الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رحيل الشاعر والمفكر اللبناني صلاح ستيتية.. خافوا التاريخ

شكيب كاظم

2020 / 6 / 23
الادب والفن


لقد سمعت الكثير عن الكاتب والشاعر والمفكر والدبلوماسي اللبناني صلاح ستيتية (1929/ الثلاثاء 19 من مايس 2020)، كما قرأت عنه كثيرا، لكني لم اقرأ شيئاً من نتاجاته- للأسف الشديد-هذا الأديب البيروتي، كان ابناً لشاعر هو الآخر، وكثيرا ما شاهد هذا الطفل الذكي زوارَ أبيه الشاعر حميد ستيتية، من الشعراء، شبلي الملاط، والشاعر العراقي البدوي- كما وصفه- ويبدو أن هذه الصفة التي طافت برأس الطفل الذكي، جاءت من اعتمار شاعرنا أحمد الصافي النجفي للعقال والكوفية، الذين كانوا يتحدثون بلغة جميلة لا يفقه لها معنى وهو الطفل، لكن تَلَذ له ويطرب لها، بسبب موسيقى الوزن، والألفاظ العذبة المنتقاة.
ولعل السبب في أني لم أحظ بقراءة شيىء مما كتبه، إن هذا الأديب الفرانكفوني يكتب بالفرنسية، مع أن له كتابات بالعربية، هو الذي تعلم في المدارس أيام الانتداب الفرنسي على لبنان، حيث كانت الدراسة بالفرنسية إلى جانب اللغة العربية، وإذ كره كثيرون لغة الاحتلال، لكن عشق صلاح ستيتية للفرنسية جعله يتغاضى عن كل السوءات، اللغة العربية التي علّمها إياه أساتذة أجلاء ومربون أوفياء، سعيد الشرتوني، وفؤاد أفرام البستاني، شغفه بالفرنسية، دفعه إلى أن ينظم هذه الترانيم العُلوية التي تطوف بخياله، على المنوال ذاته الذي كان يستخدمه زوار أبيه.
لقد سعدت حقا، وأنا أصغي بشغف إلى اللقاء الإذاعي، الذي أجرته معه الإذاعية المحاورة المثقفة (كابي لطيف) وبثته إذاعة مونت كارلو، سلوانا إلى جانب القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية B.B.C وإذاعة جمهورية العراق، ومصدر غبطتي أن إذاعة مونت كارلو قدمت لنا حوارا ثقافيا معرفيا وسياسيا ممتعا، لمناسبة صدور مذكراته، التي تؤرخ لسبعين سنة من حياته وسمها بـ (حفلة جنون) صدرت بالفرنسية عن إحدى دور النشر الباريسية، وتقع في ثماني مئة صفحة.
الحوار المعرفي هذا كان استنطاقا، فضلا عن تشغيل خلايا ذاكرته التي أتعبتها السنون، فلقد تحدث عن الفوضى التي ضربت العالم، ولا منجاة لأحد منها، مؤكداً أن على العالم أن يكتشف طريقة، أو طريقه للعودة إلى الثقافة الإنسانية والتعاليم الأخلاقية كي ينجو، فالناس ذهبوا إلى الشيطان وتركوا تعاليم الله.
كانت فلسطين جرح صلاح ستيتية، متحدثا عن لبنان الذي شارك الفلسطينيين مأساتهم، دافع ستيتية عن جرحه، دافع عن شعب فلسطين الذي انتزعت منه أرضه وشرّد من دياره، دفاعاً باسلا، حتى إذا اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية ربيع سنة 1975، ولعل من أشعلها أراد أن يثأر من لبنان الحرية، لبنان الدفاع عن الحق العربي والمقاومة الفلسطينية، لبنان الصحافة الحرة، والكتابة الحرة وحرية التظاهر في زمن دول الراديكاليات العربية، التي لا تعرف سوى مسيرات التأييد والتصفيق!
وإذ اشتعلت الحرب الأهلية وجه اهتمامه نحو بلده، نحو لبنان الذي سماه (بلد حريقة)، بلد الحرائق، والذي تركه العالم يحترق على مدى نحو عقدين من الزمن ثأرا منه، مُرْجَعا سبب هذا الإهمال وتركه يحترق، لأن لبنان بلد غير نفطي، ولو كان نفطيا لهُرِع العالم لنجدته، فالعالم يركض نحو مصالحه المادية.
أما لماذا فشل العرب بالسياسة والوحدة؟ فيرى أن هذا سر، ولست أفهم هذا الخذلان، مع أن العرب أصحاب حضارة، وقادوا العالم قرونا عدة والأندلس تشهد بحضارتهم، وكان لهم دور مؤثر في تقدم العالم وتحضره، منذ أيام العصر الوسيط وسبات أوربة.
يرى أن ما مر به الوطن العربي من حرائق منذ 2011، هو عصي على التفسير، وما مر العرب بمثل هذا الحال منذ ألوف السنين.
إن اكتشاف النفط قدم للعرب أموالاً طائلة، لكنه أضاع شخصية العرب، لذا تراهم يعيشون تمزقا مؤلما، وليس لهم توجه موحد أو إرادة موحدة، ولعل ستيتية يتناغم في آرائه هذه مع الروائي العربي الكبير عبد الرحمن منيف، في روايته الخماسية (مدن الملح)، وإذ ذكر الملح فإن منيفا يعني، النفط، مدن النفط.
قال المفكر الشاعر صلاح ستيتية: لقد سعيت إلى حوار مع هذا العالم المعذِب، والمعذَب في آن معا.
لقد استشففت من حديثه الثري هذا، اعتقاده بفكرة التناسخ، تناسخ الأرواح، وهو ما لمسته جليا في آراء الأديب اللبناني المتصوف المتنسك ميخائيل نعيمة (1889-1988) من خلال قراءتي لسيرته الذاتية (سبعون) وتقع في ثلاثة أجزاء، كتبها نعيمة لمناسبة بلوغه السبعين سنة عمرا، فستيتية يرى أن الطبيعة شاءت أن أكون، هي التي تشاء في النهاية أن لا أكون، وإن النَفَس الذي يحيينا، هو النَفَس الذي سيذهب إلى غيرنا بعد أن يغادرنا كي يحيا به آخرون، بعد أن حيينا به زمنا!
إنه يؤمن باستمكان الضعف الإنساني إزاء ظواهر الطبيعة، فالإنسان ليست له إمكانية السيطرة على أي من ظواهرها، وإن هذه الظواهر هي التي تفرض إرادتها عليه، وليس هو الذي يفرض إرادته عليها، مما يشف أنه مؤمن بنظرية القضاء والقدر، وإن الإنسان- كما يرى- مخيّر غير مسيّر.
يجيب عن أكثر ما يخشاه مغادرا الدنيا، والمغادرة قدر مقدور مقدر، واصفا حياته بأنها كلها أمست وراءه، إن أخشى ما يخشاه مغادرة من يحب، ومغادرة من أحبوه، ومغادرة الذكريات حلوها ومرها، وأرى أنه يعني الحلو من هذه الذكريات، فالمرء ليس بحاجة إلى استذكار المر وهو كثير في هذه الحياة الإنسانية القصيرة. فالموت الذي لا يخافه حلم طويل، متسائلا عن المآلات، أين سيذهب؟ ما هو هذا الكون العجيب؟ ماهي امتداداته، ما هي أسراره؟
وأخيراً يوجه المفكر الشاعر صلاح ستيتية، جملة موجزة مختصرة للتاريخ وللناس السادرة، والراكضة وراء متطلبات الحياة الدنيا: خافوا التاريخ، فالتاريخ مزوّر، وإن الشيىء الأساس أن يخرج الإنسان من التزوير وينتشل نفسه منه، فالدنيا بين مزوِر ومزوَر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في