الوباء وحزم التحفيز إضافة إلى انخفاض عائدات الشركات نتيجة للركود. وستساهم الإجراءات غير العادية للبنوك المركزية بما في ذلك التخفيضات الكبيرة في أسعار الفائدة في خفض تكاليف خدمات الديون، كالتجارية مثلا، إلا أنها ستحد من نطاق نشاطها المحتمل وستزيد من خطر الأنهيار المالي، وذلك لعدة أسباب منها على سبيل المثال ارتفاع وتيرة المضاربة، وسيزداد دور البنوك المركزية في تمويل السياسة المالية بسبب برامج شراء سندات الخزانة. ‏إلا ان سهولة خدمة الديون ستؤثر بشكل أكبر على الدول المتقدمة، ولن يكون له أي تأثير على الدول النامية، وذلك بسبب فقدان المستثمرين الثقة بهذه الدول خلال الأزمة، وهروب رؤوس الأموال منها. وهناك أيضا خطر بأن لا تكون إجراءات التحفيز كافية، وأن الانتعاش الاقتصادي سيكون أبطأ من المتوقع مما سيزيد من التكاليف الاجتماعية للانهيار.
وسيتيح الركود الاقتصادي في الدول المتقدمة وخاصة في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية أمام الصين بسد الفجوة في القدرات الاقتصادية وبسرعة اكبر. وبالرغم من أن الأزمة الحالية وعلى العكس من أزمة 2007 – 2009، ستؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني إلى حد ما، إلا أن الرفع السريع نسبيا للقيود ومباشرة المصانع للإنتاج قد يقلل من هذا الضرر. وستسعى الصين إلى استغلال انهيار التجارة العالمية؛ فمن ناحية ستعمل على توريد سلع تباطأ إنتاجها في دول أخرى، ‏ومن ناحية ثانية ستعمل على استقلال اقتصادها عن الصادرات بسبب تقلبات الطلب في الخارج وسيواجه هذا الخيار صعوبات على المدى القصير. ‏وسيسعى المستثمرون الصينيون للاستحواذ على الشركات الأجنبية المتقدمة تقنيا والتي أضعفتها الازمة.
وللحد من انهيار الاقتصاد العالمي لابد من تعزيز التعاون الدولي، إلا أن هذا التعاون يواجه صعوبات تتمثل في المنافسة والقيود التجارية بين الصين والولايات المتحدة الامريكية. وبالرغم من أن تضيق الفجوة في القدرات الاقتصادية بينهما سيزيد من ميل الولايات المتحدة الأمريكية لتصعيد النزاعات التجارية والتكنولوجية مع الصين، إلا أن الركود سيساهم في الحد من مثل هذه الأنشطة على المدى القصير وذلك بسبب التكاليف الاقتصادية الباهظة، كما سيساهم في تخفيف حدة النزاع التجاري بين الولايات المتحدة ‏الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
ويمكن لهذه الجائحة ان تشكل فرصة لاقتصاديات منطقتنا وخاصة الدول التي تتمتع باستقرار نسبي ومنها الأردن، إلا أن استغلال هذه الفرصة يتطلب اتخاذ اجراءات فورية وحازمة وأهمها؛ خطوات حقيقية وفعالة في محاربة الرشوة والفساد، وخفض اسعار الطاقة، والعمل على استقرار التشريعات وخاصة في مجال الاستثمار. ويبقى السؤال المطروح حول مدى خدمة ربط الدينار الأردني بالدولار الامريكي للاقتصاد الوطني؟ وهل ثبات سعر صرف الدينار مقابل الدولار عقيدة لا يمكن التنازل عنها لخدمة الاقتصاد الوطني؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن