الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف الوطني المصري السليم من ليبيا

جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)

2020 / 7 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لا أشك في أنني لم أكن الوحيد الذي فاجأه موقف الزميل والصديق عمرو حمزاوي المنشور على هذه الصفحات قبل أسبوع ونيف (بتاريخ 22/6/2020). والحال أن عمرو، تأكيداً للحكمة الشعبية القائلة إن «المكتوب يُعرف من عنوانه»، عَنونَ مقاله بمخاطبة جمهور أدرك أنه لن يشاطر رأيه، فجاء العنوان دفاعياً، يسأل: «هل تنقمون على مصر الدفاع عن حياة شعبها وأمنها؟». والمشكلة تبدأ حقاً من العنوان. فمن هي «مصر» هذه التي تهتم بالدفاع عن حياة شعبها وأمنها؟ هل أن حاكمها الناطق باسمها ممثلٌ شرعيٌ لشعبها؟ وحتى لو كان ممثلاً منتخباً بصورة شرعية (وهو ما أشك في أن عمرو يقرّ به)، هل يجوز للمتنورين أن يعتبروا حاكماً، أياً كان، ممثلاً لشعب بلده في كل ما يقوم به؟ فعلى سبيل المثال، هل يمثل دونالد ترامب «الشعب» الأمريكي، وهل يمثل إيمانويل ماكرون «الشعب» الفرنسي وهناك قسم عظيم من شعبيهما يعارضهما؟
أوَليس تاريخ نضال الأوروبيين الطويل من أجل الديمقراطية والسلام حافلاً بالتصدّي لحكام خاضوا مغامرات عسكرية كارثية بحجة الدفاع عن «الأمن القومي» بتفسيرهم الخاص لهذا الأمن؟ فكيف بنصير معروف للديمقراطية كعمرو حمزاوي يتحوّل بين ليلة وضحاها إلى داعية لما أسماه «الاصطفاف الوطني»، يا تُرى؟ وحتى لو اقترنت دعوته إلى ذلك «الاصطفاف» (وهو تعبير ذو نكهة عسكرية تليق بمن دعا عمرو المصريين إلى الاصطفاف وراءه، ألا وهو عبد الفتّاح السيسي) بتأكيده على أن ذلك الاصطفاف «لا يعني أن تصمت المعارضة عن الأمور الاقتصادية والاجتماعية الهامة ولا أن تتجاهل قضايا الحريات»، فإن العذر هنا يكاد يكون أقبح من الذنب: هل يمكن لحكم يطعن بمصالح شعبه الاقتصادية والاجتماعية ويحرمه من الحريات أن يكون ممثلاً لمصلحة الشعب «الوطنية» أو «القومية»؟
طبعاً، هذا لا يعني أن المواقف التي عبّر عنها عمرو خاطئة بالضرورة لمجرّد أنها وُضعت في إطار باطل، إطار «الشوفينية» التي يلخّصها الشعار الإنكليزي القائل: «وطني، سواء كان على صواب أم خطأ». فحتى لو نحّينا مقولة «الاصطفاف الوطني» كمبدأ ظلامي يجعل الناس تصطف وراء حكامها على جانبي الحدود، بينما الموقف النيّر يقتضي دعوة الناس على جانبي الحدود إلى الاصطفاف وراء الحق والعدل مهما كان الطرف الذي يمثلهما (وغالباً ما لا يمثلهما أي طرف بعينه)، يبقى أنه لا بدّ لنا من النظر إلى مواضع النزاع من منظور الحق والعدل في كل حالة عينية. فحتى في ذلك الصدد، أخطأ عمرو بجمعه بين قضيتين لا علاقة بينهما سوى منطق الاصطفاف وراء حكم السيسي: قضية السد الذي تبنيه الحكومة الإثيوبية على النيل الأزرق وقضية النزاع في ليبيا. ولن نرتكب هنا الخطأ ذاته، بل سنقصر مناقشتنا على المسألة الليبية.

بادئ ذي بدء، كيف بنا نأخذ مأخذ الجدّ ادّعاء عبد الفتاح السيسي وقوفه إلى جانب «السلطة الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي» وهو الذي أسقط بانقلاب عسكري الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطياً من الشعب المصري؟ وأي شرعية يحوز عليها «مجلس النواب» المقيم في طبرق، الذي لم يشارك في انتخابه في عام 2014 سوى 18 بالمئة من الناخبين الليبيين، أي أقل من الخُمس؟ أوَليست الحكومة الليبية الشرعية الوحيدة المعترف بها دولياً حكومة فايز السراج، وقد نشأت عن اتفاق الصخيرات الذي وافق عليه ممثلو طرفي النزاع الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة في نهاية عام 2015؟ أوَليس خليفة حفتر رديفاً للسيسي أراد تقليده بإجراء انقلاب عسكري على الحكومة المعترف بها دولياً، وهو يمثّل النهج «السيسوي» في ليبيا، نهج القضاء بالعنف على «الإخوان المسلمين» وإرساء حكم عسكري؟
وألم يتدخّل الحكم المصري عسكرياً في النزاع الليبي الراهن منذ التهابه في عام 2014، بتقديمه التدريب والتسليح لقوات حفتر إضافة إلى الدعم الجوّي الذي تشاركت فيه القاهرة مع أبو ظبي؟ أوَليس التدخل الخارجي الأول والأهم في النزاع الليبي الراهن هو تدخل القاهرة وأبو ظبي، ناهيكم من الجنود الذين أتت بهم أبو ظبي من السودان بواسطة مزوّدها بالمرتزقة المحلّيين، محمد حمدان دقلو؟ وألم ينضَف إلى هذه القوات دعمٌ روسي، اتخذ شكل إرسال مرتزقة روس بتمويل إماراتي ودعم لوجستي بوتيني، ومن ثم دعم فرنسي؟ طبعاً، يعلم الجميع أن الحكم التركي تدخّل بدوره، لاسيما بإرساله مرتزقة سوريين وطائرات مسيّرة. وقد فعل ذلك علناً، وليس بغير اعتراف بتدخله على غرار القاهرة وأبو ظبي وموسكو وباريس. كما لا شك في أن الحكم التركي بتدخله يسعى هو أيضاً وراء مصالحه مثلما يسعى الحكم المصري وراء مصالحه، ومثلهما الحكمان الروسي والفرنسي وهلمّ جرّا.
فما هو الموقف الوطني المصري السليم من النزاع الليبي؟ لا الموقف النابع تلقائياً من «الاصطفاف الوطني»، بل الموقف المستند إلى الإدراك النقدي لما تقتضيه المصلحة الوطنية المصرية الحقيقية، ألا وهو إحلال السلام في لبيبا لما يربط هذا البلد بمصر من مصلحة اقتصادية وتلازم أمني. فبعد أن دعم حكم السيسي خليفة حفتر دعماً كاملاً في محاولته التقدم نحو الغرب والاستيلاء على طرابلس، تلك المحاولة التي قضت على المساعي السلمية التي بذلتها الأمم المتحدة (أنظر مقالي «مهمة مستحيلة: الأمم المتحدة والملف الليبي»، بتاريخ 3/3/2020)، ها هو السيسي يقوم بما زعم أنه «مبادرة سلام»، مصحوبة بالتهديد والوعيد، بعدما اندحرت قوات رديفه حفتر إثر التدخّل التركي. فيا له من موقف بائس، وكم هو مختلفٌ عن موقف جارتي ليبيا إلى الغرب، الجزائر وتونس، اللتين التزمتا في النزاع الليبي موقف الحياد ودعمتا مساعي السلام الدولية! فلا بدّ للموقف الوطني المصري السليم أن يقوم على الأساس ذاته، فيدين السياسة الخرقاء التي لا زال السيسي يتّبعها إزاء ليبيا منذ عام 2014 وقد باءت بالفشل، ويدعو إلى دعم مساعي السلام الدولية ونبذ التدخلات الخارجية الجارية، كافة بلا أي استثناء. هذا هو الموقف الوحيد الذي ينسجم مع المصلحة الوطنية المصرية الحقيقية والمصلحة القومية العربية والمصلحة الدولية والإنسانية، وأي فهم لأي من هذه المصالح يتعارض مع إحداها الأخرى، إنما هو موقف خاطئ بالضرورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة