الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدلالة والتداول Semantic and pragmatic

أمينة الخربوع
كاتبة من المغرب مهتمة بمجال اللسانيات التطبيقية والديداكتيك واستاذة لمادة اللغة

(Amina Kharboue)

2020 / 6 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


"ليست اللغة إلا لهجة بجيش وسلاح بحرية"
"ماكس فاينرايخ"

ملخص:
ماذا يعني أن نقول شيئا ما؟ وعلام ندل بواسطة الكلمات؟ هل المعنى كله في الكلمات؟ وماذا يعني أن يكون للشيء معنى؟ ، إن للتواصل البشري خصائص ينفرد بها تغيب في معظم الأنماط الأخرى وأبرزها قيام التواصل على ثلاثة أركان أساسية وهي : المتكلم والسامع وسياق الحوار ولا يتم هذا التواصل إلا بواسطة قواعد تحكمه بغرض تحقيق التفاهم عن طريق تعرف السامع على ما يعنيه المتكلم من إلقائه لجملة من الكلمات.
الكلمات المفاتيح: المتكلم – السامع - السياق – المعنى – التواصل.
ABSTRACT
What does mean to say something? what do we denote by the words? Is the whole meaning in the words? What does mean to have a meaning? Human communication has unique characteristic that are absent from the rest of the other communicative patterns, the most prominent of which is the communication on three basic pillars: the speaker the listener, and the context of the speech, this communication is only carried out by means of rules aimed at achieving understanding by identifying the listener with what the speaker means by delivering a set of words,
Key words: speaker – listener – context – meaning – communication


مصطلح الدلالة (1) مصطلح أطلقه اللسانيون وأرادوا به دراسة العلامات سواء أكانت لغوية أو غير لغوية ، وأما علماء الدلالة فأرادوا به دراسة الظواهر اللغوية من خلال البحث عن القوانين التي بموجبها تتغير المعاني ، في حين انصب اهتمام البنيوية على بنية اللغة وعلاقة المعنى بالشكل اللغوي ، أما التوليديين فقد عنوا عناية كبيرة بالكفاءة اللغوية ، دون الاكثرات بالاستعمال رغم أهميته القصوى، فدلالة المفردات والتراكيب اللغوية لا تقتصر فحسب على نظام بنيوي يربط الشكل بالمعنى ويقبل الوصف ضمن قواعد بنيوية وتوليدية ، بل هي متفاعلة مع معطيات السياق من متكلم وسامع والظروف المحيطة بهما ، ولا أدل على ذلك من أن نفس القول يمكن أن تكون له دلالات مختلفة باختلاف السياقات . وهذا الاختصاص الذي يربط دلالات اللغة بالاستعمال ضمن سياق محدد هو ما أصبح يعرف اليوم بالتداولية.
إن مايميز الأفعال الإنجازية أنها تتحقق بمجرد إصدار أصوات أو كتابة شيء ما لكن ما وجه الاختلاف بين مجرد إصدار الأصوات أو الكتابة وتحقيق فعل إنجازي؟
يكمن الاختلاف الأول حسب سيرل في "كون أن ما يميز الاصوات أو العلامات الخطية التي ينتجها المتكلم حين تحقيقه لفعل إنجازي امتلاكها معنى ، أما الاختلاف الثاني فمرتبط بالأول بحيث يتحدد استعمال هذه الأصوات أو هذه العلامات الخطية بكونها تسخر للدلالة على شيء ما، فعندما نتكلم نقصد الدلالة على أمر ما مما نقوله"(2) .
انطلق سيرل من التمييز بين مجرد إصدار الأصوات وتحقيق فعل إنجازي ، معتبرا أنه يجب أن تكون للأصوات دلالة وأن تستعمل لأجل أن تعني شيئا ما . مناقشا مفهوم الدلالة غير الطبيعية عند جرايسGrice في مقال عنونه ب الدلالة (Meaning) ، فقد عد ما جاء به هذا الأخير مفيد كخطوة أولية للاشتغال على الدلالة ، ذلك أن جرايس ركز أساسا على الانفعال الناتج عن تأثر السامع بقول المتكلم ، فالدلالة -حسب سيرل- مرتبطة بإرادة المتكلم أن يعني ما يقوله ، وبإرادة تبليغه انطلاقا من تحقيق فعل إنجازي مع الرغبة في إحداث تأثير على السامع ،إضافة الى هذا فقد عدل سيرل تحليل جرايس للدلالة.عن طريق تقديمه لمقترح جديد يأخذ بعين الاعتبار الدلالة الطبيعية .
عرف جرايس الدلالة غير الطبيعية (3) على الشكل التالي: أن نقول بأن القائل قصد شيئا ما من خلال جملة معينة ، هو القول بأن القائل كان ينوي وهو يلقي هذه الجملة إحداث تأثير في مخاطبه وذلك لن يتأتى إلا عن طريق فهم هذا المخاطب لهذه النوايا . ويشدد جرايس في التواصل اللغوي على نوايا المتكلم وفهم المخاطب لهذه النويا ، وخلافا لسيرل فهو لا يؤسس هذا حصرا على الدلالة التواضعية للجمل وعلى الكلمات التي تتكون منها هذه الجمل ، وتجدر الإشارة إلى أن سيرل يؤسس لنظرية الأفعال اللغوية انطلاقا من اعتبار أن لقائل جملة ما مقصدا مزدوجا يتمثل في إبلاغ محتوى جملته والإعلام بهذا المقصد بموجب قواعد تواضعية تتحكم في تأويل هذه الجملة في اللغة المشتركة (4)
وفي السياق نفسه يقترح جرايس في مقاله "منطق الحوار" مفهوم الاستلزام الحواري l’implication conversationnelle أي المعنى المستفاد من السياق ، ويعني أن التواصل محكوم بمبدأ عام هو مبدأ التعاون وبمسلمات حوارية وسلامة القول وقبوله من قائله وملاءمته مستوى الحوار ، فبعض الجمل اللغوية في بعض المقامات تدل عل معنى غير معناها التركيبي اللفظي ، وهو ما يؤكده جرايس قائلا: "أود أن أقدم بعض المجموعات الفرعية (...) سأسميها بالإستلزامات الحوارية وهي ترتبط أساسا ببعض السمات العامة للخطاب (...) ، إذ أن مبادلاتنا الكلامية لا تتكون عادة من سلسلة من التصريحات المتنافرة ، ولن تكون معقولة إن هي كانت كذلك ، إنها تتميز إلى درجة معينة على الأقل ، بكونها جهدا تعاونيا ، يرمي فيه كل مشارك بقدر معين إلى تحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف المشتركة "(5) ويبدو من هذا القول أن جرايس يقترح أن توصف ظاهرة الاستلزام الحواري انطلاقا من مبدأ التعاون والقواعد المتفرعة عنه ، ذلك أن مصدر الاستلزام يتمثل في خرق إحدى القواعد الأربعة مع احترام المبدأ العام (أي التعاون) وتتمثل هذه القواعد في الكم ، والكيف ، والورود ، والكيفية . فلا يقوم الحوار إلا إذا خضع المتخاطبان لمبدأ أساسي يقول : اجعل مساهمتك في الحوار متطابقة مع ما يفرضه عليك هدف واتجاه التبادل الكلامي الذي تنخرط فيه .
هذا يعني أن الالتزام بهذا المبدأ يعني ضمنيا قبوله ، لأن اتجاه الحوار وهدفه هما اللذان يجعلان عناصر العملية التواصلية مترابطة فيما بينها . ويعتبر كلام كل مشارك فيها إسهاما واعيا وإراديا .
وتقع تحت هذا المبدأ العام أربعة مقولات كما سبق وأشرنا وهي :الكم والكيف والورود والكيفية .
تتضمن كل واحدة من هذه المقولات قواعد جزئية ، فمقولة الكم ترتبط بقدر المعلومات التي تحملها الألفاظ وتندرج تحتها القاعدتان التاليتان :
- اجعل مساهمتك إخبارية بالقدر المطلوب
- لا تجعل مساهمتك الإخبارية تتجاوز المطلوب
إن القاعدة الثانية مثيرة للجدل ذلك أن تجاوز القدر المطلوب يمكن ألا يعد خرقا لمبدأ التعاون ، لكنه يمكن أن يؤدي إلى تضييع الوقت وتندرج ضمن مقولة الكيف قاعدة كبرى :" حاول أن مساهمتك في الحوار صادقة" وقاعدتان أكثر دقة :
- لا تقل ما لا تعتقد في صدقه
- لا تقل ما لا تملك دليلا على إثباته
أما مقولة الورود فتضم قاعدة واحدة " ليكن كلامك واردا " وتطرح هذه القاعدة أسئلة مختلفة حول مختلف أنواع الورود الممكنة : كيف تتغير عملية التواصل الكلامي ؟ وكيف يسمح هذا التغير، بتغير موضوع الحوار تغيرا صحيحا ؟.
وأخيرا فإن مقولة "الكيفية" واضحة لا لبس فيها ، وتضم القاعدة الكبرى :"كن واضحا"، وقواعد مختلفة :
- تجنب الغموض.
- تجنب اللبس.
- تجنب الحشو (أوجز).
- كن منظما .
إن الهدف من هذه القواعد يتجاوز مجرد تحقيق التواصل والتفاهم ، إلى العلاقات الشخصية وما يحكمها من سلوكات ،ولا يعد ضروريا وملزما أن يحترم الفرد جميع هذه القواعد وذلك راجع إلى طبيعة الحوار من جهة وشخصية المتكلم من جهة ثانية ويخوض ليتش مفصلا في مسألة ارتباط الدلالة بالتداول ، فالدلالة والتداول يصفان دلالة العبارة المتلفظ بها على أنحاء مختلفة ، حيث تتجلى مهمة التداول في تفسير العلاقة بين المعنى (الذي غالبا ما يوصف بالدلالة اللفظية أو المدلول الظاهر) والقوة (فعل الكلام) محددا العلاقة بينهما بكون " التداولية العامة تربط التلفظ أو (الدلالة النحوية) بقوته الإنجازية ويمكن أن تكون هذه العلاقة مستقيمة (مباشرة) أو مائلة (غير مباشرة) " (6) .
ويفترض أن المعنى يمكن أن يوصف عن طريق التمثل الدلالي في بعض اللغات الصورية أو الرمزية ويمكن أن ترسم أو تمثل القوة كمجموعة من فنون اللزوم كما قال به جرايس ، إلا أن ليتش اتبع جرايس فيما يخص ثبوت اللزوم التحاوري إذ ينبغي أن يكون ممكن الاستنباط على حد تعبيره ، فجميع فنون اللزوم احتمالية ، فلا يمكن أن نكون على يقين مما يعنيه المتكلم بتلفظه للعبارة ، وذلك لتدخل مجموعة من الشروط في فهم وتكوين المعنى ، فالشروط الملاحظة والتلفظ بالعبارة والسياق ، تتحدد بمقصد المتكلم ، ومن واجب المخاطب أن يقوم بتشخيص معقول للتأويلات الممكنة ، لكن بالرغم من وجود هذا التشخيص فليس من الممكن توصل المستمع دائما إلى نتائج حاسمة لما دل عليه المتكلم .
ولمزيد من التوضيح نعتمد المثالين التاليين :
1- ماذا تعني "إنها تمطر".
2- ماذا كنت تقصد ب "إنها تمطر" .
يبدو من خلال المثالين أن الدلالة تتعامل مع المعنى كعلاقة ثنائية الحال في المثال الأول في حين يعالج التداول مسألة الدلالة كعلاقة ثلاثية كما هو مبين في المثال الثاني ، ذلك أن الدلالة في التداول تتحدد بالنظر إلى المتكلم أو المستعمل للغة ، بخلاف ماهي عليه في الدلالة التي تعنى بعبارات لغة معينة بغض النظر عن الموقف الخاص والمتكلمين أو السامعين .وعلى الرغم من تمايز كل من التداول والدلالة إلا أنهما حقلان مترابطين ومتكاملين .
نستشف مما سلف أن الدلالة في المجال التداولي ترتبط ارتباطا وثيقا بثلاثة مفاهيم رئيسة هي المتكلم والسامع والسياق ، متفاعلة فيما بينها في إطار العملية التواصلية ، فقد اقترن هذا المفهوم لدى سيرل بقصد المتكلم إحداث أثر في السامع ، في حين ارتبط في تصور جرايس بمنطق الحوار وبمبدأ عام هو التعاون الذي يرتبط بأربع مقولات كبرى هي الكم والكيف والورود والصيغة . أما ليتش فقد بين الفرق بين كل من الدلالة والتداول معتبرا بأن الأولى تعنى ببنية اللغة في حين يعنى الثاني بالموقف التواصلي .

الإحالة:

1- يجب الإشارة في هذا الصدد إلى العلاقة التي تربط الدلالة بالتداول ، فالدلالة تتميز بالثبات كيفما كان السياق ، في حين أن التداول متغير خاضع للسياق ، ونتيجة لتنامي الاهتمام بالتفاعل بين المعنى والاستعمال ظهرت العديد من الاتجاهات تضمنت وجهات نظر مختلفة ، فنجد الباحث الفرنسي فرنسوا ريكاناتي (1981) يميز بين موقفين يمكن تلخيصهما في :
موقف يدعو إلى ضرورة الفصل بين الدلالة والتداول
موقف يؤكد على ضرورة هدم الحدود الفاصلة بين الدلالة والتداول ، ويضيف موقفا ثالثا إلى هذين الموقفين يدعو إلى إدماج التداول في الدلالة .
2- John searle ( 1972) : Les actes de langage essai de philosophie du langage traduction par hélène pauchard p 83
3- يمكننا أن نمثل للدلالة الطبيعية وغير الطبيعية بالأمثلة التوضيحية التالية :
المثال أ : "يشير منبه الحافلة إلى الانطلاق " ، "تدل البذور المنتشرة على جلد زيد على أنه يعاني من مرض جذري الماء"
نلاحظ أن هذا النوع من الدلالة ، دلالة وضعت في علاقة مع النتائج والأعراض .
المثال ب: "أن يقول زيد لعمر أن غرفته كزريبة الخنازير ، فإنه يقصد أن غرفة عمر وسخة وغير مرتبة"
يبدو أن هذا النوع من الدلالة يمثل صلة قائمة بين محتويات يريد المتكلم إبلاغها ، وبين الجمل التي استعملها لهذا الغرض .
4- اللغة المشتركة : هي ما تتداوله جماعة لغوية معينة من لسان ، وقد عدها سيرل اللسان المشترك بين جماعة لغوية على أساسه يتم التواصل و الاتصال .
5- جرايس بول (19)، منطق الحوار ـ ترجمة محمد طروس ، مجلة الحكمة عدد 1 خريف 1992 ص 44 .
6- ليتش جيوفيري (1983) ، مبادئ التداولية ، ترجمة عبد القادر قنيني سنة 2013 ص 44 .


قائمة المصادر والمراجع:
John rogers searle(1972) : Les actes de langage : essai de philosophie du langage traduction par : hélène pauchard collection savoir

جرايس بول (1992) منطق الحوار ترجمة محمد طروس مجلة الحكمة عدد1
ليتش جيوفيري (1983) مبادئ التداولية ترجمة عبد القادر قنيني سنة 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحسنت النشر
صالح الحبشي ( 2020 / 6 / 29 - 15:56 )
مقال مائز موفقة أيتها الباحثة المبدعة

اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت