الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن ونظرية الفراشة

حنان بديع
كاتبة وشاعرة

(Hanan Badih)

2020 / 6 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


رغم أنها تنتمي الى عالم الحشر ات إلا أنها مميزة فهي رمزا لبهاء الطبيعة حتى فتن بها الناس وتغنى بها الشعراء ، كيف لا وهي تتلون بكل ما يمكن تخيله من الألوان زاهية أو باهته أو براقة ومنسقة بأنماط خيالية ومبهرة ..
لكن الفراشة ليست مخلوق جميل وملون فقط فهي بجناحيها الرقيقان كورقة رمزا للخفة حتى أن الاغريق قديما كانوا يعتقدون أن الروح لخفتها تخرج من الجسد على شكل فراشة بعد الموت !
من منا لا يعشق الفراشات ؟ كلنا ، لكن لا شك أن محبي الجمال لديهم عشق طاغ لهذه المخلوقة وربما لهذا نجدها تتصدر بشكلها قائمة (الوشم) على أكتاف الصبايا ورسومات الأطفال في كراساتهم وعلى حيطان غرفهم .
هذا الكائن الرقيق الذي يبلغ عدد أنواعه أكثر من عشرين الفا يتفوق علينا بتنوع اعراقه ويتمتع بحواسنا الخمس دون نقصان ، ورغم صغر حجمها وضآلته هي أيضا تعيش مثلنا صراع البقاء ولا تخلو حياتها من كثرة الأعداء من فصائل الطيور والحشرات الأخرى لكن آليتها القوية في الدفاع عن نفسها لا تخلو من خبث ومناورة حيث تقوم بإطلاق رائحة نفاذة وكريهة لتبعدهم عنها هذا بالإضافة الى عمليات التمويه والتغذية على عصارة نباتات تجعل طعمها كريها لكل الحشرات التي تحاول افتراسها !
هذه القوة التي تمتلكها فراشة لهي دليل على صحة أمثلتنا (فالله فعلا يضع سره في أضعف خلقه) ،، وها هي الطبيعة تؤكد بل وينضم اليها العلم في تأكيد هذه المقولة التي يبدو أنها تحولت الى نظرية فالقوة تكمن في (الآلية) الأمر الذي ينطبق ربما على كل الكائنات بما فيهم البشر ، فهذه الفراشة الخفيفة الضئيلة للغاية أصبحت مادة دسمة للعلم والعلماء إذ لأجنحتها أجهزة تكييف نانوية لتخفيف الحرارة وهي تشبه مادة الفانتا بلاك النانوية في قدرتها على امتصاص الضوء مما قد يقود لاكتشاف جديد في عالم التلسكوبات والطيران، وأخيرا تطوير مادة عازلة للمياه اعتمادا على اكتشاف آلية أجنحة الفراشات في التصدي لقطرات المطر القاتلة بالنسبة لها من خلال أشواك مجهرية تعمل على ثقب قطرات المياه وتمزيقها الى أجزاء صغيرة ..
نعم ليست الفراشات مجرد حشرات أو خلوقات يجب التخلص منها بمجرد رؤيتها كما نفعل مع كثير من المخلوقات دون أن نتأمل في عوالمها الصغيرة الكبيرة ، إن دورها أكبر بكثير من منظرها الخلاب فهي مصدر إلهام الفنانين وهي مصدر للمضادات الحيوية وتعزيز قطاعنا السياحي اذا ما عرفنا أن محمية (وادي الفراشات) مثلا على جزيرة رودس اليونانية تجذب لآلاف السياح ووجودها بكثرة مؤشر على صحة النظام البيئي ..
يؤسفني أن مخلوق خارق بهذا الابداع والأهمية يعيش بضعة أيام فقط ، ترى هل هي أحد أسرار الكون الغريبة ؟ فالمفارقة تكمن في أن السلحفاة وهي الكائن الأقرب الى البشاعة والبلادة والكسل هي الأطول عمرا بين الكائنات الحية على سطح هذا الكوكب..
هنا تبدو مقولة سبحان مقسم الأرزاق في مكانها، لكن هذا كله لا شيء أمام نظرية الفراشة التي تنص على أن (تحريك جناح فراشة في الصين سيتسبب بحدوث اعصار مدمر في امريكا)!! وهي نظرية فلسفية فيزيائية تعني أن أي حدث في الكون يكون ناتجا على أحداث صغيرة لم يلاحظها أحد ويؤثر بشكل غير مباشر على أحداث أخرى .... الخلاصة اذا كانت الفراشة بهذه القوة والتأثير فعار على الانسان أن لا يساهم ولو بكلمة أو موقف أو حتى عطسة في تغيير الأحداث ، ليس علينا سوى أن نرفرف بجناح فراشة لربما ساهمنا في إحداث إعصار أو عاصفة أو حتى هبة ريح، وليبقى لنا شرف المحاولة على أقل تقدير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء