الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة المعادلاتية و تحليل الحقيقة

حسن عجمي

2020 / 6 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تُحلِّل الفلسفة المعادلاتية الحقيقة على أنها معادلة رياضية على النحو التالي : الحقيقة = ما يطابق الواقع x المقدرة على البرهنة على ما يطابق الواقع. هذا يعني أنَّ الحقيقة تساوي ما يطابق الواقع مضروباً رياضياً بالمقدرة على البرهنة على ما يطابق الواقع. مثل ذلك هو التالي: حقيقة أنَّ الثلج أبيض أي صدق عبارة "الثلج أبيض" يساوي تطابق عبارة "الثلج أبيض" مع الواقع و مقدرتنا على البرهنة بنجاح على أنَّ الثلج أبيض.

بما أنَّ ، بالنسبة إلى هذه المعادلة ، الحقيقة تساوي التطابق مع الواقع مضروباً رياضياً بالمقدرة على البرهنة على ما يطابق الواقع ، إذن الحقائق مُعرَّفة من خلال التطابق مع الواقع و المقدرة على البرهنة على القضايا. وبذلك الحقائق مُحلَّلة من خلال عوامل خارجية قائمة في العالَم الواقعي تماماً كما يقول المذهب الواقعي في تحليل الحقيقة كما أنَّ الحقيقة مُحلَّلة من خلال عوامل داخلية مرتبطة بالمقدرة البشرية على البرهنة تماماً كما يؤكِّد المذهب اللاواقعي في تحليل الحقيقة. من هنا ، تُوحِّد معادلة الحقيقة (القائلة بأنَّ الحقيقة = ما يطابق الواقع x المقدرة على البرهنة) بين المذهبيْن الواقعي و اللاواقعي فتحلّ الخلاف بينهما وبذلك تكتسب هذه الفضيلة الكبرى ما يشير بقوة إلى صدق معادلة الحقيقة.

بكلامٍ آخر ، بما أنَّ معادلة الحقيقة تقول إنَّ الحقيقة تساوي ما يطابق الواقع مضروباً رياضياً بالمقدرة على البرهنة على ما يطابق الواقع ، و المذهب الواقعي يعرِّف الحقيقة من خلال التطابق مع الواقع بينما المذهب اللاواقعي (ليس بالمعنى السلبي) يعرِّف الحقيقة من خلال المقدرة على البرهنة ، إذن معادلة الحقيقة تتضمن المذهبيْن الواقعي واللاواقعي معاً وبذلك توحِّد بينهما ما يتضمن أنها تحلّ الخلاف القائم بينهما. وبذلك تكتسب فضيلة حلّ هذا الخلاف الفلسفي ما يدلّ على نجاحها فصدقها.

من جهة ، لا بدّ من ربط الحقائق بالواقع و إلا لا يكون حديثنا عن الحقائق ، و من جهة أخرى ، لا بدّ من ربط الحقائق بالمقدرة على البرهنة عليها و إلا ستوجد حقائق من المستحيل معرفتها (لعدم ارتباطها بقدرتنا على البرهنة عليها) ما يستلزم وجود آلية غريبة و خارقة تمنع إمكانية معرفة الحقائق ما يناقض التفكير العلمي والموضوعي. من هنا ، من الضروري تحليل الحقيقة من خلال المطابقة مع الواقع و تحليلها أيضاً من خلال المقدرة على البرهنة. و هذا ما تنجح معادلة الحقيقة في القيام به لأنها تعرِّف الحقيقة على أنها تساوي التطابق مع الواقع مضروباً رياضياً بالمقدرة على البرهنة. و هذا النجاح دلالة على صدق معادلة الحقيقة و مقبوليتها.

تحليل الحقائق من خلال المقدرة على البرهنة عليها تماماً كما تفعل معادلة الحقيقة يربط الحقائق بنا و بقدراتنا العقلية ما يمكّننا من معرفتها وبذلك يضمن إمكانية المعرفة. و بهذا تنجح معادلة الحقيقة في التعبير عن إمكانية الحصول على المعرفة. و في هذا فضيلة جوهرية لها. و هذه المعرفة الممكنة هي معرفة للواقع لأنَّ، بالنسبة إلى معادلة الحقيقة، الحقائق أيضاً هي ما يطابق الواقع. وبذلك تضمن معادلة الحقيقة التي أيضاً تعرِّف الحقائق من خلال التطابق مع الواقع أن تكون المعرفة معرفة للواقع كما هو. وبذلك تكتسب هذه الفضيلة الأساسية. و على ضوء هذه الفضائل نستنتج بحق بأنَّ معادلة الحقيقة صادقة.

لا تسجن معادلة الحقيقة الحقائق في تعريف ضيّق و مُحدَّد لكونها تحلِّل الحقيقة من خلال التطابق مع الواقع و المقدرة على البرهنة في آن. بكلامٍ آخر ، لا تسجن معادلة الحقيقة الحقائق في التطابق مع الواقع فقط كما لا تسجن الحقائق في المقدرة على البرهنة فقط. وبذلك تُحرِّر معادلة الحقيقة الحقائق فتكتسب هذه الفضيلة الأخرى. فإن لم نتمكّن من البرهنة على هذه أو تلك الحقائق تبقى الحقائق حقائق بفضل تطابقها مع الواقع. و إن لم تطابق بعض الحقائق الواقع تبقى حقائق بمعنى آخر إن تمكّنا من البرهنة عليها فتكون حقائق احتمالية أو ممكنة صادقة في الأكوان الشبيهة بعالَمنا الواقعي أو صادقة في بعض الأكوان الممكنة و إن اختلفت عن عالَمنا الواقعي. هكذا تضمن معادلة الحقيقة بفضل تعريف الحقائق من خلال التطابق مع الواقع و المقدرة على البرهنة تنوّع الحقيقة فتُحرِّرها بالفعل ما يدلّ على التفوّق الفلسفي لمعادلة الحقيقة.

ثمة حقائق أكثر صدقاً من أخرى فالحقيقة مسألة درجات كالحقيقة العلمية الأكثر صدقاً التي مفادها أنَّ الكون يتكوّن من ذرات مادية. و ثمة حقائق احتمالية كالحقيقة العلمية المحتملة التي مفادها أنه توجد أكوان ممكنة متوازية عديدة و مختلفة عن عالَمنا الواقعي. و ثمة حقائق ممكنة كالحقيقة العلمية الممكنة التي مفادها أنَّ عالَمنا الواقعي وُلِدَ من أكوان ممكنة و سوف يُنجِب أكواناً ممكنة أخرى ستولد في ثقوبه السوداء. هكذا تتخذ الحقيقة صفة أنها مسألة درجات و هذا ما تنجح معادلة الحقيقة في التعبير عنه. فبما أنَّ الحقيقة تساوي ما يطابق الواقع مضروباً رياضياً بالمقدرة على البرهنة ، إذن تزداد درجة صدق الحقيقة بازدياد التطابق مع الواقع و ازدياد المقدرة الناجحة على البرهنة عليها و تتناقص درجة صدق الحقيقة بتناقص التطابق مع الواقع و تناقص المقدرة الناجحة على البرهنة عليها ما يسمح بوجود الحقائق الأكثر صدقاً و الحقائق الاحتمالية و الحقائق الممكنة.

إن كانت الحقيقة تساوي المطابقة مع الواقع مضروبة رياضياً بالمقدرة على البرهنة فحينئذٍ الحقائق العليا هي الحائزة على الدرجة العليا من المطابقة مع الواقع و الدرجة العليا من المقدرة الناجحة على البرهنة على مطابقتها للواقع. وبذلك رغم تنوّع الحقائق ثمة حقائق عليا لا تتحقق سوى بالمطابقة الكاملة مع الواقع و المقدرة العليا على البرهنة على مطابقتها الكاملة مع الواقع. لذلك تتنوّع المعارف و تنقسم إلى معارف أكثر صدقاً و معارف احتمالية و أخرى ممكنة الصدق بتنوّع الحقائق وانقسامها إلى حقائق أكثر صدقاً و حقائق احتمالية و أخرى ممكنة.

كما تتضمن معادلة الحقيقة نتيجة فلسفية مثيرة ألا و هي التوحيد بين اتجاهيْن فلسفيين أساسيين و متصارعين ألا و هما فلسفة اعتماد الواقع على العقل و فلسفة عدم اعتماد الواقع على العقل. فبما أنَّ الحقيقة تساوي ما يطابق الواقع مضروباً بالمقدرة على البرهنة ، و علماً بأنَّ ما يطابق الواقع منفصل عن العقل لأنه مطابقة للواقع فقط بينما المقدرة على البرهنة على ما يطابق الواقع معتمدة على العقل فلا برهنة بلا عقل ، إذن من حيثية معيّنة الحقائق منفصلة عن العقل فغير معتمدة عليه بفضل تعريفها من خلال المطابقة مع الواقع كما أنَّ الحقائق من حيثية أخرى معتمدة على العقل من جراء تحليل الحقائق من خلال المقدرة على البرهنة على ما يطابق الواقع. من هنا ، تنجح معادلة الحقيقة في التوحيد بين هذيْن المذهبيْن الفلسفيين المتصارعين فتحلّ الصراع بينهما فتكتسب هذه الفضيلة الأساسية. هكذا تصدق معادلة الحقيقة بفضل نجاحاتها المتكرّرة.

لكن كيف من الممكن للواقع أو الكون أن يكون منفصلاً عن العقل و معتمداً عليه في آن؟ من الممكن ذلك لأنَّ الكون من حيثية أنه مادي أي من حيثية أنه متكوِّن من ذرات مادية هو غير معتمد على العقل فمِن الممكن للذرات أن توجد بلا وجود عقل يدركها. لكن من حيثية أنَّ الكون مثالي أي من حيثية أنه متكوِّن من معلومات مجرّدة فهو معتمد على العقل فلا توجد معلومات بلا إدراك لها أو بلا إمكانية إدراكها والتصرّف على ضوئها (فإن استحال إدراكها فلا دليل على وجودها أصلاً). هكذا الكون أو الواقع منفصل عن العقل و معتمد عليه في آن. مثل ذلك أنَّ الشجرة كمجموعة ذرات مادية تبقى كمجموعة ذرات و إن لم يوجد مَن يدركها. لكن الشجرة نفسها كمجموعة معلومات لا توجد بلا مَن يدركها و هذا لأنَّ الشجرة كمعلومات (كمعلومة أنها مصدر للأوكسجين) تحتاج إلى عقل يتلقى تلك المعلومات و إلا كانت معلوماتها بلا إفادة أي بلا وظيفة ما يحتِّم عدم ضرورة وجودها. من هنا الكون كمعلومات يستلزم وجود عقل فحياة و لذا نشأت الحياة و نشأ العقل. إن كان الكون يتكوّن من حقائق و الحقيقة تتشكّل من مطابقة الواقع و البرهنة على ما يطابق الواقع (كما تقول معادلة الحقيقة) و البرهنة تستلزم وجود عقول فحينئذٍ الكون يستلزم وجود عقول فوجود حياة قادرة على التعقل. لذلك يوجد العقل و توجد الحياة. من هنا معادلة الحقيقة تفسِّر بنجاح لماذا توجد حياة و عقول و نجاحها دلالة على صدقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث