الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرّ عامٌ على ترك التدخين!

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 6 / 19
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


صبيحة يوم جامعي من عام 2009 التقيت بزميل لنا عند بوابة الجامعة وتبادلنا التحايا وبضع كلمات في أقل من دقيقتين كانت كفيلة كي يخرج صاحبنا من جيبه علبة السجائر ويدسّ واحدة بين شفتيه بينما يناولني أخرى, ومع أنني لم أكن آنذاك من المدخنين بالمعنى الدقيق, حيث لم أكن قد اشتريت يوماً علبة سجائر, إلا أنني كنت من أولئك الذين يتناولون سيجارة بين الفينة والأخرى من يد أحد الأصدقاء كنوع من المجاملة والـ"تنفيخ". والتنفيخ هو أن تأخذ دخان السيجارة في فمك ثم تطلقه في الهواء مباشرة دون إيصاله للرئة. المهم.. أخذت السيجارة من يده ووضعتها خلف أذني ثم مضى كلّ في سبيله.
مشيت وعند باب الكليّة التقيت فتاة من قسم اللغة الإنكليزيّة كنت قد التقيتها قبل بضعة أيام بصحبة إحدى زميلاتنا, فأخبرتها أنني أنتوي شرب فنجان قهوة في مقهى الكليّة قبل أن أتوجّه لقضاء بعض الأمور الإداريّة, فأبدت الفتاة رغبتها في مشاركتي فكرة فنجان القهوة, ولأنّها كانت من تلكنّ اللواتي ينفطر قلب المرء عادة حين يبدين رغبتهنّ بمجالسته, لم أتمالك حينها إلّا أن أتلعثم وأنا أأأأبدي سسسعادتي ببببهذا اللللمقترح الللجججميل.
على أنغام أغاني "فيروز" المنبعثة من الراديو في كافيتيريا كلّية الآداب رحت أستعرض أمام الفتاة بطولاتي العقليّة في فهم المنطق الأرسطي والمعاصر على حدّ سواء, ثم عرّجت لشرح مبادئ التفكير العلمي والتفكيكيّة والبنيوية والنيتشويّة والماركسيّة والمهلّبية, المهم أنني كنت أهرب من لساني الذي كان يريد أن يخبرها كم هي جميلة وكم أنّني مسرور بنكهة فنجان القهوة الممزوج بالعسل الذي يجلس معي على نفس الطاولة.
باغتني سؤالها حول السيجارة التي كنت قد نسيتها خلف أذني, وفي الحقيقة كنت قد نسيت أن لي أذنان من الأساس, فأخبرتها وأنا أتناول السيجارة من خلف أذني محرجاً بأنّ هذه السيجارة هي "ضيافة" من زميل لنا, فسألتني إن كنت من المدخّنين فأجبتها بالنفي المتحفّظ فباغتتني بقولها "خسارة" !! ومع أنّ الفتاة لم تكن من المدخّنات, إلّا أنها أخبرتني بأنّها تحبّ مشهد السيجارة في يد الشاب, لأنّه وبحسب ذائقة تلك الجميلة فالسيجارة تمنح الشابّ "هيبة وشخصيّة".
حين تتكلّم فتاة بمستوى جاذبيّة صديقتنا تلك عن مفاهيم الهيبة والشخصيّة مع شابّ خجول -آنذاك- من أمثالي, فعلى الأرجح أنّ صاحبنا سيكون على استعداد لنفث النار من فيه كما التنّين, فما بالك ببداهة أن أتسوّل ولّاعة من شابّ آخر عند الطاولة المجاورة لأشعل السيجارة ثم أنسى نفسي وأشرق بدخانها الذي يدخل القصبات والرئتين للمرّة الأولى.
أحسست وكأن رصاصة اخترقت صدري وخرجت من ظهري, مريع يا سادة هو شعور حرقة الدّخان عند أوّل سيجارة. أخذ السعال كل الهيبة والشخصيّة وتركني كما العجوز أكحّ وأكحّ برفقة فتاة مراهقة تسجل انتصاراً آخر لها وهي تناولني كأس الماء ومنديل جيب وهي تتمتم (اسم الله اسم الله عليك) .
اسم الله عليي؟!! لك أي دخيل الله أنا أي؟ دخيل الله رائحة العطر الأخّاذ من منديلك ؟ لك أي دخيل الله الحمرة على طرف فنجان القهوة ؟ دخيل هالشعرات الفاحمين وهالعيون العسليّة أي؟ لك اسم الله عليكي أنتي شو طالعة من تمّك حلوة كلمة (اسم الله). طبعاً قلت كل ذلك في سرّي وأنا أمسح بقايا الهيبة والشخصيّة عن عيوني الدّامعة من أثر السّعال.
نظرت من حولي وراعني كثرة الشباب المدخّن وكأنني ألحظ ذلك للمرّة الأولى في حياتي. أحسست أنّ سيجارة كلّ واحد منهم هي رصاصة تستهدف رجولتي وتنشد إبراز هيبة صاحبها وشخصيّته في عيون الحسناء التي برفقتي. شعرت وكأنّ هذا الذي ينفث الدخان في دوائر ويضحك ملء شدقيه بصحبة الشلّة الـ"كوول" إنّما يهدف من دوائر الدخان تلك نسج شباك يصطاد بها الحسناوات ذوات العيون العسليّة من أمثال جليستي. هل يا ترى أنّ السيجارة هي ما كان ينقصني كي أتمتّع بالشخصيّة والهيبة اللتان ستجعلان أصابع يدي تنعم بمداعبة خصلة من الشعر الحريريّ الفاحم المرسل فوق أكتاف صاحبته؟ دارت جميع تلك الأسئلة في رأسي وأنا أنظر لسيجارتي التي تنام على طرف منفضة السجائر, بينما لا يزال خيط دخانها يشقّ المسافة بين عينيّ وشفاه تلك الحسناء برفقتي. تناولت السيجارة مرّة أخرى وأخذت منها نفساً قصيراً تعمّدت ألّا أبتلع دخانه بعد أن عرفت أنّ التنفيخ شيء والتدخين شيء آخر, وهنا جاءت الصاعقة حين انتبهت الفتاة إلى أنني أنفخ الدخان ولا أبتلعه فقالت: (خلاص زاهر أنا آسفة, إذا أنت ما متعوّد عالسيجارة فبلاها, لا تجبر نفسك, أنا ما كان قصدي)
هل سمعتم يا سادة بمصطلح "الاغتيال النّفسي" تماماً هو ما شعرت به حين وقعت عبارتها في أذني! الخصاء.. الفضاء.. الخواء... هزيمة حزيران.. حقد متفجّر تجاه كل المدخّنين الذين أعرفهم, والذين لم يخبرني أحدٌ منهم أنّني كنت طوال الوقت أبحث عن رجولتي في المكان الخاطئ, حيث أنني كنت حتى حينها أبحث عن الشخصيّة والهيبة في المعرفة لا في السجائر, وفي المكتبات لا في مقاهي الشيشة. يومها دخلت الكشك للمرّة الأولى لا كي أشتري الصحف أو القرطاسيّة بل كي أطلب ولّاعة رجولة وعلبة لفائف الهيبة من ماركة مارلبورو وهي أوّل ماركة رجولة طرأت على بالي, فسألني صاحب الكشك إن كنت أريد الهيبة حمراء أم ذهبيّة؟ فأجبته بأنّي أفضّلها ذهبيّة, ولم اكُ أدري حينها أن ألوان علب السجائر تشير إلى نسبة السمّ فيها لا إلى درجة هيبة ورجولة حاملها. عشرة أعوام مرّت بعد تلك الحادثة وأنا أبحث عن هيبتي الضائعة في كلّ مرّة أحاول فيها الإقلاع عن التدخين فأضعف وتغتالني السيجارة نفسيّاً كما اغتالتني آنذاك تلك الفتاة بعبارتها.
عشرة أعوام بعدها وأنا أحاول في كلّ يوم استعادة هيبتي الضائعة عند كلّ مرّة تخبرني فيها إحدى الصديقات أو الأصدقاء بلطف مشفق أن أبتعد مسافة ثلاثة أمتار عن أنوفهم كما الكلب الأجرب حين أريد أن أشعل لفافة هيبة وشخصيّة!
عشرة أعوام وأنا أشعر بالضعف والمهانة عند كل مرّة أضطر خلال إلقاء إحدى المحاضرات التعليميّة أن أستأذن الطلبة في استراحة لمدّة خمس دقائق وأذهب لأختبئ كي لا يراني الطلبة وأنا أضرب لهم في نفسي أبلغ الأمثال في الضعف البشري أمام لفافة الهيبة تلك, في الوقت ذاته الذي كنت فيه -ويا للمفارقة- أصملخ آذانهم في الحديث حول إرادة القوّة عند نيتشة.
عشرة أعوام بالتمام والكمال وانا أشعر بالحمق والعجز في كلّ مرّة أدفع من نقودي لشركات التبغ ثمن الهيبة المسرطنة, ولشركات المناديل الورقيّة ثمن منديل كي أبصق فيه على انفراد بينما أبحث في ثناياه عن رائحة عطر ذات الشعر الفاحم, فلا اجد فوق المنديل سوى البلغم.
عشرة أعوام وأنا أحاول أن أوهم نفسي أنّ عبثيّة الحياة لا تدع مجالاً للمرء كي يحرم نفسه متعة التدخين, في الوقت الذي كنت فيه على أتمّ البيّنة, أنّ لا متعة في التدخين البتّة, إن هي إلّا تلبية لاحتياج ملحّ كان قد خلقه المرء لنفسه بيديه يسمّى "الإدمان".
عشرة أعوام وفي كلّ مرّة أقابل فيها أحداً من الذين مضى سنوات على تركهم للسجائر بعد رحلة إدمان لعشرات السنين أشعر بالخجل والضعف الذي لم أستسيغه من نفسي يوماً رغم كل التبريرات الفارغة التي كنت أحاول أن أقنع نفسي فيها بانّ التدخين هو اختياري الحرّ.
عشرة أعوام والخوف يملؤني في كلّ مرّة أقابل فيها أحد المصابين بسرطان الرئة او الحنجرة, لا خوفاً من الموت, بل خوفاً من آلام السرطان ومن آلام التفاهة الكامنة في فكرة أن يضحّي المرء بحياته من أجل (سيجارة).
ليس عندي من وصفة جاهزة لترك التدّخين ولم أتّبع أي تقنيات لا اعتياديّة في التغلب على آثار الحرمان في العشرة أيّام الأولى على ترك عادة التّدخين, وذلك في مثل هذه الأيّام من الصيف الماضي, بل كانت الحال مجرّد بركان غضب وسخط على نفسي لم أقوَ على كبح جماحه, وذلك بعد محاولة فاشلة للإقلاع عن التدخين في مطلع العام ذاته. كنت قد استفدت من خبرتي في هذه المحاولة الفاشلة والتي استمرّت لما يقارب الشهرين قبل أن أعود بعدها لشراء علبة لفائف لا حول ولا قوّة إلّا بالله. هذه الخبرة كانت تتمثّل في أنّ مدمن السّجائر بعد أن يمضِ على تركه التدخين فترة لا بأس بها وتزول عنه الأعراض الإنسحابيّة يحلّ محلّها شعور بالفخر والرّاحة والقوّة, مما قد يجعله يستهتر ويأخذ سيجارة عابرة وهو على يقين أن التدخين كعادة وإدمان قد صار خلف ظهره وأنّ "سيجارة بالمناسبات لا تضرّ" . لا سيّما وإن كان المقلع على معرفة بأناس من الذين يدخّنون مجرّد سيجارة واحدة بالمناسبات منذ عشرات السنين. ولكن الذي أودّ الإشارة إليه هو أنّ الذي وقع في فخّ إدمان السجائر مرّة في حياته لا ينطبق عليه بأيّة حال ما ينطبق على جماعة (سيجارة في المناسبات) لأنّ هؤلاء الجماعة لم يخبروا في حياتهم التّوق والشوق للسيجارة ولذا قد.. قد... تكون السجائر كإدمان وكعادة غير مطروحة عندهم. أمّا الذي كان قد أدمن التدخين مرّة في حياته ومن ثم نجح في الإقلاع عنه, فسيبقى عرضة للإدمان طيلة حياته ولا حافظ له سوى اتّباع مبدأ واضح لا مجال للتهاون فيه ألا وهو الحرص على عدم لمس لفافة تبغ مرّة أخرى ما تبقّى له من حياة, سواء أكانت مشتعلة أم غير مشتعلة, سواء أقام بتنفيخها أم بلع دخانها, لأنّه في جميع الأحوال ستفتح هذه اللفافة للمرء باباً كان قد أوصده, وستأخذه في درب لن ينتهي سوى بالعودة للتدخين المنتظم أو بالإقلاع المتطرّف كما في حالتي.
ليس عندي من شيء أضيفه عمّا تعرفونه حول مضار التدخين الصحّيّة والاقتصاديّة على المدخّن وعلى من حوله, فكلّ ما يجب أن يقال في ذلك سبق وأن قيل. ولكن الذي كان مزعجاً بالنسبة لي دائماً حين كنت أقرأ أي بحث حول ذلك هو يقيني بأنّ الكاتب وهو في الغالب الأعمّ من الذين لم يدخّنوا سيجارة في حياتهم, على الأرجح لا يعرف شيئاً عن الآليات النفسيّة المرتبطة بالسيجارة, ولا عن الآلام النفسيّة والجسدية التي يشعر بها المدخّن جرّاء التفكير في ترك التدخين فما بالك في الشروع به. كما أنّ من لم يٌبتلَ بإدمان السجائر في حياته فلن يعرف شيئاً عن الرّاحة والمتعة النفسيّة التي تعقب تدخين سيجارة الصباح مثلاً مع فنجان القهوة! لذلك فقد كانت حالي كحال جميع المدخّنين الأسوياء, نعلم أنّ الباحثين والأطباء يقولون خيراً ولكنه طرح عسير على التطبيق و أكبر من أن يكون بمقدورنا أن نغيّره بمجرّد الاقتناع به.
وعليه فقد استحالت السيجارة عندي من شيء إلى فكرة, كما استحالت مشكلة التدخين عندي من مشكلة صحيّة ونفسيّة إلى مشكلة فلسفيّة تتعلّق بالحريّة المسؤولة, فلا أحد أرغمني طوال حياتي على تناول سيجارة واحدة, أنا.. أنا وفقط من قررت ذلك لنفسي وأقرره في كل يوم...
هذا مفتاح المسألة كما كان عندي, كرهت نفسي كمدخّن, لم أتجاهل حقيقة أنّ السيجارة لا تنطق حرفاً ولا تستطيع إقناعي ولا إرغامي على تدخينها, إنّما أنا من كنت أتعامل مع السيجارة فقط بموجب ما أقوله أنا لنفسي حولها وما أقنع أنا نفسي بخصوصها. اكتشفت حينها وأنا الآن على يقين من ذلك , أنّ التدخين فكرة قبل أن تكون ممارسة, ولذا أقسم لكم أنّ لحظة واحدة من الرّغبة في نفس سجائر واحد لم تنتابني منذ أول صباح استيقظت فيه قبل عام وأنا مبيّتاً نيّة الإقلاع في الليل. وذلك على الرّغم من المعاناة الجسديّة الطفيفة لاسيّما في أول أسبوع, إلّا أنّ هذه المعاناة لم تكن توقاً ولا شوقاً للسجائر بقدر ما كانت تشبه وعكة صحيّة خفيفة تغلّبت عليها ربّما في الأيام العشر الأولى باستعمال بدائل النيكوتين التي لم أشعر بعد ذلك بحاجتي إليها.
هذه كانت الفكرة التي دفعتني للإقلاع عن التدخين ولم يكن في حسباني ولا في مقصدي حينها جميع مميزات ترك التدخين والتي حصلت عليها منذ الإقلاع قبل عام وحتى كتابة هذه الكلمات.
فمثلاً كنت كمدخّن أعيش تقريباً حياة (بين سيجارتين) فالزمان عندي كان مرتبطاً لا شعوريّاً بالإحساس الجسدي الناجم عن انسحاب النيكوتين منذ آخر سيجارة. امّا المكان فهو إمّا المكان الذي أدخّن فيه أو المكان الذي أغادره كي أدخّن سيجارتي بعيداً عنه او المكان الذي انتقل إليه كي أدخّن سيجارتي عنده وأعود. أما مع ترك التدخين فقد أصبح الزمان والمكان دائماً ملكي لوحدي, فلا أغيّر مكاني ولا أقطع استرسالي في أي شيء أقوم فيه إلّا لسبب واحد هو أنني أريد ذلك, فلا حاجة ملحّة للتدخين ولا مكان أو زمان في العالم لا يتناسب مع حاجتي لتدخين سيجارة. كانت أول ساعة بعد الاستيقاظ دائماً مرتهنة للسجائر والقهوة, امّا الآن فصباحاتي غدت مرتهنة للقهوة ولما أشاء أن أستغلّها فيه. لذلك فقد أصبح بإمكاني بعد الإقلاع أن أسترسل في أي عمل أو اكتسب أي مهارة خلال زمن طويل متواصل بجدّ وثبات دون أن أكون مضطرّاً لمقاومة الرّغبة في إشعال سيجارة والتي أعلم أنني سأشعلها رغماً عن أنفي بعد صراع أقصاه ساعة من الزّمان.
بالنسبة للمال, تفاجأت حقّاً بمقدار ما كنت أنفق على السجائر, مبلغ يعادل نصف إيجار المنزل! ومع أنني لا احبّذ الكلام حول هذه السلبيّة في التدخين لاسيّما وقد يكون المرء غنيّاً ولا ضرر اقتصادي في ميزانيّته الخاصة قد يحصل بسبب التدخين وذلك على العكس من النسبة الأعمّ, إلّا أنّه بجميع الأحوال لا يمكن لأحد إطلاقاً أن ينكر بأنّ الإنفاق على السجائر هو مال مهدور بالكامل, ويا حبذا لو كانت مجرّد متعة فارغة دون ضرر يعود على المرء في صحّته.
اكتشفت بعد مرور بضعة أشهر على ترك التدخين أنّي كنت عزيزاً على غير المدخّنين من حولي, لأنّه وبعد أن يترك المرء التدخين مدّة كافية ستتحسّن حاسة الشمّ عنده لدرجة مختلفة تماماً عمّا كان يمكن أن يتخيله وهو مدخّن, لذلك فأنا أعلم الآن كم كان يتحمّل من عندي أولئك الغير مدخّنين, فعلى الرّغم من أنّ رائحة دخان السجائر قد لا تكون مزعجة بالشكل الفظيع عند عدد لا بأس به من غير المدخّنين ولكنّهم يتحاشون الدّخان لأضراره, إلّا أن رائحة المدخّن ذاته ولاسيّما بعد تدخين السيجارة مباشرة او الرائحة القديمة على الثياب وفي الغرفة تكون بالنسبة لغير المدخّن.. وليعذرني رفاق السيجارة القدامى على قسوة التعبير.... "مريعة".
لا أريد أن أطيل عليكم, لذا فسأختم لكم بخلاصة رحلة الإقلاع عن التدخين في عيد ميلاده الأوّل:
- السجائر لا تنطق ولا تفكّر, لذا فهي بذاتها لا ترغمك ولا تقنعك, بل أنت من تخبر نفسك بفلسفة ما حول السجائر تجعلك واقعاً تحت هيمنتها.
- شركات التبغ براء من مسؤوليّة تدخينك, ولهم مطلق الحقّ في إنتاج السموم وبيعها, كما لهم مطلق الحق في أخذ أموالك برضائك, طالما هم يطرحون منتجاتهم كحقّ لا كواجب.
- أن تعلم -كمدخّن- أنّ ترك التدخين يعود عليك بالفائدة شيء, وأن تلمس هذه النتائج المذهلة بنفسك شيء آخر.
- التذرّع بقسوة الحياة وخطورتها وعبثيّتها من أجل تبرير التلذذ بإشباع إدمان السجائر والتكاسل عن الشروع في الابتعاد عنها غير مقبول, لأنّ التدخين في النهاية لن يهوّن قسوة الحياة ولن يعطي لها المعنى, بل سيزيد قسوتها وعبثها بفعل الخسارات الملموسة في الصحّة والمال يوماً بعد يوم.
- السجائر لا تزيد الإبداع ولا تعيقه, بل هي تخفف من ألم الحرمان الذي ينتاب المرء بين سيجارتين, الألم الذي يعرقل عمليّة الإبداع, ولذا يحسب المرء أنّ السجائر تحفّز الإبداع. ولكن لا ننس أنّ هذا الألم بحدّ ذاته هو نتيجة إدمان السجائر, وبالتالي فبعد أن تترك التدخين بفترة وجيزة وتتخلّص من الآثار الإنسحابيّة وألم الإدمان ستبقى على إبداعك المعهود دون إشعال سيجارة لإطفاء ألم الحرمان.
- زيادة الوزن هي آخر ما يجب أن تفكّر فيه عند الإقلاع, بالنسبة لي خسرت ستّة كيلو غرامات! المهم أنني أجزم لك والعلم يشهد لي, بأنّ زيادة طفيفة في الوزن لن تسبب لك ضرراً في صحّتك يفوق بأيّة حال تدخين ربّما علبة سجائر واحدة. وفي جميع الأحوال لا يضرّك لو أخذت استشارة طبيب حول هذه النقطة, فللطب طرائقه.
- خمسة أشخاص إلى الآن قد تشجّعوا وتركوا التدخين من حولي بشكل تامّ او جزئي وذلك بفعل نجاح تجربتي, ومنهم زوجتي. أنا فخور بنفسي وبهم, وفخور بابنتي التي لا تفتأ تردد (بابا هيك صار فينا نعيش مع بعض وقت أطول قبل ما نموت)
- قد لا أكون جمعت كلّ المال الذي كان يمكن ان أنفقه على التدخين, ولكن مما لا شكّ فيه أنني كنت سأحرم نفسي وعائلتي الكثير من الأشياء التي تمتّعنا بها طوال عام بثمن السجائر. فالرياضيات لا تكذب, والأرقام تقول أنّه كان يتوجّب إنفاق كذا دولار على السجائر رغماً عن أي ظرف!
وفي النّهاية: فكّر في السجائر من ناحية فلسفيّة, فكّر بالحريّة والانعتاق والمسؤوليّة. ولك أن تحاول أن تقنع نفسك في مسألة وجوب ترك السجائر, ولكن القناعة قد تكون ضعيفة التأثير أمام قهر إدمان التدخين عند بعضنا. , لذا اغضب.. اغضب من نفسك وحرّض نفسك على الغضب عند كل سيجارة. اغضب من نفسك ومن السيجارة ولا تكبت غضبك بل ادعمه, فقوّة الغضب هي القوّة الوحيدة التي تخرج قوانا المجنونة وتجعلنا نرتكب الأشياء التي قد لا نرتكبها عن قناعة. لا تحاول أن تقنع نفسك بأنّ السيجارة صديق الهمّ والشدائد, فليس هناك من صديق يقتلني ببطء بل ويطالبني بأجر على ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى