الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم - ألف مرة ليلة سعيدة -حيرة أم بين واجبها كأم وزوجة وإيمانها بعملها كمصوّرة حربيّة

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2020 / 6 / 27
الادب والفن


Thousand Times Good Night


الصحافة مهنة البحث عن الحقيقة، هذه الحقيقة التي لا بد لمن يحاول الوصول إليها من أن يدفع الثمن غاليا، من وقته وجهده وعرقه ، وأحيانا من عمره ، وتزداد فاتورة الدفع عندما ينطلق الصحفي لتغطية حدث ، أو موقف ما في وقت من الأوقات الخطرة، داخل رحى حرب ضروس، أو بين براثن نزاع مسلح، أو في البقاع الملتهبة التي تعاني من عنف واضطرابات، وتفتقد للأمن والاستقرار، أو حتى من قلب تظاهرة سلمية تنقلب إلى أعمال عنف وشغب يفقد السيطرة عليها، ولذا لا مجال للتشكيك بخطورة العمل الصحفي الميداني الذي يجعل من أوقات الخطر ومن ساحات القتال تقريراً ينسج منه تفاصيل الحقيقة ويبثها للعالم ، تلك الحقيقة التي دفعت بالعمل الصحفيين على رأس قائمة سلم الأعمال الخطرة، حيث تعترضهم مجموعة من الأخطار وهم يؤدون مهامهم النبيلة . والصورة المرئية قد تكون أكثر بلاغة وملامسة للنفس بنقلها الواقع كما هو من أرض الواقع ، فرغم قسوتها ، لكنها تُعبرعن آلاف الكلمات . وتعتبر الصورة الصحفية تسجيلاً حياً وواقعياً وتاريخياً للحروب ، فما يسجل يبقى خالداً ورمزاً ، كما إن تصوير الحروب مهنة امتهنها أشخاص منذ عقود طويلة أحسوا بأن من واجبهم إظهار الحقيقة للناس مهما كلفهم الأمر، لأعتقادهم الشديد أن هذه الصور المظلمة قد تُسهم في تغيير العالم للأفضل كونها قد تؤثر في قلوب الناس ويسعون لإنهاء الحروب ، وكثيرًا ما حدث ذلك بالفعل بفضل كاميراتهم التي تلطخت بدمائهم ودموعهم . إستطاعت كاميرات المصورين أن تكشف زيف الخطابات السياسية في الإعلام ، وتنقلنا إلى مكان الحدث عبر الصور التي كانوا يلتقطونها خلال الحرب، بل لعل بعض الصور الصحفية لعبت دوراً مهماً في صياغة بعض الأحداث والمواقف المرتبطة بتلك الحروب ، كما هو الحال في الصور التي نشرت في الصحافة الأميركية إبان حرب فيتنام ، التي أظهرت بعض من فظاعات الحرب وانتهاكات الجنود الأميركيين للحقوق البشرية هناك وأدت بالجيش الأميركي إلى الانسحاب من فيتنام في هزيمة تاريخية للقوات الأميركية لم تعرف لها مثيلاً ، هذا نتيجة لما قامت به الصور الصحفية من تعبئة للرأي العام الأميركي ضد الحرب والضغط على الحكومة من أجل الانسحاب منها . وهناك الكثير من ألاشرطة السينمائية التي انتجت في العالم والتي عرضت قضية الصحفيين أوالمصورين والثمن الباهظ الذي يدفعونه في نضالهم من أجل نقل الحقيقة والعمل من أجل عالم أفضل ، ومن هذه الافلام ، فيلم" ألف مرة ليلة سعيدة " للمخرج إيريك بوب " وهو إنتاج مشترك أيرلندي نرويجي ، ومن بطولة الممثلة الفرنسية "جوليت بينوش" في أحد أجمل أرقى أدوارها ، وهو الفيلم الذي حاز جائزة مهرجان مونتريال السينمائي الأخير . يحكي الفيلم قصة ربييكا " الممثلة جوليت بينوش" ، التي تعمل مصورة صحفية لصالح إحدى الوكالات الإخبارية والتي تزودهم بصور عما يجري في أفغانستان من قتل ودمار وتفجير من قبل الجماعات الارهابية وهم يسمحون لها بتصوير النساء الانتحاريات اللواتي يجبرهن المسلحين على تنفيذ هذه المهمة .
يبدأ الفيلم في مقر سري لحركة طالبان يجري فيه تجهيز امرأة لتفجير نفسها ، إعداد مراسيم دفنها قبل تنفيذها لهذه المهمة ، ابتداء من حفر قبرها ودخولها فيه وقراءة الايات الدينية وهي راقدة فيه ، لأنها بعد أن تتفجر لن يجدوا شيئاً من جسدها وهنا يقرر مكان القبر مسبقاً . تاخذنا كاميرا المصورة " ربييكا" في مراحل أعداد إحداهن ، بدأ من مرحلة تغسيل الموتى والتكفين وقراءة التعاويذ وتركيب الأحزمة الناسفة ، ثم تأتي مرحلة توديع ألاهل وألاقارب وهي لحظة حزينة لإنها سوف تغادر الحياة الحياة من أجل عمل سامٍ ستنال عنه الفوز الكبير في الآخرة كما تعتقد أو كما صوره لها رجال الدين الدجالين ، وعند اكتمال استعدادها تهيئ مركبة لذلك ، تقنع "ربييكا " المسؤولين بأن ترافقها لبضعة كيلومترات لتصورها ، وفي الطريق قبل الوصول الى الهدف تتعطل المركبة عند وقوفها في نقطة سيطرة للشرطة المحلية ، وتشك الشرطة بالأمر بعد هروب سائق السيارة، ويفتشون الصحافية فتظهر لهم هويتها الأجنبية وتغادر السيارة بسرعة المكان وهي تصرخ محذرة المارة المنتشرين من الكارثة وأن يبتعدوا لوجود قنبلة ، لكنها لم تبتعد كثيراً عن المكان حتى تفجر الانتحارية نفسها حال محاولة الشرطي تفتيشها وتتحول إلى أشلاء هي ومن أصابته تلك الشظايا المدمرة ، ولم تسلم ربييكا أيضاً ، وتسقط المصورة (ربيكا) من جراء الانفجار جريحة وكاميراتها مرمية بعيدا، وتصاب إصابة خطيرة تنقل على اثرها الى دبي لتعالج . هناك نقلة هادئة في إيقاع الفيلم ، بين ربيكا وهي ملقاة على الأرض وبين المشهد الآخر لها وهي تفتح عينيها في أحدى المستشفيات في دبي وبقربها زوجها (ماركوس)، ثم تعود إلى بلدها ايرلندا ، ومن هنا يبدأ الجزء الآخر من المعاناة ، يبرز خط العائلة بقوة ويبرزالمخرج "إيريك بوبي" عند تناول فيلمه الأثر النفسي الذي يتركه حادث الانفجار على الأم المصورة، وكذالك ألاثر النفسي لعمل الأم على الاسرة وبالتحديد على البنات . "ربيكا " هي الزوجة لعالم الأحياء البحرية"ماركوس" ويقوم باداء الدور الممثل الدانماركي "نيكولاج كوستر-فالداو"، الذي شاهدناه بدوره في المسلسل الشهير (لعبة العروش)، الزوج ذاق ذرعا بعملها الذي يأخذها من البيت والعناية باأبنتيهما (لوران كاني وأدريانا كرامر كيرتس) ، يصرخ بها في أحد المشاهد "ثيابك تحمل رائحة الموت "، وها هو يخيرها بين أن تواصل عملها أو أن تصبح زوجة . المحور الثاني في الفيلم تناول وعد الأم (بينوش) لزوجها بعدم الدخول في مغامرات إضافية تسبب القلق لعائلتها بعد نجاتها من التفجير الانتحاري في كابول ، إلا أن بينوش تنجح بالعودة إلى عائلتها رويداً رويدا وتنخرط في نشاطات المدرسة وترافقهن في بعض الأنشطة كزيارة الشاطئ وحضورها جلسة كارلوس مع الاصدفاء وإصغاءها عن الكائنات البحرية ، لكن يبقى السؤال إلى أحد يمكن الموازنة بين القلق والعائلة والعمل . الصراع مع الأسرة ، ابنتان وزوج ، البنت الصغيرة تعتقد أنها مسافرة وتسألها عند عودتها عن هدايا ، البنت الكبيرة (ستيف) تقوم بدورها الممثلة (لورين كاني) تعرف ذلك وتجد ان هذا العمل يجعل الأم غريبة عنها وتصدمها حين تصارحها بأنها تفضل أن تكون"ميتة أفضل مما أن تكون منتظرة متى سيعلنون عن موتها"، والأكثر تشدداً هو الزوج (ماركوس) - الممثل كوستر والدو - يخبرها بأنها لم تعد أماً ، إنها امرأة غريبة عن الأسرة تأتي بمنزلة ضيفة ، تسبب الضغوط النفسية قلقا عند ربيكا حيث تشعر بالخوف والتوتر وعدم القدرة على النوم لأنها تتذكر مشاهد الحدث الذي سبب لها الضغط النفسي ، ونتيجة التفكير الشديد في عواقب ردود الأفعال على الحدث (انفجار المرأة المفخخة في كابول) إلذى يسبب لها الضغط ومراجعة النفس مرارا ، وينعكس على ربيكا في حالات التشتت الذهني وعدم التركيز . تعلن ربييكا قرارها بترك العمل في الوكالة إلى الأبد ، في نفس الوقت تخبرها الوكالة بعدم نشر صورها ، لأنها لا تتناسب مع السياسة العامة ، في هذه الفترة تحاول الأم أن تكون أكثر حميمية مع أسرتها ، إذ تقترب من ستيف ويدور بينهما حوار بشأن أهمية ما صورته شارحة لها الدور الانساني لتوثيق الجرائم التي تنتج عن سياسة الكبار ويذهب ضحيتها الشعوب من أجل المتاجرة بخيراتهم ، تساعد الأم ابنتها في مشروعها المدرسي عن إفريقيا ويصادف أن يشاهد أحد الأصدقاء الصحافيين ربييكا ويدعوها للعمل معه ضمن مهمة الأمم المتحدة في منطقة محمية وأمنة في كينيا ولا خطر فيها . ترفض الأم إلا أن الابنة تقنعها بالذهاب معاً لتكمل مشروعها المدرسي في رحلة إلى كينيا ، يعترض الزوج ، غير أن الابنة ابنتها المراهقة ذات العقل الأكبر من سنها التي تكشف لأمها في احد المشاهد : (أحزن كل يوم لما يمر به أطفال العالم) ، تصرّ ألابنة وتتهم الأب بخذلانها وعدم الاهتمام برأيها وأخيراً يخضع لإرادتها بعد أن تؤكد له الأم"ربييكا " أن المكان آمن. وتسافر رفقة ابنتها الكبرى إلى افريقيا للمساهمة في مشروع مدرسي لها ، وتهدي لابنتها كاميرا لتصور معها المخيمات والأطفال والنساء ، إلا أن الخطر يلاحقها على هناك ، ويتغلب حس المصور وشغفه على الوعد العائلي بعدم المخاطرة . القلق رفيق هذه العائلة ويبدو ملاحقا لها في رحلة الام وأبنتها الى كينيا . وأثناء تواجدهم في مخيم للاجئين في قرية كينية تهجم ميليشيا مسلحة على مخيمات النازحين ، ويسارع المرافق بوضعهم في سيارة للخروج من المخيم وهنا تترك المصورة الصحفية ربييكا السيارة ، وتصرّ على تصوير وقائع الهجوم الذي يحصد أرواح الأبرياء وسط صراخ ابنتها التي رافقتها في رحلتها إلى ذلك المخيم ، ثم تعود هي وستيف إلى البيت على أن يتفقا في عدم إخبار الأب عن الحادثة ، إلا انه يطلع الأب بالصدفة على ما صورته ابنته ويعرف عما حدث ، حين ترسل تلك الصور على المواقع متهمة الأمم المتحدة بالتقصير وعدم توفيرها الحماية الكاملة للاجئين، يثورعليها وتسوء العلاقة بينهما حد القطيعة ، يطردها خارج المنزل أمام ابنتيها يصرخ بها " رائحتك هي رائحة الموت"!! ، ويرمي بالكاميرات والأم خارج البيت . لكن الابنة ستيف تستفاد من تلك الصور مع ما صورته هي لتعرض مشروعها أمام طلاب وأدارة المدرسة وتحظى بتأييد وتصفيق حار وتعاطف مما يجعل الأسرة فخورة بهذا العمل ، لكن الام تحسم قرارها بعد تعثر علاقتها بزوجها كارلوس وتختار عملها ، وتصل رسالة إليها من الوكالة مؤكدة على صورها السابقة في أفغانستان ، وتطلب منها إلى صور إضافية مما يعني السفر الى كابول، تودع الأسرة وتسافر إلى المكان نفسه لتصور مرة أخرى إعداء و تحضير إحدى النساء الانتحاريات، لكنها هذه المرة طفلة بعمر ابنتها، تصاب بالرجفة وتحاول أن تواصل التصوير لكنها تنهار وتسقط على الأرض . وينتهي الفيلم بهذا المشهد . من هذا المشهد يختم المخرج (بوبي) فيلمه الذي يمثل ذروة الصراع بين الامومة وبين الواجب في نقل الصور التي تحمل قد كبير من الاسى والقساوة ، والتي تترك في الروح ندبا وجروح . ربما يليق بالمصورين الصحفي المستقل أن يكون متمرداّ في القرن الحادي والعشرين ، هذا ما يصوره المخرج بوبي في بطلته المصورة ريبيكا التي تلعب دورها جولييت بينوش ، لكن لحظة نقاش مع وكالة التصوير في نيويورك تكشف قوة الهيمنة التي تمارسها هذه الوكالة ، ومدى خضوعها لاملاءات تأتي في الفيلم من البنتاغون الذي يعتبر أن صور ريبيكا تزين هذه العمليات في عيون العالم، لكن في المقابل ، لا يمكن فهم مدى الحرية والصلاحية والتسهيلات الممنوحة ل (ربيكا) من قبل المجموعات الارهابية عند تصوير من يتم اعدادهن للموت بتفجير حزام ناسف بحيث يبدو فعلا كان هناك دعاية (بروباغاندا) ، لكن نقطة الخلل هو خضوع المصورة للابتزاز وعدم سعيها لنشر الصورة في مدونة مثلا، كنوع من الحفاظ على الاستقلال . في عودتها الثانية تجد أنّ من يُجهّز للقيام بالعملية الانتحارية هي طفلة ، أمام تلك الحقيقة لا تقو الأم والمصورة الحربية على التقاط الصورة ، تنهار على الأرض كما تفعل والدة الطفلة. إن مهنة المصورين الحربيين هي مهنة مملوءة بالمصاعب والمتاعب المتكونة من شقين: الأول هو ما يواجهه المصور في أرض الميدان حيث قلة - وندرة في بعض الأحيان - أن يجد التسهيلات الأمنية واللوجستية، فبالتالي تكون مهمته في التقاط الصور الجيدة صعبة ، والأمر الثاني هو المعاناة النفسية التي يمر بها المصور من مشاهد وحوادث يعايشها هو لا غيره، ويكون مضطرًا لنقلها للعالم من منطلق الواجب المهني والإنساني، لكن قد تصل به تجربته حد الانتحار . وهو المصير ذاته الذي واجه المصوّر كيفن كارتر الذي حاز عام 1994 جائزة «بوليترز» عن صورة طفل صغير يُعاني من سوء التغذية الواضح وهو يزحف نحو معسكر الامم المتحدة الذي كان ملجأ لضحايا المجاعة في السودان ، يظهر في الصورة نسر يقف على بعد أمتار من الطفل منتظراً موته حتى يتغذى على جثته ، إذ انتحر كارتر بعد ثلاثة أشهر ، ينتصر (أريك بوبي) لفيلمه وبطلته بشكلٍ كامل ، وينسج فيلماً عالي الحساسيّة من شخص خبير بالقصّة التي يرويها ، وهو المصّور الفوتوغرافي الذي عمل سابقاً في تغطية مناطق النزاع ، فعلى الرغم من أنّه صوّر( ربيكا) كأم جيدة وزوجة محبّة ومتفهمّة قادرة على التعاطي مع مشاكل المحيطين بها أكثر من التركيز على أزماتها الخاصة و كان حذراً من الوقوع في مطب التجميل ، وعرض أيضا ألأثر لرحلات العمل وغياب ربيكا المتكرّر عن المنزل وفي التقاط تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة . في أثناء تغطيتها لعمليات الانتحارية في كابول، وفي نقس الوقت تجهل "ربيكا" أنّ ابنتها "ستيف"المراهقة قد تخلّت عن نشاطها في النادي والتحقت بمشروع آخر بحثي عن قارة أفريقيا ،وغيرها من التفاصيل ، لكن الاهم أنّ المصورة "ربيكا " فخورة جداّ في اللحظة التي تجد نفسها أمام التقاط صورة قد تغيّر واقعاً .
يظهر الفيلم قوة تأثير صور ريبيكا من خلال الرحلة التي تقوم بها إلى كينيا مع ابنتها التي تعد مشروعا مدرسيا عن افريقيا، وقدرتها على إرسال قوات الامم المتحدة لحماية اللاجئين من خلال نشر صور المجزرة التي حدثت . لكن تلك اللحظة بالذات هي لحظة تفجير الخوف الكامن لدى ابنتها ستيف (تلعب دوراً متميزاً الممثلة الشابة – لورين كاني -) التي تتوسل أمها للبقاء في سيارة مسؤول الامم المتحدة ، وبعد نجاتها رصاص المليشات ، تطلب من ألابنة أن يبقى سرا بينهما خوفها من ردة فعل الأب طالبة . على الرغم من أنّ بناء الفيلم الدرامي من منظور المصورة "ربيكا" لكنه لا يقدّم الفيلم صورتها و صوتها فحسب ، بل صوت وصورة تلك العائلة التي لا تبدو حقيقة- خاصّة الزوج- الذي لم يكن مساندا وداعما للزوجة ولم يقدّر أهميّة العمل الذي تقوم به " رييكا "، بل بالعكس تبدو العائلة مُتعبة من الخوف الدائم على حياة (الأم ) المصورة المغامرة ، حتى أنّ ابنتها تقول لها في لحظة غضب: (ربما أفضل شيء أن تموتي ، هكذا نحزن مرّة واحدة وللأبد) .
من هنا أتّى تميّز الفيلم من روعة وجمال الممثلة الفرنسية "جولييت بينوش " المعنون "ألف مرّة ، ليلة سعيدة" 2013 ، الحائز جائزة ( لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان مونتريال) السينمائي 2014 فنحن ومنذ اللحظة الأولى مع المرأة الأم والمصوّرة الحربيّة وقضيّة الفيلم الأساسيّة الخيار الذي على بطلة الفيلم (ربيكا) أن تقوم به بين واجبها كأم وزوجة وشغفها وإيمانها بعملها كمصوّرة حربيّة. إذ لا يمكن لمن يشاهد الفيلم سوى أن يتساءل في لحظة مُعيّنة هل كان هذا الإشكال- على أهميّته- سيكون قائماً لو أنّ الذي يخاطر بحياته هو الأب والزوج؟ . هما عالمان ، هؤلاء وأولئك ، إنهم الاشخاص الذين يجازفون ويخاطرون بحياتهم من أجل نقل الحقيقة والمتمثلة هنا بالصورة والتي يعطيها الفيلم من القوة التي تجعلها أداة إدانة أو نداء استغاثة كما حصل في كينيا حين أثرت صور ربيكا في الرأي العام و بالتالي تذعن الامم الامم المتحدة لارسال قوات للمحافظة على حياة اللاجئين من هجمات المليشيات المسلحة . يبدأ الفيلم بلقطات مُتقنة وتثير الاهتمام لأمرأة تمدّدت في القبر وحولها حفنة من النساء يصلّين ويرتلن سورة من القرأن ، ثمّ تنهض ليحممنها ويُطهرنها ، ثم يلُفنَّ حولها حزاما عريضاً من المتفجّرات وكأنها مخدرة بدون اي انفعال او ردة فعل تذكر، وربيكا تصوّر طوال الوقت وهي مرتدية الحجاب ، وتطلب الذهاب معهن إلى آخر نقطة يمكنها بها مرافقة الفتاة التي ستفجّر نفسها، تتساءل ربيكا حول مسؤوليتها الأخلاقيّة ليس كمصوّرة فوتوغرافية في مناطق النزاع بل كشاهدة على عمليّة تفجير يمكن أن تؤدي إلى مقتل عشرات الأبرياء . يبرز خط العائلة بقوة عند تناول فيلم بينوش وخصوصاً الأثر النفسي الذي يتركه عمل الأم على البنات ، فإحدى المحاور المهمة في مسار الفيلم عند تناوله ألتزام ألام (بينوش) بوعدها لزوجها بعدم الدخول في مغامرات إضافية تسبب القلق لعائلتها بعد نجاتها من التفجير الانتحاري في كابول ، إلا أنها تقبل وتسافر رفقة ابنتها الكبرى إلى افريقيا للمساهمة في مشروع مدرسي لها ، إلا أن الخطر يلاحقها الى هناك ، ويتغلب المصور على الوعد العائلي ، يظهر إن المخرج"ايريك بوبي " وهو نفسه كاتب القصة بنى شخصية بطلته الرئيسة كمعادل موضوعي لشخصيته وتجربته الحقيقية في الفيلم ليجسد من خلال ذلك معاناته في أثناء تلك المشاهدات المريعة في جولاته ليصنع من فيلمه صرخة احتجاجية كبيرة أمام النفاق العالمي لرسالة السلام، وحاول من خلال انتقالاته التصويرية بين مكانين رئيسين (أماكن الصراع– والعائلة) أن يجسد تلك المفارقة القاسية في أنانية عالمية واسعة (الدولية) وأنانية الأسرة بالاحتفاظ بالفرد الساعي الى محاولة فعل شيء للإنسانية . صور المشاهد القاسية بواقعية تقترب كثيراً من الوثائقية في تلك البلدان المخدوعة ، وجوه نساء، أطفال أبرياء، شيوخ مغدورون، ثم صور الأسرة وهي تعيش حياتها الرتيبة بين تناول الطعام والنوم والمدرسة والعمل، لكن الأم تحرك جمرة قابلة للتوهج في ابنتها الكبرى الطموحة ( ستيف ) في مشروعها الإنساني، وتعيش تجربتها الخطرة ليكتمل وعيها خلال حوار توصل فيه أفكارها عن أسباب تلك الحروب إذ تعزوها إلى حكومات محلية أنانية ومستبدة وتجار حروب ودول كبرى مستفيدة، تلك المحاولة تنجح بإقناع امتدادها ونوعها، ابنتها، بأهمية الوجود كفرد داخل الأسرة الإنسانية ، يقتبس المخرج من سيرته الذاتية كمصور حروب الكثير الاحداث ، مخاطر كثيرة تواجه الصحفيين والصحفيات خلال عملهم بمناطق الصراع ، لكن ظروف العمل في كثير من الأحيان أكثر تعقيدا بالنسبة للنساء . هناك جانب مهم تناوله الفيلم هو ألاجهاد والعامل النفسي للمصور او الصحفي بعد تجربته في مناطق ساخنة مثل أفغانستان حيث تزهق الارواح ومناظر الاجساد و الاشلاء المتطايرة من جراء انفجار سيارة مفخخة او حزام ناسف يقوم بها متخلف او مغسولي الدماغ من الذين يحلمون بالجنة أو بحور العين .
فالإجهاد لا يؤثر في مراسلي الحرب وحسب بل في الصحفيين الذين يغطون المآسي التي تنطوي على ألم أو خسائر في الأرواح . ومن القصص الصحفية التي يمكن أن تتسبب في إجهاد مفرط تلك التي تتناول عمليات تنفيذ عقوبة الإعدام ، وإطلاق النار العشوائي، والتفجيرات الإرهابية ، ويتجلى الإجهاد اللاحق للصدمة في طرق عديدة . فقد لا يقوى الفرد المتعرض للإجهاد على الإفصاح عن أكثر من شعوره بأنه ليس على ما يُرام ، أو أنه ينبغي فعل المزيد . فبالنسبة للصحفيين والمصورين الذين يحتم عليهم عملهم مراقبة الأحداث ونقل وقائعها وعدم التدخل فيها ، فإن مشاهدة المأسي الإنسانية مشاهدةً بحتة يمكن أن يُحدث ضررا عاطفيا عند الكثير من المصورين في المناطق الساخنة وساحات الحرب ، وكتب الكثير من المصورين الحربيين كتبًا وقصصًا وأفلامًا عما يُصاب به هؤلاء من الكثير من الأضطرابات النفسية ومشاهد تلازمهم بقية العمر ، على العكس من الصورة النمطية التي يراها الناس في أذهانهم من أن هذا المصور قوي وقاسي القلب ولديه قوة خارقة في السيطرة على عواطفه في هذا الفيلم تلوم المصورة "ربيكا" بينوش نفسها أنها كانت السبب في اكتشاف أمر المرأة وسط زحام المدينة وتعتبر نفسها المسؤولة عن مقتل أطفال ومدنيين لأنها تعتبر أن نزولها من المركبة تسبب في اشتباه الشرطة ودعاها لتفجير نفسها . الفيلم تم تصويره في منطقة ورزازات المغربية والتي صارت مسرحاً لكثير من الأفلام العالمية نظراً لوجود بنية تحتية سينمائية لافتة ، وتسهيلات وعمالة متخصصة إضافة إلى طبيعة تخدم الكثير من الموضوعات ، أما بالنسبة لأداء الممثلة الفرنسية "جولييت بينوش" فقد كان متميزا ، وهذا ليس بجديد على بينوش، فهي ليست فقط واحدة من أكثر الممثلات الموهوبات اللواتي يعملن في الأفلام اليوم ، ولكنها واحدة من الممثلات اللواتي تركن بصماتهن في عالم السينما واصبحت أيقونة من ايقونات السينما الفرنسية . تلقت بينوش دروسها الأولى في التمثيل على يدي والدتها الفنانة ومدرسة الآداب . امتنانها الأكبر لشقيقتها ماريون إضافة إلى آخرين ساعدوها وعلموها "السفر الداخلي" حيث الطمأنينة والأمان ومحبة الآخرين ، ويذكر بأن جولييت بينوش حازت جائزة التمثيل في مهرجان البندقية ، وجائزة سيزار أحسن ممثلة ، وجائزة الدب الفضي بمهرجان برلين ، وكذا أوسكار أحسن دور ثانوي عن تجسيدها لدور الممرضة آنا في فيلم "المريض الإنجليزي" لأنطوني مينكيلا لتصبح ثاني ممثلة فرنسية تحصل عليه بعد سيمون سينيوري، أطلق الفيلم الى الشاشات في عام 2013 ، كتب قصة الفيلم المخرج النرويجي "ايريك بوبي" الذي درس التصوير السينمائي في معهد الفن الدرامي بستوكهولم وأخرج العديد من الإعلانات التجارية والأفلام القصيرة والوثائقية ، قدم للسينما نحو ثلاثة عشر فيلماً ، اما فيلمه "ألف مرة ليلة سعيدة " فهو مستقى من تجربته المهنية للكاتب و هو المخرج في نفس الوقت إذ عمل مصوراً لدى وكالة رويتر وقنوات إعلامية أخرى، عندما كان يقوم بتغطية الأخبار العالمية ، والصراعات في أميركا الوسطى والشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا .
فيلم " ألف مرة ليلة سعيدة " فيلم صادق النبرة من مخرج كان يوما مصورا فوتوغرافيا يغطي مناطق النزاع والحروب حول العالم ، ولربما وجد نفسه في المأزق ذاته ما يعني أنه قلب الموضوع فإذا بالزوج هو من يطلب من الزوجة الانصراف عن مهنة الخطر وليس العكس . هذا تجديد في مكانه ولو أن الزوج لا يبدو أكثر من شخص لديه ردود فعل وقليل من العمق والتقدير لقيمة العمل الذي تقوم به الزوجة . الفيلم تناول موضوعا مهما يستفيد من الحالة الإنسانية المتهاوية لهذا العالم الذي نعيشه ، لكنه ليس مريحا في الانتقال بين الخاص والعام ومنح الشخصيات تبريرات أكثر عمقا لما تقوم به .
فيلم (ألف مرة ليلة سعيدة) هز مشاعر معظم من شاهدوه أمام حكايته المحبوكة ومشاهده القوية التي تروي قصة مصورة فوتوغرافية في مناطق النزاع من كابول الى مخيمات اللاجئين في كينيا .
لا يمكنك إلا أن تصفق لهذا العمق والإبداع في المعالجة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق