الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة أولية في مسرحية -ليس عشاءنا الأخير لقاسم مطرود

عايدة نصرالله

2006 / 6 / 24
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


"ليس عشاؤنا الأخير" عنوان يحيلنا إلى القصة الدينية للعشاء الأخير لعيسى عليه السلام الذي أعقبه حسب النص المسيحي صلب المسيح ، ولكن صلب المسيح كان على المستوى الميطافوري معنى للموت المقدس – الموت الحي. حيث قيامته بعد ثلاثة أيام حسب النص المسيحي تلتقي مع النص الإسلامي "لم يصلب ولم ولكن شبه لهم".
أداة النفي " ليس" تدعنا نتساءل: هل سيعقب هذا العشاء عشاء آخر؟ هل سيعقب هذا العشاء موت آخر أم حياة؟
العنوان يثير أسئلة حول مستقبل مبهم لكن فيه بعض الضوء الذي يتضح عند قراءة النص.

الحدث
المبنى العام للمسرحية هو دائري حيث تبدأ المسرحية بمشهد الخراب والدمار وتنتهي به. إلا أن البناء النصي للحوار هو بنا أفقي (Horizontal), وإن كان النص الأخير في نهاية المسرحية يأخذ أبعاد المبنى العمودي(Vertical) لما فيه توتر في الحدث والمشاعر.
في الإرشاد المسرحي الذي يكتبه الكاتب كمدخل للمسرحية يحمل العنصر التشويقي المشحون بالتوتر للقارئ ، وللمتفرج المفترض. حيث تبدأ المسرحية وسط أجواء ظلمة وإيقاعات صوتية منطلقة من مكبرات الصوت المنتشرة في زوايا القاعة لتوحي لنا أننا أمام حدث غرائبي آت.
النص يتحدث عن "جحافل" من البق تنقض على مدينة، ويصف مواجهة عائلة مكونة من الأب العجوز وامرأته وولديهما الأكبر والأصغر والزوجة، للبعوض الذي سينقض ويهلك الحي والجماد.
البق كما هو معروف يمتص دم الإنسان ويتسبب له بأمراض فطرية متنوعة. وهو كحشرة "كصورة بصرية" لا تخيف. إنما البق الذي تتحدث عنه هذه المسرحية هو نوع آخر ، نوع له قوة خارج طبيعية- وله مواصفات تحمل مواصفات الهولة الخرافية كمخلوقات ميثية لم نرها في زماننا. يرد وصف البق على لسان "الأكبر" أحد أفراد العائلة "إنه من نوع جديد ليس كالبق الذي يلسع ويختفي بل يبقى يهاجمك ويبحث عن نقاط الضعف التي شخصها من قبل" . وارتباط صفة الجحافل بالبق الذي سيهجم على المدينة مرتبطة في أذهاننا بجحافل الجيوش. إذن نحن أمام حرب مخيفة غريبة تحمل قوى فوق قوة الإنسان.
العائلة في المسرحية تحاول بكل ما أوتيت من وسائل أن تتصدى لهذه الجحافل الخارجية ولا تقف مستسلمة وتتخذ إجراءات فاعلة في محاربة البق القادم من الخارج، عن طريق سد المنافذ بألواح الخشب.

أثناء الاستعداد للمقاومة تفاجئ العائلة بمجيء "الرجل" الذي يمثل الحكومة. يتبدى عدم الثقة برجل الحكومة الذي يأتي لعمل الجرد للعائلة بإدعاء أنه سيؤمن الحياة للعائلات حسب عدد أفرادها. وهنا يجيبه العجوز بنبرة ساخرة "الأخبار المرعبة تصل سريعا هل لديك خبرا مفرحا يا بني؟
الرجل: كلا
الأم: أعرف هذا الجواب، منذ زمن ونحن لا ننتظر إلا الأخبار التي تضعف الروح .
العجوز- الأب وهو جندي قديم عانى من التصديق الدائم للشعارات الزائفة، كان يعرف انهم يكذبون ولكنه كان يمارس وضع الضحية كأغلب العراقيين. فكم من حرب مرت على تلك البلاد وكم من شهيد راح ضحية الوطن بلا ثمن سوى ثمن عنجهية القائد فالشعب كان هو الخاسر الوحيد. فعندما يأتي رجل الداخلية في المرة الثانية ليعرض المساعدة يقول الأب : " ما نوع الكذبة التي يحملونها لنا الآن؟ قضيت عمري كله أجسد أكاذيبهم، كنت حقلا لتجاربهم والمشكلة أني كنت أعرف أنها كذبة لكن كان علي السير بها ومجاراة هذا العالم الذي يفرض علي السلوك الذي أتبع وتجسيد ما يحبون وفي نهاية الأمر علي فقط أن أحسب الخسارات"
إذن يتضح من قول الأب أنه يمثل شخصية جيل مهزوم وسلبي لم يستطع رفع رأسه حيال الظلم والقهر.
المسرحية "ليس عشاؤنا الأخير" تلخص مأساة شعب مسلوب الجسد-المكان والروح. سلب الروح التي لها مؤشرات رمزية في المسرحية مثل سلب المتحف. فالأكبر يقول مبادرا أبيه وأمه "أبت إنها كارثة، أنظر هذا هو المتحف، يا للخسارة هذه آثارنا التي تملأ الأرض، لقد دخلوا المتحف أيضا وأفسدوا كل شيء فيه ، إنها عدوانية لا مثيل لها". الإشارة للمتحف في المسرحية تجسد عمق المأساة حيث فيها إشارة لسرقة الحضارة – وهو إشارة لكون الحرب هي حرب ثقافية فمحاولة تجريد أي شعب من ثقافته وتراثه هي محاولة في إلغائه تاريخيا وروحيا . تبدو الإشارة إلى المتحف عابرة ولكنها "دفعة حارقة" يسكبها الكاتب في جملة واحدة.
البق الذي يمثل القوى الخارجية، لم يكن لينفذ دفعة واحدة لو لم يبيت بيوضه في داخل البيوت في داخل "البيت العراقي".
وهنا علينا التوقف لإشارات عميقة يود الكاتب الغور فيها. حيث لو اتخذت إجراءات إبادة البق الخارجي كيف ممكن القضاء على تلك البيوض المبيتة منذ سنين طويلة؟. وتبدو هذه الإشارة بالحوار الذي يدور بين الأب وبين رجل الداخلية.
الأب: هل أنتم مستعدون لصد هذا الهجوم الذي ينتشر من الخارج ومن الداخل؟
الرجل بخطابية: "أنا وباسم الحكومة أتعهد لك بأننا سنصد الهجوم القادم من الخارج فقد أحضرنا كل شيء لذلك وسنسقط أي جسم غريب فوق مدينتنا "وبأقل خطابية" ولكن ما يخرج من الداخل دون سابق إنذار فهذا لا قدرة لنا على النبوءة لمثل هكذا أحداث"
وهذه المفارقة الغريبة عندما يأتي الكاتب بهذه الأقوال على لسان رجل الحكومة ، هذا هو الإسقاط الفعال حول ما يجري من فساد تحت جنح أية سلطة مستبدة.
إذن، نحن أمام قوتين خارجية وداخلية. إذ لو لم يكن هناك أرضية صالحة في "المكان" لتفقس البويضات التي أحيلت إلى جحافل من البق على مدار السنين لما كان لهذا البق أن ينمو. والإشارة واضحة للعوامل الداخلية من فتن وفساد وشكل قيادة داخلية التي كانت أرضية خصبة للهجوم الخارجي وانتهاك حرمة هذا البلد وأكل الأخضر واليابس.

وفي أوج الشعور بالدمار تستدرج الشخصيات الحياة بواسطة وسيلتين وجوديتين. الوسيلة الأولى هي: الطعام الذي هو أحد وسائل المتعة في الحياة وعنصر الوجود الفيزيائي، يتحدون الموت بأبسط الوسائل النفسية والجسدية المتاحة لديهم، غير عابئين بالموت ، نوع من العبث بهذا الموت القادم حتى الضحك وتبادل النكات أثناء إعداد "العشاء الأخير"؟!. وجود اللامبالاة للموت القادم سكين ذو حدين، فمن ناحية يدل على أن الموت أصبح حالة عادية لهؤلاء الناس ومن ناحية أخرى هي نوع من اتخاذ خطوة لصد الموت الذي يتناغم مع عنوان المسرحية "ليس عشاؤنا الأخير".
والوسيلة الثانية بإدخال الفرح للبيت عن طريق زواج الأصغر، وسيلة أخرى للبقاء بما يحمله معنى الزواج من تناسل واستمرارية.
الشخصيات مدركة لموتها القادم لكنهم يريدون الموت وفي جعبتهم بعض الحياة ، وهو نوع من الصرخة حتى ولو بلقمة العيش. ففي أوج الرعب والبعوض يهجم مقتحما المكان دون رحمة تنتهي المسرحي بطقس يقترب في عبثيته من الموت المقدس وسأقتبس نهاية المشهد لما فيه من عبث لكنه لا يختلف عن الواقع العراقي الذي أصبح أشد وقعا من الجنون والعبث
الأم: "وهي تلتفت يمينا وشمالا من شدة الرعب" سنموت
الأب: لنأكل أولا
يسرع الأكبر وزوجته والأصغر بإحضار الطعام وما إن يكتمل الأكل يجلسون جميعا
الأب: كلوا يا أولادي وتخيلوا أنكم في أمان والعبوا اللعبة بإتقان
الأم: أي أمان أنت وأي لعبة
الأب"يتناولون الأكل وسط الأصوات التي تشبه الجحيم
الأب: دور من غدا
الأكبر: دوري، ممارسة الحياة قوة ضد الموت.
تسقط جميع الجدران وتختفي الأفلام"
هكذا تنتهي المسرحية في عبث ، عندما يصبح الأمان هو المتخيل والحياة تصبح هي المتخيلة بينما الموت هو القائم الموجود. لكن أبطال المسرحية بما فيهم الأب ربما "يموتون" وهم يأكلون، وهم يمارسون لعبة الحياة.
فالفناء هنا – وإن كنا غير أكيدين منه في المسرحية- علما بأن المسرحية تنتهي وصوت الأصغر ما زال يسمع عبر الهاتف "الو الو"، لكن لو كان الميل للقراءة الثانية بأن الموت يكون النهاية نظرا للمؤشرات الغالبة في نهاية المسرحية والتي ترسخ في أذهاننا دمار كلي (لانهيار المكان المسرحي)، ومع ذلك فلو صحت قراءة "الفناء" فإنه ليس فناءَ سلبيا وإنما نوع من الموت الفعال على الأقل على المستوى الذهني للقارئ.
المكان: المكان هنا غير مشار إليه على المستوى التحديدي، الأحداث تحدث داخل بيت، لكن أين البيت، والدمار يشمل المدينة، أي مدينة مشار إليها؟
ويتخذ المكان للبق أيضا وسائل تعبيرية، فهو ليس قابع في الخارج، حيث الساحات والمدينة ولكن أيضا موجود في الملابس والأغراض البسيطة. إذن المكان قد اتسع ليشمل كل زاوية وكل شيء ولا يمكن إلا تخيله وقد تسلل للجلد.
الزمان: أيضا الكاتب لا يحدد زمن الحدث وإنما هو حدث قد يحدث الآن، أو غدا، أو قد يكون قد حدث منذ آلاف السنين(فالبق مبيت) لكن لا أحد يعلم متى تم تبييته في ذلك المكان"

الشخصيات

هذه لمسرحية هي نوع من المسرحيات ذات البطل الجماعي إن صح القول. لا تشعر بأن هناك شخصية تحتل قسطا أكبر من شخصية أخرى فالأدوار موزعة بشكل هارموني بحسب وظيفتها الماهوية في المسرحية. وإن كانت شخصية الرجل الذي يمثل الحكومة تبدو هامشية في المسرحية، فإن هامشيته موظفة على المستوى الثيمي والذي يطابق الواقع من عدم فعالية الحكومة في إنقاذ الشعب.
فيما عدا الرجل فالشخصيات كل تؤدي أدوارها على التوالي ، كل له وظيفة ولهذا فالخطاب كان متوازنا . مسرحية بلا بطل والبطل الوحيد في المسرحية والذي يقف بشكل مييتافوري على منصة المكان هو الموت- هذا الحاضر الغائب فالبق نراه يحتل النص المكتوب- والنص الخارج لغوي – حيث يحتل الشاشة ، فهو البطل المقيم على طول العرض.
الأب والأم- العجوزان
كان بإمكان الكاتب الاكتفاء بالقول انهما عجوزان. لكنه أتى بهما مقعدان على كرسي متحرك. كرسي الإعاقة يمثل العجز المتراكم على مر السنين ، فالعجز هنا ليس مقرونا بالجيل وإنما ذلك العجز المحتقن بالعذاب والاحتقان بالقهر دون القدرة على الرفض لذلك القهر الذين هما شواهد عليه. وهو دلالة العجز لجيل سابق الذي لم يفعل شيء سوى تلبية الأوامر . رغم عجز الأب الكبير إلا أنه في نهاية الأمر لا يظل سلبيا وإنما يشحن العائلة نفسيا. ويضع الكاتب المرأة والرجل في نفس السياق عندما يمثلان الجيل السابق كما يضعهما في نفس الحالة عندما يمثلان الجيل الحاضر المتمثل في الابن الأكبر والزوجة الذين يحاولان فعل أي شيء لإنقاذ العائلة. وإن كانت المرأة تبدو سلبية في بعض المواقف العاطفية كموقف الزوجة التي تتفقد أولادها وهذا الموقف ليس بعيدا لشحن العواطف عند المرأة في الواقع. إلا أنها لا تقف مكتوفة اليدين وتجلب الألواح وتساعد في المواقف الفاعلة من أجل النجاة.
ولكن بودي أن أشير إلى شخصية الأم- العجوز وهي هنا شخصية قد عانت قهر الغياب لزوجها، وعانت سلب أجمل أيام حياتها حرمانا. وبينما يعبر الأب عن سنوات خدمته في الجيوش المتعاقبة وكأنه تاريخ لفارس مغوار، والذي تعلم في الحرب أن يكون قاتلا وليس المقتول تجيبه الأم :" وهذا ما فعلته بالفعل، فقد قتلت كل لحظة جميلة في أيامنا"، "عرفتك ونحن في حرب" إذن هذه الأم هي النموذج السلف للأم العراقية التي كان عليها أن تكون الوعاء للحزن ولمسؤوليات العائلة، حتى باتت غير مصدقة لأي حلم قد يأت.
ومع ذلك فإن الأم بحوار شفاف بسيط تلقي للقارئ وللمشاهد المفترض خطاب فحووي وجودي- قيمي من خلاله يمكن القول "إن ما نتركه هو نحن، تاريخا وسلوكا وحياة، والإنسان هو من يمنح الأشياء المعنى حتى تصبح هي الإنسان نفسه. لنرى كيف تعبر الأم عن هذه الثيمة في بداية المسرحية بعد علمها بأنهم على حافة الدمار.
الأم:
يا للهول، إنه الفناء، يجب أن لملمة أمتعتي
الأكبر: أية أمتعة يا أمي؟
الأم: إنها تاريخي الخاص وذكرياتي الأهم، هي التي بقيت لي مذ تزوجت أبوكم، إنها الصحون والأغطية والشراشف ونسيت الملاعق أيضا
(.....)
يستمر الحوار حتى نصل إلى:
الأكبر: لكن يا أمي ما نفع احتفاظك بذكريات العرس الآن والموت على الأبواب؟
الأم: كل الذي أعرفه هو أن لا أفقد أشيائي أمام عيني لأنها تمثل لي أكثر من جسد إنسان حي. هل تعرف ما الذي كان يفعله أبيك قبل أن ينام؟ الخ
ورغم عدم فاعليتها الجسدية بسبب عجزها وتراكم الاحباطات، إلا أن الكلمات مشحونة بالفعل الإنساني المضمخ برائحة الأشياء وما رافقته من أحداث. فهذه الأشياء التي لها قيمة "أكثر من جسد حي" كما تقول الأم هي المتحف الصغير للعائلة والذي يحيل على ذكر "المتحف" الكبير الذي يذهب في الدمار. في نص المرأة مرموزات مرتبطة بعالم العائلة والبيت – مرموزات نسوية-(نظرا للسياق الذي تأتي فيه)- وأظن أن الكاتب نجح في إيصال الخطاب النسوي من خلال "الصحون والشراشف.." التي خرجت عن مجرد كونها أشياء تتعامل معها الأم لتكون صيغة إنسانية تشمل "حياة العائلة" أجمع- تاريخ.
الشخصيات كلها بدون أسماء ولا ملامح خاصة، وهذا يخدم شمولية الموقف. فكل مواطن يستطيع أن يكون الأكبر أو الأصغر وكذا بالنسبة لباقي الشخصيات.
هناك ثلاث شخصيات غائبة "جسديا" عن المنصة ولكنها حاضرة في النص. الولدان الغائبان عن البيت ، ونعرف عنهما من خلال أحاديث الزوجة والزوج، وهما أبناء الأكبر والزوجة الذين يتغيبا عند خالتهم وقت الهجوم الغريب. ربما أراد الكاتب أن يصور التفاقم الشعوري لحالة الرعب التي عانت منها المرأة والعائلة عموما في حال غياب الأولاد، وربما كان القصد منها تصوير أولويات النجاة، وكأن الحالة هي حالة يوم القيامة حيث تبدو النجاة للنفس الحاضرة أهم. وهذا يتبدى لنا من قول الأم للزوجة عندما تهم بالخروج لجلب أطفالها."علينا أن نوفر الحماية لأنفسنا الآن، كي لا نفقد نصفنا بعد حين لذا يجب أن نكون محترسين" هنا يتم تجنيد الغياب بهدف الحضور في النص بشكل ناجح وأن كنت أفضل العمل على هذه الثيمة "الغائب- الحاضر" بشكل أعمق. مثل تعميق الصراع عند الأم عن طريق الحركة أو القول. وهناك شخصية الخطيبة- خطيبة الأصغر التي تحضر من خلال الحوار مع الأب والأم عنها. ويتم طبعا اقتراح تزويج الأصغر كنوع من استمرارية الحياة. والفكرة طبعا قائمة ، لكن توظيفها لم يكن (على الأقل لي شخصيا) مقنعا، ليس بسبب لا-معقولية الفكرة، وإنما "نصيا" لم تكن بتساوق البناء الكلي للمسرحية. فكان النص الذي تتطرق للزواج ضعيفا وباديا كأنه محشورا. كان بالإمكان الإشارة للنية بالزواج دون ذلك الحوار التلفوني بين الأصغر والخطيبة والذي بدا مفبركا. Fabric، والفبركة في المسرح متاحة إذا وظفت بشكل يتناغم مع البعد الدلالي للفبركة.

أدوات الخارج – نصية (Meta- language)، ووظيفتها

يستعمل قاسم مطرود أدوات خارج نصية مثل الميلتميديا( multimedia) المتمثلة بالصورة. إلا أن لغة الميلتميديا(multimedia) لا تطغي على النص وإنما موظفة في خدمة اللغة المسرحية ، وتوريط القارئ والمشاهد المفترض على السواء في الحدث.
حيث الحالة الغريبة من البق الذي سيراه المشاهد أو يقرأه القارئ ينفذ إلى مخيلته ويجعله متورطا في المشهد الغرائبي. والصورة المصورة تعرض واقعا مفبركا، يتماشى مع الواقع النصّي المسرحي.
وهذه الطبقات المتداخلة مع بعضها البعض تضع المشاهد المفترض إلى التساؤل: إلى أي حد يشبه الواقع النصي والواقع التصويري – المتخيل- الواقع الحقيقي المعاش.
المسرحية تضم 8 لقطات مصورة أو كما يسميها الكاتب "إضاءات فيلمية" كل إضاءة فيلمية يعقبها حوار الشخصيات بحيث يبدو المشهد الكلامي غير بعيد عن المشهد التصويري بل وأحيانا متداخل معه إلى حد التمازج خاصة في المشاهد المقترحة أن تكون معروضة بشكل ثلاثي الأبعاد وسأكتفي بعرض بعض الصور لمحاولة توضيح ذلك التناغم ما بين الكلمة والصورة:
فالصورة التي يسميها الكاتب "إضاءة فيلمية" رقم 1، تصور لنا شريط مسجل حيث تعرض على الألواح الخلفية التي سمرت على الجدار ، جحافل البق وأصواتها وجموع الناس التي تتزاحم على شراء المواد الغذائية والخشب، "الأب والأم العجوزان يتابعان المشهد باندهاش وخوف وتعجب ويمكن دمج جسديهما والكراسي مع الفيلم ليشكل توأما من الفعل الآني والإسقاط الذي يتركه الهلع من البق"
عدا أن الألواح حاضرة في الواقع المسرحي فإنها أيضا تستعمل لعرض الفيلم، فإن الفيلم جاء ليتمازج مع الحوار القبل والما بعد الإضاءة الفيلمية. فقبل عرض الإضاءة الفيلمية تقول الزوجة: "الألواح نفذت وأشرطة اللاصق تناثرت بين المشترين، أما المواد الغذائية فهذه التي اختفت بسرعة البرق من على الرفوف"
ومباشرة عند النظر إلى الصورة يقول الأب:
"أيعقل بأنه بهذه الشاعة ؟؟؟
إذن لا انقطاع ما بين الصورة والكلمة إذ ترينا الصورة فحوى الكلام.
الإضاءة الفيلمية رقم 5، تصور مشاهد من الحروب ، دمار ، جثث متطايرة، ناس يهربون يتزاحمون، قذائف تتطاير في كل مكان. هذه الصورة تلخص ما أراد الأب وصفه في تاريخه العابر عندما خاض الحروب كجندي. فهو يقول "كانت القذائف تتساقط كالمطر هنا وهناك ....ما زالت أصوات القذائف ترن في أذني وكأنها تسقط هنا "يشير إلى المكان حيث الشاشة تعرض الحالة، وأثناء عرض الفيلم "يتجه الأب إلى نفس المكان الذي يقف فيه على الشاشة رافعا يده أيضا وما إن يبدأ المشهد على المسرح يخفض يده بالإيقاع نفسه"
إذن الصورة تكمل الكلمة والكلمة تنطلق من الصورة. هكذا في بقية الإضاءات الفيلمية.
الصوت
الصوت في المسرحية هو أداة قوية جدا وهي تورط المشاهد في حالة رعب ، فالطنين المنبعث من السماعات سيدخل المتفرج إلى حالة الخوف ذاتها وسيكون حالة ذهنية خارج مسرحية تعيده إلى واقعه الذي يعيش فيه. والصوت في المسرحية ينبثق من اتجاهين: الإيقاع الصوتي المتمثل في الصوت الخارج مسرحي المنبعث من السماعات الموزعة في قاعة المسرح، والذي يجعل المشاهد المفترض كذلك القارئ بنبض متسارع والإيقاع النصي المتمثل بتسارع الحدث . ويكاد الإيقاع النصي يبث فينا نوع آخر من الأصوات غير "طنين" البق وهو دق المسامير في الألواح . فبإمكان قارئ النص العيش في تلك الحالة الصوتية المتسارعة التي تشحنه في حالة عصبية لا تقل عن حالة شخوص المسرحية. تسارع الحدث متماشيا مع تسارع الصوت والإيقاع والصورة. وهكذا فالقاري والمشاهد المفترض سيكون شاهدا على الخراب وسيعاني نفس معاناة شخوص المسرحية ، وهنا يلتقي المشاهد مع الممثل على المسرح ليكونا وحدة واحدة مآلها تلك الرسالة المبطنة "أن تعالوا لنناضل من أجل أن ينتهي البق المميت من أرضنا" وهكذا فالمسرحية تشتغل على حاسة السمع والعين والفكر كوحدة واحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آراء الشارع في لندن وباريس حول من يتحمل ألم الأنفلونزا .الرج


.. لوحة المرأة الشابة




.. المشاريع الاقتصادية فرصة لتعزيز دور المرأة في الإنتاج المحلي


.. التشهير بالقيادات النسائية يعكس هيمنة العقلية الذكورية داخل




.. تربسبيه الإيزيديون يرفعون من وتيرة نضالهم