الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتفاضة الراهنة في أمريكا : ضرب تحت الحزام للنظام النيولبيرالي الرأسمالي العنصري المتوحش

عليان عليان

2020 / 6 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الانتفاضة الراهنة في أمريكا : ضرب تحت الحزام للنظام النيولبيرالي الرأسمالي العنصري المتوحش

الانتفاضة الراهنة ضد العنصرية ، التي تعم معظم مدن الولايات المتحدة الأمريكية منذ حوالي ثلاثة أسابيع ، على خلفية قيام ضابط شرطة أبيض بقتل جورج فلويد- الأمريكي من أصل أفريقي- خنقاً في مدينة منيابوليس في ولاية مينيسوتا ، في الخامس والعشرين من شهر أيار – مايو الماضي، هي الأولى منذ خمسة عقود ، وتفوق في أهميتها انتفاضة 1968 ، التي اندلعت إثر اغتيال مارتن لوثر كينج زعيم حركة الحقوق المدنية ، ونجم عنها حصول السود على بعض الحقوق المدنية ، لكنها لم تضع حداً لنظام التمييز العنصري.
وقد كشفت هذه الانتفاضة، عن مدى العنصرية المتغلغلة في نظام العدالة الأمريكي ، وفي منظومة الشرطة الأمريكية ، وعن تراجع النظام النيوليبرالي المتوحش في أمريكا عن معظم الحقوق التي حصل عليها السود بعد عام 1968 ، وألقت الضوء بأثر رجعي على سلسلة الجرائم الوحشية التي ارتكبت بحقهم ، على مدى عدة عقود من القرن الماضي ، و خلال العقد الثاني من هذا القرن .
العنصرية متأصلة في النظام الرأسمالي
كما برهنت الانتفاضة الراهنة ،أن العنصرية ليست مسألة قشرية في النظام الرأسمالي ، بل هي جزء أصيل منه ، وتعود إلى 400 عاماً عندما ازدهرت تجارة " العبيد" عقب الاكتشافات الجغرافية لقارة أفريقيا ،حين كان الغزاة الأوروبيون يصطادون الأفارقة، وينقلونهم بالسفن إلى بلدانهم، ووضعهم في ظروف غاية في الاستعباد والوحشية ،لتسخيرهم في خدمة الطبقات الرأسمالية ، دون أن يحصلوا حتى على قوت يومهم بحكم أنهم مجرد مملوكين للعرق الأبيض.
والنظام العنصري الذي جرى تدشينه في أمريكا منذ اكتشاف القارة الأمريكية، لازال قائما رغم الحرب الأهلية الأمريكية ،التي ساهمت في إنهاء " نظام العبودية " لكنها لم تنهي حتى اللحظة النظام العنصري في الولايات المتحدة .
صحيح أن الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن أنهى قبل (150) عاماً نظام العبودية- وهذه خطوة تحسب له - ، لكنه لم ينهي العنصرية وثقافتها المتجذرة في النظام الرأسمالي الأمريكي وفي ثقافة القوى السائدة في المجتمع الأمريكي ، والتي انعكست على منظومة القوانين والنظامين الشرطي والقضائي في الولايات المتحدة.
وتشير تقارير وإحصاءات أمريكية ، أن 99 في المائة من حوادث القتل والاعتداءات من قبل الشرطة وأشخاص، ينتمون لمنظمات عرقية ارهابية في الولايات المتحدة كانت ضد السود، إذ بلغت في الفترة ما بين 2014 – 2019 معدل ألف حادث قتل في السنة ، دون أن تلقى أدنى إدانة من القضاء الأمريكي ، ، وأن الأحكام لنفس التهمة بالنسبة للأمريكيين الأفارقة قياس بأصحاب البشرة البيضاء هي بنسبة 3 إلى 1 ، وأن نسبة الموجودين في السجون هي 10 في المائة من السود مقابل 1 في المائة من أصحاب البشرة البيضاء ( الأنجلو سكسون) ، ما يؤكد أن القضاء الأمريكي متحيز ضد السود وضد الأقليات العرقية والمهاجرين .
أبعاد الانتفاضة الراهنة
ما يميز الانتفاضة الراهنة، أنها انطوت على بعدين ، ( البعد الأول) بعد مناهضة العنصرية الذي بات يأخذ في هذه المرحلة سمة " مقدمات الثورة " من خلال شعاراتها وعناوين خطاباتها المرفوعة على نحو : لقد قطعنا شوطاً طويلاً في الانتفاضة ...لنمضي بها حتى تحقيق العدالة الكاملة للسود" ، ناهيك أنه - وعلى حد تعبير غايل فرازير القيادية ضمن ائتلاف القادة الأمريكان الأفارقة- "هنالك في مختلف أرجاء البلاد ، جيوب مختلفة يجتمعون لحشد الناس وإحداث فرق، وهناك مجموعات لابأٍس بها من السود ، باتت ترفع السقف وتتحدث عن السيادة، وعن أن تكون لهم أمتهم المستقلة وبلدهم المستقل، بسبب واقع عدم قدرة السود على التعايش بسلام مع هذا النظام ومنظومته القضائية والشرطية ".
والبعد الآخر (بعد مقاومة الاستغلال الطبقي) ، فالبعد الطبقي ،برز بشكل صارخ إثر أزمة وباء كورونا، حين راحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، تغذق التريليونات على الشركات ومؤسسات رأس المال المالي ( ما يزيد عن 3 تريليون دولار )، في حين لم يحصل فقراء أمريكا والشركات الصغيرة سوى على الفتات ، في حين تجاوز عدد العاطلين عن العمل في ظل وباء " كوفيد 19" 43 مليون عاطل عن العمل ، وبات حوالي 25 مليون يبحثون عن إعانات مالية .
هذا كله ، ناهيك أن فقراء أمريكا من مختلف الطبقات، تم وضعهم في أدنى سلم الأوليات على الصعد الصحية والاجتماعية ، إذ تركوا يواجهون الموت دون أدنى رعاية صحية ، جراء عدم توفير الدعم للمستشفيات والمراكز الصحية العامة ، في حين تم توفير الدعم لمستشفيات القطاع الخاص ولمدارس ومعاهد وجامعات القطاع الخاص ، وحسب آخر الاحصائيات فإن كلفة الطالب في المدارس الحكومية التي تتكفل بها الدولة (13) ألف دولار ، في حين أن كلفة الطالب في القطاع التعليمي الخاص التي تتكفل بها الدولة (36) ألف دولار.
وفي ضوء تفاعل البعدين السابقين ( البعد الطبقي وبعد مناهضة العنصرية) رأينا أن نسبة البيض المشاركين في الانتفاضة الراهنة الرافضين للعنصرية ، لا تقل عن نسبة الأمريكيين الأفارقة ، يجمعهما هدف مشترك ، ألا وهو التصدي للاضطهاد العنصري والاستغلال الطبقي، وتجمعهما قناعة مشتركة في أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري وجهان لعملة واحدة مع بعض الفروقات الضئيلة ، وأنهما ينتميان لذات الطبقة التي تمثل احتكارات النفط والسلاح ورأس المال المالي.
الولايات المتحدة إلى أين ؟
والسؤال الذي يطرح نفسه ... الولايات المتحدة...إلى أين ؟ في ظل هذه الانتفاضة المتصاعدة؟
وفي الإجابة على هذا السؤال ، لا نذهب بعيداً باتجاه أن هذه الانتفاضة ستسقط النظام النيوليبرالي برمته ، ولا نذهب بعيداً في أن أنها ستقضي نهائياً على التمييز العنصري ، فإسقاط النظام وبنيته العنصرية، يحتاج إلى عدة عوامل أبرزها :بروز أحزاب وقوى تقدمية منظمة ، وإلى ظروف موضوعية ملائمة ، وإلى وصول الرأسمالية إلى مرحلة لا تستطيع فيها التكيف مع الأزمات ، وهذه العوامل غير متوفرة بعد .
صحيح أن إدارة ترامب فشلت حتى اللحظة في التكيف مع الأزمتين ، أزمة كورونا وأزمة مفاعيل الانتفاضة المناهضة للعنصرية ، لكن الدولة العميقة المرتبطة بالحزبين الديمقراطي والجمهوري، تعمل جاهدةً لاحتواء الأزمة عبر طرح مشاريع قوانين متعلقة بإصلاح النظام الشرطي وإجراء بعض التعديلات على النظام القضائي ، ناهيك أنها تحاول تقديم رشا عبر بعض تعيين بعض الشخصيات من الأمريكيين الأفارقة ، مثل موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على تعيين الجنرال تشارلز براون كأول أميركي من أصل أفريقي في منصب رئيس أركان القوات الجوية في الجيش الأميركي ، ومثل إعلان مرشح الرئاسة الأمريكي جوزف بايدن بإنه ينوي ترشيح نائبة أمريكية من أصل أفريقي في موقع " نائب الرئيس".
لكن المنتفضين يعون جيداً المحاولات السابقة، لاحتواء غضب الأمريكيين الأفارقة عبر تعيين وانتخاب بعض المتنفذين منهم، وبالتالي فإن الانتفاضة بأبعادها المختلفة مسنودةً بالهبة التي عمت وتعم العواصم الأوروبية، ضد القمع العنصري غير المسبوق في الولايات المتحدة ، وضد العنصرية في بلادهم ، لن تتوقف قبل تحقيق معظم مطالبهم .
وفي حال تمكن الانتفاضة من تحقيق معظم مطالبها ، فإنها تكون قد دقت مسماراً في هيبة وسطوة النظام النيوليبرالي الأمريكي في الداخل ، بعدما فقد هذا النظام هيبته في الخارج جراء تصاعد مقاومة الشعوب ، وخاصة الدور الذي اضطلع به محور المقاومة وفي المقدمة منه إيران في كسر هذه الهيبة ، ناهيك أن اسطوانة الإدارات الأمريكية بشأن حقوق الانسان ومنح شهادات حسن أو سوء سلوك لهذه الدولة أو تلك بشأنها ، باتت خلف ظهر العالم أجمع ،وهو يشاهد الشرطة الأمريكية تمارس أبشع صور القمع بحق الشعب الأمريكي .........
انتهى
elayyan_e 48@ yahoo.com

انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز