الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل يتجاوز إطاره

محمد سمير عبد السلام

2006 / 7 / 1
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


لم يعد التفكير في العقل و العقلانية و ما ارتبط بهما من مفاهيم تدور كلها حول مركزية الإنسان المتحرر ، و قدرته على إنتاج عالم أفضل – قادرا على تحقيق أهدافه المعرفية الأولى ، بل إنه اتجه من داخله إلى مساءلة آلياته الخاصة حتى انكسرت أسواره في اتجاه يعرف اليوم بالأدائية أو التفاعلية المفتوحة بين الثقافات و العلوم و الآداب دون مركز أو نقطة بدء واضحة .
لقد وضعت العقلانية في تعارض جذري مع النزعة الماضوية في التفكير ، تلك التي ترجع إلى التراث و إغلاق حدود التراث في الوقت نفسه ؛ نظرا لقداسة الزمن الماضي بحد ذاته ، بل كثيرا ما نجد في حياتنا اليومية تواتر الأحاديث حول أفضلية الماضي و الحزن المفرط على انقضائه ، و يضرب د / جابر عصفور مثالا على ذلك من ثقافتنا العربية حينما رفض طه حسين موجة العبث التي سادت في الأدب العالمي أول الأمر ثم قبلها عندما وجد لها أصولا عند أبي العلاء المعري ( راجع / د / جابر عصفور / محنة التنوير / هيئة الكتاب ط 2 / 1993 / ص 18 و 19 ) و قد شاهدت لقاء تلفزيونيا مع الدكتور طه حسين ينتصر فيه لسارتر لكونه ملتزما ، في مقابل ألبير كامو الذي لا يحدد موضوعا للكتابة ، و لكن لهذه العودة التي قام بها رواد التنوير أثرا ملحوظا في إعادة تأويل الثقافة العربية ، و الكشف عن تنوع مشاربها و قدرتها على الحوار مع الآخر بغض النظر عن نقطة البدء في تلك العلاقة ، فالبحث عن أصل في علاقات التأثير و التأثر لم يعد ذا أهمية ، فوفق هارولد بلوم لا ينفصل الإبداع عن عمليات القراءة ، بل إنها تشكله في علاقة ملتبسة ، لا تقوم على خطية الزمن أبدا ، لقد أعاد طه حسين – في مواضع أخرى – اكتشاف التراث بالشك ، و التأويل لأحاديث الرواة حول مجنون ليلى و جميل بثينة و غيرهما ؛ فيما يتعلق بنوع العلاقة العذرية نفسها .
و قد وجدت ضمن بحثي حول القراءة المنتجة للنص مواضع عند عبد القاهر الجرجاني يكمل فيها بعض أبيات لابن المعتز ، تجمع بين الشرح و إعادة الإنتاج دون أن يشكل ما رأيت لديه أصلا للقياس ، و لكنه التفاعل المفتوح دون حدود أو أصول حتى للعقل نفسه .
أما الدكتور عاطف العراقي ، فيرى أن قراءة ابن رشد لأرسطو تمثل تيارا عقلانيا في الثقافة العربية كان بمثابة بؤرة للتقدم في الغرب في مواجهة لغة الغزالي اللاعقلية . ( راجع / العراقي / حقيقة مذهب ابن رشد من منظور الفلسفة العربية / مجلة القاهرة عن هيئة الكتاب / عدد 141 عام 1994 ص 136 ) و أتفق مع ما ذكره الدكتور العراقي ، فيما يخص شرارة البدء بتلك العقلانية التي فجرت الآن مفهوم العقل نفسه في اتجاه الأداء performance و إعادة الإنتاج المستمرة دون حدود .
هكذا بدأت مساءلات العقل التي طرحها كانط في نقده للعقل الخالص و العقل العملي في التجاوز الذاتي ، و الاستبدال دون نظرية ثابتة يصفها كارل بوبر بالإطار المضاد للتنامي العقلاني للسؤال دون نهاية ، و لكن إعادة قراءة كانط أنتجت تصورا لما بعد الحداثة عند ليوتار في كتابه الحماسة أو النقد الكانطي للتاريخ حيث تتجاوز المعرفة مركزية العقل في اتجاه العنصر الحدسي / غير القابل للقياس ، أو التقديم للعقل . هكذا تواترت المساءلات و الشكوك لتنتج ممارسات مضادة لمركزية الإنسان المتحرر الأولى ، و تفجرها في اتجاه اللايقين الإنساني المصاحب للوعي و ما فيه من زيف ، فالمطالع للعلوم المعاصرة سوف يلاحظ التداخل الطبيعي للحقول و تفاعلها مع ألعاب اللغة كما يسميها ليوتار language games ، و الأداء الثقافي المتجدد للماضي بوصفه مستقبلا ، فتشارلز دوكنز مثلا يجمع بين إمكانات البرمجة اللانهائية و قدرتها على توليد الممكن / الخفي و عمليات الانتخاب الطبيعي في صورتها المعاصرة ، و يصف سام تريمان فيما يخص الجسيمات دون النووية – الكوارك quark باستحالة ظهوره منفردا أي يلتبس بين الحقيقة و التصور الرياضي ، كما يسمي بالفاتن و القاع و القمة ، و يعلق د / أحمد فؤاد على الكوارك بأنه استخدم من رواية يقظة فنيجان لجيمس جويس و لم يكن يعني شيئا . ( راجع / سام تريمان / من الذرة إلى الكوارك / ت / أحمد فؤاد باشا / المجلس الوطني للثقافة بالكويت 2006 ) التحدي للموضوعية هنا أنتج المجاز الأدبي ضمن الحدود الخاصة للعلم فذاب في المخيل الذي التبس بالحضور الواقعي فتخلى عن أدبيته الأولى .
لقد تحطمت آليات إصدار الأحكام النهائية فيما يخص الأجسام الصغيرة ، و الموجات ثم تواتر الشك في قدرة الوعي على الوصف بحد ذاته فانفجرت الحدود بين الظواهر و التأويلات و ألعاب اللغة دون حدود ، فالذات التي جمعت في بنيتها التناقضات في الحداثة المتأخرة ، انفرطت دون بنية فيما بعد الحداثة فكشفت زيف مركزيتها الأولى .
فضلا عن ممارسات التفكيك deconstruction لدى ديريدا في ممارستها لحركة الاختلاف و اللعب ضمن طيفية المدلول العلمي أو الثقافي أو الطبيعي ، مثلما خرجت الحقيقة و الصورة الفنية كلتيهما من حدودهما عند بودريار في اتجاه فراغ أو ممارسة تفاعلية مفتوحة ، و أرى أن الأداء المعاصر غير المعني بمناطق الربط بمختلف أنواعها كان ثمرة للعقل في مساءلاته التي كشفت عن اللاوعي لدى فرويد و مساءلة التنوير لدى مدرسة فرانكفورت ، و التأويل المحض خارج الذات و الوعي لدي ريكور و التفاعل غير المحدود بين المحلي و العالمي عند إيهاب حسن ، و مازالت الحقبة الراهنة تعد بأشكال تأويلية لم يكن العقل يتوقعها من قبل .
محمد سمير عبد السلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبز يعيد بارقة الأمل الى سكان غزة | الأخبار


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس




.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق


.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي




.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع