الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شريف منير …. وجدائلُ الجميلات

فاطمة ناعوت

2020 / 6 / 27
المجتمع المدني


====================
وما ذنبُ الجمال إن كان بالعيونِ قذًى وقيحٌ؟! وما ذنبُ البراءةِ إذا كان بالقلوبِ صديدٌ؟!
نشر الفنانُ الجميل "شريف منير" صورة لابنتيه الصغيرتين "فريدة وكاميليا" على منصّة "انستجرام" التي ينشر عليها ملايينُ الناس ملياراتِ الصور كلَّ نهار. وامتلأت عيونُنا فرحًا بجمال الصبيتين وبرائتهما، وامتلأت صدورُنا بالدعاء لهما بالحماية، كما يفعلُ الطيبون حين يشاهدون زهور القلوب التي تسير على الأرض. صبيتان صغيرتان في عمر الزهور حديثة الإشراق، ترقصُ البراءةُ على صفحات عيونهما، وتطيرُ خصلاتُ جدائلهما مع النسيم حول وجهيهما المليحين، فيُسرُّ من رأى، وتنطقُ الألسنُ بإعلاء المشيئة والدعاء: "ما شاء الله، ربنا يحمي، ربنا يحرس هذا الجمالَ النقي.”
هكذا رأتهما العيونُ "النظيفة" التي تُحبُّ الجمال وترسم بريشته كلَّ شيء في الوجود. فالعيون النظيفة، ترى كلَّ شيء نظيفًا، لأنها مفطورة بماء النقاء. لكنَّ ثمة عيونًا دنسة مريضة، ملؤها الصدأ والصديد. تلك العيون الدنسة تفتِّشُ عن العوارت تحت طبقات الثياب وتُطاردُ الفواحشَ في ساحات البراءة. العيون الصدئة ليست في الرؤوس، بل في أماكن سفلية لا ترقى إلى مستوى العقول حيث جواهر الترقّي. عيون الشهوة الدنسة لا ترى في الجمال إلا دنسًا وشهوةً، لأنها معجونة بماء القيح والصدأ. لهذا تُسقِطُ الفاحشةَ على كل شيء بريء.
أسفل الصورة الجميلة، كتب أصحاب العيون الصدئة تعليقاتٍ بذيئة حول الفنان "شريف منير" وابنتيه ووالدتهما. فانزعجت أسرةُ الفنان وطلبت منه حذف الصورة لوقف نزيف الألم الذي أصاب الجميع. واستجاب الفنانُ وحذف الصورة خوفًا على أسرته. ثم أدرك أن الهروب من مواجهة القبح لن يزيل القبح من الوجود. فقرر خوض المعركة ببسالة. وأعاد نشر الصورة متوعّدًا بالملاحقة القضائية كلَّ من يُطلق كلمة واحدة مسيئة في حقه وحق أسرته.
هكذا تورَدُ الإبل يا صديقي شريف. أُحييكَ ثم أُحييكَ على قرارك بخوض الحرب التي يخوضها التنويريون منذ دهور في مواجهة القبح. الهروبُ من مواجهة القبح لم يزدنا إلا تراجعًا، وأكسبَ القبحَ استفحالا وتوحّشًا ووحشية.
مَن يرى في كل صبيةٍ أو سيدةٍ مادةً للتنمّر الجنسي، ليس إلا "مرضًا" يمشي على قدمين. لاحظوا أنني وصمته بأنه "مرضٌ"، وليس "مريضًا". ذلك النوع من الكائنات الحية هو المادة الخام للمرض؛ لأنه لا يرقى إلى مرتبة "الإنسان" المريض. ذاك أن إنسانيته لم تكتمل بعد. لم يصل إلى مرتبة التحضّر التي تضعه في خانة بني الإنسان. وعلاج ذلك المرض ليس يكمن في إخفاء الصبايا والنساء عن عينيه، بل في إعادة تربية وتأهيل ذلك المرض حتى يشفى. وخطوة العلاج الأولى تكون بإعلام المرضِ أنه مرضٌ. بمواجهته ومحاصرته وإشهار "مرآة ميدوزا" في وجهه حتى يرى كمَّ دمامته؛ فينصعق ويرعوي ويخجل من نفسه، علّه يطلب العلاج ثم يُشفى. وإن لم تنجح التربية في علاجه، عولِج بالقانون والعقاب.
أحد تعريفات الحضارة هي "رقّة التعامل مع الآخر". وبهذا فإن الغلاظ الأفظاظ ذوي الألسن الشهوانية الزلقة من الأجلاف والمتنمرين والمتحرشين بالكلمات، لا ينتمون إلى مظلّة الإنسان المتحضر. مكانهم في الأحراش والغابات لا مع البشر المتحضرين الذين اختاروا أن يمتثلوا لقيم التحضر والترقّي والسمو الأخلاقي الرفيع.
ويزدادُ الأمرُ غرابةً وطرافةً وإضحاكًا حين يدّعي أولئك المتحرشون أنهم حُماة الفضيلة فيضعون على ألسنهم الزلقة كلمات دينية جنبًا إلى جنب جوار كلمات الفُحش والهوس الجنسي والسُّعار الشبقي. فتخرج عباراتٌ متنافرة متناقضة لا محلَّ لها من الوعي والإدراك والعقل. إذ كيف يجتمع الفُحش مع الفضيلة، والشبقُ مع البراءة؟!
بكل ما نملك من إيمان بقضية التنوير، ندعم الفنان الجسور "شريف منير" على إصراره على حمل مشعل التنوير حتى يُعلِّم بناته درسًا بليغًا في انتزاع الحق بالحق والقانون، وعدم التفريط فيه ولا الرضوخ للجبناء المدنسين؛ بل مواجهتهم ودحرهم لكي يكمنوا في جحورهم كما يليق بهم أن يكونوا. وتحية احترام لابنتيه الجميلتين الجسورتين "فريدة وكامليا" لأنهما استوعبتا الدرس الذي أراد أبوهما أن يتعلماه. درس الجسارة والقوة والمواجهة. وأولا تحية احترام لابنته الجميلة "أسما" التي خاضت معركة التنوير قبل شهور حين قالت رأيًا جسورًا رافضًا للأفكار المتطرفة التي أسّس لها أحدُ الدُّعاة البارزين، وتحملّت الفتاةُ العزلاءُ رصاصات الكلام الجارح، لكنها صمدت ولم تخف من علوّ موجة تقديس البشر المجاني دون إعمال العقل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدور حسن باحثة في منظمة العفو الدولية: يستمر عقاب الفلسطينيي


.. تدهور الوضع الإنساني في غزة وسط تقارير بشأن عملية برية مرتقب




.. احتجاجات واعتقالات وشغب.. ماذا يحدث في الجامعات الأميركية؟


.. كابوس رواندا يؤرق المهاجرين.. بريطانيا تعدّ العدّة لترحليهم




.. برنامج الأغذية العالمي يحذر: غزة ستتجاوز عتبات المجاعة الثلا