الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشفرة وأم كريمة

علي دريوسي

2020 / 7 / 3
الادب والفن


المشرط

قبل تعرُّفي على السِّيجارة اِستعملت طريقة الشفرة والمِشْرَط كي أُخشِّن من جسدي ليصير أكثر رجولة، كنت أحفّ بشفرة الحلاقة سطوح أظافر يديّ وقدميّ حتى تصير مُخرّشة قاسية عنيفة، أما جسمي فقد جرَّحته بالمِشْرَط وتركت فيه علامات لا تُمحى، شطّبت ذراعيّ العلويين وساعديّ، ظهر يدي، بطني وصدري من جهة القلب، كان الدم ينز من أنحاء جسدي وأنا أرقب تلك النوافير بحبور وتشف، لم أسعَ إلى تطبيب جروحي أو تطهيرها، كنت أتلذّذ بالدَّم النازّ وبتفتق الأنسجة وتفسُّخ الجلد.
لم أكتفِ بهذا كله بل أبيت في تلك الأيام أن أزور عيادة طبية أو مستشفى للمعالجة فيما إذا اِنكسر إصبع يدي أو قدمي أو سناً من أسناني أو جُرحت شفتي خلال مشاجراتي العنيفة في الشوارع أو أثناء ممارستي لرياضة القتال الفردي.
كنت أفضّل أن تكون تفاصيل جسدي ملتوية مشوَّهة بشعة على أن تكون مستقيمة مستوية ومتناظرة وأنيقة.
كنت منذ طفولتي مؤمناً أنَّ جاذبية الإنسان تكمن في اللاتناظر واللاستقامة واللاأناقة.
ندمت لاحقاً لأنَّ الجروح والكسور أوجعتني، بقيت ترافقني حتى أضحت مع الأيام نَدَبات وتشوهات شاهدة على قبر مراهقتي.
**

رغبات أم كريمة

في ذلك الصباح الباكر حدث أن مرّت أم كريمة بأرضهما لتختصر الدرب الموصل إلى أرضها، لمحته تحت شجرة الزيتون قرب الكوخ الذي بناه في الأرض وقد تكوَّر فوق جسد زوجته جميلة التي طفقت تعوي من السعادة.
لم تشعر أم كريمة بنفسها إلا وقد اختبأت خلف جذع شجرة قريبة لتسترق النظر إليهما أو كي لا تجفل رغبتهما، نهض إبراهيم وشاهدته أم كريمة بأم عينها كيف هزّ غصنه بيده اليسرى، فولّت هاربة كأنَّها لم تر إلا سراباً يحسبه الظمآن ماءً، لمحها إبراهيم وضحك هَازّاً رأسه بمرح وانتشاء.
بعد أن وصلت أم كريمة إلى أرضها وخفّ اضطرابها قليلاً أخذت تمرش حبّات الزيتون بيديها وبالسرعة نفسها تضعها في حرجها وهي تُعيد ترتيب وتركيب المشهد الصباحي كما أراد لها عقلها أن تتصوَّره.
بعد حوالي الساعتين وصل زوجها وابنتها كريمة والأرامل الثلاث اللواتي يساعدن في جني المحصول مقابل حصولهن على بعض مؤونتهن من الزيت، انتهزت أم كريمة فرصة انشغال الجميع وصمتهم فأخذت تروي لهم ما شهدت، فقالت: مررت في غَبَش الصبح بأرض إبراهيم كالعادة والبطيخة على رأسي، رأيت الحَيّة، كانت جالسة مثل عروس تحت شجرة زيتون، لفّت جسمها الطويل الرشيق وشكّلته على هيئة حلقات كثيرة، وذكرها يقبع خلفها وفي رأسه الشامخ قرن يلمع ويتحرك في كل الاتجاهات...
حينها قاطعها الشيخ أبو كريمة قائلاً بقرف واشمئزاز: ما هذا الحديث الفارغ، كلمة من الشرق وكلمة من الغرب، وأنت تظنين أنك تحكين شيئاً مهماً وتسلين به من هم حولك، اغلقي فمك يا بلهاء ودعينا نعمل.
اِحمرّ خدَّا المسكينة أم كريمة وقالت بحنق: وحق المنتقم الجبَّار والشيخ قليعة بالوديان لو صار قرنه بثخانة جذع الشجرة لا طمع لي به، أحبّبت أن أسلّيكم وأقصّ عليكم ما رأت عينايّ لا أقل ولا أكثر.
**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض