الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من شظايا الحجر الصحي النفسية والاجتماعية

عائشة التاج

2020 / 7 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعض الشظايا النفسية و الاجتماعية
للحجر "الصحي "

من منا لم يفرح بإعلان حرية الخروج والتجول وحتى السفر بين المدن المصنفة في المنطقة1 ، المنزوعة الوباء أو على الأقل ذات الإصابات الأكثر انخفاضا ,؟ّ
قد يكون الوباء رحل نسبيا من مدينتنا ،لكن ألغاما كثيرة تم بثها في ثنايا الأزقة والشوارع و حتى النفوس .
نحن فعلا نحاول إخراج رؤوسنا من حميم معركة حامية الوطيس ...نطل من بوابة سرعان ما تنغلق فوق رؤوسنا لتعيدنا إلى "منطقة الأمان " وفق البرمجة الأمنية و الإعلامية كما خطط لها القائمون على شؤون الجائحة بمراتبهم الدولية والوطنية او العابرة للقارات .
هل نعد خسائرنا الآن أم ننتظر انتهاء المعركة التي يبدو أنها تزداد شراسة على خط النار الطبي بازدياد عدد المصابين مع ازدياد نسبة التحاليل واكتشاف المزيد من المصابين وكذا البؤر الصناعية والفلاحية العصية على المراقبة والاحتواء الأمني والوقائي .
الخسارات ليست فقط في معركة الصحة والأجساد والأرواح المرتبطة مباشرة بالوباء .
ترتبط الخسارات أيضا بالحجر الصحي في حد ذاته وليس بالوباء .
ازداد الفقر والتفقير مع البطالة وفقدان الوظائف وإغلاق المحلات التجارية والخدماتية لمدة 3 أشهر .
ارتفعت نسب الانتحار والطلاق والعنف والجريمة والنصب والنهب والاحتيال والتسول والاصطدامات والتوترات والخصامات .
ارتفعن نسب الامراض النفسية كالاكتئاب و الرهاب والوسواس القهري والتوحد
ازداد التنافر بين الناس والتوجس والشك والريبة حتى في المعاملات السطحية والعابرة ,
ازدادت بعض الأمراض الفيزيقية كالسمنة وارتفاع الضغط والسكري والشرايين والقلب وأمراض العيون و ربما التهاب الأمعاء والمعدة واالقولون ,,,,,
ازداد الضغط على العاملين في الإدارات والمستشفيات والشركات والأبناك ووجدوا أنفسهم أمام ركام من الملفات والاحتياجات العالقة .
لن أتكلم هنا عن المهن الأمنية فهؤلاء هم دائما في الواجهة وكل المشاكل والمستجدات يقحمون فيها بشكل دائم ولقد أدوا بالتأكيد ثمن تنفيذ إجراءات الجائحة ومشتقاتها بمهام إضافية وربما مستجدة تتماشى مع تسمية الفيروس المستجد .
ازداد الضغط على الأمهات وربات البيوت اللواتي وجدن أنفسهن وجها لوجه مع مهام إضافية كانت تقوم بها المدرسة وروض الأطفال بالنسبة للأطفال ، والعمل والمقهى والحزب والمسجد وووو بالنسبة للأزواج ,ويا لها من مهمة معقدة التدبير ، فتسيير الأمزجة والرغبات المتنافرة في أغلب الأحيان ليس بالأمر الهين .
وإن كانت من الموظفات في التعليم أو مسؤولة ما فهي مطالبة أيضا بالعمل عن بعد ،والاجتماع عن بعد ,,وتدبير الاحتياجات الغذائية والنفسية لأعضاء الاسرة كلهم ,الخ .
وطبعا ازداد الضغط على الحكومة ومندوبيها في كل مكان بازدياد المشاكل والشكاوي والمطالب وحتى الاحتجاجات ,,,,,

مشاكل وكوارث مستجدة لفيروس مستجد .
إذ و ترتفع حدة الغضب والاوجاع والأحزان والآلام بارتفاع المشاكل والكوارث المستجدة .
وبعد اطباء الاوبئة ياتي الآن دور أطباء النفوس ,والأرواح إن وجدوا
,لديكم الآن ما يكفي لملإ أجندة السنوات القادمة من طوابير الزبناء ضمن القادرين على الدفع ،أما الآخرون فالدجالون والعرافون والعشابون في انتظارهم أيضا ,,,,أو فلتهييء الحكومات لبعضهم مزيدا من الأسرة في المارستانات والسجون إن كان في حوزتها ميزانية لذلك ,,,,

الداخل مقابل الخارج : التنافر المبرمج .

صوروا لنا "الخارج " مرتعا للوباء ,,,,,,للشر القادم من كل عناصره أرضا وهواء وأشياء وبشرا .
بهذا الخارج تنتصب الكثير من علامات التنفير والطرد و الإقصاء
سياجات ومتاريس وشعارات تحذيرية ملصقة بزجاج المحلات والصيدليات والإدارات .
أليات كثيرة ، تصدك ،تكبحك ،تخيفك ،تذكرك كي تنتج سلوكات قد لا تتماشى مع قناعاتك السابقة حتى وإن كنت تصر على الاحتفاظ على مسافة مع ما يتم التحريض عليه
ذلك أن مقاومة الافراد لقد لا تصمد كثيرا امام ترسانات اجهزة عابرة للقارات وان حاولوا فقد لا ينجحون دائما إلا في الأوساط المنفلتة من تأثيرات زخم الإعلام الماكر ,
كل وسائط التواصل معبأة لتذكيرك بها بما فيها غير الرسمية بالوصايبا العشر لمنظمة الصحة التي تراجعت عن بعضها لاحقا لكنها بقيت عالقة في بعض الأذهان ,فكيف لا تتسرب إلى لا شعورك وتحتل ركحا واسعا ضمن "قناعاتك المستجدة "
هل كان الحجر الصحي ضروريا بالفعل ؟؟؟
بعد أن فعل فعلاته ،تعترف منظمة الصحة بأنه لم يكن ضروريا لغير المصابين.

"التباعد الاجتماعي" شعار ملغوم بدون منازع .
شعار لا يمكن لأي سسيولوجي يحترم نفسه ،أو خبراء النسيج الاجتماعي بأنواعهم أن يتبنونه بشكله المعلب وفق توصيات منظمة الصحة العالمية ،بدون تمحيص او تحفظات وتكييفات حسب السياقات ,,,,
يبدو لي أن هذا الشعار ، الذي فكك أوصال المجتمع وفرض "العزل الاجتماعي
ما بين الداخل والخارج ،ما بين الأحباب والأهل والجيران والرفاق والأصدقاء
لم يمر ولن يمر بدون "تداعيات خطيرة " على العلاقات البينية ذات الطابع الإنساني والعلائقي ,,,,التي قد لا تقل خطورة عن الوباء نفسه .

كانت للحجر الصحي تداعيات خطيرة على الاقتصاد والتجارة الدولية والمحلية مما ساهم في بطالة وتفقير جحافل واسعة من البشر داخل البلدان التي تبنته بطريقة آلية ودون دراسة أو تمحيص ,,,لم تسمح بهما شروط المفاجأة ,
و أفضى الحجر الصحي أيضا لتداعيات نفسية واجتماعية لا تقل خطورة عن الفيروس نفسه,,,
لم نخرج بعد من معركتنا ضد الوباء ،فلنعد ضحايانا وخساراتنا الكثيرة والمتنوعة والتي لا يمكن أن تختزل في أرقام باردة يقدمها لنا مندوبو وزارة الصحة حول المصابين والمتعافين والموتى والنسب المرتبطة بهذه الخانات .
ولعل أبسط الخسارات ،أن يخسر كل فرد منا سلاسة تعامله مع غيره ومع الفضاء الخارجي ,,,,,
شخصيا ، أشعر بحبال جد وثيقة تشدني للبيت ، 4 أشهر بزمنها الموصول نهار مساء إلا من ثقوب قليلة ، كانت كافية لتثبيت نفسي على أوتاد البيت بمختلف مرافقه ،ولأنسج مع كل أركان البيت علاقة جد حميمية .
ويبدو أنها علاقة تملكية بالغة الشراسة ، علاقة تشبه علاقات الحب القوية جدا
التي تصل حد الانصهار و الذوبان .
هل اندمجت كينونتي الجسدية و الطاقية والنفسية مع اسمنت الجدران ، وكل أشياء البيت وتفاصيله الدقيقة التي بت أراها يوميا وخلقت لنفسها مسكنا داخل "ذاتي " ؟؟؟؟
تلك الصورة الخارجية للعالم الخارجي تقلصت إلى أقل مسافة ممكنة ، وكم كانت فرحتي كبيرة لما عثرت بالصدفة على قناة على اليوتوب تصحبك لجولات بصرية في المدينة : طفت مع أصحابها في شوارع الرباط وطنجة والبيضاء ,, ،
هذه هي المدن التي لي معها ذاكرة وجدانية وحرصت على إعادة ربط الاتصال معها كي لا أشعر بالانفصال المجالي عن فضاءات لي معها روابط جد حميمة , مثلما تذكرت الكثير من اصدقائي وصديقاتي وحرصت على التواصل معهم اثناء الحجر وتجديد صلة الوصل . إنه شكل من أشكال المقاومة ,
كما حرصت على متابعة برامج وثائقية تعرض مناظر بلدان أخرى وحياتها الاجتماعية ،كي لا أفقد الاتصال بالعالم ,,,,,فالأخبار غير كافية لتوطد انتماءك للعالم ولربما كانت وظيفتها عكسية فهي تؤجج الخوف والكآبة ومن المستحسن أن تستهلك بكثير من الاعتدال والتوجس أيضا , فليست كلها ذات مصداقية وبالتالي فتنويع المصادر ضروري جدا جدا لمزيد من الفهم ،
ومع ذلك يكون التشوش سيد الموقف ويطال كبار المسؤولين أيضا الذين يتخذون قرارات مرتبكة قد تتناقض ما بين الفينة والأخرى ...,إنه فيروس مستجد وليست هناك مرجعية معتمدة للتعامل معه بشكل حاسم ،الكل مستجد حتى الأبحاث والتجارب والدراسات .
كنت كل يوم أتذكر العالقين خارج الوطن وأحاول تخيل معاناتهم بعد أن حكم عليهم غلق الحدود بالتشرد بكل مراتبه ودرجاته حسب أوضاع كل فرد منهم,
هناك أيضا "عالقون داخل الوطن " تنكر لهم الوطن رغم سهولة ألحاقهم بذويهم
وثبت لهم وصم تهمة حمل الفيروس بشكل قبلي وبات البعض يحذر من دخولهم لهذه المدينة او تلك وينصب نفسه وصيا على حماية المجال من الوافدين فكل وافد متهم بالمرض والعمل على انتشاره,
يتمطط مفهوما الداخل والخارج ويتمطط معهما عامل التنافر بل الاقصاء
الذي احتل النفوس وتسرب عبر الثقوب النفسية للأجساد,
هل رفع الحجر فعلا ؟
رفع الحجر ببلاغ رسمي ، لكنه لا زال يحتل الكثير من الاجساد التي لم تعد تتملك سلاسة الحركة في مجال تتخلله الكثير من الحصارات والسياجات الواضحة والمخفية .
لم يعد الجسد يحمل صاحبه او صاحبته أبعد مما كان يسمح بارتياده اثناء فترة الحجر إلا قليلا قليلا .
الأمر يعني على الأقل تلك الفئات الطيعة التي نفذت إجراءات الحجر بحذافيرها أو التي لم تكن لها رخص للخروج أو تطبق بالفعل نصيحة الخروج الضروري جدا جدا ككل مواطن "صالح " حسب توجيهات الحكومة وتوصيات منظمة الصحة العالمية ,,,,,,,,
قد يلزمهم مجهود كبير لتجاوز تلك البرمجة النفسية والمجالية التي استتبت في الأعماق ,,
ربما تداريب جديدة لإعادة التأقلم مع كل هذا الفضاء المستجد بكماماته المختلفة حتى" الترام" تكمم لمزيد من نشر ثقافة التكميم ....رسالة رمزية لمن يهمهم الامر
هناك أناس تخنقهم الكمامات لأسباب فزيولوجية او نفسية او حتى فكرية ,
سيجدون حتما صعوبة في التأقلم مع زمن ومكان مكممين وثقافة التكميم التي تم فرضها بالقوانين الزجرية والإجراءات التحسيسية ,,نعم لقد تم إنتاج قوانين موجبة لعقوبات سجنية أو ذرائع من أجل فرض الكمامة , وأضحت الكمامة رهانا تجاريا بل سياسيا أبعد بكثير من رهانات الوقاية الصحية في حد ذاتها .
مرحى لك أيها الحجر اللاصحي ، ،لقد نجحت حقا في تعليب جزء هام من البشرية داخل جيتوهات اسمنتية ، وفصلتها عن أغلب ارتباطاتها السابقة.
لقد نجحت حقا في تفكيكاتك المختلفة ، وجعلت الإبن لا يزور والديه ولا يصعد للبيت خوفا من أن يحمل لهم العدوى ,,,,
لقد جعلت الصديق لا يستقبل صديقه الحميم خوفا ورعبا وتوجسا ،وتكون أغلب الاتصالات هاتفية وغير مباشرة ,,,,لا زيارات فعلية بين الاحباب ,,,,,
صالونات بيوتنا ستزداد تحنيطا إذ لا زوار هناك ,,,,,رفع الحجر وقد يتم التلاقي لكن بعض السياجات تظل حاضرة ,,,, لا عناق هناك ولا ملامسة بالأيدي
عليك أن تعيد مشاعرك لعقالها وبسرعة كي لا تفلت منك حركاتك وأنت تلتقي أهلك وأحبابك ,,,,
فمرحى لمن خطط ونفذ وأطاع ,,,,,
هذا فيض بسيط من غيض سيعلن عن مآسيه بالجملة والتقسيط في القادم من الأيام
وداخل هذه الفراغات والتفاصيل تكمن العديد من الشياطين المجازية ,
فلتلعنونها في السر والعلانية لعلنا نستعيد إرادة العودة لحياتنا الطبيعية ,
ألهي ، كم تقلصت مطالبنا وحاجياتنا وأصبحت قزمية مثل هذه القيم القزمية
المسيطرة على الركح هنا والآن ,,,,قيم التوجس والتباعد والكمامات بألوان الطيف ,
عائشة التاج , عالمة اجتماع ,وخبيرة هندسة اجتماعية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر