الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا الاطلسية تنهزم والمحور الشرقي الجديد يتقدم

جورج حداد

2020 / 6 / 30
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعداد: جورج حداد*


خرجت الولايات المتحدة الاميركية من الحرب العالمية الثانية سليمة معافاة، لانه لم تنفجر قنبلة واحدة على اراضيها، بسبب بعدها الجغرافي عن ميادين القتال، لا بل ان تلك الحرب الرهيبة كانت "اكبر مشروع بيزنس مربح" لاميركا التي استفادت من الحرب اكثر من اي خطة اقتصادية يمكن تصورها. وبفضل الحرب العالمية الثانية تحولت الولايات المتحدة الاميركية الى اغنى واقوى دولة في العالم. في حين حلت الخسائر البشرية المريعة والدمار الهائل والجمود والانهيار الاقتصادي، بالغالبية الساحقة من دول العالم، ولا سيما الاتحاد السوفياتي السابق، وبمن فيها الدول الاستعمارية الاوروبية، المنهزمة والمنتصرة، ومستعمراتها السابقة الاسيوية والافريقية.
وهذا الوضع شجع اميركا على ان تطرح في نهاية الحرب فكرة "الرابطة الاطلسية" التي تجسدت في حلف شمالي الاطلسي (الناتو) الذي يربط اميركا واوروبا الغربية معا، كإطار يوحد ضفتي الاطلسي الشمالي من اميركا الى اوروبا الغربية، من اجل الوقوف ضد الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي السابق، كحد ادنى، والعمل لفرض الهيمنة الاميركية على العالم، كحد اقصى. ويمكن القول ان النصف الثاني من القرن العشرين يمثل "العصر الذهبي" للامبريالية الاميركية التي تمكنت خلاله من تحقيق ثلاثة اهداف كبرى على طريق الهيمنة الاحادية على العالم:
ـ1ـ بعد سقوط النظام الكولونيالي القديم والتحرر السياسي الشكلي للمستعمرات وشبه المستعمرات السابقة، عمدت الامبريالية الاميركية والغربية الى تأسيس "النيوكولونيالية"، واستبدال النير الاستعماري القديم بالنير الاميركي الجديد، عبر القروض و"المساعدات!!!" المالية والاقتصادية (بديلا عن جيوش الاحتلال المباشر) التي وضعت شعوب ودول المستعمرات السابقة تحت رحمة الامبريالية الاميركية والمؤسسات المالية الدولية الخاضعة لها والمتمثلة بالدرجة الاولى بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ـ2ـ نجحت الامبريالية الاميركية في تحويل اوروبا الغربية كلها الى منطقة نفوذ تابعة للولايات المتحدة الاميركية.
ـ3ـ واخيرا نجحت الامبريالية الاميركية في الاستبعاد (المؤقت تاريخيا) لخطر الشيوعية، بتقويض الاتحاد السوفياتي والمنظومة السوفياتية السابقين، بفضل الدور التخريبي الداخلي للطابور الخامس الموالي للغرب الذي كانت تمثله البيروقراطية السوفياتية، الستالينية والنيوستالينية، العميلة السرية ونصف السرية والعلنية، لليهودية العالمية.
ولكن بالرغم من هذه النجاحات الجيوستراتيجية الكبرى، فإن الامبريالية الاميركية فشلت فشلا ذريعا في فرض هيمنتها على العالم، و ـ بالضد من ذلك ـ تحولت الهيمنة الاميركية الى مشكلة العالم الاولى. ذلك ان الامبريالية الاميركية لم تستطع ان تفرض "سلامها الاميركي" وان تحقق “paxa Americana” على غرار “paxa romana” للامبراطورية الرومانية القديمة. بل ان جميع مشكلات العالم قد تفاقمت بظل الهيمنة القسرية الاميركية المؤقتة. ويكفي ان نشير الى الحروب المتنقلة والخطر البيئي والتلوث والاحتباس الحراري وذوبان الجليد القطبي وخطر الاعاصير والفيضانات والزلازل المتفاقمة التي تهدد الوجود البشري على الكرة الارضية. وخلال هذه الحقبة ـ وبفضل النظام المالي (الدولاري الورقي) الذي فرضته اميركا على العالم، تحولت الدولة الاميركية بذاتها الى دولة طفيلية تشكل عبئا على وجود المجتمع البشري بأسره. اذ ان الدولة الاميركية تحولت الى دولة ريعية ـ استهلاكية، يمثل الانتاج فيها اقل من 18% من الاقتصاد الاميركي، ويمثل الناتج القائم الاميركي اقل من 20% من الناتج القائم العالمي، في حين ان الاستهلاك الاميركي يمثل اكثر من 40% من الاستهلاك العالمي. وتغطي اميركا هذا الفارق المخيف بين انتاجها واستهلاكها بطباعة الدولارت الورقية التي لا تغطية ذهبية لها، اي ان اميركا تستهلك السلع التي تشتريها من جميع دول العالم مقابل قصاصات ورقية لا قيمة ولا اهمية ولا دور لها سوى تخريب الدورة الاقتصادية والانتاجية العالمية. وليس سرا ان الدولار الورقي يفقد قوته الشرائية باستمرار، وبالتالي تنخفض قيمة الاحتياطات المالية الدولارية لجميع دول العالم بنسبة انخفاض قيمة الدولار، وذلك لمصلحة اميركا وحدها. وهنا يكمن "سر" جميع الازمات والمشكلات الاقتصادية والمالية العالمية، التي تنشأ عن النظام المالي الدولاري لاميركا التي تحولت الى "بؤرة جرثومية" اقتصادية وسياسية وامنية وصحية، تقوم بتوليد وتصدير الازمات والمشكلات والافلاسات والتجويع والقلاقل والارهاب واخيرا الاوبئة الى جميع بلدان العالم بأسره.
وفي الاطار الستراتيجي، الاقتصادي والسياسي والعسكري، تجلى الفشل التاريخي الاميركي في مظاهر عديدة اهمها:
ـ1ـ ان البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة السابقة (بما فيها العالم العربي ـ الاسلامي واميركا اللاتينية) تحولت الى فضاء واسع للعداء للامبريالية الاميركية والغربية والصهيونية. وصار العداء لاميركا والصهيونية معيارا للوطنية والنزعة الاستقلالية في جميع بلدان العالم.
ـ2ـ ان بلدان اوروبا الغربية الخاضعة للنفوذ الاميركي والمنضوية في حلف شمالي الاطلسي (الناتو) اصبحت ترتعد من فكرة المواجهة العسكرية مع روسيا. ذلك ان حلف الناتو كله بقضه وقضيه اصبح يبدو كجرو صغير عاجز امام الدب الروسي الجبار. وفي هذه الاوضاع فإن دول اوروبا الغربية قاطبة اصبحت تتململ وتسعى للخروج من تحت ربقة الوصاية الاميركية من وراء الاطلسي، وتتطلع اكثر فأكثر نحو التعاون مع الشرق.
ـ3ـ بالرغم من شهر العسل، ماليا وتجاريا واستثماراتيا، الذي طبع العلاقات الاميركية ـ الصينية بعد زيارة كيسينجر ونيكسون للصين في مطلع السبعينات من القرن الماضي؛ وبالرغم من الحرب الظالمة التي فرضت على الشعبين الشقيقين الايراني والعراقي، قي ثمانينات القرن الماضي، تحت الشعار الاميركي حول "الاحتواء المزدوج" للبلدين؛ وبالرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة السوفياتية في تسعينات القرن الماضي... بالرغم من ذلك كله، فإن الامبريالية الاميركية ـ اليهودية حققت "نجاحا" منقطع النظير في استعداء الشعوب العظيمة وذات الحضارات العريقة، والثروات التي لا تنضب والقدرات الهائلة، لروسيا والصين وايران، ودفعتها دفعا للتقارب والتعاون العضوي فيما بينها، وتشكيل "المحور الشرقي الجديد"، الذي يقف الان كالطود الشامخ بوجه الغطرسة الاميركية، والذي اخذت تلتف حوله جميع الدول والقوى التحررية، الوطنية والتقدمية، في جميع انحاء العالم. وقد رأينا مؤخرا كيف ان ايران الثورة، المدعومة تماما من روسيا والصين، ارسلت حاملات النفط والسفن المحملة بالمواد الغذائية لكسر الحصار الاميركي على فينزويلا ومساعدة الشعب الفينزويلي المناضل، دون ان يجرؤ كلب اميركي على النباح بوجه القافلة الايرانية (طبعا باستثناء بعض كلاب اميركا اللبنانيين والعرب الذين هم "كاثوليكيون" اكثر من بابا الفاتيكان، ومستكلبون اكثر من الكلاب ذاتها).
طبعا ان الادارة الاميركية لم تقف مكتوفة الايدي. وقد شنت الحرب التجارية وسياسة الحصار والعقوبات المالية والاقتصادية ضد البروز التدريجي للمحور الشرقي الجديد. ولكن هذه السياسة الامبريالية ـ اليهودية الغبية هي سيف ذو حدين. ذلك ان تضييق الخناق "الدولاري" على روسيا والصين وايران والدول والشركات التي تتعامل معها، يؤدي في الوقت نفسه الى تقليص مساحة وحجم الاستخدام العالمي للدولار، وبالتالي تقويض دور الدولار بوصفه "عامود الخيمة" للنظام المالي الدولاري الاميركي. والمحصلة المنطقية لهذه السياسة الغبية هي ان اميركا امكنها ان تضايق روسيا والصين وايران جزئيا فقط، لان اقتصاد هذه الدول هو اقتصاد انتاجي، اما اميركا فهي تنتحر بيدها ذاتها لان اقتصادها هو اقتصاد طفيلي ريعي ـ استهلاكي.
وبمواجهة الخطة الشمال ـ اطلسية الفاشلة لاميركا، اطلقت روسيا، بمشاركة فعالة من قبل الصين ومعهما ايران، خطة "اوراسيا" الكبرى لتوحيد القارتين الاسيوية والاوروبية في "قارة واحدة" اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وامنيا وعسكريا، وبناء عليه اعادة رسم النظام العالمي بمجمله من جديد، بما يحفظ لجميع بلدان وشعوب العالم استقلالها وسيادتها وكرامتها الوطنية ومصالحها الوجودية، ويشرك الجميع في انقاذ الكرة الارضية من وباء النظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي، الامبريالي الاميركي ـ اليهودي، الذي اصبح يهدد وجود الحياة البشرية على الكوكب الارضي.
والخيار المصيري الوحيد امام المجتمع البشري اليوم هو: إما العولمة الامبريالية الاميركية ـ اليهودية والفناء (بالجوع والاوبئة والكوارث البيئية)، واما انتصار المحور الشرقي الجديد، الضمانة الاولى والوحيدة لاستمرار وجود الجنس البشري وتقدمه وازدهاره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا