الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعياتُ يــومٍ ماطـــر

يحيى علوان

2020 / 7 / 4
الادب والفن


مَلَلْتُ الحَجْرَ المنزلي بسبب الكورونا .. ما أنْ تَلَحْلَحتِ القيود ، بعد عدة شهور، وسُمحَ لمحلات الحلاقة والمقاهي
وبعض المطاعم الصغيرة بمعاودة عملها وفق ضوابط صحية ،
خرجتُ مثل طائرٍ فَرَّ من قَفَصه ، إلى مقهى أتردُّد عليه مع شلّةٍ من الأصدقاء ، أحياناً .
النهارُ في برلينَ مُتردّدٌ ، لا يعرف كيف يحسم أمره ، أيكونُ صحواً ، أم ... !
تُطلُّ الشمس تارةً ، وأخرى تتوارى خلف طبقة سميكةٍ من الغيم تُهرولُ نحو الشرق .
شَمَمتُ في الهواء رائحةَ مطر ، لمْ تثنيني عن الخروج .
............................
جلستُ إلى طاولة صغيرةٍ في المقهى ، عند شباك زجاجيٍ كبير أمام مدخل متنزه فريدريش هاين .
بدأ المطرُ حُبَيباتٍ .. لم تلبَثْ أنْ تزايدَت نَثيثاً . بعدَها صارت مِزنَةً ، فعاصفةً راحت تَجلِدُ زجاجَ الشبابيك ،
مصحوبة بقصف رعدٍ مخيف ...
وئيداً أحرّكُ الملعقة في قدحِ الشاي ، لاهياً أرقب المطرَ ينهمرُ بخيوطٍ كثيفةٍ متصلة .
إختنقَتْ فتحات الصرف في الشارع ، كأنَّ سيلاً عارماً إجتاحَ الشارعَ ...
قفزَتْ إلى خاطري قصيدة السياب " إنشودة المطر " ، لاسيما :
[ .. أَتعلمينَ أَيَّ حزنٍ يبعثُ المطرْ ..؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا إنهمَرْ ؟
وكيفَ يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع ؟ ]
.........................
المشهدُ ، لوحده ، وما إستدعاه "مطر السياب " يُغني عن وصفِ الفرقِ بين السرابِ والمطر !!
* * *
مَنْ أَنا ..؟!
أنا واحدٌ من أولئكَ المَطحونينَ بين رحى الغربة والوطنْ ...
أنا مَنْ نهبوا وطنَه وتأريخَه ، حوَّلوه ساحاتٍ يرقُصُ فيها الردّاحونَ والمُنَوّمون بالغيب والخرافة،
إلى جانبِ قِطعانٍ من ميليشياتِ القَتَلَة المُنفَلِتة من كل عِقال ...
صَيَّروه نُكتةً للغادي والآتي ... وحكايا خُرافاتٍ ...
.....................
كمْ من مرةٍ قُلنا " نموتُ ولن يمرّوا "...
ها همْ ... !!
مُتْنَا ومَرّوا ! .. بلْ مَرّروهم !!
أكنّا نتبعُ حُلُماً كي نراه ، ويتبعنا كي يرانا ...؟
أما كانَ في وُسعنا أنْ نُغافِلَ أعمارنا ونُربّي أيامنا قليلاً ، لنَستشرِفَ ما سيأتي ؟!
كُنّا نغنّي كي نُلهي المسافةَ عنّا ، علَّنا نضفرُ بعزيمة جديدةٍ لنواصلَ المسير !
آهٍ من أرجُلٍ بَرَتِ الحجارةَ وقطَّعَتْها دروبٌ أوصلَتنا إلى أكثر من بيتٍ ، إلاّ بيتنا !!
* * *
منذُ ماتَ محمدٌ إبنُ عبد الله ، إنفَرطَ "الصَحبُ" ...
دُقَّتْ طبولُ الحربِ ، وإشتعلَ التناحرُ على السلطة ،
حربٌ سياسية / مَصلحيّة بإمتياز !! لا علاقةَ لها بالإيمان والمقدّسات كما يزعمون ..
سالَت فيها ، ولمّا تزل إلى اليوم ، أنهارٌ من الدماء ... وما من حكيمٍ أوقَفَ الفِتنَة / المَقْتَلَة !
.............................
ما شأننا نحن الآنَ ، بعد 1368 سنة ، بتلك اللعنة .. ؟!
أنكونُ جئنا إلى الحياةِ خطأً ، لنكونَ أضاحي لهذا الخَبَل ؟!!
ما شأنُ أطفالنا وزوجاتنا بسلالة الجنون والمجون ؟!
حروبٌ تتناسل حتى الساعة ، ليس لنا فيها ناقة ولا جَمَلْ ؟!!
تَجوعُ الناسُ وتَعرى ، وما فَتىءَ البرابرةُ يقرعون طبولَ الموتِ ،
ما شأنُ مئات الآلاف من القتلى ، من "الجزيرة" حتى خراسان وما بعدَ خراسان ؟!!
* * *
إذا كُنّا نَقيسُ المدى بمنقار لَقْلَقٍ ، وغمزةَ الحبيبِ بشفرةِ وردة ...
فما بالُنا نعجزُ عن توصيفِ مَنْ يَفتَدينا كي نحيا ؟!!
أَترحَمُنا البَسمَلَةُ والحوقَلَةُ حين نسألُ الليلَ حُلماً جميلاً ؟!
وهَلْ يمرَضُ الحلمُ كما يمرضُ الحالمون ؟!
رصاصٌ لئيمٌ أَفزَعَ الشهداءَ من ذكرياتٍ لمْ يُدونونها ...
أما كانَ من حقِّهم أنْ يزرعوا النعناعَ كي تَقلَّ رائحةُ الظُلمِ والظلام ؟!
ويناموا أَبعدَ من مدى "البَرنَوْ" في زمنٍ تحجَّرَ فيه الكلام ؟؟
.............................
أيها النائمونَ فينا ، مِنّا عليكم السلام !!
إذهبوا إلى النومِ ، سنصحو ونَحرسُ ذكرياتكم / أحلامكم من عَبَثِ مُتزلّفي الرثاء ..
ومن تُجّارِ الرِثاء الرَث ، "الرَوزَخونيّة"* !
ناموا قليلاً ، هذا المساء ... لنْ نُعاتِبُكم على طولِ الغياب ،
ناموا ، خبّأنا أسماءكم في شغاف القلب ،
لنْ تَكبروا أو تمرضوا وتشيخوا مثلنا ...
ناموا ، وكونوا نشيدَ الذي لا نشيدَ له ...
ناموا ، فمن حقِّكم أنْ تُصدِّقوا أحلامَكمْ ، وتُكذّبوا ما يُلفِّقونَه الآنَ من "وطن !"..
تُصبحونَ على وطن ، عَصيٍّ على التصدير إلى "الجوار" !!
وطنٍ يأبى التَفَتُّتَ كبَعْرِ الماشية !
تُصبحونَ على وطنٍ معافىً ، بلا خُرافاتٍ ... مليءٍ بشقائقِ النُعمان ، حلوٍ كأحلام الصغار ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الروزخون ، هو مُقريء في كتاب (روضة الشهداء) يستخدمه خطيب المنبر الشيعي حين يروي قصة مقتل الحسين بن علي.
والروزخون منحوتة من أصلٍ فارسي (روزة خوند) بتحويل الضاد زاياً في الفارسية ! وحُذفت الدال لتسهيل النطق بالعربية .
يرادُ بذلك باللهجة العراقية ودول الخليج إنتقادَ ترديد مقولاتٍ قديمة جرى تحنيطها خارجي سياقها الزمني لأسقاطها على كل
كل زمانٍ ومكان ...!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة