الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الصدمة وازمات المنطقة العربية

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2020 / 6 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


في نهاية ستينات القرن الماضي ومع المنتصف الاول من السبعينات ظهرت نظرية الصدمة لتستخدم في الاستخبارات وعلم الاقتصاد والناظم الرئيسي للمجالين واحد هو الشركات الرأسمالية التي يتم وصفها بالمتوحشة وكانت آنذاك تضع خطواتها الاولى نحو مرحلة العولمة او المرحلة الرابعة من الثورة الصناعية ..تتضمن هذا النظرية سيكولوجيا تدمير قدرات الافراد في التذكر عبر صعقهم كهربائيا من اجل فقدانهم لأي بيانات كانت في اذهانهم ثم زراعة بيانات جديدة تحقق الاهداف للجهة التي تطبق هذا المسلك ..
وهنا كان لعلماء النفس دور كبير في تأسيس هذه النظرية .. انتقلت النظرية الى الاقتصاد عبر منظر الرأسمالية المتوحشة “ميلتون فيردمان” (حصل على جائزة نوبل عام 76) ومعه تأسست مدرسة شيكاغو (او ما اطلق عليها صبيان شيكاغو ) كان يؤكد على تقليص دور الدولة والانسحاب من المجالات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والتأمينات وجعل الشركات هي التي تدير الشأن العام الاقتصادي كما الاجتماعي بل والسلوكي عبر الاعلانات وتحفيز الافراد نحو استهلاك لامحدود حيث يجري الانسان وراء السلع ويعمل فترات اطول ..
من هنا يتم قهر المواطن اقتصاديا ومعنويا واذا لم يتم القهر كاملا على النخبة السياسية وهي تعمل بأوامر الكارتل الصناعي اثارة مشكلات كبيرة سياسية مثل اثارة الخوف من حروب داخلية ولابأس من جولات عديدة من الصراع ..هذه الوصفة تم تنفيذها في كثير من بلدان العالم بعضها دون حرب ولكن اشعال ازمات اقتصادية حيث يتكدس الناس للحصول على الرغيف وامام محطات البترول ورفع سعر العملة المحلية في اطار تعويمها مقابل العملات الاجنبية ..
هذه الوصفة اقرها البنك والصندوق الدوليين منذ العام 1975 وكانت بمثابة روشتة متكاملة يفرضها البنك على الدول التي تريد قروض او التي تريد الشركات الرأسمالية السيطرة على اقتصادها وبالذات الشركات الوطنية الناجحة ومن هنا طبقت هذه النظرية في المكسيك والبرازيل ومصر والسودان وقبل ذلك في تشيلي بعد الانقلاب على الليندي وهو رئيس منتخب لم ترضى عنه امريكا ..
ولمزيد من الاهتمام بالفكرة وتطبيقها محليا استقطبت امريكا اعداد من الطلاب في مجال الاقتصاد ضمن برامج المنح للماجستر والدكتوراه ومع تخرج هؤلاء في نهاية السبعينات ومنتصف الثمانينات كانت مكاتب البنك والصندوق في حواراتها مع الحكومات تقترح بعضا من اسماء اللي تخرجوا من امريكا وتؤكد استيعابهم لنظرية فريدمان وروشتة البنك الدولي وهؤلاء معروفين في بلادهم -مثل مصر والعراق بعد 2003 ونحن في اليمن نعرفهم جيدا وكانوا من اهم دعاة رفع الدعم عن السلع الاساسية وتم تعيينهم في مناصب مختلفة ولايزال بعضهم في مناصبه حتى اليوم ...
وللعلم هذه الوصفة فشلت في تطوير الاقتصاد لكنها مكنت الشركات الامريكية من السيطرة على المؤسسات والشركات المحلية بشكل مباشر او غير مباشر كما في تشيلي والبرازيل والمكسيك والتحول الى الخوصصة في مصر والعبث بالاقتصاد والسياسة والمجتمع كما في العراق بعد سقوط صدام .. وفي تلك الفترة أيضا تم ربط البترول بالدولار وتخلت امريكا عن دعم الدولار بالذهب كما كان معمول به سابقا ..
وفي بلادنا اليمن طبقت النظرية من عشرين سنة بافتعال ازمات متكررة ومتراكمة منها ازمات الغاز المنزلي والبترول والكهرباء التي تنقطع يوميا والحروب المتقطعة والمستمرة ، والانفلات الامني ، والتلاعب بالعملة لحساب مراكز القوى وهم معروفين للعامة والخاصة .. ومع الانتفاضة الشعبية 2011 زادت هذه الفوضى والعبث وصولا الى الحروب حينا والتفجيرات حينا اخر والاغتيالات حينا ثالثا ..
واليوم ما نشهده من حرب السنوات الخمس في اليمن ومثله في العراق وسوريا وليبيا انما هو تنفيذ عملي لهذه النظرية " مبدأ الصدمة" التي تشل فدرات الانسان الفرد والمجتمع برمته وتجعله خائفا على يومه وذاته ويسقط من اهتمامه الحلول المنطقية والاستراتيجية والثورية ، لأن كل ما يريده وفق تعميم الفوضى والعبث السياسي ايقاف مظاهر الحرب وعدم الاستقرار ومن ثم تقبله اي حل سياسي واي نخبة او حكومة واي قرارات تتخدذها حتى لو كانت تتضمن التفريط بالسيادة الوطنية ، لان الفكرة المحورية للشعوب الخائفة تحقيق الأمن اولا واخيرا ..
في هذا السياق تكون مرحلة اعادة الاعمار قسمة بين الشركات الامريكية والاوربية وحلفائها من الاقليم وفق حصة محدودة ضمن مشروع السيطرة على الموارد الاقتصادية واعتماد نهج اقتصادي لغير صالح الشعب لكنه سيتقبله بعد الصدمة التي عاشها سنوات ...ومن هنا يتبقى عاما اخر وربما عامين لإنهاء كل الحروب في المنطقة والبدء بمشاريع اعمار وفق الاجندة الامريكية واعوانها اما بشكل مباشر من رجال الاعمال واحزاب وحكومات وجماعات مسلحة او بغبائها من حيث ممارساتها التي تعطى الاولية لخدمة مصالحها والخارج دونا عن مصالح الشعب كله ..
وبالمحصلة النهائية الخارج الدولي والاقليمي هو الكسبان والخاسر هو الداخل الشعبي والوطني مع خسارة واستنزاف احلامه وافراحه ومستقبله والندم على سنوات النضال التي ذهبت سداء ولم تحقق اي من الاهداف الوطنية الكبيرة .. هنا تتشكل افراد وشعوب مقهورة ماديا وسيكولوجيا ولا تقوى الا على ان تبقى على قيد الحياة كحد ادنى ...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال