الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوجين اونيل بين ثلاثي. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 4-أنا كريس

صباح هرمز الشاني

2020 / 6 / 23
الادب والفن


اوجين اونيل بين ثلاثي. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية
4-أنا كريس
مثلها مثل مسرحيته السابقة (وراء الافق) فازت هذه المسرحية بجائزة بوليتزر عام 1922، وتتكون من اربعة فصول، واحدى عشرة شخصية، الا ان ثلاثا منها رئيسية فقط، وهي: أناو كريس ومات بيرك. وتستغرق زمن احداثها تسعة عشر يوما، اذ يبدأ الفصل الثاني بعد مرور عشرة ايام من الفصل الاول، والفصل الثالث بعد سبعة على الفصل الثاني، والرابع بعد يومين من الفصل الثالث.
تدور احداثها عام 1910، شروعا ً بالفصل الاول في حانة جوني القس بمدينة نيويورك ، عصر احد ايام الخريف، حيث اعتاد كريس ، ان يرتاد هذه الحانة لاحتساء الجعة ، وهو يعمل ربان مركب لنقل الفحم، وتدور احداث الفصل الثاني والثاث والرابع على ظهر المركب ، ويستلم في هذه الحانة خطابا ً من ابنته ، التي لم يرها منذ خمسة عشر يوماُ ، لانه كان بعد وفاة امها قد ارسلها لتعيش مع اقاربه ، تبلغه فيها، انها ستصل الحانة مباشرة، وبعد ان يلتقي بها، يتفق الاب مع ابنته ، ان تعيش معه في المركب ، اذ انها بعد ان تركها والدها في المزرعة لدى اقاربه ، لاقت شتى انواع الضرب والمعاملات السيئة من افرادها ، وقد اعتدى عليها الابن الصغير (بول)، مما اضطرها ان تعمل لمدة عامين كمربية للاطفال، ولانها لم تطق صراخ الاطفال، وسجن الدار ، وترغب ان ترى الدنيا، وجدت الفرصة للانضمام الى بيت الدعارة . وفي مركب الفحم، حيث يعمل والدها ، تلتقي بـ (مات بيرك) الذي ينقذه مع ثلاثة رجال اخرين معه، عمال المركب من براثن الموت، بعد ان تحطم قاربهم، وهو وقاد ايرلندي قوي ووسيم وشجاع، ويقع في غرام انا، الا ان والدها يقف بالمرصاد امام حبهما، اذ انا هي الاخرى احبته ، وعندما تحتدم المشكلة ويضيق عليها الخناق ، لاتجد انا مفرا ً الا ان تعترف بماضيها ، لتصدم بيرك وكريس، ولكن عندما يعرف بيرك بأن انا لم تحب غيره وعلى الرغم من ماضيها يتزوجها.
تتكرر كلمة (البحر) وبوضع الخط الاحمر تحتها اينما وجدت في النص احدى وستين مرة، وكلمة (الضباب) عشرين مرة. وهذا يعني ان الموضوع الرئيس لهذه المسرحية هو ، هاتان المادتان. واذا عرفنا ان هاتين المادتين يتناقضان مع بعضهما الاخر ، باعتبار ان الضباب يحجب الرؤيا. لانه رمز للسجن، والبحر يوسع الخيال لانه رمز للحرية ، عندها ندرك مدى علاقة هذه المسرحية، بمسرحيته السابقة (وراء الافق) . اذ هي الاخرى تناولت نفس الموضوع من خلال شخصيتي روبرت واندرو. ولكن في هذه المسرحية تتناوله عبر انا وبيرك من جهة، وكريس من جهةاخرى، وذلك بحب انا وبيرك للبحر، باستعداد الاولى لاي شئ في سبيله ، والثاني كون البحر حلبة تمتحن فيها معادن الرجال . اما كريس فيكرهه ، لانه يعتقد بانه الشيطان العجوز الذي تكثر فيه الحيل القذرة ، وتفيض المسرحية بمثل هذه الجمل التي تأتي على لسان آنا، ولو قارناها بجمل روبرت، لوجدنا انها تفضي الى نفس الهدف ، وان شخصية روبرت تتكرر في شخصية آنا، من حيث توق الاثنين للمسافات الواسعة، وبغضهما للاماكن الضيقة ، كبغض روبرت للغرفة التي كانت درجة حرارتها عالية، وانشداده لما يربض وراء التل، ومقت انا للمزرعة والبيت والبر، وحبها للبحر. وادناه الجمل التي تشيرالى هذا المعنى في هذه المسرحية:
• أنا : ان قطرة واحدة من المحيط لافضل عندي بحق من مزارع العالم.
• أنا: انني لا ادري كيف اعبر عما اعنيه بالضبط. انه شعور اشبه بالعودة الى الوطن بعد زيارة لمكان بعيد.
• أنا: كما لو انني وجدت شيئا ً كان قد ضاع مني وكنت ابحث عنه وكما لو ان هذا هو المكان الصحيح الذي يلائمني؟ ويبدو انني نسيت كل ماحدث ، كما لو انه لم يعد له اهمية. واشعر بنظافة من نوع ما_ نفس الشعور الذي تحس به بعد اخذ حمام ، واشعر لاول مرة بسعادة فعلا وبحق – اشعر انني اسعد من اي وقت مضى!
• أنا: انني احب مراقبة السفن وهي تمر..
• بيرك: ان البحر هو الحياة الوحيدة لرجل ذي شجاعة لايهاب ظله، انه لايشعر بالحرية الا في البحر يجوب الدنيا ويرى الاشياء كلها ....
وادناه الجمل التي تشير الى نفس المعنى في مسرحيته (وراء الافق):
• روبرت: لا، لاينبغي ذلك .(يشير الى الافق وهو حالم) فلنفرض انني اخبرتك بان الجمال فحسب هو الذي يناديني، جمال والمجهول، سحر وجاذبية الشرق التي سحرتني في الكتب التي قرأتها والحاجة الى الاماكن الرحبة والكبيرة، ومتعة التجوال- سعيا ً وراء السر الكامن هناك وراء الافق..... .
• روبرت: لقد كانت هذه هي اللحظات السعيدة الوحيدة في حياتي وقتذاك، وانا احلم هناك عند النافذة. كنت اريد ان اكون لوحدي في تلك الايام.
• اظن ان السحب هو السر الذي ناداني من حافة الدنيا... السحر وارء الافق... .
• روبرت: تذكر يااندي ... فقط عن طريق التضحية . السر الكامن هناك وراء...(يرفع نفسه بكل ماتبقى لديه من قوة ويشير الى الافق حيث يرتفع قرص الشمس من حافة التلال) الشمس!
• روبرت: (وهو يشير الى الافق) اليس المنظر جميلا وراء الافق، يمكنني ان اسمع الاصوات القديمة تناديني(في ابتهاج) وفي هذه المرة سأذهب ! انها ليست النهاية . انها البداية الحرة...بداية رحلتي! ولقد كسبت رحلتي حتى التحرر والمعنى وراء الافق ... ولا أكون مغاليا اذا قلت ان (بلانش) في مسرحية (عربة اسمها الرغبة) لويليام تينيسي ، تتراى لها نفس الاحلام التي تترآى لـ روبرت وانا، لاوبل ان شخصية انا قريبة جدا الى شخصية بلانش. وان من يقرأ مونولوج بلانش في المشهد الاخير من المسرحية، لايساوره الشك في ذلك.
بلانش: يمكنني ان اشم رائحة البحر من هنا. سأمضي بقية وقتي في البحر. تعرفان كيف سأموت (تقطف حبة عنب) سأموت من اكل عنب غير مغسول يوما ما في المحيط. سأموت ..وبدايتي في يد طبيب بحار وسيم، شاب ذي شاربين شقراوين، ذلك العنب غير المغسول نقل روحها الى السماء، وسادفن في البحر داخل كيس نظيف ابيض ويلقي بي ظهراً .. في وهج الصيف.. في محيط لونه كزرقة عيني حبيبي الاول!.
قريبة بالاحداث التي تمر بها ، فهي مثلها تتعرض للاعتداء وتمارس الدعارة، وتترك المزرعة التي كانت تعيش فيها، وتلجأ الى بيت شقيقتها (ستيلا) بينما انا الى والدها، وفي بيت شقيقتها تتعرض لشتى انواع الاضطهاد ، شأنها شأن أنا في مزرعة اقارب والدها، وتلتقي كـ أنا بشاب وسيم وقوي ، وتحبه ويحبها ، ولكنهما في جانب واحد فقط، يختلفان عن بعضهما، الا وهو ان أنا تكشف ماضيها بنفسها، بينما بلانش يكتشف ماضيها عن طريق احد زبائن زوج شقيقتها (ستانلي).
وبالاضافة الى تقارب الاحداث التي مرت بـ أنا وبلانش، تكاد تأخذ بقية شخصياتها ذات المنحى اذ ان شخصية (كريس) تقابلها في مسرحية (عربة اسمها الرغبة ) شخصية (ستيلا) شقيقة بلانش، اذ كلا الشخصيتين تسعيان الى خلق اجواء تتسم بالسعادة لـ انا وبلانش، وشخصية (بيرك) بشخصية (ميتش) و(ستانلي) بـ اقارب والدها.
(والواقع ان هذه المسرحية عرفت رواجا عظيما في الجمهور الامريكي وسواه، ولكن الكاتب تعثر في كتابتها، اذ افلت زمام الاشخاص من يديه ومن حدود الخطة المرسومة، وتسلطت شخصية انا على سائر الاشخاص فسيطرت على الفصلين الاخيرين وقبع والدها في الظل وعادت ثانويا بعد ان كان الشخص الرئيسي في الفصول الاولى، الا ان البطل الرئيسي هو في النهاية(البحر) (الشيطان القديم) كما يدعوه كريس ... ولقد اعترف اونيل بذلك الى جورج ناثان فقال:
لقد احسست في منتصف الفصل الثالث بأن نفسية المرأة يجب ان تسيطر على جو المسرحية وكان عندي اعتقاد بأن الاناس الشاردي الفكر من امثالها العاجزين عن الافصاح عن عواطفهم القوية الغريبة تستطيع مشاعرهم ان تجد لهم مخرجا ً من خلال اللغة ومن خلال الايماءات.
لقد فرضت انا نفسها في منتصف الفصل الثالث بكل تكوينها المسرحية ويضيف:
ومهما يكن ففي النهاية كل شخص من اشخاص المسرحية شعور مسبق بانهم على الرغم من حولهم على لحظة اختيار فأن القرار الاخير للبحر الذي اكتمل به الانتصار على أنا)1
وكلا المسرحيتين يبحثان الاجابة عن سؤال من المتهم عن انحدار (بلانش) و(انا) الى ممارسة مهنة الدعارة ، ويردان عليه بنفس الاجابة (ستيلا) في (العربة) وهي تخاطب زوجها ستانلي: انها كذلك ، كانت كذلك، (اي كانت رقيقة) لم تعرف بلانش وهي فتاة لا احد، لا احد كان رقيقا وموثوقاً مثلها، لكن امثالك قد افسدوها واجبروها على ان تتغير.
وفي هذه المسرحية تأتي الاجابة من (انا) وهي تخاطب والدها: لماذا تلوم نفسك؟ ليس هناك شئ يستحق الصفح، على اية حال انها ليست غلطتك ولاغلطتي ولاغلطته كذلك ، اننا جميعا حمقى مساكين... تحدث الاشياء التي نتورط فيها فترتكب الاخطاء . هذا كل ما في الامر . ويرد عليها والدها بأن ماتقوله لهو عين الصواب ، اذ انها ليست غلطة احد، انه البحر ذاك الشيطان العجوز،
وفي (العربة) لاتتغير (بلانش) ، لانها لم تلق سوى الاضطهاد الذي هربت منه من المزرعة (الوحدة والعزلة) على زوج شقيقها ستانلي، بينما في هذه المسرحية ، وجدت (انا) بديل والدها، وان كان من وجهة نظره، يعمل لها بما يسعدها ، وهو (بيرك) عكس(ميتش) الذي اغدقها بحبه وحنانه، واخذ بيدها الى برالامان.
وعدم تغير بلانش ،يتضح من بداية وصولها الى بيت شقيقتها ، حيث تبدي التذمر وعدم الراحة ، بعكس أنا التي تبدو في منتهى السعادة وهي على ظهر القارب. وهاتان البدايتان اشارة الى استعداد الثانية للتغير وعدم استعداد الاولى لذلك ، وتتجلى عدم استعداد بلانش للتغير من خلال إدمانها على المشروبات وقضاء معظم اوقاتها في الحمام، والانجرار مع رغباتها ، كما حدث في الحوارات الاخيرة للمشهد الخامس، بينها وبين الشاب الجابي لصالح نجمة السماء ، حيث تقترب منه بسرعة وتضغط شفتيها على شفتيه، لانه يشبه اميراً شابا من حكايات الف ليلة وليلة ، ولعل اعترافها بحبها لخدمة الناس لها ، وحاجتها البالغة للحنان، ضاعفا من عدم التغيير هذا.
وتتكرركلمة (التغير) كثيرا في (اناكريس)، وتاتي في كل مرة بمعنى تختلف عن سابقه ، فمرة ان البحر قد غير مشاعر انا، ومرة اخرى بيرك.
بيرك: (في هدوء) اذا كنت ماتقولينه هو الصدق . اذن يكون لي الحق في ان اعتقد بأنك قد تغيرت.. وانني انا الذي غيرتك حتى ان ماضيك لم يعد له وجود.
انا: اوه هذا ما حاولت ان اقوله لك طوال الوقت!
يقول الدكتور عبدالله عبد الحافظ متولي، في المقدمة التي كتبها لهذه المسرحية:( ان نهاية المسرحية لاتتركنا نسعد بالشعور بان انا وبيرك وكريس قد اجتمع شملهم في وئام دائم، لهذا تثير نهاية المسرحية احتمالات شتى وتتركنا في جو غير مأمون. ولقد كتب اونيل الى الناقد جورج ناثان في 1921 متسائلا: (كيف نتوقع نهاية قاطعة بينما لايزال بيرك يشك في صدق قسم انا وذلك لكونه كاثوليكيا لايثق في قسم اي شخص من مذهب ديني مخالف، ان نهاية المسرحية تضفي جوا ً زائفا ً من القطع مما يضلل القراء والنقاد معا ً – جوا ً بنهاية سعيدة لم اقصدها ، ولهذا اعتمدت على اخر كلمات الاب، ومافيها من تردد وايمان بالخرافة لاضفي على موضوع المسرحية صفة الاستمرار.)2
لتوظيف الصليب كعنصر مهم لزوج أنا وبيرك في نهاية المسرحية، يعمد المؤلف الى قيام بيرك بعلامة الصليب حال ظهوره ، كما ان قول كريس مهددا ً بيرك: ان الانسان لايتشاجر بقبضة يده مع مثل هؤلاء الناس هناك طرق اخرى لتسوية الامور معهم ، اشارة الى السكين والمسدس اللذين استخدمهما في المشاهد اللاحقة.
ان بيرك ينسى ماضي انا لو اقسمت على الصليب بانها لم تحب انسانا اخر في الدنيا سواه ، وعندما تقدم على ذلك، يتذكر ان القسم على صليب الكاثوليك من المذاهب الاخرى خدعة من خدعة الشيطان ، فيشعر بالحيرة ويقول: ان لي الحق في ان ابتعد عنك .. ولكنني لا استطيع. انني احبك رغم كل هذا، واريد ان اكون معك . سامحني يارب مهما يكون حالك. ثم يخبره كريس بأنهما من اتباع لوثر، وإن يفزع بيرك في البداية، الا انه سرعان مايستسلم محدثا نفسه بصوت مرتفع: ويل لي ، اذن، ياه، وماالفرق؟ انها ارادة الله، على كل حال!
وارتياب بيرك بصدق قسم انا ، عبر عنه المؤلف في هذين الموقفين المترددين ، بغض النظر عن ايثار مجيئه على لسان كريس وهو يتمتم: الضباب.. الضباب..بالاضافة الى ، وهذا مالم يذكره اونيل للناقد جورج ناثان في خطابه، لما تتسم به شخصية بيرك من عبثية، سيما في سرعة اتخاذ القرارات ، بدليل دعوته الزواج من انا في اول لقاء معها، ووصف انا له، بأنه انسان بسيط- طفل كبير.. .
المصادر
1. المقدمة التي كتبها الدكتور عبدالله عبد الحافظ المتولي لمسرحية وراء الافق وانا وكريس
2. نفس المصدر السابق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته


.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202