الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظل آخر للمدينة4

محمود شقير

2020 / 6 / 23
الادب والفن


أذهب في الصباح إلى شارع نابلس، لاستعادة بطاقة الهوية الشخصية التي فقدتها طوال سنوات الإبعاد. ألتهم بنظراتي تفاصيل المكان، وأعطي ذاكرتي الحق في استعادة التفاصيل التي ظلت مختزنة فيها. تفاصيل كثيرة تشتبك مع ما في الذاكرة من صور المنفى، فأبدو كما لو أنني أحيا في مكانين معاً: هنا وهناك.
أقترب من بناية المكتب التابع لوزارة الداخلية الإسرائيلية. ألتحق بحشد من الناس. أقف في الطابور المضطرب. الحراس الإسرائيليون غير معنيين بتنظيم حركة الدخول إلى المبنى، وهم يتلكأون كي يؤخروا دخول الناس، ما يجعل الموقف كله، تحت حرارة الشمس، مدعاة للتذمر والاستياء.
أدخل المبنى، وأنشغل في تأمل الجالسين على الكراسي من رجال ونساء. ثمة ما يغري بتأمل أناس عاشوا حتى هذه اللحظة كل هذه السنوات تحت الاحتلال، ومن المؤكد أن هذا الأمر لم يمر دون أن يترك أثراً ما في نفوسهم. ومن نافذة المبنى، أرى شارع نابلس الذي يبدأ من باب العمود، وثمة أشجار حرجية تمتد ذؤاباتها من خلف سور حديقة القبر المقدس، وفي الجهة الأبعد تظهر بناية كلية شميدت للبنات. يبدو المشهد ظاهرياً كما عهدته من قبل (كم أمضيت من وقت وأنا أنتظر إحدى التلميذات على مقربة من بوابة الكلية!)، ويستقر على رصيف الشارع عدد من كتبة الاستدعاءات، وأمامهم تجثم آلات كاتبة لها أحجام صغيرة، وتلك إضافة جديدة على المكان استدعاها وجود مكتب للداخلية في هذا المبنى.
لم يعد المبنى من الداخل مثلما كان قبل سنوات، فقد هدمت وزارة الداخلية الإسرائيلية القواطع بين غرفه العديدة، التي استخدمها موظفو التربية والتعليم العرب قبل الاحتلال، وأصبحت قاعة واحدة متصلة، ينتصب على أطرافها كاونتر، تعلوه قواطع من خشب وزجاج.
لهذا المكان علاقة بوظيفتي الأولى.
قرأت اسمي ذات صباح من أيام تشرين الأول عام 1959 في صحيفة "الجهاد" المقدسية، مع عدد آخر من الأسماء تحت عنوان بارز: مطلوبون لمراجعة مكتب التربية والتعليم. دخلت المكتب، وكنت في الثامنة عشرة من العمر، نحيفاً مرتدياً بدلتي الوحيدة التي لها جاكيت فضفاض. قابلت عدة موظفين، سلموني في نهاية المطاف، رسالة موقعة من مدير المكتب، تؤكد أنني عينت مدرّساً في مدرسة قرية خربثا بني حارث التي تبعد من القدس حوالي أربعين كيلومتراً، فانطلقت إليها صحبة خالي - الذي يجيد سرد الحكايات- في اليوم التالي. ومنذ ذلك اليوم تعرفت إلى أنماط كثيرة من الموظفين وغيرهم من بني البشر. كنت رومانسياً إلى حد ما، وذلك بتأثير بعض قراءاتي الأدبية، وكان هذا يعني أن ثمة صبية جميلة تتراءى لي في أحلام يقظتي، وأنني لا بد سألتقيها ذات مساء في مكان ما.
يتبع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة