الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة المعادلاتية و تحليل الحضارة

حسن عجمي

2020 / 6 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تُعرِّف الفلسفة المعادلاتية الحضارة على أنها معادلة رياضية على النحو التالي : الحضارة تساوي كل الثقافات المتنوّعة والممكنة مقسومة رياضياً على الصراعات والحروب. وبذلك مع زيادة وجود الثقافات المختلفة كافة و تناقص نشوء الصراعات والحروب تزداد نسبة الحضارة و تعلو بينما تتناقص درجة الحضارة حين يتناقص وجود الثقافات المتنوّعة و تزداد الصراعات والحروب. من هنا ، تنجح معادلة الحضارة في التعبير عن أنَّ الحضارة مسألة درجات قد تزداد أو تتناقص. وبذلك تكتسب معادلة الحضارة هذه الفضيلة الأساسية ما يدعم صدقها.

تنجح معادلة الحضارة أيضاً في التعبير عن الارتباط الضروري بين الحضارة والسلام فالحضارة هي المُنتِجة للسلام. فبما أنَّ الحضارة تساوي كل الثقافات المختلفة مقسومة على الصراعات والحروب و بذلك تتناقص نسبة الحضارة في حال تزايدت الصراعات والحروب و تزداد نسبة الحضارة بتناقص الصراعات والحروب ، إذن الحضارة كامنة في سيادة السلام بين جميع الثقافات والشعوب و إلا تناقصت أعداد الثقافات و تنوّعها فتناقصت الحضارة و زالت. هكذا معادلة الحضارة تنجح في التعبير عن الفلسفة الإنسانوية القائمة على الدعوة إلى السلام و اعتبار السلام أساس الحضارة و ماهية وجودها. وبذلك تكتسب معادلة الحضارة هذه الفضيلة الكبرى.

إن كانت الحضارة تساوي كل الثقافات الممكنة والمختلفة مقسومة على الصراعات والحروب ، إذن كل الثقافات الممكنة والمختلفة تشكِّل حضارة إنسانية واحدة مُوحَّدة لا تتجزأ. لكن كل الثقافات الممكنة تتضمن كل الثقافات التي وجدت عبر التاريخ و التي توجد الآن و التي سوف توجد في المستقبل و التي من الممكن وجودها. من هنا ، كل الثقافات في الماضي والحاضر والمستقبل و التي من الممكن وجودها تشكِّل حضارة إنسانية واحدة. هكذا تنجح معادلة الحضارة في التعبير عن وحدة الثقافات رغم تنوّعها. و في هذا فضيلة جوهرية لأنه تعبير صادق عن الفلسفة الإنسانوية الداعية إلى السلام على أساس وحدة الثقافات فوحدة الإنسانية. و علماً بأنَّ معادلة الحضارة تتضمن أنَّ كل الثقافات (كالثقافة الشرقية والثقافة الغربية و ما تحتوي كل ثقافة منهما من ثقافات متنوّعة) تشكِّل حضارة واحدة هي الحضارة الإنسانية ، إذن معادلة الحضارة معادلة سلام. فحين نعتبر أنَّ الثقافات كلها تشكِّل حضارة إنسانية واحدة وبذلك تتساوى كل الثقافات في قيمتها (لكونها جمعاء تُكوِّن الحضارة الإنسانية الواحدة) حينئذٍ لا نتعصب لثقافة معيّنة دون أخرى ما يُحتِّم سيادة السلام بين كل الثقافات والشعوب.

من جهة أخرى ، بما أنَّ الحضارة تساوي كل الثقافات الممكنة والمختلفة مقسومة على الصراعات والحروب ، و كل الثقافات الممكنة تتضمن كل الثقافات في الماضي والحاضر والمستقبل ، إذن الحضارة كامنة في الثقافات الممكنة التي قد توجد في المستقبل و التي من الممكن صياغتها و ليست كامنة فقط في ثقافات الحاضر والماضي. بذلك ، بالنسبة إلى معادلة الحضارة ، الحضارة هي ما يمكن أن نبني من ثقافات متنوّعة بالإضافة إلى كونها الحفاظ على ثقافات الحاضر والماضي. و علماً بأنَّ الحضارة كامنة فيما يمكن أن نبني من ثقافات ممكنة و مختلفة في المستقبل و الحضارة ليست فقط ثقافات الماضي والحاضر ، إذن معادلة الحضارة تدعونا إلى بناء ثقافات جديدة و تطالبنا بصياغة كل الثقافات الممكنة و إلا سوف نخسر الحضارة. من هنا ، تضمن معادلة الحضارة استمرارية تطوّر الثقافات و تنوّعها بفضل إنتاج ثقافات جديدة فتضمن بذلك استمرارية تطوّر الحضارة. و في هذا فضيلة أساسية تعزِّز صدق معادلة الحضارة و مقبوليتها.

إن كانت الحضارة هي كل الثقافات الممكنة مع تناقص الصراعات والحروب ، و علماً بأنَّ الثقافات الممكنة عديدة و مختلفة إن لم تكن لامتناهية في العدد (فمن الممكن دوماً بناء أو التفكير ببناء ثقافات ممكنة جديدة لم نعهدها سابقاً) ، إذن لكي نبني الحضارة الإنسانية لا بدّ من إنشاء كل الثقافات الممكنة العديدة والمتنوّعة واللامتناهية عددياً ما يضمن استمرارية بناء ثقافات جديدة إلى ما لا نهاية. هكذا الحضارة هي صناعة الثقافات المختلفة والجديدة كما هي الحفاظ على كل ثقافات الماضي والحاضر. على ضوء كل هذه الاعتبارات ، الحضارة فن إنتاج الثقافات المتنوّعة تماماً كما أنَّ الحضارة فن صياغة السلام.

بالإضافة إلى ذلك ، بما أنَّ الحضارة تساوي كل الثقافات المختلفة والممكنة مقسومة على الصراعات والحروب ، والثقافات الممكنة تتضمن الثقافات الجديدة في المستقبل و التي لم ننتجها بعد والمختلفة عن ثقافات الحاضر والماضي ، إذن لا بدّ من التحرّر من ثقافات الحاضر والماضي لإنتاج ثقافات جديدة مستقبلية لكي توجد الحضارة و تتحقق. بذلك تضمن معادلة الحضارة التحرّر من سجون الماضي و ثقافاته فتضمن بذلك التطوّر الثقافي المستمر. هكذا تنجح معادلة الحضارة في ضمان التحرّر والحرية تماماً كما تضمن التطوّر. و في هذا فضيلة جوهرية دالة على تفوّق معادلة الحضارة و مقبوليتها. لكن هذا لا يعني أنه لا بدّ من تدمير ثقافات الحاضر والماضي بل من الضروري الحفاظ عليها و تطويرها رغم سعينا لبناء ثقافات جديدة مختلفة لأنَّ الحضارة تتشكّل من كل ثقافات الحاضر والماضي والمستقبل لكون الحضارة كل الثقافات الممكنة والمختلفة.

ترتبط الحضارة أيضاً بالعدالة فلا حضارة بلا عدالة و لا عدالة بلا حضارة لأنَّ الحضارة أيضاً فن إنتاج العدالة. و تنجح معادلة الحضارة في التعبير عن هذا الارتباط الضروري بين الحضارة والعدالة ما يُشكِّل دلالة قوية على صدقها. بما أنَّ الحضارة تساوي كل الثقافات الممكنة والمختلفة مقسومة على الصراعات والحروب وبذلك الحضارة فن إنتاج الثقافات الممكنة والمختلفة كافة ، و علماً بأنه من المستحيل إنتاج الثقافات الممكنة والمتنوّعة بلا حرية و مساواة لأنها ثقافات مختلفة عن ثقافات الحاضر والماضي ما يستلزم وجود الحرية في إنتاجها لتعارضها واختلافها عن ثقافات الحاضر والماضي و ما يستلزم أيضاً وجود المساواة بين الجميع ما يسمح للجميع في إمكانية صياغة ثقافات ممكنة جديدة فبلا مساواة تسود العنصرية التي تقتل مقدرة الأفراد على الإنتاج كإنتاج ثقافات جديدة ، إذن معادلة الحضارة التي تتضمن أنَّ الحضارة فن إنتاج الثقافات الممكنة والمختلفة تستلزم وجود الحرية والمساواة.

لكن العدالة ليست سوى الحرية والمساواة. وبذلك معادلة الحضارة تستلزم وجود العدالة ما يجعل الحضارة فن إنتاج العدالة فبلا عدالة تزول الحضارة لأنَّ الحضارة تتضمن بناء الثقافات الممكنة والمتنوّعة والمختلفة التي يستلزم بناؤها سيادة الحريات والمساواة لتمكين الأفراد من صياغة ثقافات جديدة ممكنة ومختلفة. بما أنَّ معادلة الحضارة تستلزم وجود العدالة لكي توجد الحضارة ، إذن الحضارة مرتبطة بالعدالة بارتباط ضروري فلا حضارة بلا عدالة والعكس صحيح ما يدلّ على أنَّ الحضارة فن إنتاج العدالة و إلا انفصلت العدالة عن الحضارة و هذا نقيض أن تستلزم الحضارة وجود العدالة. هكذا تنجح معادلة الحضارة في التعبير عن أنَّ الحضارة فن بناء العدالة و أنَّ الحضارة مرتبطة بالعدالة بارتباط ضروري حتمي.

كما أنَّ معادلة الحضارة تنجح في التعبير عن أنَّ الحضارة فن إنتاج العلوم والمعارف والفلسفات والفنون. فإن كانت الحضارة تساوي كل الثقافات الممكنة والمختلفة ، و الثقافة علوم ومعارف وفلسفات وفنون ، إذن الحضارة آلية صناعة كل العلوم والمعارف والفنون والفلسفات الممكنة المتنوّعة والمختلفة. هكذا تنجح معادلة الحضارة في التعبير عن الارتباط الضروري بين الحضارة و صياغة العلوم والمعارف والفلسفات والفنون ما يُعزِّز مقبولية معادلة الحضارة و صدقها.

تنجح معادلة الحضارة أيضاً في التعبير عن العلاقة الضرورية بين الحضارة و الأخلاق. فبما أنَّ الحضارة تساوي كل الثقافات الممكنة والمختلفة ما يستلزم وجود تلك الثقافات المتنوّعة فقبولها جمعاء و إن اختلفت عن ثقافتنا ، إذن معادلة الحضارة تتضمن ضرورة قبول كل الثقافات الممكنة والمختلفة واحترامها فاحترام أفرادها و عقائدهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم. لكن الأخلاق أي السلوكيات و القِيَم الأخلاقية ليست سوى قبول كل الثقافات بعقائدها ومعتقداتها وسلوكياتها المختلفة واحترامها فاحترام أفرادها و حقوقهم. من هنا ، معادلة الحضارة تتضمن ضرورة سيادة الأخلاق و القِيَم و السلوكيات الأخلاقية و تضمنها لكي توجد الحضارة و تتحقق. بكلامٍ آخر ، بما أنَّ الحضارة تتضمن قبول و احترام كل الثقافات لأنَّ الحضارة مجموع كل الثقافات الممكنة ، و الأخلاق ليست سوى قبول و احترام كل الثقافات فقبول و احترام كل الأفراد ، إذن الحضارة تتضمن بالضرورة الأخلاق فلا حضارة بلا أخلاق و لا أخلاق بلا حضارة ما يستلزم نتيجة أنَّ الحضارة فن إنتاج القِيَم و السلوكيات الأخلاقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة