الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكابدات الرحّال/ الجزء الثاني عشر

سعد محمد موسى

2020 / 6 / 30
الادب والفن


العودة الى الدار

عرج الرحال الى داره بينما زوجته "فرات" كانت في إنتظاره منهمكة بتزيّن الدار وإشعال الشموع وتبخير غرفتها بأعواد الصندل والمسك، وترتيب سرير العرس الذي كانت تنام عليه ليال طوال وحيدة بعد مغادرة زوجها في نهاية كل إجازة قصيرة.
ثم يلتحق بعدها الرحال الى جبهة الحرب، فتبقى مكابداتها وانتظارها تلازمانها حتى عودة زوجها الذي تأخذه الاقدار مرة أو ترجعه للدار مرةً أخرى. وكأن أدعيتها ونذورها أثناء غيابه هو تحايل وتمويه لطرد الشر ومداهمات الموت "عزرائيل" التي كانت تشبه مداهمات الفرق الحزبية والأمنية لحرمات بيوت العراقيين.
لا تنفك فرات التقرب والخشوع الى أصحاب الكرامات والائمة أن يحفظ الرحال ويرجعه سالماً من الحرب، حتى تطأ خطواته عتبة الدار فتهرع الى فتح الباب وهي تطلق الهلاهل الممزوجة مع دموع الفرح التي تذرفها إحتفاءاً بعودة وسلامة زوجها!!
وكانت في كل الليالي التي يغيب بها الرحال قسراً حين يكون محاصراً ما بين مداهمة الموت أو التشبث بالنجاة وهي تغرق وسادتها بالدموع وابتهالات الانتظار متحسسة الفراغ وغياب الجسد الذي ما زالت رائحته عالقة في ثنايا الغرفة والوسادة التي تثير بها لهفة الاشتياق والحنين.
فتشعر أن قلبها بات مبخرة درويش تحرق به تعاويذ "الحرمل" ومراد الامنيات.
جلس الرحال فوق الاريكة وفي أحضانه فرات وهو يهمس في روحها تراتيل العشق وأحلام المستقبل فهاج بهما الشوق وانعتاق الشهوة من شرنقة الجسد فتجرأت وأخذت بيده غنجاً وهي ترتدي فستان نومها الحريري الاحمر الذي يظهر مفاتن جسدها القمحي بتفاصيله الجنوبية فتسلقا السلالم صعوداً الى سطح الدار ودخلا تحت "الكلّة" المنصوبة تحت قبة السماء وما بين سكينة البساتين الغافية في أحضان الليل التي تقطعها بين الحين والأخر نقيق الضفادع أو نباح الكلاب في القرى البعيدة.
شعر الجندي العائد بتصالح مع جسده ومع الارض في هذة الليلة الإستثنائية المفتونة بضوء الاشتهاءات وهي تغتسل بشبقِ قمر آب الذي فتَقَ الشهوات المؤجلة.
أتقدت حرائق الرغبة في ثنايا الاجساد التي هام بها سعير الانتظارات الطويلة فتلاحمت في عناق غاب عنهما الزمان والمكان، بينما فضول القمر الذي كان يتلصص على الكلّة التي يهزها الجماع.
ثم نامت الزوجة سعيدة مطمئنة في أحضان زوجها وهي تأمل أن لا يغادرها الى الحرب والاقدار المجهولة مرة أخرى.
بعد سنوات من تأريخ القلق ورعب الموت ومصادرة الفرح والاحلام ومغامرات الهروب الفاشلة والسجون والمطاردات تنفس الرحال أخيراً الصعداء بعيداً عن أدران الحرب ونزيف الدماء واستغاثات الجنود وهلع المعارك في الحجابات الامامية والارض الحرام المواجهة للعدو مباشرة.
لم يتسنى للرحال النوم بعد ممارسة الحب مع زوجته حتى الهزيع الأخير من الليل بقيّ مستلقياً على ظهره وهو يراقب وسن النجوم ويشعر بحنين لصفاء السماء التي افتقدها طيلة سنوات الحرب ومصائر الاقدار .
وعلى حين غرة داهم الرحال نوبة قلق وشعور غريب بان الحرب لم تنتهي بعد وحدس بانها كانت مجرد هدنة أو إجازة أطول من المعتاد حتى تبدأ حرب أخرى ومع عدو آخر!!
لا سيما أن طاغية العراق الذي ابتلى به الوطن هذا السفاح المصاب بداء العظمة كان يغار من زعماء وقادة حروب بينما هو يسعى أن يكون مثلهم أولئك ألذين اشتهروا بمعارك خلدتها انتصاراتهم عبر التأريخ: مثل الملك البابلي "نبوخذ نصر أو صلاح الدين الايوبي أو ستالين" لكن خسارات الطاغية جعلت منه مسعوراً وأكثر قسوة مع شعبه.
وللديكتاتور أيضا كان الكثير من العبيد والخانعين وهم على استعداد أن يتحولوا الى وقود طيع قابل للاشتعال في أي حرب يبتغيها "القائد الضرورة"
كان الرحال في تلك الليلة يشعر بموار الأرض التي توشك أن تتفجر حممها في وقت ليس بالبعيد وهو يشم رائحة لعنة ونكبة أخرى في سماء الوطن ربما ستكون امتدادا لكوارث أخرى .
اللعنة.. كفى من هذه الهواجس والحدس التشاؤمي، أستمتع فقط بتراتيل الجسد العاري وعواء القمر فوق هضباته الناعسة.
حاول الرحال اقناع نفسه بالتفكير بطقوس الرغبات ومسرات الحياة ثم عانق جسد زوجته الدافئ محاولاً أن يغفوا بنوم وديع خالي من كوابيس الحروب والموت.
"يتبع"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير