الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكثر من ستين عاماً من الرّقص

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2020 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


مالنا ولقانون قيصر إن كنا سوف نموت من الجوع؟ لن نتظاهر ضدّه. غنّوا وارقصوا ما شئتم ، فسوف يلعنكم التاريخ.
في زمني، أم زمن أولادي، أم زمن أحفادي . كم من الأزمان مرّت ، وكان علينا أن نرقص فيها، ونركع على ركبتينا أمام وهم اسمه الوطن؟ مالنا ولقانون قيصر؟ لن نرقص في هذه المرّة ، فمن يرقص دائماً تهون عليه نفسه، ينتشي بالقفز و الركوع. هو فلكلور سوري. هل تستغرب لو قلنا أنه لم يزل هناك من يؤيّد الأسد؟
بالنسبة لي لا أستغرب، لن أستغرب في المستقبل أيضاً أنه لا زال هناك من يؤيّد الأسد. سوف أسرد حادثة من الذاكرة البعيدة، لن تذهب من مخيّلتي، بتّ يومها أبكي ، ربما لا زلت أبكي ، لكن البكاء كالفرح يختبئ في الذاكرة ليعود عند أوّل شجن.
هناك عادة عند أهل ماردين، -الكثير منهم يعيش في القامشلي- أن يقيموا وليمة لك ، يقدمون فيها " الكتل الكبار" وهي نوع من الكبّة المسلوقة التي تصنعها النساء بمهارة ، و التي أجيد أكلها لكنّني لا أجيد صنعها. مختصر القصّة أن شابان أخوان من القامشلي كانا يعملان في دمشق، بينما والديهما يعيشان في القامشلي ، وهم من أقارب زوجي ، كان بيننا زيارات، في يوم من الأيام تمّ القبض على الأخوين في دمشق بحجة دعوى الانفصال عن سورية . لو كان الشّابان كرديان لقلنا أنه مجرّد اضطهاد وتعسّف ، فقد تعودنا أن نسمع أن الكردي متهم بالانفصال، ومن أجمل الطّرف التي حدثت معي عندما كنت محام أن مستخدماً في البلدية اسمه عبّاس ، وهو كردي شاءت الأقدار أن يوظفوه كمستخدم، وفصل عباس لأنه خطر على أمن الدولة. عندما قدمنا دعوى مدنية لأجل إعادته -كونه بريء-. كان عبّاس يحضر جلسة المحاكمة، وكان زوجي وأنا نحضر المحاكمة، أثناء استجواب القاضي لعباس. قال زوجي للقاضي : لا أعتقد أنه يستطيع الإجابة على أسئلتك. فقط انظر إليه. هل ترى في هذا خطراً على أمن الدّولة؟ ضحك القاضي، وضحك المحامون، ثم كبتوا ضحكاتهم ، أما قريب زوجي، وبعد أن سجن أولاده توفيت زوجته بحادث ، حيث ضربتها سيارة وهي على الرصيف، بقي الزوج وحيداً ، أتى في أحد الأيام إلينا ليشكو همّه، قال أن ابنه دعا القنصل التركي في دمشق إلى أكلة كتل كبار كون القنصل ميردلياً، و اختفى أبناء القريب في السجون السورية، كان يلحس أصابعه أحياناً، يعض عليها أحياناً. لم أستطع مواساته لأنني لا أعرف ماذا أقول له. بل كنت أحتاج لمن يواسيني عندما لم أتمالك نفسي عن البكاء بصوت عال.
نعود إلى الرّقص. في تلك الأثناء كان هناك احتجاجات من قبل النظام ضد أمريكا ، و لا أعرف التاريخ ، لكنني أعرف أننا شعب الله المحتّج الرّاقص إلى الأبد، و الذي يعتقد أن العالم كلّه معجب به. . أتت ابنتي وكانت في الإعدادية. سألتني: هل من المعيب أن نضع الحمرة و الكحل، ونلبس فساتين أمهاتنا و نرقص في الشّارع. سألتها لماذا تقولين ذلك؟ قالت: قالت لنا الموجّهة في المدرسة أن علينا أن نفعل ذلك غداً لأننا سوف نقوم بمسيرة ضد أمريكا. قلت لها لا ضرورة أن تذهبي. ضعي الحمرة والكحل وارقصي امام المرآة. في تلك الأثناء كنت مصنّفة أنني لست وطنية لأنني لم أشارك في المناسبات ، لكنّك قد تشارك بالمناسبات بالخطأ ، ففي إحدى المرات ذهبت إلى غرفة المحامين كي أعطي إنابة لأحدهم، رأيت عدداً قليلاً من المحامين في الغرفة، بعد قليل ساقونا إلى باحة المحكمة، قادنا عنصران أمنيان، ولم أكن أعرف المناسبة، عرفت فيما بعد أنه كان يوم انتخاب . قال لنا العنصر في خطابه: أن الانتخاب الفردي لا قيمة له ، فجميع الشعب السوري مع الأسد، بهذه الطريقة الاحتفاليّة نحن ننتخب القائد جماعياً. لم أهرب، مشيت مع المسيرة حتى وصلنا إلى شعبة حزب البعث، وهناك علقت الدبّكة، أمسك القضاة و المحامون في الصّف، كانت الدّوائر متراصّة، في هذه المرّة حزنت على أحد القضاة الذين كنت أكن له بعض الود كيف اضطر أن يمسك على الأول، وكيف كانت رجلاه تلفان على بعضهما فقد كان كبير السن ومريضاً. لم أشارك في الرقص، ولا الانتخاب. بل هربت إلى منزلي و أنا ألعن الساعة التي ولدت فيها في سورية .
بعد أن أصابتنا التّخمة من الرّقص، من تحرير القدس، من الرّقص على نيّة النّصر تعودنا على الممانعة، أصبحت تسري في دمائنا، تخرج كلمات الأسد ونصر الله من أفواهنا دون ان ندري. اختزنها عقلنا الباطن، لذا لا عجب في مسيرات ضد قانون قيصر. لكن مالنا نحن؟ بقيصر، أو بدونه سوف نموت من الجوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة